This site uses cookies for analytics and personalized content. By continuing to browse this site, you agree to this use.
We have updated our Privacy Notice, click here for more information Acknowledged


رسالة الرابطة الأسبوعية 15/08

لمن لايؤمن بالإحصاء ولايعمل به

الى السيدات والسادة المحترمين .. رؤساء ومسؤلي المبرات العراقية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

في هذه الرسالة نسعى لتبيان ضرورة الحاجة للبيانات الإحصائية المتعلقة بذوي الإحتياجات الخاصة من وجهة النظر الذاتية لأصحاب الشأن أنفسهم، واضعين انفسنا محلهم، لنعيش حالتهم، ونتكلم بلسانهم، لنرى الامور من زاويا مختلفة لنفس الموضوع، الذي تناولناه في رسائل الرابطة الثلاث الماضية، من وجهة النظر التخطيطية.

ولكي نعكس تلك الخلجات والمشاعر بأمانة، نقتبس نصاً من بعض ما ورد في هذا الشأن من حالات لأبناء جلدتنا على امتداد الوطن العربي، رغم ان اهتمامنا ينصب دوماً لخدمة أبناء بلدنا العراقي، لكن ولأن جذور المشكلة تمتد من الخليج الى المحيط، فالأفضل وضع الأمور في محلها، دعماً للقضية بمجملها في هذا الجزء العزيز علينا من العالم. ونتجنب ذكر أسماء الدول، لاننا نهدف الإصلاح وليس التشهير.

ينقل لنا أحد السادة المكفوفين معاناته وأترابه في بلده بمرارة بالغة( يعيش المكفوف في هذا البلد في ظلمات أربع : ظلام فقد البصر، وظلام الفقر، وظلام عدم تفهم المجتمع، ثم ظلام البطالة، والله وحده يعلم ما نعانيه.. وما يثير السخرية، هو ان ظلمة خامسة وسادسة وسابعة أضيفت إلى حياتنا بعد ان قررنا النضال المشروع ضد واقعنا، هي على سبيل المثال، ظلمة اعتداءات رجال الامن، والبعد عن الاهل والاحباب).

ينقل لنا ايضاً أحد المعاقين الناشطين( اطلعت بأم عيني على عائلات تخفي بعضاً من أبنائها المعاقين وتتبرأ منهم كأنهم مرض معد، وبعض المعاقين لايكادون يرون الشمس من فرط انطوائهم وعزلتم عن الناس، كما أن القرى النائية مليئة بالمعاقين دون أن تصل إليهم جمعية تؤطرهم او سلطة تحصيهم).

ونحب أن نؤكد ان هذه التصريحات ليست ضرباً من الخيال، وهو ما اكدته الاخبار الرسمية لإحدى  الدول العربية قبل أشهر قليلة، عن الأب الذي سجن أبنته المعاقة ذهنياً خمس سنوات متتالية عن العالم الخارجي، في غرفة لاتزيد مساحتها عن 4 أمتار. وهو حالياً يقضي جزاءه العادل نتيجة ما اقترفه بحق ما كان يفترض ان يكون فلذة كبده، مع تجريده من الولاية والوصاية عليها.

 ينقل أحد المسؤلين عن جمعيات المعاقين في أحدى الدول العربية(حتى الآن لم يتم إحصاء دقيق يبين العدد الحقيقي للمعاقين ، أما ما روج له من عملية هوية المعاق، فلم تظهر للوجود).

ينقل أحد الباحثين في علم الإجتماع عن ظاهرة الإنتحار الجماعي لدى المعاقين(ان محاولات هؤلاء المعاقين تعبيراً مباشراً عن السخط من لامبالاة المجتمع والمؤسسات الحكومية، حيث يفضلون الموت على عيشة الذل والهوان، وهم يدركون ويتفقون تماماً مع فتوى علماء المسلمين بتحريم الانتحار، لكنهم باتو يسمونه بالشكل النضالي الإستشهادي الأخير الذي يبقى امامهم، ويتساءلون بتهكم عن سبب سكوت الفقهاء على الإعتداءات الواقعة عليهم كمعاقين).

ينقل أحد المسؤلين عن المعاقين الحركيين في أحدى الدول العربية(إن المعاقين حركياً يعيشون ظروفاً صعبة مادياً وإجتماعياً ونفسياً، الامر الذي يضاعف سوداوية رؤيتهم للحياة. أول هذه المشاكل حرمانهم من الدراسة بسبب غياب التسهيلات الإنشائية اللازمة لحركتهم عبر الكراسي المتحركة في الأبنية، مثلاً الصعود والنزول، مما يخلق مشكلة نفسية حقيقية للتلميذ تضطره في نهاية المطاف الى ترك المدرسة سواء رغبت عائلته أم رفضت). ينبغي الإشارة انه متى ما ظهرت هذه المشكلة للوجود فإن ذلك يعود الى نقص في القوانين التشريعية التي تفرض على مختلف المؤسسات وضع الإعاقات في حسبانها في مراحل التخطيط والبناء، بالإضافة الى قصور في الجانب الهندسي يحسب على المصمم.

هذا هو غيض من فيض من واقع مرير يعيشه أصحاب الإحتياجات الخاصة في مجتمعنا العربي برمته، والسؤال  الذي يطرح نفسه بقوة، لماذا تنكر المجتمع لهذه الشريحة من أبنائه، لماذا هذا الغبن والإجحاف والإمعان في الظلم، ويا أسفاه حين يكون من ذوي القربى، حين يكون من الآباء، والامهات، والمجتمع، حتى باتت الصورة النمطية لذوي الإحتياجات هو ذلك الشخص المشرد، المتسول الذي يعتدي عليه اطفال الشارع ويرموه بالحجارة، وتطارده اجهزة الامن بتهمة التسول، وينبذه المجتمع برمته، لانه منحوس حسب الامثال الشعبية الشائعة في مجتمعنا من امثال(منقوص منحوس).

في الوقت الذي استعرضنا الواقع الاليم نؤكد انه واقع إجتماعي سلوكي دخيل، ليس له اساس في ديننا الحنيف، وما انزل على رسولنا رحمة الله للعالمين، عليه وعلى آله افضل الصلاة والتسليم، وبعيداً كل البعد عن سيرة السلف الصالح، فالقران الكريم فيه آيات كثيرة جداً تواسي أهل البلاء وتشجعهم على الصبر: قوله تعالى : { وبشر الصابرين * الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون } وآيات الصبر كثيرة جداً .

أما الأحاديث النبوية التي تبشر وتواسي من أصابه المرض والعوق أكثر من ان تحصى، ومنها قوله عليه الصلاة والسلام: (من فقد احدى حبيبتيه ضمنت له الجنه) اي احدى عينيه.

ولكثرة وعظيم الأجر والثواب لذوي المصائب، خصوصاً من أصيب في نفسه وجسده، فقد أفرد لها الشيخ شمس الدين المينحي، وهو من أئمة المذهب، كتاباً قيماً مرجعاً في بابه هو كتاب(تسلية أهل المصائب). جمع فيه كل ما وقعت عليه يديه من آيات كريمة، واحاديث نبوية شريفة، وسيرة السلف الصالح، وكل ما من شأنه مواساة لا بل الغبطة ممن شاء الله ان ياخذ منه شيئا ليعطيه أشياء اخرى، هذا هو ديننا، ثقافتنا، وإرثنا، فهل نحن بمستواها.

إن إعداد وإجراء البيانات الإحصائية هو الخطوة الأولى لمعرفة حجم ونوع المشكلة وصولاً لحلها، وهو بالنسبة لذوي الإحتياجات حماية وأعتراف بهم كحقيقة موجودة وكشريحة وطبقة فاعلة في المجتمع، إن احسن اعدادها ورعايتها، وتشكل نسبة ليست بالقليلة، لاتقل عن الخمسة في المائة في الدول المستقرة، وتزداد بشكل ملحوظ في الدول غير المستقرة كالعراق. وحين تكون الدول حريصة على إجراء الإحصاء السكاني، ممثلاً بإحصاء ذوي الإحتياجات الذي يرتب عليها مسؤليات والتزامات تجاههم، بنفس حرصها على إجراء الإحصاء الإسكاني الذي يدر عليها دخل الضرائب الحضرية، عندها لن يكون لدى أهل المعاق شيئاً يخفوه، بل قد تواجهنا مشكلة تضخيم الاهل لحالة العوق لدى ابنائهم.

أخيراً نقول ان الأرقام لا تكذب، والاولى بنا نحن المسلمين ان نرعى الإحصاء، خصوصاً الإحصائيات الخاصة بذوي الإحتياجات، علماً ان إستمارة الإستبيان الإحصائي في بريطانيا تتضمن خمسين صفحة من الأسئلة وإجاباتها، للاطفال ذوي الإحتياجات دون ستة عشر سنة.

ان الله عز وجل قد اشار في آيات كثيرة الى الاحصاء بالإسم، ومنه قولة تعالى: ( وكل شيء أحصيناه عددا ) صدق الله العظيم.

والى رسالة الاسبوع القادم، نستودعكم الله تعالى انه ولي التوفيق.


A S Shakiry

إتصل بنا