This site uses cookies for analytics and personalized content. By continuing to browse this site, you agree to this use.
We have updated our Privacy Notice, click here for more information Acknowledged


رسالة الرابطة الأسبوعية 49

كيف تحفز الدولة الشعب والمؤسسات المتنوعة على التبرع والعطاء؟

لايخفى على كل ذي بصيرة بأن المادة هي أكسير الحياة بغيرها لايمكن أن تقوم قائمة لأي كيان أو مشروع أو أن تتحقق فكرة وتظهر للوجود.

عندما نعتبر أن الدولة هي شريك فعّال للقطاع الثالث لابد أن يكون لها دور مميز بالإستثمار والدعم التشريعي لإعطاء المحفزات لكل من يساهم في التمويل أو التبرع أو العمل التطوعي المباشر لاي حلقة من حلقات نشاطات القطاع الثالث، وبأي مبلغ مهما كان ضئيلا،ً سواءً ضمن ميزانيتها أو ضمن حزمة ما تقدمه من إعانات وسماحات ضريبية لخدمة وتشجيع العمل بهذا القطاع، فضلاً عن الدوائر الخدمية التي ينبغي أن تُستحدث لإنعاشه ضمن إستراتيجية تتولى وضعها ومتابعة تطبيقها وزارة الدولة لشؤون المجتمع المدني بالشراكة والتنسيق التام مع منظمات المجتمع المدني والمنتفعين بخدماتها المختلفة من ابناء الشعب.

ندرج هنا بعض ما يمكن أن تقوم به الدولة لتستحق صفة الشريك في هذا الإطار:

  1. تبرعات الأفراد لتمويل منظمات المجتمع المدني لابد أن يُقيّم ويُشجّع عبر نظام هدية العطاء للأموال المتبرع بها، بشكل يخفض الضريبة على المتبرع. وتمنح الدولة نسبة لا تقل عن ثلث المبلغ المتبرع به إلى المنظمة وبذلك يشعر المتبرع إن الدولة تساهم معه في العمل الخيري، وهذه اولى وسائل التشجيع للمحسن وللمنظمة.
  2. تشجيع مختلف أنواع الشركات (من القطاع العام والخاص) على المساهمة والعطاء لمنظمات القطاع الثالث، من خلال إعتبار تبرعاتهم المادّية أو العينية كمصاريف تستقطع من أرباحهم السنوية، على أن تخفض المبالغ المسددة من الضريبة المستحقة على الشركة المتبرعة لتلك السنة.
  3.  إعفاء الأملاك والعقارات المتبرع بها والموقوفة لصالح منظمات المجتمع المدني من مختلف الرسوم الضريبية، مع منح المتبرع إمتيازات، كتخفيض أو إلغاء الضريبة على باقي أنواع الضرائب المفروضة عليه للسنة التي يتم فيها العطاء وبما يتناسب مع القيمة التقديرية للعقار أو الأرض المتبرع بها.
  4. إستثمارات الدولة المباشرة من أجل إنعاش منظمات القطاع الثالث، إن الناظر إلى منظمات المجتمع المدني في الدول المتقدمة، يجد أن مما يميزها بالإضافة إلى إهتمامها بسد حاجات المجتمع من التنمية، أنها تستخدم كقنوات لتوزيع الموارد الحكومية لتوفير الخدمات اللازمة، حيث تساهم الدولة بنحو ثلث موارد هذه المنظمات لتقديم خدمات يحتاجها المجتمع، وقد تصل في بعض الحالات إلى 80% من موارد المنظمات المالية كما هو الحال في إيطاليا وبلجيكا. أما في بريطانيا فان كافة مدارس القطاع الثالث وحتى القطاع الثاني (الخاص) تصلها معونات مجزية من وزارة التعليم او من حكومات الاقاليم والبلديات.

إن توجه هذه المنظمات في تقديم الخدمات الأساسية ومساهمة الدولة في تمويل ذلك يساهم كثيراً في نموها واستدامة عطائها.

وليس بعيدا عن عالمنا العربي فتجربة لبنان في هذا الميدان تستحق التأمل، حيث تقدر وزارة الصحة اللبنانية إن 60% من المراكز الصحية يتم إدارتها من قبل الجماعات والمنظمات غير الربحية. كما تشكل خدمات التعليم والإغاثة في حالات الطوارئ نسب لايستهان بها في هذا البلد.

5. تقديم حزم التسهيلات لمؤسسات المجتمع المدني.

 إن تقديم الدولة لمختلف الإعفاءات والتخفيضات الضريبية ولمختلف أنواع الرسوم، وكذا منح الخصم على إستخدام المرافق والخدمات العامة، توفر مبالغ لايستهان بها لمؤسسات القطاع الثالث، يمكن أن تستغل في دعم النشاطات الخيرية، في نفس الوقت الذي تشكل تقديراً واعترافاً للدور الذي تقوم به هذه المنظمات في التنمية وخدمة المجتمع.

وكأمثلة محلية قريبة لمجتمعنا العراقي على هذه الحزم والتسهيلات ما تقدمه جمهورية مصر العربية للمنظمات غير الحكومية ضمن قانونها الساري المفعول (ذي الرقم 2002/84) حيث تستطيع هذه المنظمات المرخصة ضمن هذا القانون التمتع بتخفيض الرسوم المتعلقة بالهاتف، والمياه، والكهرباء، والغاز، وكذلك الحصول على خصم مقداره 25% بالنسبة للشحن بواسطة السكك الحديدية، والإعفاء من ضريبة الطوابع، والرسوم الكمركية، ورسوم تسجيل العقود.

أما في اليمن فتقدم الحكومة اليمنية امتيازات كبيرة للمنظمات غير الحكومية، بما في ذلك الإعفاء من كافة الضرائب على الدخل والضرائب المفروضة على البضائع والتوريدات، والإعفاء من الرسوم الكمركية على الهدايا والمنح التي تاتي من الخارج، وخصم مقداره 50% على رسوم إستهلاك المياه والكهرباء.

وبالعودة للنظر إلى قانون مسودة المنظمات غير الحكومية المقترح المادة(رقم 19)- أولاً - نجد ان القانون أعفى المنظمة ذات النفع العام من ضريبة الدخل وضريبة القيمة المضافة والتعريفات والرسوم الكمركية وضرائب المبيعات، لكنه أغفل تقديم أي خصم على إستخدام المرافق والخدمات العامة، كالمياه والكهرباء ...الخ.

6. دعم مؤسسات تدريب إداريي ومنتسبي منظمات المجتمع المدني، وتعريفهم بمختلف النظم الحديثة في الحسابات والإدارة  والتمويل الخيري وغيرها من مفاصل ومرتكزات العمل في القطاع الثالث.

7. دعم الفكر التطوعي وثقافته في المجتمع العراقي ودعم مؤسسات تدريب وتاهيل المتطوعين، ليكونوا طاقات وكوادر منظمات المجتمع المدني، إذ وكما هو معلوم إن القطاع الثالث يمكن وصفه بإمتياز انه قطاع العمل التطوعي أو قطاع المتطوعين.

8. إحياء وتفعيل مصادر التمويل الذاتي من الحقوق الشرعية لتنمية وبناء منظمات القطاع الثالث كالزكاة والخمس، الوقف الخيري، الهبات، الوصايا، النذور، الكفارات. وتوعية الجمهور لتصب هذه الموارد الشرعية في خدمة هذه المنظمات. وللمزيد من البيان حول آلافاق الواعدة لمصادر التمويل الذاتي نوصي بقراءة كتاب العبادات المالية في الإسلام الذي يمكن قراءته من موقع رابطة المبرات العراقية الإلكتروني: www.iraqicharities.org   من خلال الرابط أدناه:

http://iraqicharities.org/books/books.swf?book=book2

9. الربط بين مفهوم المواطنة والمواطن الصالح بالعمل ودعم القطاع الثالث، سواء بالتطوع أو الدعم المادي والعيني.

من خلال أفضل الجوائز سواء المادية أو العينية أو التشريفية التي تمنح سنوياً لتكريم المبدعين والمتميزين في هذا المضمار، التي ينبغي أن تمنح من أعلى القيادات سواء الروحية أو الإدارية على صعيد البلد، وإستحداث هذا النوع من التكريم لمختلف أبواب العمل في هذا القطاع، على سبيل المثال، جائزة أكبر مبلغ مالي متبرع به، جائزة أفضل مبادرة تطوعية، جائزة أكبر عمل جماعي تطوعي تقوم به منظمة غير حكومية...الخ، ويخصص يوم أو أسبوع في السنة يسمى يوم المواطنة أو أسبوع المواطنة لأبراز هذه الأعمال ضمن إحتفالات وأنشطة تأخذ حقها في التغطية الإعلامية لتكون مشجعة على العطاء وتبث روح التنافس في مضمار العمل الخيري، قال رسول الله صلى الله عليه وآله (كن نافعا للناس تكن خير الناس).

10. تشجيع وتحفيز كافة الطاقات العراقية في المهجر على دعم وإثراء عمل قطاع البعد الثالث، ووضع الآلية المناسبة لتفعيل وتمكين الإستفادة من كافة الخبرات والإمكانيات المادية والمعرفية التي تتمتع بها الجاليات العراقية في المهجر، بما يسهل عليهم تقديم الدعم المادي والعيني والمعرفي للمنظمات غير الحكومية ممثلة بمنظمات المجتمع المدني داخل العراق.

11. قبول وتشجيع عطاءات المنظمات الدولية المخصصة لمنظمات ومشاريع إنسانية عراقية واضحة الأهداف وتتميز بشفافية العمل والأداء.

وذلك بإيجاد المناخ والبيئة الصحيحة والتشريعات القانونية الواضحة والميسرة التي تهيئ الأرضية المناسبة للمنظمات غير الحكومية لجمع وتسلم المنح والتبرعات من داخل وخارج العراق، طالما إنها تستخدمها أو تستثمرها في تحقيق الأهداف التي رخصت وأجيزت العمل بموجبها، وعليه فان المادة (رقم 18)- أولاً وثانيا،ً في مسودة قانون المنظمات غير الحكومية التي تفرض على المنظمات أشعار وأخذ موافقة دائرة المنظمات غير الحكومية قبل الحصول على التبرع سواء من الداخل أو من الخارج هي مادة معطلة وغير ضرورية وليس لها وجود في قاموس العمل الخيري، فمن يريد تقديم العطاء لأغراض العمل الخيري والمنفعة العامة لا ينبغي أن يحتاج لموافقة أحد. بل ينبغي تشجيعه ودعمه، خصوصاً المنظمات الدولية ألانسانية المعروفة على النطاق العالمي. إن التعامل والتعاون بين منظمات القطاع الثالث العراقية ونظيراتها الأجنبية ينبغي أن يكون محل ترحاب ودعم، ليس فقط للأمور المادية المباشرة، بل الأهم هو إكتساب الخبرات والمعارف المتراكمة لدى هذه المؤسسات العريقة، والإنفتاح على العالم الخارجي ومواكبة حركة التطور المتسارعة في هذا الميدان، والحضور والمشاركة في كل المحافل العالمية، كالمؤتمرات الدولية التي تخدم أهداف منظمات المجتمع المدني. إن الواقع الفعلي المعاصر الذي نعيشه اليوم هو تشكل مجتمع مدني عالمي وينبغي لمنظمات المجتمع العراقي أن تكون جزءً ورقماً لايستهان به في هذا العالم، وهذا لن يتحقق طالما هناك محاولة غير مقبولة لفرض الوصاية عليه.

بناءً على ذلك فإننا نرى إن المنظمات الدولية في مجالات البر والإحسان هي منظمات إنسانية وبعيدة عن السياسة، تعتمد على عطاءات الشعوب التي تتحفز مشاعرها الإنسانية بمختلف الأساليب العلمية في إستدراج العطاءات، وإن كان هناك تشجيع ودعم من مؤسسات حكومية أو دينية فان ذلك من باب التنافس على البر والإحسان ولا تتنافس على الظلم والعدوان.

إن علوم البر والإحسان بمختلف مسمياتها في العالم أصبحت سمة من سمات العصر الحضارية، وإن اغلب دول العالم أخذت تشجع هذا القطاع الذي أطلق السيد كولدن براون رئيس وزراء بريطانيا أسم وصفة القطاع الثالث عليه، وعلى ضوء هذه الصفة التي أعطيت بنيت إستراتيجية تمتد لعشر سنوات، ليأخذ هذا القطاع أوسع مجال ما بين القطاعين الإقتصاديين العام والخاص، وليشكل حجر الزاوية في الإقتصاد البريطاني.

12. إن القوانين حين توضع ينبغي أن تحترم وتطبق وتسري على الجميع، وإن مخالفة قوانين المجتمع المدني يمكن المعاقبة عليها بشكل فعال من خلال فرض الغرامات والعقوبات الإدارية، ولا يجوز إستخدام العقوبات الجنائية إلا في الحالات الإستثنائية جداً، لذلك فان ما ورد في المادة (رقم 26) من مسودة القانون يعتبر قاسياً وغير مبرر، إن جعل عقوبة السجن وهي عقوبة جنائية تجاه من قصر في التقيد باحكام قانون المجتمع المدني يخالف المسمى نفسه، ولن يشجع الأفراد على تأسيس وتشكيل المنظمات غير الحكومية، وإلا فانهم يخاطرون في هذه الحالة بحريتهم الشخصية وعيشتهم وهو ما لايستحقه من نذر نفسه لخدمة العمل التطوعي. ولتشجيع العمل في قطاع البعد الثالث يجب أن تكون أية عقوبات للمخالفين من خلال فرض الغرامات والعقوبات الإدارية، وأن لايُشهّر بالشخص المخالف لان ذلك يؤثر على سمعة القطاع ككل، الذي لايمثله تصرف شخص أو منظمة بعينها.

ومن أجل الحد من المخالفات علينا الإكثار من البحث والتمحيص لكل جزء من جزئيات العمل عن طريق عقد الدورات الدراسية والإجتماعات والمؤتمرات البحثية والعلمية بشكل مركز ومستمر، بالمشاركة ما بين المعنيين بالدولة والمعنيين بالقطاع الثالث.

إن متطلبات النهوض بهذا القطاع تقتضي أن تحفز القوانين والتشريعات في كافة مفاصل الدولة من وزارات ومجالس محافظات وغيرها من الدوائر لتساهم فعلياً في إنشاء وتطوير قوانين القطاع الثالث، كمثال على ذلك:

أ. وزارة الصحة ترعى المنظمات المعنية بالصحة العامة كالمستشفيات والمراكز الصحية والنفسية.

ب. وزارة التعليم ترعى المنظمات المعنية بالتعليم والثقافة (وحتى المدارس الاهلية).

ج. وزارة المالية ترعى منظومة التبرع والتمويل ومنظمات المجتمع المدني، عن طريق الإعفاءات الضريبية وتخصيص المساعدات لمشاريع تنمية النفع العام.

د. وزارة السياحة ترعى المنظمات ذات التوجه الترفيهي والتعريفي الثقافي، خصوصاً لذوي الإحتياجات الخاصة والمسنين واطفال المدارس.

فلابد لبحث تطوير قطاع البعد الثالث أن يحوز على إهتمام أعلى مستويات الدولة كمجلس الوزراء والبرلمان وحتى رئاسة الجمهورية، في البحث والتشريع والتنفيذ والمتابعة لهذا القطاع الحيوي.

لقد خلت للأسف مسودة قانون المنظمات غير الحكومية المقترح من أية اشارة إلى الدعم المادي المباشر للدولة لخدمة أهداف القطاع الثالث، وهو ما يقع ضمن إطار مسؤوليتها في خدمة مختلف القطاعات خصوصاً ما يمس مصلحة المواطن ورفاهيته، ضمن الميزانية السنوية للدولة، فهذا القطاع حديث العهد في العراق ويحتاج إلى المساندة والدعم حتى يقف على قدميه.

فهل ترى الحكومة ومجلس وزرائها وبرلمانها والمعنيين بالقانون إن النقاط التي أثيرت أعلاه غير ضرورية وأساسية لتشجيع ودعم العمل في منظمات المجتمع المدني، وهل يمكن للعمل أن يرتقي بدون أي منها؟؟؟.

 

أخيراً إننا على ثقة بأن أحفاد وورثة الحضارة العراقية العظيمة مهد ومعلم الحضارة الإنسانية جمعاء، فهي التي علمت الإنسانية الكتابة، ولها ريادة سنّ التشريعات والقوانين، وأول من انشأ الحكومات والإمبراطوريات، إنهم قادرين على وضع أرقى وأشمل قوانين منظمات المجتمع المدني التي ستخدم وطننا الحبيب، لذا نحن ندعو المسؤولين إلى إعادة النظر بشكل كامل بالقانون المقترح ليكون القانون الجديد واسع الأفق ويلبي حاجة المجتمع الماسة إليه.

 

على الدولة أن تساعد القطاع الثالث ليتمكن من مساعدتها

في النهوض بمتطلبات الشعب ورقيه

 

سنواصل بإذن الله في رسالة العدد القادم مناقشة موضوع قانون المنظمات غير الحكومية وآفاق عمل قطاع البعد الثالث، وسيكون موضوع التطوع والمتطوعين مدار البحث القادم.

 

والله ولي التوفيق

 


A S Shakiry

إتصل بنا