This site uses cookies for analytics and personalized content. By continuing to browse this site, you agree to this use.
We have updated our Privacy Notice, click here for more information Acknowledged


رسالة الرابطة الأسبوعية 50

التطوع .... يمثل قاعدة منظمات المجتمع المدني NGO

في الرسالة الماضية ركزنا على المادة بإعتبارها إكسير الحياة، ولخلو مسودة قانون المنظمات غير الحكومية المقترح من أي إشارة إلى التطوع والمتطوعين، رغم إنها تشكل كادر العمل الرئيس لمنظمات المجتمع المدني، بل إنه يسمى أحياناً كثيرة باسم قطاع التطوع أو قطاع المتطوعين، ولأن الإنسان هو محرك عجلة الحياة وبغيره لاحياة لأي مقوم من مقوماتها فإن بحثنا هذا يركز على  دور المتطوعين في قطاع البعد الثالث، وما ينبغي أن يُشّرع ويشار إليه عند الحديث عن أي قانون يتعلق بمنظمات المجتمع المدني.

إن لكل إنسان مقومات وطاقات مهما كان عمره وتعليمه أو حالته الصحية والإجتماعية والمادية، وأي مقدرة وملكة منحها الله للإنسان، بالإمكان أن يوجهها لخير الإنسان الآخر بشكل مباشر أو غير مباشر من أجل منفعته أو منفعة من يعتمد عليه من أفراد عائلته، وعند توفر الإرادة والحس الإنساني لدى الشخص وتتهيئ له الظروف والوسائل فإنه لابد أن يوجه جزءً من مقوماته وطاقاته، كبيرةً كانت أو صغيرة، متطوعاً برغبته وإختياره نحو مساعدة الآخرين من أبناء مجتمعه ولتحسين البيئة التي يعيش فيها الجميع.

لقد تناولنا في رسالة الرابطة 26 الأعمال التطوعية لخدمة العمل الخيري ضمن المبرات العاملة في العراق، كما تناولت رسائل الرابطة 21، 22، 23، 24 هذا الموضوع من جوانب مختلفة. ويتوفر على موقع رابطة المبرات العراقية الإلكتروني: www.iraqicharities.org كتاب الجهاد الإنساني في الإسلام، ويمكن قراءته من خلال الرابط أدناه:

http://iraqicharities.org/books/books.swf?book=book1&lang=E

 

هذا الكتاب تضمن شرحاً وافياً لموضوع التطوع (الجهاد الإنساني) وتوصيفه بالشكل الذي يضمن تسخيره لخدمة النفع العام.

إن أبواب التطوع وآفاقه الرحبة تتنوع بتنوع المتطوعين أنفسهم، بإختلاف أعمارهم، وجنسهم، ومؤهلاتهم الأكاديمية، وخبراتهم العملية والحياتية، وبإختلاف هواياتهم وما يرغبون تقديمه. لذا ينبغي مراعاة كل ذلك من قبل المنظمات التي تطمح الإنتفاع بخدماتهم، من أجل أن يكون عملهم مفيداً ومجدياً، وأن يستثمر الوقت الذي يخصصون للعمل التطوعي بأفضل شكل، كما ينبغي التأكيد على إن عمل المتطوعين لدى مختلف المنظمات ينبغي أن يقيم ويقدر أحسن تقدير من قبل المنظمة، والمجتمع، والدولة على حدٍ سواء، وأن تضاف الدورات التدريبية التي سيتلقون والعمل الذي سيعملون إلى سيرتهم الذاتية، لتكون مصدر فخر وإعتزاز لهم ولعائلتهم، ولتفتح لهم آفاق مستقبلية واعدة للعمل بمنظمات أو مؤسسات أخرى حسب الطريق الذي يرغبون.

إن ما يهمنا الإشارة إليه في هذه الرسالة هو إن موضوع التطوع والمتطوعين يعتبر العمود الفقري أو القاعدة التي تبنى عليها مؤسسات المجتمع المدني، وإن دور الدولة يكمن في دعم روح المبادرة لدى أبنائها لتكوين وتأسيس منظمات المجتمع المدني أو العمل ضمن المنظمات الموجودة أصلاً، وهذا يقتضي بالتأكيد كخطوة أولى أن يتضمن قانون المنظمات غير الحكومية فصلاً كاملاً حول التطوع وحقوق المتطوعين، وعندما تتبلور وتبرز حركة التطوع في العراق يصار إلى إصدار قانون مستقل يحقق ما للمتطوع وما عليه، و يحدد الأطر والضوابط المشجعة التي تبين أصول العمل الخاص بهذه الشريحة المعطاء ضمن منظمات المجتمع المدني وضمن المجتمع الذي تنتمي اليه.

فالمتطوع اثناء أدائه لعمله، قد يخطىء ويضر بالغير من دون قصد، ثم إنه قد يؤذي نفسه أو يفقد بسبب تأديته لعمله التطوعي، فإذاً نكون قد ظلمنا عائلته وعاقبناه على تطوعه بدلاً من أن نجازيه بالحسنات إحساناً إن لم نعطه حقه.

 إذن المتطوعون بحاجة إلى قانون ضمن قانون منظمات المجتمع المدني المقترح ينظم عطاءهم ضمن إطار يحدد حقوقهم وواجباتهم ويحفزهم ويشجع غيرهم على الحذو حذوهم، وأن يتضمن لوائح تتعلق بالتأمين، والتدريب، ومنع المخاطر، وإجراءات أخرى لحماية حقوق المتطوعين ومصالحهم، بما يضمن منع أو تقليل الإنعكاسات السلبية على مبادراتهم الإنسانية. وأن يطبق ذلك على كافة المنظمات والمؤسسات الرسمية والأهلية، فمجال عمل المتطوعين يدخل في كل المجالات والقطاعات.

والفقرات التي ينبغي ان يتضمنها هذا القانون في حدوده الدنيا من وجهة نظر رابطة المبرات العراقية هي:

أولاً: وضع ضوابط لطرق إستقدام المتطوعين، إذ ينبغي أن يكون هناك حد أدنى من المعايير التي تعمل المنظمات على ضوئها في إستقدام المتطوعين، كضمان تكافئ الفرص، وتوضيح المؤهلات المطلوبة من عدمها في إعلان طلب المتطوعين، وتوصيف العمل المطلوب منهم، وتوضيح إن كان هناك أي تدريب سيحتاج إليه المتطوع، وتوضيح لمكان المقابلة وزمانها وإن كان هناك أية تسهيلات لدخول المعاقين للمكان وما إلى ذلك.

ثانياً: تنظيم العلاقة الشغلية بين المنظمة والمتطوع، ويكون من خلال صيغة إتفاق بين الطرفين تتضمن بحدودها الدنيا ساعات وأوقات العمل، مهام وواجبات المتطوع، حقوق المتطوع كأيام الإجازة السنوية والعطل، المصاريف التي تدفعها المنظمة للمتطوع كبديل لمصاريف تنقله من وإلى مقر المنظمة وأية مصاريف أخرى يتم تعويضه عنها، الأجرة إن كان المتطوع يعمل بأجرة رمزية أو أجرة الحد الأدنى (الأجرة لا تبطل الأجر)، مدة الإشعار الدنيا لكلا الطرفين في حالة رغبة أي منهما إنهاء العلاقة التطوعية.

ثالثاً: المساعدات والضرائب، ينبغي أن يُصار إلى توضيح تأثير إنضمام المتطوع للعمل في المنظمة على الضرائب التي يدفعها أو المساعدات التي يتلقاها من الدولة قبل إنضمامه في العمل التطوعي، وبطبيعة الحال فإن تلقي المتطوع لأموال كبديل عن مصاريفه لاينبغي أن يترتب عليها دفع الضرائب لكن الأمر سيختلف إن كان يتلقى أجرة الحد الأدنى أو أجرة رمزية، وينبغي أن يكون هناك نوع من التخفيض في الضرائب المفروضة عليه نظراً للعمل الإنساني الذي يقوم به المتطوع.

ونفس الشئ ينطبق على المساعدات المالية التي ربما كان المتطوع يتلقاها من الدولة، كالمساعدة للعاطلين أو الباحثين عن العمل، والمقعدين وما إلى ذلك، فإن كان تطوعه من دون أجر ويقتصر تعويضه على المصاريف التي يتحملها ووجبات الغذاء التي يتلقاها أثناء عمله التطوعي فيفترض أن لايكون ذلك مؤثراً على أية أنواع من المساعدات والحقوق التي يتلقاها من الدولة، لكن الأمر سيختلف بطبيعة الحال في حال تلقيه نوعاً من الأجر، وينبغي أن يُراعى أيضاً العمل الإنساني الذي يقوم به وأن لاتتأثر تلك المساعدات بشكل يؤثر على المتطوع ويجعل ذلك التغيير حجر عثرة أمام إنضمامه في العمل الإنساني.

رابعاًً: إجراءات السلامة والأمان، ينبغي أن يشار إلى إن على المنظمات واجب الرعاية تجاه المتطوعين، هذا يعني إن هناك خطوات يجب أن تتخذها المنظمة للتقليل من إحتمالية تعرض المتطوعين لمختلف أنواع الأخطار، كتزويدهم بمعلومات كافية عن المحيط الذي يعملون فيه، توفير التدريب اللازم الذي يجنبهم المخاطر، تزويدهم بالمعدات والملابس المناسبة لتأدية العمل، توفير غطاء التأمين الذي تعتمده المنظمة ليشمل المتطوعين لديها ايضاً.

وبالنسبة للمنظمات التي تعمل لخدمة الشرائح المستضعفة والتي قد تكون عرضة للإستغلال والإساءة، كالأطفال وذوي الإعاقة، فينبغي إتخاذ خطوات إضافية لضمان سلامتهم، منها أخذ معلومات كافية عن المتطوعين الذين سيتعاملون مع هذه الشريحة، كعنوان سكنهم ويفضل أن يتم التأكد من سجلات الشرطة عن خلوهم مما قد يثير الشبهات، مع التأكيد على الحفاظ على سرية وخصوصية أية معلومات تجمع عن المتطوع ضمن المنظمة التي تطوع فيها، أيضاً توفير التدريب للمتطوعين عن كيفية التعامل مع هذه الشرائح، توفير الرقابة المطلوبة عبر تواجد أكثر من شخص أثناء تقديم الخدمة، توفير آلية تضمن وجود قنوات للمتطوعين وغيرهم لتقديم الشكاوي، أو التوصيات، أو الشكر، عبر صندوق أو عبر البريد الكتروني أو رقم تلفون يخصص لهذا الغرض.

خامساً: حماية المعلومات والبيانات الخاصة بالمتطوعين، ينبغي الإشارة إنه على المنظمات مسؤولية قانونية وأخلاقية تتعلق بجمع وخزن وإستخدام البيانات الخاصة بالمتطوعين، وكمبادئ عامة ينبغي أن يتم التعامل بقدر من العدالة والموضوعية في هذا الإطار، وأن يتم الحصول عليها لغرض وهدف محدد، وبشكل قانوني ومن دون زيادة أو مبالغة في طلب التفاصيل التي لاتتعلق بالغرض الذي جمعت له، وأن يلتزم المتطوع الدقة في تزويد هذه البيانات، وعلى المنظمة إتخاذ الخطوات والتدابير اللازمة لحماية بيانات المتطوعين من التسرب إلى جهات أو أفراد آخرين، وكذا تجنب حفظها لدى المنظمة بعد إنتفاء الحاجة إليها.

سادساً: حقوق الطبع والملكية الفكرية، ينبغي التوضيح إن الملكية الفكرية وحقوق الطبع تعود للشخص الذي أنتج العمل، لكن بالنسبة للمتطوع ذو الإنتاج الفكري الذي يعمل ضمن منظمة مجتمع مدني ينبغي أن يصار إلى إتفاق بين الطرفين منذ البداية عن صاحب الحقوق، وعلى المنظمة أن تسأل المتطوع أن ينقل لها حقوق الطبع أو أن تأخذ رخصة المتطوع بإستخدام الإنتاج بحدود معينة يتفق عليها معه، أو أن يشترك الطرفين، أي المتطوع والمنظمة التي تطوع للعمل فيها بصلاحية متساوية في النشر والإنتفاع بالعمل، المهم أن يصار إلى اتفاق منذ البداية بين الطرفين حول هذه المسالة.

سابعاً: أحكام اخرى، ينبغي أن يتضمن القانون توضيحات عن الأمور الأتية:

أ: توضيح عن إستخدام الأطفال كمتطوعين، ووضع ضوابط محددة لذلك، كموافقة ولي أمر الطفل، وأن تكون المنظمة متاكدة تماماً من سهولة العمل المناط بهؤلاء الاطفال، وأن لايتعارض مع دوامهم في المدرسة إنما لإستغلال أوقات فراغهم أيام العطل بكل ما هو نافع.

ب: المتطوعون من السواق، ينبغي أن يوضح المتطوع لشركة التامين الخاص بمركبته إن الغاية من إستخدامها هو غير ربحي، أو إنه مزدوج، وعلى القانون أن يوضح هل إن لشركة التامين حق رفع قسط التأمين تبعاً لذلك أو يصار إلى نوع من التخفيض.

ج: وضع ضوابط محددة بالنسبة للمتطوعين العاملين في جمع الأموال والمواد العينية سواءً في الشارع أو من منزل لآخر، كالحد العمري الأدنى لهذا النوع من العمل، وأن يحمل باج يوضح فيه إسمه والمنظمة التي يعمل لها ورقم تسجيلها، وأن يحمل معه شهادة تخويل بهذا العمل يلتزم بإبرازها لمن يطلب ويستفسر عن عمله، وأن تلتزم المنظمة التي تستخدم هذا النوع من المتطوعين بإجراءات تضمن سلامتهم كالعمل ضمن مجموعات وأن يزودوا بمعلومات كافية ودورات تدريب للتعريف بالمخاطر التي قد يتعرضون لها ولتجنب المشاكل.

د: وضع ضوابط عمل لدخول المتطوعين الاجانب من خارج العراق، وتسهيل منحهم الفيزة والإقامة، خصوصاً لمن لهم باع طويل وخبرة وإمكانات في مجال العمل الإنساني.

 

هذه هي الخطوط العريضة لما نراه ضرورياً في حده الأدنى لعمل المتطوعين ضمن منظمات المجتمع المدني. إن مئات الآلاف من المنظمات سوف تولد وتظهر للوجود في عراقنا الحبيب إن شاء الله تعالى في السنوات والعقود المقبلة، وسيعمل في فلكها ملايين المتطوعين من أبناء شعبنا الغالي، لذلك من الأهمية بمكان أن يصار إلى تحديد الحقوق والواجبات منذ البداية، وما تم طرحه في هذه الرسالة ليس ضرباً من الخيال والرفاهية غير المبررة، بل هي حاجة ماسة جداً، وفي حدودها الدنيا أيضاً، والأمر يحتاج إلى مجلد كامل يوضح أحكام التطوع والمتطوعين في القانون نتركه لأصحاب الشأن في ذلك. وكلنا أمل أن يأخذ هذا الموضوع الإهتمام الذي يستحق وان يكون العراق سباقاً في هذا الإطار، إذ لايوجد نظيرٌ له في محيطه الإقليمي.

أخيراً لابد من الإشارة إلى جهد عربي مشترك يمت لموضوع قانون التطوع بصلة، عبر المكتب العربي للحماية المدنية والإنقاذ، التابع للجامعة العربية ويتخذ من مدينة الدار البيضاء في المملكة المغربية مقراً له حيث أعد المكتب مشروع قانون نموذجي للتطوع في مجال الحماية المدنية (الدفاع المدني) بالدول العربية، وهو قيد الدراسة.

للمزيد من المعلومات حول قانون المنظمات غير الحكومية المقترح في العراق، والآراء والملاحظات التي تتعلق به، نوصي بزيارة الصفحة التي أعدتها رابطة المبرات العراقية من خلال الرابط أدناه:

http://iraqicharities.org/article.php?id=748&article_type=22&lang=A

 

والله ولي التوفيق.


A S Shakiry

إتصل بنا