This site uses cookies for analytics and personalized content. By continuing to browse this site, you agree to this use.
We have updated our Privacy Notice, click here for more information Acknowledged


رسالة الرابطة الأسبوعية 51

منظمات المجتمع المدني، الراية وحاملها

تطرقت رسائل الرابطة الأربع الماضية إلى موضوع منظمات المجتمع المدني من منظور التشريع القانوني، وسبل دعم الدولة لهذا القطاع، لينمو ويزدهر وينعم بالخير والمنفعة على العراق وأهله، ونظراً لأن هذا القطاع يُبنى من عنصرين رئيسيين يشكلان نواته وقلبه هما :

1.المنظمة  2. المتطوع، يشكلان بنظرنا الراية وحاملها، لذلك نفرد هذه الرسالة لضرب المثل والإنموذج لتكتمل أركان الموضوع.

 

تجربة منظمة :

طلبنا من ممثل الرابطة في بغداد أن يضرب لنا مثلاً ناجحاً لولادة وتطور منظمة مجتمع مدني من رحم واقع العراق، لم يتأخر الرجل في جوابه الذي أسعدنا وزرع فينا الأمل الكبير بغدٍ افضل لأبنائنا، فقد كان المثل حاضراً في ذهنه قبل أن نسأله، وتوصلنا بجوابه صبيحة اليوم التالي وهو:

       تكاد تكون تجربة مؤسسة (أهل البيت والصحابة الكرام للتقريب بين المذاهب الإسلامية)، هي من التجارب التي تستحق الوقوف عندها طويلاً، حيث أن هذه المنظمة قد باشرت عملها الفعلي في مجال العمل الخيري بصورة فاعلة حتى قبل أن تحمل أسم مؤسسة، حيث كانت تمارس النشاط الإنساني ولكن بشكل سري في زمن النظام السابق، وما أن حدث التغيير حتى برزت إلى ساحة العمل المبرّاتي بكل قوة، وإستمرت بممارسة نشاطاتها ولكن بصورة علنية وبشكل مكثف، وقبل أن تحصل على شهادة التسجيل من مكتب مساعدة المنظمات غير الحكومية آنذاك، حيث كانت تقدم خدماتها إلى مختلف شرائح المجتمع المحتاجة، وفي منطقة هي من المناطق الشعبية في بغداد في جانب الكرخ وتحديدا في منطقتي الرحمانية والجعيفر.

لعل التحدي الحقيقي الذي واجه عمل هذه المنظمة، هو الجانب الأمني، حيث كانت هذه المنظمة تعمل في منطقة تعتبر واحدة من أخطر المناطق في بغداد، حيث وجد الإرهاب ملاذاً آمناً في المنطقة المحيطة بها، ونعني بها (شارع حيفا)، لذلك كانت هذه المنطقة وأبناؤها عرضة للسيارات المفخخة والإغتيال على الهوية، ومع ذلك لم تتوقف عن تقديم خدماتها لأبناء هذه المنطقة، والتي تضم طوائف مختلفة من المجتمع العراقي.

لقد التزمت هذه المنظمة بالتعهد الذي تعهدت به أثناء تسجيلها بإلتزام جانب الحياد السياسي، وإنها غير مرتبطة بأي حزب أو تنظيم سياسي وأنها تقدم خدماتها لكل العراقيين بغض النظر عن الديانة أو العقيدة أو المذهب وطبقت هذا التعهد بكل حذافيره.

الهيئة الإدارية التي تقود هذه المؤسسة هي خليط يبدو للعيان أنه غير متجانس، فرئيس المؤسسة (رجل دين شيعي) ونائبه (رجل دين سني) وبقية الأعضاء هم من الكسبة من أبناء المنطقة وبعض العاملين في دوائر الخدمات فيها، وليس بينهم من حملة الشهادات العليا أو الأكاديميين، ومع ذلك فعملهم يجري بإنسيابية رائعة، ولعل ما يثير الدهشة أن معظمهم لا يعرف الفرق بين (منظمات المجتمع المدني)، و(المنظمات غير الحكومية) ومع ذلك يؤدون واجبات الجمعيات الخيرية على أفضل ما يكون.

إن المصداقية في العمل وتقديم الخدمات دون أي تمييز، جعل هذه المؤسسة تحظى بإحترام الجميع ومن مختلف التوجهات الدينية أو العرقية أو السياسية، وإن ما تحصل عليه من مساعدات هو شئ لا يصدق، فمرة من (الوقف الشيعي) وأخرى من (الوقف السني) وثالثة من جهات ليس لها علاقة بعمل منظمات المجتمع المدني، بل لا توجد في برامجها تقديم مساعدات إلى هذه المنظمات، فعلى سبيل المثال لا الحصر قامت وزارة الصناعة والمعادن بتقديم مساعدات عبارة عن منتجات من إنتاج الشركات التابعة لها، في سابقة لم تكررها مرة ثانية ، لعل أطرف ما في المساعدات هو ما تسلمته من جهة خارجية، وكانت عبارة عن مولدة كهربائية ذات سعة توليد عالية لتجهيز الطاقة إلى بيوت أهالي المنطقة عن طريق هذه الجمعية.

تمارس هذه المؤسسة عملها ونشاطاتها في (جامع وحسينية الرحمانية)، حيث يتم توزيع المساعدات وكذلك الرواتب الشهرية وتقام الإحتفاليات سواء بالمناسبات المحلية والدولية والتي ما تتخللها عادة توزيع هدايا على العوائل خصوصاً تلك الخاصة بالأيتام والعوائل المتعففة، وقد زاد عدد الإحتفاليات التي أقيمت لحد الآن عن سبعين إحتفالية،  بالإضافة إلى إدارة بعض أعمالها من منزل رئيس المؤسسة حيث أقتطع غرفة من منزله المتواضع ليكون لإستقبال المراجعين من المحتاجين والإستماع إلى مشاكلهم، وما يجب ذكره ان رئيس المؤسسة يعرف جميع عوائل المنطقة عن كثب لأن جده لأبيه مولود أصلاً في هذه المنطقة، لذلك فإن تحديد المحتاجين الحقيقيين ليس فيه أي صعوبة عكس ما تواجهه المبرات الأخرى.

خلاصة ما يمكن قوله أنه إذا ما توفرت النيّة الصادقة والرغبة الحقيقية والشعور العالي بالمسؤولية لدى أناس بسطاء تجمعهم رابطة واحدة، هي حب عمل الخير، فإنه بالإمكان لهكذا أشخاص أن يقدموا ما يعجز عن تقديمه كثير ممن هم أعجز عن فهم الواجب الحقيقي لعمل المبرات حتى لو كانوا من أرفع المستويات.

إنتهى جواب ممثلنا، وقد أوقد منهج هذه المنظمة وروحية عمل كادرها في ذاكرتنا مثالاً من الماضي العراقي البغدادي الأصيل لمنظمات المجتمع المدني، وهو جامع المدرسة المرجانية الأثري الذي لازال شاخصاً بعمارته المميزة في شارع الرشيد، وإشترط من شيّده أن يكون التدريس فيها على كافة المذاهب الإسلامية، ووقف على لوازمها ما كان يملكه من عقارات في بغداد وخارجها ذكرها في وقفيته التي كانت محررة بالحجر على جدران المدرسة، وبنى لها غرفاً للمدرسين وكذلك مستشفى يطل على نهر دجلة خاص لطلبة العلم.

تجربة متطوع:

طلبنا من إحدى الكفاءات العراقية المتميزة أن تكتب لنا عن تجربة التطوع في البلد العربي الذي توجد فيه فكان الرد الآتي:

أشارك هنا بتجربتي في التطوع لخدمة أبناء بلدي المغتربين في بلد عربي أعتز بحسن ضيافته لنا وكرم أخلاق شعبه وتقديرهم للمعاناة التي ألمت بشعب كان فاتحاً ذراعيه لكل من يطرق بابه ويكرمه بسخاء.

وكانت بداية الأمر هو إتصال من إحدى الجمعيات التي تحاول عمل إحصاء لعدد العراقيين الذين من الممكن أن يستفيدوا من البرامج التي لدى هذه الجمعية التابعة للأمم المتحدة ومن خلال معرفتهم بخبراتنا تم الطلب بأن نعمل متطوعين، وتم إختياري لتدريس السيدات العراقيات وغير العراقيات أوليات إستخدام الحاسوب في خطوة أولى يعقبها تعليمهم على إستخدام الإنترنت كونه أصبح الوسيلة العصرية للإتصال بين العوائل التي توزعت في أنحاء المعمورة. وذلك بعد دورة سريعة للمتطوعين كان موجزها أن نعلّم المغتربين كيفية التعايش في محيطهم الجديد والإندماج معه.

كانت بداية تجربة التطوع التي يحس المرء من خلالها أنه يرد ديناً للوطن الذي أعطانا الكثير والذي يحتاج أن نداوي بعضاً من جراحه وجراح أهله ومن خلال أول مجموعة من السيدات واللواتي كن متفاوتات بالتحصيل الدراسي من مهندسة إلى تحصيل الإبتدائية وجدت أن إيجاد قاعدة في أن توفق بين شرائح مختلفة ومن جنسيات مختلفة أكثر أهمية من منهجية الدرس والموضوع فكان أول خطوة هو إلغاء فكرة الدروس المطبوعة لوحدها، حيث كنت قد هيأت منهجاً مكثفاً يعطى لمدة ساعتين على عشر أيام، وسعيت للفت إنتباههم للكتابة مع المدرس لضمان رسوخ المعلومات من خلال الحوار إضافة إلى التطبيق العملي على الحاسوب، وكان هذا يخلق جواً تفاعلياً من خلال طرح الأسئلة التي تقود إلى فتح مجالات أخرى توسع مدارك المستخدم وترسخ المعلومة وإلى نوع من الألفة والمرح بين الحظور.

وبنهاية الأمر كانت النتيجة مرضية، فقد كانت ردود أفعالهم جيدة حول مستوى الدورات وتمكنهم من فهم آلية العمل الأولية للحاسب.

علماً ان اجور النقل كانت تصرف للمشاركات عن كل محاضرة بما يعادل ثلاث دولارات، وكان لهذه الفقرة دور مهم في تذليل الصعاب أمام المشاركات.

وبشكل عام نجاح الدورات كان إضافة لنجاح الجمعية في إستقطاب عدد كبير منهم للعمل التطوعي بعد أن أثبتت الجمعية ومن خلال نشاطاتها المتعددة أنها جديرة بثقة الناس وأن العاملين بها مؤهلون وبإخلاص لتقديم كل ما بوسعهم من خدمات وكذلك كانت لهم أذن صاغية لمقترحات الناس وقد أخذت حيز التطبيق بعد مدة حيث طلبت العوائل مكاناً للعب الأطفال من خلال العلاقة الطيبة التي نشأت مع متطوعي الجمعية وتم إقرار هذا المشروع والآن بعد مرور سنة أصبح لدى أولادنا ساحة واسعة للعب نطمئن للعبهم بها إضافة لمدربة مؤهلة وهي أيضاً متطوعة عراقية تشرف على أولادنا إضافة لقاعة سينما تعرض بها أفلام للصور المتحركة والأفلام الإرشادية والتعليمية في مختلف المجالات وكل ذلك بسبب أن الجمعية هدفها الأساس هو الطفل والمرأة.

وفي رأيي إن من يؤسس ويعمل في هكذا جمعيات لا بد أن يكون على قدر كبيرمن الإنتماء الأصيل لبلده والذي يجب علينا جميعاً أن نرد ولو بعضاً من أفضاله علينا.

إنتهى كلام المتطوعة العراقية التي أرسلت للرابطة مشكورةً المنهج التدريسي الذي أعدته ودرسته خلال عملها الطوعي ليكون في متناول الجمعيات الخيرية التي تطلبه.

لقد أستوقفنا في هذه التجربة أمرين، علينا أن نهتدي بهما الأول: أن ترك أرض الوطن لا ينبغي إن يكون سبباً لترك العمل التطوعي، سواءً لخدمة أبناء الوطن المغتربين أو حتى لغيرهم إخوان الدين أو نظراء الخلق، ولنا في رسول الله موسى عليه السلام وعمله التطوعي في بلاد الغربة حين سقى غنم المرأتين المثل من كتاب الله في ذلك. أما الامر الثاني فهي العوائد والمنافع التي عادت على المتطوع وعائلته جراء عمله التطوعي ببركة الله ورحمته، ولنا في كليم الله موسى عودة حيث أن عمله التطوعي الذي ذكرناه كان سبباً وباب خير له عليه الصلاة والسلام وحدد مسار حياته بل ورسالته برمتها.

وإلى رسالة الرابطة القادمة نستودعكم الله.

والله ولي التوفيق


A S Shakiry

إتصل بنا