This site uses cookies for analytics and personalized content. By continuing to browse this site, you agree to this use.
We have updated our Privacy Notice, click here for more information Acknowledged


رسالة الرابطة الأسبوعية 52

منظمات المجتمع المدني بين الشك واليقين

لقد أثارت مسودة قانون المنظمات التي تقدمت به الحكومة إلى البرلمان لغرض تشريعه العديد من ردود الأفعال المضادة في أوساط المجتمع المدني العراقي وناشطيه، ولاغرابة في ذاك فلم تكن الطريقة المتسرعة التي قدم فيها، ولا النص والمضمون الذي ورد فيه واتسم بالتشدد والتكبيل بكل أنواع القيود تجاه نشاطات هذه المنظمات المجتمعية وعلى القائمين عليها والداعمين لها، ملبياً للطموحات، وبالتالي فلا غرابة أن تشعر هذه الأوساط بمحاولة فرض الوصاية بدل المساعدة والدعم الذي كانت تأمله.

لقد أعطت رسائل الرابطة الأخيرة التي نشرت في هذا الباب أهمية قصوى لهذا القطاع وبناءه بالشكل الصحيح فإعتبرته القطاع الإقتصادي الثالث، جنباً إلى جنب مع القطاع العام والقطاع الخاص، بالإضافة إلى دوره الحيوي في تقييم وتقويم ورفد البنى الإجتماعية والإنسانية التي تضمن الترابط والتكافل بين أفراد المجتمع أو المجتمعات التي يتكون منها نسيج العراق الخالد.

السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا ذهب المشرّع العراقي بهذا القانون إلى أقصى درجات التشدد والحيطة تجاه السلبيات المحتملة وأهمل الإيجابيات الممكنة والعوائد المؤكدة منه في صياغة النص القانوني الذي قدم، ولماذا أغفل دور وواجبات الدولة في تقويمه ودعمه بالشكل الصحيح ليأخذ الموقع البارز الذي يستحق، في بلد هو بحق من أعظم البلدان حضارياً وإنسانياً أول ما يعلم فيه أبناءه في المنزل وفي المدرسة هو حب عمل الخير لنيل رضى الخالق؟؟؟.

هناك من يبرر للدول هذا المنحى، وذلك بما يشاع من سلبيات لبعض القائمين بهذه المنظمات أو الشكوك في نوايا هذه المنظمات، وتعزز هذا الرأي بعد الحملة الإعلامية العالمية الجارفة التي أثارت الشكوك حول دور منظمات المجتمع المدني بعد الحادي عشر من أيلول، وتركزت على منطقتنا العربية والإسلامية كون العمل الخيري الإنساني ينبع بواعز ديني بالدرجة الأساس.

إن ربط الإرهاب بعمل منظمات المجتمع المدني في العديد من الدول كان له بالغ الضرر على مصداقية وأداء وتطور هذه المنظمات من دون تقديم الدليل أو البرهان على سيل التهم المعدة سلفاً، ومن دون وجه حق، وبالتالي لم يراعى أبسط قواعد التهذيب في التعامل مع هذه المؤسسات الإنسانية، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟؟؟.

حقيقة لابد من تأكيدها إن المنظمات الإرهابية ذات الأجندة الدموية في نشر مبادئها المضادة لكل القيم الإنسانية والمخالفة لكل القيم والقوانين، لن تتأثر بأية قيود تفرضها الدولة على منظمات المجتمع المدني، كونها ليست المستهدفة في ذلك فمثل هذه المنظمات تعمل في الخفاء ولايعرف لها مكان أو أمناء عمل بحكم طبيعتها السرية، وبالتالي فإن المجتمع والعمل الخيري هو الوحيد المتضرر من مثل هكذا إجراءات وتحفظات.

نحن نحسن الظن إن دوافع تشريع مسودة هذا القانون ليست لأهداف تسلطية كما كان متبعاً في الماضي، لكننا نرى أن هناك العديد من الوسائل التي من الممكن أن تكفل حماية هذا القطاع الهام من العبث إن أتبعت بالشكل الصحيح.

ونرى إن للمجتمع ككل، أفراداً ومنظمات الحق كل الحق في بحث أفضل السبل والوسائل القانونية لحماية هذا القطاع وبلورته ودفعه ليأخذ دوره المتناهي الحدود كما أسلفنا في رسائل الرابطة السابقة.

ونؤمن أن الحل بسيط جداً ويتمثل بالرقابة المالية التي على الدولة تطويرها ورفع كفائتها لتنال المصداقية المطلوبة وتنعكس بالإيجاب على مجمل العمل في هذا القطاع، كون الأموال المتداولة فيه والتي يخشى تسربها لغير أغراضها الإنسانية هي أمانة في رقاب المسؤلين الذين يشرفون على برامج أعمال المنظمات، وتعزيز المصداقية في هذا الركن الأساس سينعش الثقة ويشجع الجميع على المساهمة في العطاء.

إن نوع الرقابة المالية المطلوبة هو تقديم التقارير المالية الفصلية والسنوية وتدقيقها من قبل الجهات الرقابية في كل محافظة ونشرها على الملأ ليطلع الجمهور الذي يساهم في مجمل حركة منظمات المجتمع المدني، ثم يصار إلى جمع البيانات لغرض تحليللها واتخاذ القرارات الإيجابية من أجل دفع دور هذا القطاع لا أن يكبل العطاء مقدماً والذي يؤدي إلى اختناق نشاطات العمل في هذا القطاع الهام.

لقد سبق واقترحنا الكثير من الحلول الرقابية ليس على مستوى الدولة فحسب بل شاركنا كافة القطاعات المساهمة في دعمه وتنميته من تمويل وتطوع، وهذا ما انتهجناه مسار للعمل في رابطة المبرات العراقية ليكون الهدف نشر ثقافة البر والإحسان، ولو على حساب سرية المعلومات التي تدعو لها القوانين من منطلق حماية الأفراد والمنظمات، فحماية العمل الخيري أولى وأوجب.

 

والله ولي التوفيق


A S Shakiry

إتصل بنا