This site uses cookies for analytics and personalized content. By continuing to browse this site, you agree to this use.
We have updated our Privacy Notice, click here for more information Acknowledged

العد العكسي» لخفض وفيات الأمهات والأطفال في 68 دولة
06/05/2008

 

كيب تاون (جنوب افريقيا) - ناجية الحصري- الحياة

«هل أشارككم مأساة نساء بلادي؟»، سألت السيدة الأفريقية التي اعتلت المنبر، أثناء مؤتمر «العد العكسي لعام 2015 لخفض وفيات الأطفال الرضع والنساء أثناء الولادة»، الذي، عُقد في كيب تاون في جنوب افريقيا، بين 17 و19 نيسان (أبريل) الماضي، ثم راحت تقص عليهم حكايات عن أدغال وصحارى، يعيش فيها أناس أسقطهم العالم من حاضره.

قالت إن عملية الولادة ليست كالإصابة بالملاريا... «تصيبك الحمى فترقد، تحس بالتعب برجليك، وتدمع عيناك، وتصارع الملاريا، وتتعايش مع المرض في كر وفر. ولكن، حين تحس النساء بآلام المخاض، عليهن قطع كيلومترات طويلة للوصول إلى اقرب مركز صحي».

وتروي عن امرأتين كانتا تسيران في طريق ريفية في أوغندا. إحداهما على وشك الولادة، والأخرى تحمل دلو ماء... «المستوصف يبعد نحو 10 كيلومترات عن قريتهما. وتابعت: «كنت اعبر في سيارتي، عندما شاهدتهما. وبعد ثلاث ساعات، سلكتُ الطريق نفسها ورأيتهما: الأولى تحمل رضيعاً وتنزف، والثانية تحمل الدلو وقد فرغ، تتابعان السير باتجاه المستوصف. الأم والمولود معرضان للموت... وهكذا يقضي نحو 10 ملايين امرأة وطفل سنوياً، جلهم من القارة الأفريقية... من يتطوع للموت هذه الأيام؟ لماذا المطلوب من هؤلاء النساء ان يتطوعن للموت؟».

ومثل ذلك عشرات الأسئلة التي طرحت على طاولة المؤتمر الذي جمع ممثلين عن 61 دولة من اصل 68 دولة مصنفة على أنها من اكثر الدول التي تشهد ارتفاعاً في نسبة وفيات نسائها أثناء الحمل والولادة وأطفالها قبل سن الخمس سنوات، في محاولة للبحث عن أسباب الإخفاقات منذ عام 2005 وحتى اليوم في خفض نسبة الوفيات، وعن أساليب لتذليل العقبات التي تعترض قدرة هذه الدول على ملاقاة المهلة المحددة بعام 2015 لتحقيق البندين الرابع والخامس من ضمن ثمانية أهداف وضعتها منظمات الأمم المتحدة للألفية الثالثة.

على مدى ثلاثة أيام وضع ممثلو هذه الدول من وزراء صحة أو من ينوب عنهم أعباء بلدانهم على طاولة المؤتمر، فبدا الحمل ثقيلاً. دافع المتحدثون عن أداء بلدانهم القاصر عن خفض نسبة الوفيات، تحدثوا عن عدم دقة الإحصاءات وعن غياب الدعم المطلوب دولياً وعن المديونية العالية وعن العادات والتقاليد وعن نقص حاد في الكفاءات البشرية.

وزيرة الصحة في جنوب افريقيا مانتومبازانا تسابالالا طالبت بضرورة فتح الأسواق العالمية أمام المزارعين الأفارقة لرفع المستوى المعيشي في البلدان الأفريقية الفقيرة وأشارت الى الهوة بين الشمال والجنوب، وشكت ممثلة عن المجتمع المدني النيجيري «من البرلمانات الأفريقية غير المخضرمة نظراً الى حداثة التجربة الديموقراطية فيها»، وسألت عن كيفية تحريك هذه البرلمانات لحضها على التشريع لمصلحة النساء والأطفال «فالمشكلة عندنا ان البرلمانيين يعرفون خطورة المشكلات لكن لا تصور لديهم لكيفية المدافعة عن النساء والأطفال»، وقال طبيب أثيوبي ان في برلمان بلاده 76 نائباً من الرجال ومثلهم من النساء، «لكنهم دائماً يلومون الجهاز الطبي على عدم توفير سيارات الإسعاف لنقل النساء الى المراكز الصحية من اجل ولادة آمنة، هم يسألون دائماً أين الإسعاف؟ وأنا أناشدهم ان يشتري كل نائب سيارة إسعاف واحدة والعمل في اتجاه تدريب قابلات قانونيات فنحل جزءاً من المشكلة»، وسأل ناشط من زامبيا: «الا يستطيع 54 ألف برلماني في العالم ممارسة الضغوط على حكومات بلدانهم لتحسين صحة النساء والأطفال في الدول المعنية؟»، وقال: «إن هناك أموالاً طائلة تخصص لبرامج تتعلق بمكافحة مرضي «الايدز» والملاريا لكن الأموال قليلة للبرامج المتعلقة بالأطفال والنساء ومن الصعب تحريك الأموال من برنامج الى آخر، المطلوب مرونة من الدول المانحة في هذا المجال»، وقال طبيب أفغاني شغل منصب وزير صحة سابق إنه يؤمن بأن «الصحة هبة من الله يحتاجها كل إنسان ويستحقها، ومفهوم الصحة تغير في العالم، فلم يعد محصوراً بالمختبر والعلاج، انه يتعلق بحياتنا ويؤثر فيها في شكل مباشر أو غير مباشر، عندما يتعمم هذا المفهوم يصبح صنّاع القرار اكثر فهماً لمعرفة ان كل الأمور مرتبطة بالصحة، ان تغير المناخ على علاقة بالصحة ... وحتى الإرهاب على علاقة بها، وعندها لا تصبح الصحة مسؤولية منظمات دولية كـ "يونيسيف» أو منظمة الصحة العالمية أو صندوق الأمم المتحدة للسكان إنما يصبح كل شخص مسؤولاً».

ولفت ممثل عن غانا الى ضرورة إيجاد «تحالف على المستوى المحلي لملاقاة الأهداف الموضوعة»، أما ممثل الكونغو فدعا برلمانيي العالم الى الضغط على برلمانيي بلاده «كي لا تغيب المرأة والطفل عند وضع الموازنة»، وقال ممثل عن اليمن: «لسنا اللاعبين الوحيدين، فهناك الممولون، ولا اعتقد ان حضورهم كاف في هذا المؤتمر».

على مدى ثلاثة أيام لم يكتف ممثلو المنظمات التابعة للامم المتحدة ومنها البنك الدولي وعدد من الشركاء مثل جامعة آغا خان والمنظمة العالمية لـ "العناية بالعائلة» و "رابطة أطباء الأطفال العالمية» و "الشراكة من اجل صحة الإنجاب والرضع»، ومنظمة «انقذوا الاطفال»، و "الوكالة الأميركية للتنمية الدولية» ومجلة «لانست» البريطانية، بالاستماع الى ممثلي الدول بل شاركوا بدورهم في وضع خلاصات عملهم في الدول الـ68 على الطاولة. اعترفوا بأن أفريقيا أصبحت افضل مما كانت عليه قبل عقدين من الزمن، لكن ثمة حاجة الى التركيز على حاجات تتجاوز الأهداف الثمانية التي وضعت للألفية الثالثة، فهناك حاجة للتركيز على توفير الأمن والاستقرار، وتأمين التيار الكهربائي مثلاً، والحاجة الى تقوية مؤسسات الدولة في أفريقيا، وهناك حاجة الى تحريك التعهدات السياسية والمالية للوصول الى الأهداف وحاجة الى إنتاج أطر للمراقبة وتشريع العمل في شكل افضل وإنتاج أنظمة صحية اكثر فاعلية.

قالت نائبة المديرة التنفيذية لصندوق الأمم المتحدة للسكان بورنيما ماني: «ان معظم الدول التي لا تزال تواجه صعوبة في خفض نسب وفيات أطفالها ونسائها تحتاج الى إعادة تحديد الأولويات، ان المجتمعات يحكم عليها من كيفية معاملتها النساء والأطفال، فلنحكم عليها وفق ذلك فقد يدفعها الأمر الى تفعيل حمايتها لهم»، وقالت أيضاً: «تبقى ست سنوات و289 يوماً لتحقيق الهدفين، والفشل ليس خيارنا، انها فرصة جديدة أمام الدول للدفع في اتجاه احداث التغيير».

وشدد رئيس منظمة «المراقب» الأفريقية القس نجونغونكولو ندونغاني على دور البرلمانيين في حض الحكومات على تحقيق الأهداف التي تعهدوا الوفاء بها، فيما لفت رئيس تحرير مجلة «لانست» البريطانية ريتشارد هورتون الى ان «السياسات عندما تنحو منحى خاطئاً تنتج مآسي وحروباً وكوارث، لأن السياسة السيئة تقتل، والمطلوب سياسات واقعية ومتفائلة لحماية كرامات الناس وقيمهم»، وكررت مساعدة المدير العام لمنظمة الصحة العالمية ديزي مافوبيلو تأكيد أهمية دور البرلمانيين في إنجاز المطلوب فيما تحدثت رئيسة منظمة «العناية بالعائلة» العالمية آن ستارز عن أهمية تنشيط دور المجتمع الأهلي في أفريقيا للعمل مع البرلمانات لتحديد الأولويات والسعي الى تحقيقها»، أما رئيس «الرابطة العالمية لأطباء الأطفال» شوك وان تشان فشدد على دور أطباء الأطفال في رسم السياسات في مجتمعاتهم «لأنهم يعرفون حاجات الأطفال اكثر من السياسيين ويمكن اخذ مشورتهم»، اما النائبة النروجية فين مارتن فالرن فشددت على أهمية مراقبة صرف الأموال الممنوحة لتصل الى من يحتاجها.

وعرض عضو مجلس النواب الياباني يوشيو ياتسو تجربة بلاده بعد الحرب العالمية الثانية في مكافحة السل والوقاية من الأمراض، وقال انه منذ ستينات القرن الماضي «نجحت اليابان في رفع معدل عمر اليابانيين الى سن الـ70 سنة ومن ثم الى 86 سنة واليوم الى 93 سنة»، مشيراً الى ان بلاده تركز على مسألة التخطيط العائلي لخفض وفيات الأطفال كما تعمل على مساعدة دول آسيوية محيطة على وضع تشريعات صحية وهي من اكبر المانحين في الأمم المتحدة في القضايا التي تتعلق بأهداف الألفية الثالثة كما نعمل مع برلمانيين أفارقة لمعرفة النموذج الذي يمكن اتباعه في بلدانهم من ضمن الجهود العالمية للتعاون.

كان انعقاد المؤتمر على بعد أمتار من انعقاد المؤتمر الـ118 لـ "مجلس الاتحاد البرلماني المشترك» الذي شارك فيه نواب من الدول المتطورة والنامية على حد سواء، انجازاً في حد ذاته وصفته نائبة المدير لمنظمة «الشراكة من اجل صحة الاطفال والرضع والنساء» فلافيا بوستريو بأنه «بداية خطوة معاً»، لأن القيميين على المؤتمر تمكنوا من استقطاب نواب الى قاعتهم لاشراكهم في جلسات معلنة وأخرى غير معلنة في عملية «العد العكسي للعام 2015»، وقالت: «أوجدنا عداً عكسياً على مستوى الدول وحضينا الحكومات والبرلمانات على الالتزام بما تعهدت به والتفتيش عن ميكانيكيات بديلة لتلك التي أخفقت»، ولفتت الى «ان الخطوة المقبلة هي لرفع العد العكسي الى مستوى إقليمي وصولاً الى إشراك رؤساء الدول في مؤتمر يعقد في عام 2010».

لا شك في ان غياب دول مثل العراق وكينيا وتشاد عن المؤتمر في شكل كامل، شكل علامة استفهام كبيرة عن معنى خفض وفيات الأطفال في دول تفتقد الى الاستقرار الأمني ويُقتل فيها أطفالها ونساؤها يومياً، لكن بعض القيمين على المؤتمر، وعلى رغم اعترافهم بأن الصراعات «تشكل تحدياً جدياً أمام تحقيق أهداف الألفية الثالثة على مستوى الحكومات ووصول الناس الى الخدمة الصحية»، أشاروا بأصابعهم الى تجربة النيبال «البلد الذي على رغم صراعه الداخلي تمكن من تحقيق تقدم ملحوظ في خفض وفياته»، وفي المقابل اعتبروا «ان استمرار الصراعات يعني فشل المجتمع الدولي وعلينا ان نجبره على حل هذه النزاعات».