بغداد - ملاذ الامين- الصباح
عادت"ام كرار " الى منزلها في منطقة حي الخضراء بعد ان تركته وعائلتها على اثرمقتل زوجها امام انظارها في تموز من العام الماضي الا انها فوجئت بوجود سكان غرباء فيه اخبروها بانهم مهجرون من منطقة اخرى
وان احد المسؤولين قد دلهم على المنزل ليتخذونه سكنا ريثما يتم ترتيب امورهم، ام كرار تحتفظ بذكريات جميلة في منزلها لا تشوهها إلا ذكرى قتل زوجها التي طغت على كل الذكريات، ذكرى مأساوية كلما استعادتها رفعت يدها الى السماء لتستنجد بقوة القوي الجبار.
"تقول "ام كرار" انها اضطرت الى ترك منزلها بعد عملية اقتحامه من قبل مسلحين وقتل زوجها واصيبت بناتها باطلاقات في مناطق مختلفة وتشكر الله ان كرار كان في ذلك الوقت خارج المنزل والا كان لقي مصير والده لكنها تذكر كلمات كررها احد المسلحين يطلب منها مغادرة المنطقة خلال ثلاثة ايام والا فانهم سيلقون ذات المصير...
ام كرار طلبت النجدة من جيرانها بيت "ام عمر" الا ان احداً لم يستجب لها فاتصلت باقرباء لها نافذين اتصلوا بالقوات المسلحة الذين انتشلوا جثة الزوج وبعض الاثاث وتم نقلهم و ابنتيها خارج العراق للعلاج .
ومنذ ذلك الوقت من تموز 2007 بدات رحلة "ام كرار" مع عائلتها للمهجر لتقلب صفحات بعيدة عن حياتها بعيدة عن ذكرياتها وعن كل ماالفته من حب ورفاهية في بغداد في ظل اسرة وجيران وصاحب المخزن والاسواق ومدارس الاطفال .
وكما يبدو ان قصة "ام كرار" تتكرر في الجانب الاخر فهي كانت تسكن في منطقة تسيطر عليها تنظيمات القاعدة الذين قاموا بتهديد العوائل او تصفية جميع من له علاقة بالدولة او بالقوات المسلحة وصاحبت تلك العمليات عمليات تهجير مكثفة وضحايا والآم وقتل بالجملة واستباحة الاموال وسرقة كل ما يتركه المهجر باعتباره غنائم.
عكس الصورة
بالمقابل كانت العائلة التي تسكن في دار "ام كرار"مهجرة من منطقة الحسينية شمال شرق بغداد .يقول رب العائلة "ابو عبد القادر" انه يملك دارا في منطقة الحسينية يسكنه منذ خمسة عشر عاما الا ان الاشهر التي اعقبت تفجير مرقد الاماميين العسكريين في سامراء كانت ذا وقع مر اذ كانت انفاسنا تحسب من قبل الميليشيات المسلحة الذين لم يتورعوا عن قتل وسحل اي شخص في تلك المنطقة ولقد تسلمت عدة تهديدات بالقتل او الرحيل من المنطقة لكني لم استجب في البداية الا ان عملية اطلاق النار على باب داري جعلني اتخذ قرارا سريعا بضرورة ترك المنزل والهجرة مع عائلتي المكونة من والدتي وزوجتي وخمسة اطفال الى سوريا وكان ذلك في شهر حزيران من عام 2006 حيث بحثت عن عمل هناك لكني لم افلح وبقينا نعيش على المساعدات التي يبعثها اخواني واهلي في العراق وبعض الاصدقاء كي نواصل الحياة في رحلة متعبة ومملة في سوريا على امل ان تنفرج الازمة ونعود الى دارنا في القريب وهذا الامل استمر يراودنا دون اية بادرة لتحقيقه .. ومع تأزم امورنا المالية وصعوبة العيش في سوريا بعد سنة وثلاثة اشهر قررنا مع عدد من العوائل العراقية التي كانت تشاركنا همومنا بالعودة الى الوطن وسكنت في دار اخي في حي الخضراء وخلال حضوري لصلاة الجمعة جلس الى جانبي احد الرجال عرفه لي اخي بانه مهتم بمساعدة المسلمين وحل مشاكلهم وعندما طرحت مشكلتي ارشدني الى الدار التي اتخذتها للسكن متمنيا عودة اهله للتفاهم معهم حول قيمة الايجار الذي يرغبون باستلامه مقابل الفترة التي سكنت فيها المنزل .
واضاف "ابو عبد القادر" صحيح اني وجدت اثاثا مبعثرة ووجدت الباب الرئيسي للدار مكسورا كما وجدت اثارا من الدماء على الجدران ودماء كثيرة على الارض فقمت بعزل الاثاث العائد لصاحب الدار في احدى الغرف وتم تنظيف الدار واعداده للسكن .
واوضح ان لقاءه بصاحبة الدار كان مبهجا بالنسبة له وانها لو طلبت منه اخلاء الدار لاخلاه في ساعتها الا انها عفت عن ايجار الاشهر السابقة وحددت ايجارا يدفعه نهاية كل شهر مشيرا الى انها قد تفكر ببيع دارها لانه يحمل ذكرى اليمة بالنسبة لها .
وذكر "ابو عبد القادر" ان داره في الحسينية سكنه عدد من العوائل الاخرى التي هجرت من بعقوبة خلال الاحداث السابقة، مشيرا إلى انه ليس كل العوائل تهتم بالدور التي تسكنها فداره مثلا بحالة يرثى لها الا انه لا يفكر ابدا بالعودة اليها وكما تفكر ام كرار فانه يرغب ببيع داره للسكن في مكان امن اخر بعيدا عن الميليشيات المتنفذة والمسلحين الذين يهددون الحياة المستقرة.
محنة المهجرين العراقيين
وتفيد الارقام الرسمية لوزارة الهجرة والمهجرين ان عدد العراقيين الذين تركوا مناطقهم بعد تفجيرات سامراء بلغ مليوني مواطن ، منهم مليون ومئتان داخل العراق و800 الف خارجه اضافة الى المهجرين العراقيين في الخارج الذين هربوا منذ زمن النظام السابق والاخرين الذين التحقوا بهم عند تغيير النظام فضلا عن اصحاب رؤوس الاموال العراقيين الذين هددوا او اختطفوا ورجال العلم والاطباء وغيرهم ممن هاجر تجنبا لاعمال العنف قبل تفجيرات سامراء في شباط 2006 . صادر الامم المتحدة تؤكد ان عدد المهاجرين العراقيين واللاجئين في دول العالم يبلغ اكثر من مليوني مواطن فيما تشير الاحصاءات غير الرسمية الى ان اعداد المهجرين غير المسجلين رسميا في الداخل تتجاوز المليون ونصف المليون مواطن. يقول النائب باسم الحسني عضو لجنة المهجرين والمرحلين والمغتربين في مجلس النواب ان اعداد المهجرين داخل العراق بعد احداث سامراء لا يمكن احصاؤها بشكل دقيق نظرا لعزوف اغلب المواطنين عن تسجيل اسمائهم لدى مكاتب المعلومات في المجالس البلدية خوفا من الملاحقات ويفضل هؤلاء ان يكونوا متنقلين بسبب الظروف المعيشية او بسبب العمل .واوضح ان الحكومة وبالتعاون مع هيئة الهلال الاحمر شيدت مخيمات في بغداد والموصل والنجف وكربلاء لاستيعاب المهجرين قسرا فيما استقبل اقليم كردستان الاف العوائل المهاجرة من البصرة وبغداد وسامراء والانبار فيما تم بناء دور للمهجرين بواقع 300 دار في بغداد من قبل مجلس المحافظة ومثلها في النجف .
اما بخصوص مهجري الخارج فان اجراءات الحكومة مازالت دون المستوى رغم انها منحت مبلغ مليون دينار للعوائل العائدة الا ان اجراء ادامة الامن لهذه العوائل في مناطق سكنها مازال يسير بخطى بطيئة، فكثير من العوائل التي عادت من الخارج واستلمت المنحة اضطرت لترك منازلها الاصلية بعد تلقيها تهديدات جديدة في رحلة ثانية من التهجير .
ويرى الشيخ مازن الشيحاني رئيس لجنة المهجرين في مجلس محافظة بغداد ان اجراءات الحكومة في توطين المهجرين في مناطق غير مناطقهم الاصلية تغييرا لديمغرافية بغداد المختلطة بجميع القوميات والطوائف منذ اكثر من خمسة عقود .
وطالب الشيحاني بزيادة المبالغ المخصصة للعائدين من المهجر وتوفير الامن لهم بعد عودتهم واتباع الاجراءات القانونية ضد مستغلي دور المهجرين .
واكد ان مجلس المحافظة اعاد خلال شهر شباط الماضي اكثر من خمسين عائلة مهجرة الى منطقة ابوغريب بالتعاون مع المجالس المحلية والعشائر الى جانب 26 عائلة في التاجي و450 عائلة في السيدية و 622 عائلة في الدورة و64 في المدائن و8 عوائل في الزعفرانية و232 في بغداد الجديدة وعوائل كثيرة عادت دون تسجيل بسبب تحسن الوضع الامني وانتهاء مراحل العنف الطائفي.
واشار الشيحاني الى ان خطة المجلس هو اعادة جميع العوائل شريطة استمرار التحسن الامني واتخاذ الاجراءات القانونية ضد العناصر التي تهدد او تجبر المواطن على ترك منزله مبينا ان المجلس سيتخذ عدة اجراءات لنشر ثقافة اللاعنف والتحاور والتعايش السلمي بين مختلف
الاطياف.
اجراءات حكومية
وضعت المنظمة الدولية للهجرة بالتعاون مع وزارة الهجرة والمهجرين ومنظمات أخرى آليات لمساعدة العراقيين الراغبين بالعودة إلى بلادهم.
و أكد وزير الهجرة والمهجرين" عبدالصمد رحمن " : ان الحكومة العراقية ترغب بمساعدة جميع المهجرين العراقيين الراغبين بالعودة الى بلادهم لذلك فقد اعدت خطة بالتعاون مع منظمة الهجرة الدولية وعدد من المنظمات المتخصصة في هذا الشان من اجل تسهيل عودة الراغبين من العراقيين المهجرين ومساعدتهم مشيرا الى ان هذه الآليات ستنفذ بعد إنتهاء الفصل الدراسي الحالي وتتضمن مساعدات مالية محدودة لتمكين العائدين من إيجاد مسكن لهم أو تنفيذ مشروع صغير يوفر لهم لقمة العيش. وقال مدير دائرة الشؤون الإنسانية في الوزارة أن تعويضا سيقدم للعائدين تتناسب مع حجم الأضرار التي أصيبوا بها، وإن ميزانية رصدت لذلك بقيمة 195 مليون دولار، تشمل الأضرار التي أصابت دورهم ونقل العوائل المتجاوزة على ممتلكات غيرها.
من جهتها وأوضحت ميساء خليل رئيسة قسم تنمية القدرات في المنظمة الدولية للهجرة أن التعويض لن يقدم لجميع العائدين، بسبب اختلاف أوضاعهم فالعائدون من بريطانيا يحصلون على تعويضات من حكومتها بقيمة ثلاثة إلى خمسة آلاف جنية استرليني في حين لن يحصل العائدون من لبنان على أي تعويض من حكومتها أو أية جهة أخرى، لذا لا يمكن المساواة بينهم.
و في سياق جهود الوزارة للتخفيف عن كاهل العائدين قال الوزير انه تم اعداد مسودة مشروع توزيع الاراضي السكنية على العوائل العائدة من المهجرين والمهاجرين وبدون بدل نقدي بالاضافة الى الـ(20) دونماً التي حصلت عليها من مجلس الوزراء لغرض انشاء المجمعات السكنية عليها في جميع محافظات العراق حيث تم توزيع عدد من قطع الاراضي في ميسان وذي قار.