لم يكن الطفل وعد وحده من يبيع قطع قماش تستخدم لمسح الغبار عن السيارات، فهناك الكثيرون بعمره أو أقل من الذين دفعهم فقر الحال للعمل بمهن مختلفة في مشهد يجعل من عمالة الأطفال في مدينة كربلاء ظاهرة تضع تساؤلات حول مستقبلهم وإجراءات الدولة في إيجاد الحلول لها.
كان وعد (12 سنة) يقف متكئا على عمود الكهرباء قرب تقاطع الإشارة الضوئية، ما أن أوقف شرطي المرور حركة المركبات بالاتجاه القادم إلى وسط المدينة حتى أسرع ليخرج قطعة قماشه الصغيرة ويبدأ يمسح زجاج السيارات الصغيرة لعل احدهم يمنحه شيئا من المال.
يقول وعد للوكالة المستقلة للأنباء (أصوات العراق) إن موت أبيه في حادث انفجار اضطره للعمل حتى يعيل والدته وإخوته الخمسة، مضيفا إن شقيقه حسين الذي يكبره بسنتين يعمل أيضا في كراج تصليح السيارات في احد محلات الحي الصناعي "حيث نخرج من الصباح الباكر للعمل وبالنسبة لي لا أعود حتى اجمع مبلغا معينا لتتمكن والدتي من شراء الطعام والملابس ودفع إيجار البيت".
ويقول وعد إن "ظروف العمل" وإعالة عائلته دفعته لترك المدرسة التي تتطلب مصاريف كالملابس والكتب والقرطاسية وغيرها.
في الجانب الآخر من نفس التقاطع تجد فتاة ترتدي عباءة بالية تبيع المناديل الورقية الصحية، والى جانبها طفلة بملابس رثة تتسول من المارة وأصحاب السيارات، ما لبثتا أن توارتا عن الأنظار في زحمة احد الأسواق الفرعية.
أما قاسم الذي يبلغ من العمر 14 عاما فهو يحمل على رأسه صينية على رأسه وفيها حلويات متنوعة يدور بها على دوائر الدولة وهو يعمل لدى صاحب محل لبيع الحلويات.
يقول قاسم الذي يعاني والده من الشلل بسبب تعرض لإصابة في حادث انفجار "إذا بعت الحلويات كلها فان أجري اليومي خمسة آلاف دينار" أي نحو أربعة دولارات.
وحول تركه المدرسة قال "كان علي أن اخرج للعمل وترك المدرسة التي طالما حلمت أن أكون مهندسا في يوم ما".
الموظفون في احدى تلك الدوائر الذين اعتادوا رؤية وجه قاسم يوميا يشترون منه ما يحمله من بضاعة يصل سعرها حسب قوله إلى 25 إلف دينار (نحو 20 دولارا).
عمالة الأطفال ليست مقتصرة على كربلاء، التي تقع على مسافة 110كم جنوب غرب العاصمة بغداد، أو العراق بل هي ظاهرة عالمية تمليها الظروف كما تقول المدرسة نهلة عبد الواحد "لا أعارض خروج الأطفال للعمل بشرط مواصلة الدراسة".
ولا توجد إحصاءات رسمية حديثة حول الظاهرة في المحافظات العراقية، وكان آخر تقرير صدر عام 2004 اظهر إن نحو مليون و 300 ألف طفل تتراوح أعمارهم بين 8 و16 عاماً يعملون ، وهذا يمثل 6.1 في المئة من السكان. وعزا عمالة الأطفال إلى إن "وفاة وإعاقة وبطالة معيلي هؤلاء الأطفال جعل من بعضهم العائل الوحيد لأسرهم."
ولا تقتصر عمالة الأطفال في كربلاء على الأولاد فقط بل شمل حتى البنات لكن بسبب طبيعة المجتمع الذي لا يسمح بدفع البنات للعمل في الشارع خوفا عليها واذا لم تكن متسولة تزج بأعمال الخياطة والتطريز وصناعة القلائد والمسبحات (جمع مسبحة، وهي مجموعة من الخرز الصغير المثقوب لا تزيد عن 101 منتظمة في خيط تستهوي عادة الرجال والنساء من كبار العمر) والترب (وهي قطع طينية صغيرة مدورة في الأغلب قطرها نحو 6 سم وسمكها نحو 2 سم يستخدمها المسلمون الشيعة في أثناء الصلاة).
آمنة ( 14 عاما) تقول "لقد تعلمت مهنة السبح والترب من والدتي وأخواتي الكبيرات حيث كانت أمي تذهب لأصحاب المعمل وتتفق معهم على تغليف الترب ولضم السبح مقابل مبلغ مالي معين يعتمد على كمية الإنتاج"
وقالت "حين مات والدنا وأنا صغيرة كان لزاما أن نعيش بكرامة .. وقد تركت المدرسة لأننا نريد أن نعيش."
ناهدة عمرها تسعة أعوام تقول إنها تعلمت الخياطة منذ عامين وأجادت هذه المهنة بحيث جعلتها قادرة على مساعدة عائلتها.
وأضافت "المدرسة لا تعيل والعمل داخل البيت علمني الصبر والادخار وعدم طلب المساعدة من أي شخص مهما كان والاعتماد على النفس".
وترى المدرسة نهلة وهي ناشطة في مجال حقوق الإنسان ان "على منظمات المجتمع المدني أن تستثمر العطلة الصيفية بتعليم الفتيات والصبيان مجموعة من المهن والصناعات البسيطة كالحياكة والخياطة والتطريز وصناعة الزهور والنجارة والحدادة بمستوى يتلاءم مع أعمار الأطفال ويتطور معهم كلما كبروا".
أما الدكتور عبد العزيز الغانمي وهو طبيب أطفال فيتناول ما يتعرض له الأطفال نتيجة قيامهم بالأعمال وخاصة التي تضطرهم أن يكونوا في الشوارع فيقول "عمل الأطفال في سن مبكرة يعرضهم للإصابة بالكثير من الأمراض خاصة في أيام الشتاء كالالتهابات المختلفة لبرودة الجو فضلا على تعرضهم لأشعة الشمس الحارقة أيام الصيف مما يؤدي إلى إصابتهم بأمراض ضربة الشمس والتيفوئيد وغيرها من الأمراض".
إلا إن الغانمي يستدرك موضحا بأن مرحلة الطفولة لها امتيازات يفقدها الأطفال العاملون، ويقول إن "مرحلة الطفولة تمتاز بالمرح واللعب والحركة لذا فالطفل العامل يحرم من اللعب والمرح والحركة مما يؤدي إلى مشاكل نفسية وشوق دائم لتعويض هذا الحرمان حتى بعد أن يصبح ناضجا".
من جانبه قال مدير التقاعد والضمان الاجتماعي المهندس عدنان العامري إن القانون العراقي الخاص بضمان حقوق الطفولة المستندة إلى القانون الدولي يمنع تشغيل الأطفال دون سن العمل والبالغ 15 عاماً.
وأضاف العامري "الضمان الاجتماعي يشمل كل العمال العاملين في القطاعين الخاص والمختلط ما فوق سن 15 عاما بالضمان الاجتماعي كالعلاج والطبابة ودورات مهنية كانت تنظم سابقا فضلا على الإحالة للتقاعد عند وصوله السن المناسب."
واستدرك "أما الأطفال أو ما نسميهم الأحداث فلا يشملون بأي شي يذكر" مبينا انه "بما أن أغلب العوائل التي تدفع بأولادها للعمل هي من العوائل الفقيرة والكادحة خاصة الفاقدة لمعيلها لذلك يستلزم من الرعاية الاجتماعية شمولهم بالإعانة الاجتماعية الشهرية".
ودعا الحكومة المركزية والمحلية إلى الاهتمام بالطفولة وإصدار قرار يمنع بموجبه تشغيل الأحداث في المعامل أو الورش الأهلية ويعرض صاحب العمل للمسائلة القانونية.
ع ن (تق)- ح إ ح
لمزيد من الاطلاع اضغط على الرابط التالي: