هل تحول الوطن العربي لمجتمع من المترفين فغابت مشاريع الإسكان الاقتصادي
علاء محمود علاونة- الاردن
اختتم في دبي المعرض العقاري الأكبر في المنطقة العربية سيتي سكيب 2007 وتميز هذا المعرض كما نسخه السابقة بطرح شركات من مختلف الدول العربية مشاريع بعشرات المليارات من الدراهم، حتى بات المتنقل بين جنبات المعرض يسمع بلفظة المليار ولا يستغربها كما هو الحال في السابق عندما كان الشخص ينتفض لسماعه رقم المليون، والأرقام المرتفعة لم تقتصر على حجم المشاريع التي تدل على حاجة الكثير من الدول العربية للمشاريع السكنية، وإنما صار سماع ثمن الوحدة السكنية الواحدة يحتاج إلى مترجم للإنسان العادي حتى يفهمه بعد أن يتبادر لذهنه أنه يستمع لسعر فيلا في الريفيرا الفرنسية بينما الواقع أن ما يعرض عليه ثمن شقة متواضعة المساحة على أطراف مدينة عربية واعدة.
معرض سيتي سكيب والذي يكشف عن ثورة كبيرة في عالم العقار تشهده مختلف الدول العربية التي أعلنت عن مشاريعها من خلال المعرض، يبحث عن التساؤل عن مدى تلبية هذه المليارات لحاجة الإنسان العربي الملحة للسكن؟ وهل ستعوض كل هذه المشاريع العربي عن سنوات الانتظار التي عاشها لاهثا وراء سقفٍ يأوي إليه هو وأسرته؟ وهل ستحل مشكلة السكن التي نسمع عنها في كل الدول العربية غنيها وفقيرها؟ والعديد من الأسئلة التي لا تجد من يجيب عليها وسط الإعلانات المتكررة عن أضخم مشروع وأطول ناطحة سحاب.
ولكن الحقيقة التي يكشف عنها هذا النوع من المعارض أن العالم العربي بات يعيش مرحلة جديدة وهي تأمين المساكن العديدة لمن يستطيع أن يدفع في مختلف المدن فالشخص نفسه يشتري في دبي ودمشق والدار البيضاء، ولكن ماذا يتوفر لغير القادر في معارض الإسكان؟ وأين هي مشاريع محدودي الدخل؟. شكل معارض الإسكان توفر ولو جزئياً تفسير لسهولة حصول الفرد العربي على الإسكان الفاخر في مقابل صعوبة توفير السكن الاقتصادي للشرائح الاجتماعية التي لا تستطيع الدفع أكثر، وطبيعة الاستثمار العقاري المعلن عنه يقود إلى توقع استمرار النقص في عدد الوحدات السكنية المطروحة لذوي الدخل المحدود في الدول العربية على مدى سنوات قادمة.
ولتبيان واقع حاجة المجتمعات العربية للإسكان تدل الأرقام أن حاجة الدول العربية للسكن الفاخر تتراوح حول ما نسبته (5%) من مجموع احتياجات الدول العربية مقابل (20%) للسكن المتوسط بينما تبلغ الحاجة لوحدات الإسكان الاقتصادي (75%) من مجمل الاحتياجات، ولكن متابعة المشاريع العربية في الإسكان التي طرحت خلال السنوات الماضية والتي تشهد فورة في قطاع البناء العقاري يلاحظ بوضوح غياب الاهتمام بتأمين الإسكان لذوي الدخل المتوسط والمحدود، باستثناء بعض المشاريع التي تطرح في دولة عربية هنا وأخرى هناك لتلبية الحاجة الملحة لتأمين السكن لمحدودي الدخل والذين لا يستطيعون مجرد التفكير في السؤال عن قيمة الوحدات السكنية التي تطرح بكثرة في دولهم لعلمهم بأنها موجهة لأصحاب الدخول المرتفعة.
ولكن المبررات التي تطرحها الشركات العقارية في تفسير هذا الواقع تعتبر منطقية بالمنظور الاقتصادي، فهذه الشركات تستهدف الربح المادي الذي يبحث عنه المساهمون وهي تستطيع تأمين أرباحها من خلال مشاريع الإسكان الفاخر، والشركات ترى أن الجانب الاجتماعي لتأمين السكن يجب أن تقوم عليه الحكومات وهي تستطيع المساهمة في خبراتها من خلال شراكة بين القطاعين العام والخاص يكون هدفها تأمين الوحدات السكنية لذوي الدخل المحدود، ولكن هذا يستلزم أن توفر الحكومات جزء من تكلفة هذه المباني حتى تستطيع الشركات تنفيذها، فالحكومات تستطيع تأمين الأرض والخدمات العامة بتكلفة رمزية أو مجانية مقابل أن تؤمن هذه شركات التطوير العقاري وحدات سكنية بأسعار معقولة، ولكن أن تنفض الدول أيديها من موضوع الإسكان وتحاول أن تبرر العجز في توفير الوحدات السكنية لأصحاب الدخل المحدود بعدم استثمار الشركات الخاصة في هذا النوع من السكن يعتبر مبرر غير واقعي بنفس قدر عدم واقعية أن تطلق الدول فكرة تأمين السكن لمواطنيها.
ولعل فكرة الشراكة بين القطاعين العام والخاص في توفير السكن لذوي الدخل المحدود يمكن أن تكون بوابة لحل المشكلة المستعصية في الحصول على السكن، ففي دولة مثل مصر تتجاوز الحاجة فيها لثلاثمائة ألف وحدة سكنية هل نطلب من القطاع الخاص أن يؤمنها بدون ضمانات حصوله على الربح المادي الذي يحرك أي نشاط اقتصادي، والضمانات تكون بتوفير رقعة الأرض للبناء المخدومة بالبنية التحتية مع تأسيس قطاعات لضمانات الرهن العقاري، ففي مثل هذه الحالة سيكون هنالك بيئة مناسبة تدفع للكثير من شركات التطوير العقاري أن تسارع للاستثمار في هذا القطاع لأنها تعلم أنها تستطيع تأمين الربح المناسب من خلال بيعها لوحدات أكثر من حالة السكن الفاخر فيكون الربح على قاعدة البيع أكثر بسعر أقل، وهذا المثال ينطبق على الكثير من الدول العربية.
أن الإشكاليات التي تفرزها ظواهر فقدان السكن الاقتصادي لصالح السكن الفاخر ستؤدي إلى المزيد من التشويه في صورة المجتمعات العربية التي لم تعد تحتمل المزيد من هذا التشويه وهي بحاجة إلى إعادة تصحيح بجهود الجميع من القطاعين العام والخاص لوقف حالة الانفصام الحاد في المجتمعات ولنعيد الصورة لما نحب أن تكون عليه قبل أن نفقد أي محاولة للتصحيح.