اربيل - اصوات العراق
يخرج شوان بضعة أوراق يانصيب من جيبه ويمسك بالأخرى هاتفه النقال وهو يضحك بسخرية مرة قائلا "أصبحت اصرف نصف راتبي على تجربة الحظ من خلال رسائل الموبايل و قسائم اليانصيب فلم يبق لي سوى هذا الطريق ألجأ إليه للوصول إلى من أحب".
ويضيف للوكالة المستقلة للأنباء (أصوات العراق) "لقد ارتبطنا بعلاقة حب منذ ثلاث سنوات ولكن حين تقدمت للزواج بها فوجئت بأهلها يفرضون علي شروطا مادية تعتبر أكثر من تعجيزية بالنسبة لي".
"لقد حولوا حبيبتي إلى صفقة تجارية خيالية" يقول شوان (32 من السليمانية) بقلب متوجع.
وبدا الشاب يائسا وهو يطرق برأسه وينظر إلى الجوال في يده بحنان وكأنه يتذكرها من خلاله "أنها تستحق كل شيء ولكني لا املك كل ما يطلبه أهلها مني ليس الأمر بيدي".
تشبه قصة شوان قصة عدد كبير من الشباب الممتنعين عن الزواج لمختلف الأسباب في كردستان. فظاهرة تأخر قرار زواج شبابه أصبحت ملمحا اجتماعيا واضحا في المجتمع الكردي الذي بدا في الفترة الأخيرة يخرج من إطاره التقليدي متلقفا ثمار المدنية والعولمة.
ولا تصدر عن حكومة إقليم كردستان إحصاءات دورية عن عدد الزيجات السنوية في الإقليم، كما لا توجد إحصاءات معلنة من المحاكم الشرعية مثلما لا تتوافر في الإقليم منظمات غير حكومية تعنى بإحصاء حالات الزواج.
وكردستان هو الإقليم الشمالي من العراق ذي غالبية كردية يقدر عدد سكانه بأكثر ملايين نسمة، وهو مكون من ثلاث محافظات (السليمانية ودهوك وأربيل العاصمة) وتمتع الإقليم باستقلال ذاتي منذ عام 1992، وتدير شؤونه حكومة تضم 42 وزارة.
ولعل ارتفاع نفقات الزواج احد الأسباب كما في حالة كمال (من أربيل 32 سنة) الذي قال إن "كثرة مطالب الفتيات واشتراط البيت المستقل بالرغم من أزمة السكن و ارتفاع أسعار الإيجارات و فرض شراء المجوهرات والمصاريف الكثيرة على الشاب كلها أسباب وجيهة تجعل الشاب يغض النظر عن الزواج خائفا منها".
وتحاول افان أن تبدو واثقة لكنها ترى أن "العقبات ليست مادية فقط فهناك الكثير من العادات المتبعة لا يجوز للفتاة خرقها وإذا فعلت فمن الممكن أن ينظر المجتمع لها باستهانة".
وينتقد كمال التعامل الحكومي مع المسألة قائلا "للأسف لا تملك الدولة أية خطط للحد من هذه الظاهرة التي تعتبر خطيرة على الأمن الاجتماعي و قلما سلطت الأضواء عليها".
وبالرغم من أن حكومة إقليم كردستان قامت ولعدة مرات بإقامة حفلات زواج جماعي شارك فيها العشرات من المخطوبين إلا أن مسألة الزواج لا تزال من أهم المشاكل التي تواجه المجتمع الكردي. فالشروط الكثيرة التي تفرض من أهل الفتاة غالبا ومن جانب الفتاة نفسها أحيانا كثيرة، تجعل من الصعب على الشاب التقدم للزواج بالفتاة التي يختارها فيضطر في أحيان كثيرة إلى الانتظار أو العودة خائبا.
من جانبه اعتبر الناطق باسم حكومة إقليم كردستان جمال عبد الله أن من حق الشباب أن ينتقدوا حكومتهم، وقال لـ (أصوات العراق) "نحن نرحب بانتقاداتهم لأنهم يشعرون بأن حكومة الإقليم هي حكومتهم وعليها أن تستجيب لمطالباتهم".
وكشف الناطق أن الحكومة تدرس بناء شقق سكنية للشباب وأن "هناك مشروعا بهذا الشأن قدم لوزارة التخطيط
لكي تناقشه ليقدم بعدها إلى البرلمان والحكومة ورئاسة الإقليم لإقراره"، متوقعا انتهاء الدراسة المشروع خلال الأسابيع المقبلة، لتكليف هيئة الاستثمار بالتعاون مع الشركات الأجنبية بتنفيذه.
وأوضح عبد الله أن المشروع يتضمن بناء شقق لمن لا يمكنهم بناء مسكن.
وتابع بأن الحكومة "وفرت فرص العمل لمئات الآلاف من الشباب في الإقليم، وتلتزم بتقديم خدمات أكثر".
ولا تعتبر افان (34 سنة، عزباء) بعض المطالبات من الفتاة خطأ. ففي رأيها أن "من حق الفتاة أن تطلب من العريس ما يليق بها ولكن حسب المعقول".
أما أنور( 34 عاما) ففضل أن لا يتزوج جريا على مقولة "لن اجني على أبنائي ما جناه أبي علّي".
يلقي الشاب الثلاثيني تأخر زواجه على الظروف الأمنية والسياسية التي مرت على البلد.
"لن أجرؤ على إنشاء بيت و تحمل مسؤولية الزوجة والأولاد فلم أر منذ ولادتي سوى الحروب والتفجيرات ولن أعرّض أطفالي ما استطعت لنفس المحنة التي عانيتها في حياتي". يقول في لهجة أسى ممزوجة بالاستخفاف.
"ما أدراني ماذا يخبئ القدر من الحروب والمصائب بعد؟" يقول أنور وهو يتذكر بحسرة سنوات عمره التي مضت.
وليس العزوف عن الزواج أمرا شخصيا يتعلق بأفراد بعينهم دون آخرين بقدر ما يرتبط ببعض الضغوط الاجتماعية الفعلية التي تدفع بالشاب بهذا الاتجاه كما ترى إحدى الباحثات الاجتماعيات.
وترى زيان نامق أن "العادات و التقاليد الاجتماعية تفرض على العريس أن يكون بكامل المواصفات. فالعائلة الكردية بصورة عامة مقيدة بهذه التقاليد فمثلا هناك مسألة العشيرة حيث أن هناك بعض العشائر لا تزال ترفض أن تزوج بناتها من غير أبناء عشيرتها, بالإضافة إلى التركيز على مسألة الحسب والنسب و المشكلة الأساسية هي العقبات المادية التي يصعب على الكثير من الشباب توفيرها".
ت ج (تق) - ا ع ج