الحلة - علي السباك- الصباح
المشكلة البيئية في العراق لا تنحصر في محافظة دون سواها، فجميع المحافظات تعاني من ذات المشكلات ولكن بنسب متفاوتة، ومرد هذا التفاوت يتعلق بجملة من العوامل والمسببات التي قد تتركز في مكان فيما تخف تأثيراتها في مكان اخر وازاء هذه المشكلة لابد من اجراءات حكومية وخطط بيئية عاجلة واخرى بعيدة الامد من شأنها ان تغير من الواقع البيئي في العراق نحو الافضل، بل وينبغي على الحكومة ان تضع الجانب البيئي ضمن اولويات عملها لما له من اثار خطيرة على صحة الانسان وسلامته.. واذا كان البعض من المسؤولين يركن الى التكتم على الواقع البيئي في هذا المكان او ذاك، فان مدير بيئة محافظة بابل يعترف صراحة بان محافظته تشهد واقعا بيئيا صعبا، ويشير الى ان هذا الواقع يتطلب جهودا استثنائية لتغيره والنهوض به.
غياب القرارات
يؤكد المهندس كريم حميد عسكر مدير بيئة المحافظة ان بابل تعيش واقعا بيئيا صعبا ومترديا للغاية الا ان اية قرارات لم تتخذ الى الان لازالة ورفع النشاطات الملوثة للبيئة على الرغم من مرور اربع سنوات على سقوط النظام السابق واعلان الحكومة عن نيتها تحسين الواقع البيئي في العراق. واشار الى ان أخطر النشاطات الملوثة للبيئة تتمثل بعدم وجود اماكن خدمية نظيفة مطابقة للمحددات البيئية، وعدم وجود مجازر حديثة في المحافظة وقدم المعامل والمصانع الانتاجية وعدم وجود أماكن متطورة للطمر الصحي. وطالب عسكر الحكومة المحلية في المحافظة بالتصدي لهذه المشكلة الخطيرة قبل تفاقمها وخروجها عن السيطرة، وقال حسنا فعل مجلس المحافظة عندما اعلن ان العام الحالي2008 عام للبيئة، فهذا القرار يعد مهما وسيساهم في وضع السياسة الصحيحة والعلمية للبيئة، وستعمل الدوائر ذات العلاقة من اجل تحسين الواقع البيئي المتردي.
شط الحلة
تعد مدينة الحلة واحدة من المدن العراقية المحظوظة، كونها تمتلك شطا يشطر المدينة الى نصفين ويضفي على جانبيها جمالية قد لا تتوفر لمدينة اخرى، الا ان الاهمال الذي يطال هذا الشط وهو المعروف بـ(شط الحلة) جعلت من هذا المجرى المائي مشكلة بيئية تضاف الى باقي المشكلات التي تعاني منها المحافظة، وكل من يزور المدينة ويقف على ضفاف الشط لا بد له ان يرى وفي وضح النهار مئات النفايات الصلبة والسائلة ومنها نفايات طبية خطيرة تلقى في الشط من دون رقابة او محاسبة. وبهذا الصدد يشير مدير البيئة قائلا: يمثل شط الحلة رئة المدينة، الا انه يحتاج الى همة عالية لغرض تحويله من الواقع (البائس) الذي يشهده، حيث الاوساخ والقاذورات والأنقاض التي ترمى فيه دون رحمة، الى واقع جديد متطور يتحول معه الى مرفق سياحي يجذب اهالي المدينة ابتداء وربما السواح الاجانب في فترات لاحقة، وكل ما يحتاجه هذا الشط ليكون مرفقا سياحيا إقامة بعض الحدائق على جانبيه ومنع استغلاله في التخلص من النفايات الخطيرة.
معامل طابوق مخالفة
تنتشر في مناطق متفرقة من محافظة بابل معامل لصناعة الطابوق، وهي جميعها معامل متخلفة تقنيا وتعد مصدرا خطرا للتلوث البيئي في المحافظة، ولعل معامل الطابوق الواقعة على طريق ناحية الكفل الى الجنوب من مدينة الحلة، اكثر المعامل عددا واخطرها على البيئة.
يؤكد عسكر ان مجلس حماية وتحسين البيئة في بابل اصدر مؤخرا قرارا يقضي بايقاف العمل في هذه المعامل وغلقها نهائيا وايقاف تجهيزها بمادة النفط المقررة لها شهريا.
وماذا بشان معامل التصنيع العسكري المنحل في شمال بابل؟
- قامت مؤخرا هيئة من البيئة بزيارة لناحية جرف الصخر لمعرفة الخلفية الشعاعية هناك، وتم سحب نماذج من التربة والنباتات الموجودة وأجريت عليها الفحوصات المختبرية اللازمة ولم يلاحظ أي تلوث بيئي.
هل لدى مديريتكم أي تنسيق مع باقي الدوائر الحكومية ذات الشان في المحافظة؟
- تشترك مديريتنا في العديد من اللجان المشتركة مثل اللجنة المشكلة لمراقبة مشاريع الماء وشبكات الاسالة مع دائرة الصحة والماء ولجنة انفلونزا الطيور ولجنة اخرى لمتابعة الذبح خارج المجازر ولجنة لمتابعة المنشأة الصناعية وتقديم تقارير خاصة بها ولجنة الملوثات البيئية المكلفة بتقديم التقارير عن معامل الطابوق والاسفلت وعوادم السيارات ولجنة اخرى لمتابعة المصادر المشعة من المؤسسات الصحية والعلمية فضلا عن لجنة تقدير الاثر البيئي للمشاريع المقامة حديثا.
تشريعات مفقودة
يقول مدير بيئة بابل ان اهم مشكلة تواجه البيئة هي عدم وجود قوانين وتشريعات بيئية من شأنها ان توقف التلوث والمخاطر البيئية، ما يحمل الدولة مسؤولية الاسراع في تشريع قوانين جديدة و تقديم الدعم اللازم لوزارة البيئة من خلال خصيص كوادر وأجهزة مختبرية دقيقة لجميع المحافظات واصدارقرارات تحاسب بصرامة كل من يسيئ للبيئة.
اجراءات بطيئة ومواطنون غير راضين
يؤكد حسون الفتلاوي نائب محافظ بابل وممثله في مجلس حماية وتحسين البيئة ان المجلس يعكف على متابعة الواقع البيئي في المحافظة من خلال الاجتماعات الدورية التي يعقدها والقرارات التي يتخذها المجلس مثل القرارات التي تتعلق بقطاع الماء الصالح للشرب والتي من شأنها توسيع هذه الخدمة لايصالها الى ابعد نقطة في المحافظة والقرارات الخاصة بواقع الارض والتربة والتوسع في المساحات الخضراء داخل المدن والقصبات وكذلك القرارات المحددة لعمل المجازر وكراجات الغسل والتشحيم فضلا عن القرارات الخاصة بمعالجة الملوثات الصناعية والكيمياوية. ويضيف نائب المحافظ ان القرارات التي يصدرها المجلس تكون ملزمة للجهات ذات العلاقة بالشان البيئي وسرعان ما تنفذ من خلال اللجان المشتركة التي يقرر المجلس تشكيلها. وازاء التطمينات التي يبديها الفتلاوي، الا ان مواطنين التقيناهم اعربوا عن عدم رضاهم من الاجراءات الحكومية المتخذة في الشأن البيئي، واصفين هذه الاجراءات بالبطيئة وغير القادرة على الحد من التلوث البيئي المتراكم في المحافظة.
يقول فاضل الطائي/ صحفي: لم نلمس حتى بعد تغيير النظام السابق واتجاه الدولة العراقية الجديدة نحو تصحيح الكثير من الاخطاء الكارثية التي ارتكبها ذلك النظام أي تغيير حقيقي في مستوى الخدمات العامة ومنها الخدمات البيئية، بل على العكس فان التجاوز السلبي على البيئة انتشر بشكل اوسع وهو متواصل الى الان بسبب ضعف الاجراءات الحكومية وتداخل الصلاحيات بين الجهات المسؤولة عن قطاع البيئة. ويقترح الطائي ان تسارع الدولة العراقية الى تشريع قوانين صارمة للحد من التلوث البيئي وان ترصد الاموال اللازمة لاقامة المشاريع التي تساعد على الحد من هذا التلوث بل ويجب على الدولة ان تذهب الى ابعد من ذلك في ان تشكل جهاز شرطة خاصا بالبيئة يتولى مهمة متابعة التجاوزات البيئية الخطيرة.
استياء
ويشير عباس فاضل/ موظف الى ضرورة ان تستفيد الجهات القائمة على شؤون البيئة في العراق من تجارب الدول الاخرى التي خاضت حروبا وتعرضت بيئتها للانتهاك وان تغادر هذه الجهات الوسائل الروتينية المعتمدة حاليا في سياق تحسين البيئة وحمايتها.
كمال حسين/ موظف يشدد على ضرورة ان تعمل الدولة على اشاعة الوعي البيئي في المجتمع العراقي، مؤكدا ان المواطن العراقي لا يدرك مدى الخطر الذي يحيق به وهو يتعامل مع الامور بلا ابالية وسلبية ما يجعله اداة ضعيفة في الضغط على الحكومة التي من اليقين انها ستحرك ساكنا لو واجهت ضغطا شعبيا من نوع ما. ويدعو حسين منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الثقافية العاملة في العراق الى تشكيل لجان او منظمات تعنى بالجانب البيئي يشارك فيها متخصصون وناشطون في مجال البيئة بدلا من الاعتماد على وزارة البيئة التي لم تقدم أي خطوة في سبيل تحسين البيئة في العراق. ويقول حيدر العبيدي/ كاسب: منذ سنوات والكثير من المرافق السياحية والطبيعية في محافظة بابل تعاني من الاهمال الشديد والتجاوز من قبل المواطنين والمصانع ومعامل الطابوق وفي المقابل فان الجهات الحكومية في المحافظة لم تحرك ساكنا ازاء ما يجري على ارض الواقع، ولعل شط الحلة الذي اصبح مبزلا لتصريف المياه الاسنة ومياه الصرف الصحي والمخلفات الطبية التي تصرف فيه من قبل مختبرات التحليلات المرضية القريبة منه خير مثال على الانتهاكات الصارخة التي تتعرض لها المعالم الطبيعية في المحافظة ما يستوجب تدخلا سريعا من جهات حكومية تنفذ كثيرا وتتحدث قليلا، على حد تعبيره.