This site uses cookies for analytics and personalized content. By continuing to browse this site, you agree to this use.
We have updated our Privacy Notice, click here for more information Acknowledged

حاقدون على مجتمعهم: أطفال تحت العمل القسري!!
28/05/2008

 

 

بغداد- سعادالبياتي- الصباح
اقتربت منهم ثلاثة صبية لا تتجاوز اعمارهم الثالثة عشر يعملون في مهن متقاربة كعاملي اجرة في سوق الشورجة. منهم الحمّال، ومنهم من يدفع عربات محملة بالصناديق الثقيلة وآخرين يعملون بمهن قاسية وشاقة.. فما الذي يدفع هؤلاء الصغار للعمل في هذا السن الصغير.. والجواب يتجلى فيه مرارة ومعاناة يعيشها الطفل العراقي وكثير من امثاله. فثيابهم الرثة ووجوههم الشاحبة وعيونهم الزائغة ليست فقط هي علامات الفقر والقهروالذل والحرمان الذي يعيشونه، فحياتهم جافة، ورحلتهم اليومية صعبة وقاسية ومهينة.. يعانون من قسوة البشر، وظلم المجتمع، والحالة اكدت مدى خطورة الظاهرة نظراً لاعدادهم والمآسي الانسانية التي يتعرضون لها، وابرزها الاستغلال بجميع صوره!!
طفولة ضائعة
   رصدنا بعضاً من صور هذه الظاهرة ووقفنا على معاناتهم ومصاعب الحياة التي يتعرضون لها فثمة ارهاق واضح بدا على وجوههم بسبب طول ساعات العمل سرقت احلامهم وضاعت طفولتهم دون ان يشعروا خاصة اولئك الذين شاءت ظروفهم الاجتماعية ان يعملوا تحت العمل القسري.

للظروف احكامها
  الطفل "احمد " والذي يبلغ من العمر "12 " عاماُ يعمل في سوق الشورجة منذ حوالي سنتين وعند سؤاله عن الاسباب التي دفعته للعمل قال: انه يعمل من اجل شراء بعض الحاجيات لوالدته التي انفصلت عن والده قبل خمس سنوات مؤكداً رغبته باكمال دراسته كباقي اقرانه، لكن لعدم وجود معيل لهم اجبرته الظروف على تحمل مسؤولية الانفاق.

من اجل النقود
  اما الطفل الآخر الذي يبلغ من العمر "14 " عاما والذي كان يبيع السكائر والعلكة وسط  شوارع العاصمة بغداد سألته عن سبب عدم وجوده في المدرسة.. ضحك كثيراً.. ثم قال.. ان زوج امي لو علم انني اريد ان ادرس لقتلني، وقد اجبرني على ترك الدراسة والعمل منذ ذلك الحين وانا اعمل في بيع السكائر والحلويات البسيطة، اجوب الشوارع في حرارة صيفها وبرودة الشتاء من اجل الحصول على بعض النقود!!

في محطة الغسيل
   يعمل "سيف " 15 عاماً في محطة لغسيل السيارات رفض كلمة طفل وقال.. انا شاب ويجب ان اعمل لان والدي استشهد منذ عام، وانا اعمل مكانه في هذه المحطة كوني اصبحت مسؤولا عن اربعة اشقاء اصغر مني ويجب علي العمل من اجل الانفاق عليهم يقول.. العمل في المحطة فيه بعض المشقة ولكن لطالما اجد فيه رزقي فهو الافضل الآن.

اهانات ترافق الاعمال
   ويؤكد لنا الصبي " مصطفى " "14 عاما " انه دائماً ما يتعرض الى الاهانة والضرب من قبل رب العمل.. اضافة الى عمله الشاق حيث يقول انه ومنذ سنتين يعمل كعامل للبناء ويتعرض دوماً الى ضربات الشمس ويصاب بالانفلونزا وفقر الدم.. ولكن ما الحيلة وهو مطالب بالعمل لانه ترك الدراسة ولم يعد يرغب فيها، ولا يجد امامه سوى هذا العمل مع اصدقاء والده المتوفى.. ليوفر احتياجات اضافية لعائلتة..
   وبنفس الشكوى التي سمعناها من مصطفى قال لنا "امين " انه ايضاً يسمع كلاماً جارحاً وغير لائق من صاحب الورشة التي يعمل فيها كصانع فهو يعمل في كراج لتصليح السيارات ويعمل معه في نفس المكان، العمال الذين يتعاطون المسكرات والسكائر ويتويتجاذبون بينهم عادة الاحاديث السيئة ويتبادلون الشتائم والكلمات النابية مما اصبحت طبيعة لهم ولايأبهون بالعاملين الصبية الذين يعملون معهم.. فنحن ثلاثة اولاد نعمل في هذا الكراج.

فاقدو الآباء والدراسة 
   ويحلم الطفل "اركان  "13 " عاما ان يتعلم مهنة اقل وطأة عليه حيث يعمل كعامل للبناء ايضاً وبدأ يعاني بعد فترة من عمله من اوجاع الظهر المبكرة، ولكنه لا يقوى على تركها لصعوبة الحصول على عمل الان بعد ان كان يعمل قبلها كعامل في مطعم للمأكولات السريعة ويبدي استعداده للعمل في اي مجال طالما يوفر النقود ويبدد الفراغ الذي يعاني منه هو والآخرين امثاله، الذين فقدوا الآباء والدراسة في ظل ظروف البلد هذه!!

عمل شاق واجر زهيد
وهناك في احدى المناطق الشعبية وجدت مجموعة صغيرة من الصبيان يعملون عند معمل للحدادة بأجور زهيدة حيث يعتبر "سرمد " ان العمل هنا شاق ومأساوي فهو يعاني رغم حرارة الجو وحرارة المكائن من مشكلة الحساسية التي ولدتها عنده ماكنة اللحام "الولدن" حيث اثرت ايضاً على جهازه التنفسي وعلى عينيه نتيجة شدة الضوء والغازات التي تنتج عند الاحتراق لمادة الاوكسجين وعندما سألته ان يترك العمل هنا وان يجد له عملاًُ آخر يقول.. لا سبيل غيره فصاحب المعمل شقيق ابي تولى رعايتي عندما استشهد ابي في حادث تفجير انا واخي الآخر، تركنا الدراسة لاجل ذلك.. "كادت ان تسقط من عينه دمعة.. ولكن رجولته المبكرة التي فرضتها عليه الحياة الجديدة جعلته يحبسها "!!.

أجور رخيصة
عندما سلنا ارباب العمل عن اسباب تشغيل هؤلاء الاطفال.. ولماذا لا يستخدمون شباباً بدلاً عنهم اجابوا!!.
   يقول "موسى مجيد " صاحب معمل حدادة. انه كان بحاجة الى ايدي عاملة فوجد في بعض الصبية الرغبة في العمل، حتى ولو بأجور بسيطة.. ومعظمهم ينتمون الى عوائل فقيرة وجدوا في هذا العمل ما يكسبهم قوت عوائلهم، وافضل من مد الايدي للآخرين.

الرأفة وكسب الثواب!!
   ويبرر "محمد الشمري " صاحب معمل ميكانيك سيارات الى ان تأخذه احياناً الرأفة في الاولاد الذين فقدوا اباءهم فيضطر الى تشغيلهم رغم صعوبة العمل ويكسب ثوابهم "كما يقول " .. الا انه تؤلمه بعض الحالات السلوكية عندما يجد احدهم يتكسب ويبعثر ما يجمعه على الامور التافهة.. وآخر يتعود على ما يسمعه من كلمات سيئة فيبدأ بترديدها.. وكأنها اصبحت طبيعة له!!
   ولم يتورع في تعليمهم وضربهم احياناً اخرى في سبيل تعليمهم المهنة "حسب رأيه ".. فورشة الميكانيك تعتبر من المهن الجيدة وذات مكاسب مادية جيدة.

تداعيات اولياء الامور
   الصبية والاولاد الذين التقيناهم.. هم من فاقدي الآباء طبيعياً او بحوادث العنف.. حبذوا العمل لاجل العيش وتوفير متطلبات اسرهم..
   تقول ام الصبي "عصام "
   لا سبيل امامنا سوى ان يترك المدرسة ويتجه الى العمل بأجور يومية... والا تعرضنا الى الجوع والفقر ولدي عصام يعمل عند احد تجار الشورجة منذ الصباح، ويتعرض احياناً الى الضرب والاهانة.. يقسم بعدها ان يترك العمل، لكن يعود مرة ثانية اليه حينما نضغط عليه!!.
   اما والد الطفل "علاء " فقد برر عمل ولده في ميكانيك السيارات على انها مهنة جيدة ومر بحة طالما هو لا يحب الدراسة، ويقول انه يشعر بالطمأنينة والآمان على ولده فالورشة التي يعمل فيها يعرف اصحابها.. واجوره جيدة يساعد فيها البيت واخوانه افضل بكثير من ضياع الوقت في دراسة فاشلة!!.

حقيقة هؤلاء
   بعض من الاطفال العاملين في اعمال قسرية وشاقة لا تناسب اعمارهم.. فالوضع الاجتماعي ولدّ نماذج لصغار كان الاجدر ان يكونوا الان في اماكن غير هذه ولكن..!! يجبرون على العمل لتأمين المال فعمالة الاطفال آخذة بالزيادة بشكل واضح ولاسباب كثيرة وعديدة منها الوضع الاقتصادي، والامني، وعدم وجود معيل في الاسرة.. وهي مشكلة ترتبط معها مشاكل اخرى كالتعرض للاساءات والخطر وقلة التعليم وتعلم عادات وسلوكيات خطرة حيث تنتشر فيها الاخطاء والرذيلة والخطيئة بكل مساوئها ومخاطرها.

علم النفس التربوي يكشف!!
الدكتورة "ندى الهاشمي " اختصاصية علم نفس تربوي.. قالت: ان اهم الاسباب التي تدفع بهؤلاء الاطفال الى سوق العمل هي الفقر والجهل والتفكك الاسري.. اضافة الى الغياب الواضح للقوانين والانظمة التي وجدت للحد من هذه الظاهرة والتقصير الكبير من الاهل الذين يدفعون ابناءهم الى هذه الاعمال مقابل اجور قليلة لا تسمن ولا تغني من جوع.
   وبينت الدكتورة الهاشمي.. ان اهم الآثار السلبية التي تؤثر على الاطفال الذين يعملون في سن مبكرة هي الآثار الجسدية.. فهناك بعض الاعمال القاسية التي تلحق الاذى بالاطفال مثل العمل في الميكانيك والبناء والتي من شنها ان تؤدي الى اصابتهم باصابات جسدية كبيرة او بأمراض نتيجة استنشاقهم مواد كيميائية لساعات طويلة واضافت: ان الاطفال عندما يكبرون يحملون الكثير من الحقد على المجتمع لاعتقادهم انه ظلمهم فيحاولون الثأر منه بالاساءة لانفسهم من خلال الانحراف عن الطريق والاختلاط برفاق السوء.
  واوضحت الدكتورة ندى ان الحلول الناجعة لتلك الظاهرة تكمن باغلاق منافذ التسرب من المدارس وتشريع القوانين وتفعيلها على اولياء الاسر الذين
يدفعون اطفالهم الى العمل قبل اكمال دراستهم.. كما ان تعاون الجهات ذات العلاقة مع مؤسسات المجتمع المدني ووزارة العمل لمكافحة الظاهرة والحد منها.. لان هذه الظاهرة كما تقول تنبئ بخطر كبير على الاطفال الذين هم امل المستقبل ويجب المحافظة عليهم وحمايتهم من الاساءة بشتى الطرق وتوفير جو مريح وآمن لهم ليتمكنوا من العيش براحة وطمأنينة وامان. "فأرحموا اطفال المستقبل"!!.

وزارة العمل
عندما استفسرنا في وزارة العمل عن هذه الظاهرة تبين ان للوزارة مكاتب عديدة لتشغيل الشباب الراغبين بالعمل.. مع توفير القروض لاصحاب المشاريع الصغيرة لفتح ابواب العمل امامهم ومساعدتهم لخوض تجربة العمل.. ولا علاقة لها بالذين يعملون بحرف ومهن حرة من الاطفال والصبية الصغار.

للمهتمين برعاية الاطفال وحمايتهم