بغداد - عذراء جمعة- الصباح
برزت ظاهرة تسرب الطلاب من مدارسهم في العراق منذ مدة طويلة ولازالت مستمرة حتى الآن، وتعزى أسباب هذا التسرب إلى عوامل كثيرة منها: الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية وحتى السياسية، وتشكل هذه الظاهرة هدرا كبيرا للموارد البشرية التي تسعى جميع الدول إلى تنميتها وليس خسارتها، فهي الركيزة الأساسية تعليميا واجتماعيا واقتصاديا وسياسيا لبناء مجتمع منتج وصحي ومتعلم وواع، يمكن التعويل عليه لبناء المستقبل لأبنائه الذين قد يفقدهم هذا التسرب الأهلية للقيام بهذا الدور، بسبب من ضعف التعليم أو انعدامه، وقلة الوعي، وانعدام الإنتاجية، والانحراف عن جادة الصواب، وفقدان القدرة على بناء المجتمعات المنتجة من خلال بيئتهم الأسرية ، بسبب من فقدانهم لما يؤهلهم للقيام بهذا الدور .
حدود التسرب العمرية والتعليمية
يقصد بالتسرب أن يترك التلميذ المدرسة قبل إكمال الدراسة الابتدائية، وفقا لقانون التعليم الإلزامي رقم 118 لسنة 1976 الذي حدد الفئة العمرية ( 6 - 11) سنة بظاهرة التسرب، وينجم عن هذا التسرب عدم انتفاع التلميذ بالمعارف والخبرات والمهارات التي تؤثر في نضجه الجسمي والعقلي والاجتماعي والوجداني، وفي نضج شخصيته وقدراته بما يؤهل تواصله مع المجتمع، وتسبب مشكلة التسرب ضياعاً وخسارة للتلاميذ أنفسهم، لان هذه المشكلة تترك آثارها السلبية في نفسية التلميذ، وتعطل مشاركته المنتجة في المجتمع، وقد عرفت اليونسيف التسرب العام 1992 بعدم التحاق الأطفال الذين هم بعمر التعليم بالمدرسة أو تركها دون إكمال المرحلة التعليمية التي يدرس بها بنجاح، سواء كان ذلك برغبتهم أو نتيجة لعوامل أخرى، وكذلك عدم المواظبة على الدوام لعام أو أكثر .
التسرب مسؤولية جماعية
تقف وراء حدوث ظاهرة التسرب من المدارس جهات عدة، وكل جهة منها تتحمل قدرا من المسؤولية، وهذه الجهات هي :
1. المدرسة: وهي مؤسسة اجتماعية تتعامل وتتفاعل مع الواقع الاجتماعي العام، ولذلك لها تأثير مهم في بناء شخصية الطفل، ولكن سوء معاملة بعض المعلمين للتلاميذ، وإتباع أسلوب العقاب البدني لهما تأثير سلبي، مما يثير الخوف لديهم ويبعدهم عن المدرسة، ويؤدي إلى تسربهم، بسبب غياب التعامل التربوي في حل المشاكل من قبل بعض المعلمين الذين يلجؤون إلى استخدام الأساليب القسرية التي تترك آثارها النفسية العميقة في نفوس التلاميذ.
2. مشكلة تخص التلميذ نفسه:
أ- الغياب : وهي من ضمن المشاكل التربوية التي تعود بنتائج سيئة على التلميذ، وقد تؤدي إلى جنوحه ومرافقته لأصدقاء السوء، وبالتالي رسوبه وتركه المدرسة وتسربه منها، ومن أسباب غياب التلميذ عن المدرسة
1. الإصابة ببعض الأمراض.
2. إخفاقه في اكتساب المعلومات والخبرات المدرسية.
3. عدم تكيفه مع الجو المدرسي.
4. خوفه من السخرية والعقاب من بعض المعلمين.
5. مرافقته لأصدقاء السوء
ب. انخفاض المستوى العلمي: إن جهل المعلمين للفروق الفردية بين التلاميذ،الذي يستوجب تصنيف التلاميذ ضمن فئات، وكيفية التعامل معهم ضمن الخصائص العقلية لكل تلميذ، وبالتالي فان بعض التلاميذ لا يستطيعون الوصول إلى أقرانهم في المستوى الدراسي بسبب ضعف قدراتهم العقلية، إذ قد يكون التلميذ بطيء التعلم أو قد يعاني من مشاكل صحية أخرى مثل ضعف البصر أو السمع أو صعوبة في النطق، وبذلك لا يستطيع مواكبة المادة الدراسية، وبالتالي يؤدي به هذا إلى التسرب من المدرسة.
ج - كثرة تنقل التلميذ بين المدارس: إن كثرة تنقل التلميذ من مدرسة إلى أخرى يؤدي إلى تسربه من المدرسة، بسبب عدم مواكبته للمواد الدراسية، واختلاف طرق التعليم من معلم إلى آخر، فانه يجد نفسه متأخراً دراسياً لعدم فهم بعض المواد مما يضطره إلى التغيب والتسرب من المدرسة.
3. العوامل النفسية:
أ- ضعف التركيز وضعف الذاكرة
ب- صعوبة الحفظ .
ت- سهولة التشتت أو الشرود .
ث- فرط النشاط
ج- صعوبة إتمام نشاط معين
ح- النسيان
إن هذه العوامل النفسية تعد من المشكلات التي يجد معها التلميذ صعوبة في اكتساب المعلومات وعدم اكتشافها ومعالجتها يؤدي به إلى الهروب من المدرسة.
4. الأسباب الاجتماعية: تبرز من خلال بعض العادات والتقاليد التي تنمي الاتجاهات المجتمعية الخاطئة تجاه التعلم، وبخاصة العلاقات الأسرية، وعدم الانسجام بين أفراد العائلة، وكثرة الشجار بين الأم والأب، والقسوة التي يستخدمها بعض الآباء مع أطفالهم كلها تؤدي إلى كره التلميذ للمدرسة وبالتالي تركها.
5. الأسباب الاقتصادية: منها انخفاض المستوى المعيشي لبعض العوائل وحاجتها لعمل أبنائها في بعض الأعمال والأماكن لتوفير المال ولتغطية نفقاتها بسبب ارتفاع المستوى المعيشي، مما يضطر أولئك الأبناء إلى ترك المدرسة من أجل العمل لتوفير لقمة العيش.
6. الأسباب الثقافية: نظرا لانعدم توفر الوعي الثقافي لدى بعض الأسر يجعلهم لا يدركون مدى الضرر الذي يلحق بأبنائهم من جراء انقطاعهم عن المدرسة، النظرة غير السليمة الى التعليم التي سادت في المجتمع، وبسبب البطالة المتفشية بين صفوف المتعلمين وصعوبة الحصول على فرص العمل، جميع هذه الأسباب قللت من أهمية التعليم لدى العديد من الأسر.
التسرب وعلاقته بجنوح الأحداث
من أهم المشاكل التي يسببها تسرب التلاميذ من مدارسهم هو دخولهم عالم الجنوح، من هنا تأتي إحدى أهم مسببات جنوح الأحداث، وجنوح الأحداث هو اصطلاح نفسي اجتماعي يدل على سلوك منحرف وبنظر القانون مخالفة أو جنحة أو جناية لكل درجاتها وعقوباتها كما لا يشترط بالجنوح مخالفة القانون بل مخالفة للعرف والتقاليد والآداب العامة .
عوامل جنوح الأطفال:
ينظر علماء الاجتماع إلى ظاهرة جنوح الأحداث ويفسرونها باعتبارها مشكلة اجتماعية تحدث نتيجة التغير السريع الذي يصيب المجتمعات البشرية فالحدث المنحرف هو إنسان اعتيادي إلا إن ظروفه الاجتماعية ومعيشية أدت إلى هذا الانحراف لأسباب منها عدم التكيف الاجتماعي والتفكك العائلي والمستوى الاقتصادي وحجم الأسرة وسوء التوافق مع معايير المجتمع والذي قاده إلى التسرب من المدرسة والابتعاد عن ظروف نشأته الط وفقدانه لمستوى الوعي اللازم لإدراك الصواب، والتي تسببت بالتالي إلى جنوحه . إن أثر التفكك العائلي نتيجة فقدان الوالدين أو الطلاق أو الهجر أو تعدد الزوجات أو غياب رب الآسرة مدة طويلة ونتيجة لهذا التفكك يحدث التفكك النفسي حين يسود العائلة جو المنازعات المستمرة بين أفرادها وخاصة بين الوالدين فيشعر الفرد نتيجة لهذا التفكك النفسي بالضياع وعدم الاحترام أو الغربة رغم أنه يعيش تحت سقف واحد مع أفراد أسرته ويعتبر التفكك الاجتماعي أو العائلي أو النفسي من أهم العوامل في جنوح الأحداث ، وهذا التفكك يشعره بعدم الانتماء إلى أسرته ومدرسته ومجتمعه فيبحث عن ضالته وهنا يبدأ الجنوح
أسباب الجنوح:
1. غياب السلطة من العائلة والتهاون والتسامح الطارئ إزاء السلوك العدواني لدى الطفل الذي يزيد من تمادي الحدث لاحقاً وتمرده ومروقه على السلطة وعدم المبالاة بوسائل الردع وهذا ما يدفعه إلى عدم الاهتمام والاكتراث بنتائج أفعاله .
2. الثورة الإعلامية الكبيرة وطرح مواد إعلامية متعددة غير معروفة لديه مسبقاً من خلال مفاهيم وقيم تتعارض مع موروثه الأخلاقي والعقائدي، مما يخلق فجوة بين مدركاته المعرفية والمعلومات المكتسبة من وسائل الأعلام.
3. طرح أفلام الأقراص الليزرية تختلف مضامينها عن واقعه مما يدعو الحدث عادة إلى تطبيق تلك الشخصيات على واقعه.
4. من السلوكيات المنحرفة التي قد ينخرط فيها الجانح التدخين وتعاطي الكحول والتشرد والتسول والسرقة والقتل فيكون صيداً سهلاً لأصحاب النوايا الإجرامية ومنفذا لخططهم.
طرق علاج التسرب وجنوح الأطفال:
1. دور العائلة :
أ- دور العائلة كبير في تغذية الفرد بالأحكام والتصورات المنبثقة من الواقع وتوعيته توعية سليمة.
ب- للعائلة دور مهم في تشكيل شخصية الفرد وبناء ذاته وطريقة التفكير والتعبير وإشباع حاجات الفرد والتمييز بين ما هو مقبول وغير مقبول وتنمية الأذواق وصقل العادات والمهارات لضمان نمو اجتماعي صحيح .
ت- إن العلاقات الأسرية الهادئة التي يسودها نوع من التفاهم والمحبة بين أفراد الأسرة وخاصة الأبوين له أثر واضح على استتباب الأمن النفسي والتوافق الاجتماعي لدى الحدث.
ث- يجب أن يكون عقاب الأب غير عنيف فإذا كان عنيفا فانه سيولد سلوكا عدوانيا من قبل الطفل تجاه أقرانه لأنه يقلد السلوكيات .
ج- من واجب الوالدين معرفة أصدقاء طفلهما ومعرفة أخلاقهم وتشجيعه على مصاحبة التلاميذ المتفوقين في المدرسة.
2. دور المدرسة:
بيعية أ - دور المعلم :
1. يجب أن يكون المعلم من النماذج الإنسانية المهمة التي يقابلها التلميذ في حياته اليومية .
2. زيادة خبرات التلاميذ في مجالات متعددة.
3. مشاركة التلاميذ الإيجابية في عملية التعلم وتعزيز ثقتهم بأنفسهم.
4. حل المشاكل المختلفة التي يتعرض لها التلميذ في المدرسة والبيئة كي يحب الطفل المدرسة والبقاء فيها.
5. ابتعاد المعلمين عن استخدام الأساليب القسرية أو العقاب البدني وحسن معاملة المعلم كي لا يكره التلميذ معلمه وبالتالي يكره المدرسة.
6. إن أثر انتقال التعلم إلى مرافق الحياة يساعد المعلم على تغيير السلوك عند التلاميذ .
7. اعتماد المكافآت المعنوية والمادية أو أي نوع آخر من المكافآت وبأي أسلوب يبدو ملائماً لأن يظل الطالب في المستوى المطلوب أو يحقق النجاح المنشود .
ب - دور مجالس الآباء والمعلمين.
1. توثيق الصلات بين الآباء والمعلمين .
2. دراسة مشكلات التلاميذ وحاجياتهم والعمل على حلها وإشباعها.
3. دعم التعاون بين المدرسة والمجتمع والعمل معاً لإيجاد الحلول لبعض المشكلات التي لا تستطيع المدرسة مواجهتها لوحدها مثل التسرب.
4. رفع المستوى الثقافي والاجتماعي والصحي والنفسي بين أبناء المجتمع من خلال إقامة الندوات.
للمهتمين بالتربية والتعليم