This site uses cookies for analytics and personalized content. By continuing to browse this site, you agree to this use.
We have updated our Privacy Notice, click here for more information Acknowledged

مخلفات الحروب تطارد الأجنة في أرحام نساء البصرة
02/06/2008

 

نيوزماتيك/ البصرة

يكاد لا يمر أسبوع إلا ويشهد فيه مستشفى ابن غزوان في محافظة البصرة ولادة طفل غير متكامل الأعضاء أو يعاني من كبر في حجم الرأس أو عدم تناسق أجزاء الجسم وتداخلها أحياناً.

وفي حالات نادرة نسبياً تتضاعف درجات التشوه لتكشف عن مشاهد غريبة؛ كأن يكون الطفل من دون قحف فيطلق عليه الأطباء اسم "الطفل الضفدع".

وبحسب مدير مستشفى ابن غزوان للأطفال والولادة الدكتور عبد الكريم حسن فإن التشوهات الخلقية بلغت خلال الأعوام القليلة الماضية مستويات وصفها بـ"الخطيرة".

ويقول الدكتور حسن في حديث لـ"نيوزماتيك" إن "المستشفى التي يديرها، وهي الحكومية الوحيدة المخصصة للولادة في البصرة، تسجل، شهرياً، ما معدله 3-6 حالات تشوه، وإن سقوط 55 % من الأجنة، أثناء فترة الحمل، هو بسبب التشوه".

ويضيف حسن أن "نحو 50 % من الأطفال المشوهين يفارقون الحياة، بعد ولادتهم، باستثناء الأطفال ذوي الرؤوس الكبيرة، فإن فرص بقائهم على قيد الحياة شبه مضمونة، بعد إخضاعهم لعملية جراحية، غالباً، ما تسفر عن إصابتهم بالشلل".

ويرى مدير مستشفى بن غزوان أن "تشوهات الوجه والعمود الفقري والجهاز العصبي والأطراف، هي الأكثر حدوثاً، ونكتشف بين الحين والآخر حالات تشوه غريبة لم نجد لها مثيلاً حتى في الأطلس العالمي للتشوهات الخلقية، منها ولادة أطفال بهيئة مقاربة لأشكال بعض الحيوانات".

ويؤكد حسن أن "المعدل العالمي للتشوهات الخلقية يتراوح مابين 1-2 % لكن محافظة البصرة تجاوزت هذا المعدل بفارق كبير؛ إذ إن الأطفال الذين يولدون مشوهين تبلغ نسبتهم 3-4 %"، مشيراً إلى أن "غالبية حالات التشوه تقع في مناطق الأقضية والنواحي، خصوصاً مناطق الرميلة والهارثة وأبي الخصيب، لأن هذه المناطق تعرضت إلى التلوث الإشعاعي بصورة مركزة، خلال الحروب السابقة، ومازالت هناك عشرات الأطنان من المخلفات الملوثة، إشعاعياً، مكدسة فيها، منها هياكل لآليات عسكرية وأجزاء مقذوفات حربية".

ويضيف مدير المستشفى "من الناحية العلمية ليس لدينا دليل قاطع على كون زيادة التشوهات الخلقية سببها اليورانيوم، لكن ارتفاع حالات التشوه في المناطق التي تعرضت إلى التلوث الإشعاعي جعلنا نعتقد بأن اليورانيوم هو أحد أبرز الأسباب".

ويعتبر الدكتور حسن أن "هناك أسباب ثانوية وراء تنامي ظاهرة التشوهات الخلقية، منها "سوء تغذية الأم الحامل، والإلتهابات الفيروسية الحادة التي تتعرض لها الأم، أحياناً، خلال الحمل، لكن تأثير تلك الأسباب لا يمكن أن يقارن بتأثير التلوث البيئي".

ويأمل مدير مستشفى ابن غزوان في البصرة، من المنظمات العالمية، لاسيما التي تعنى بصحة الأطفال، أن "تساعدنا على تشخيص بعض الحقائق العلمية التي حاولنا تأكيدها دون أن نفلح في ضوء الإمكانيات المتاحة لدينا".

من جانبه يعرب الباحث المتخصص بالتلوث الإشعاعي في مديرية بيئة محافظة البصرة الدكتور خاجاك بارتانيان عن اعتقاده بأن "التلوث الإشعاعي هو أحد أبرز الأسباب التي أدت إلى تفاقم ظاهرة التشوهات الخلقية وارتفاع معدلات الإصابة بمرض السرطان".

ويقول الدكتور بارتانيان لـ"نيوزماتيك" أن "فترة ما قبل حرب الخليج الثانية لم تشهد البصرة تشوهات ولادية، بشكل ملفت، ولكن بعد انتهاء الحرب بدأت هذه الظاهرة، وماتزال معدلاتها بارتفاع".

ويضيف الباحث المتخصص بالتلوث الإشعاعي "عندما حاولنا التعرف على التغيرات التي طرأت على البيئة بعد الحرب، اكتشفنا أن اليورانيوم المنضب هو العنصر الأساسي الذي اقتحم البيئة".

ويعترف الدكتور بارتانيان بعدم وجود وسائل لقياس مدى التلوث الإشعاعي لديهم، مؤكداً أن "هناك الكثير من المواقع الملوثة باليورانيوم في البصرة، وأكثرها نشاطاً إشعاعيا تلك التي تقع في منطقة العوجة التابعة لقضاء أبي الخصيب".

وتكثر في بعض المناطق الصحراوية الواقعة غرب المدينة أكوام من الآليات العسكرية المدمرة، والأسلحة الثقيلة التي تحولت إلى أجزاء متناثرة، بفعل تعرضها إلى القصف خلال الحروب السابقة. ويمكن ملاحظة عبارات على بعض تلك المخلفات تحذر من التقرب منها "لتلوثها باليورانيوم".

ويقول بارتانيان إن "مديرية البيئة في المحافظة لا تتعدى كونها جهة استشارية، ولا تمتلك صلاحيات تتيح لها التخلص من تلك المخلفات الملوثة بطريقة علمية سليمة".

ويوضح أن "خبراء التلوث الإشعاعي، في مديرية البيئة، قدموا إلى الجهات الحكومية التنفيذية خرائط ومعلومات تشير بدقة إلى أماكن تواجد الأجسام الحربية الملوثة باليورانيوم، وبعضها كانت في مناطق سكنية ذات كثافة سكانية عالية، ولم يتم التخلص منها".

مدير المستشفى البيطري في البصرة مشتاق عبد المهدي قال لـ"نيوزماتيك" إن "ظاهرة التشوهات الخلقية لا تقتصر على الأطفال فحسب وإنما تشمل الحيوانات أيضاً، خصوصاً الأغنام والأبقار".

ويتابع "لاحظت الفرق البيطرية، في الأعوام الأخيرة، زيادة غير مألوفة في حالات تشوه الأجنة، وولادة عجول وخراف مشوهة، هيكلياً، كأن تكون بدون أطراف، بالإضافة إلى تراجع قدرة الحيوانات على الإخصاب".

ويشير عبد المهدي إلى أن "معظم حالات التشوه تم تشخيصها في مناطق صحراوية محاذية للحدود العراقية الكويتية أبرزها مناطق صفوان وأم قصر وحفر الباطن".

ويعزو مدير المستشفى البيطري تلك الحالات إلى "التلوث الإشعاعي الذي خلفته حرب الخليج الثانية، والضربات الجوية الصاروخية التي تعرضت لها المواقع والقطاعات العسكرية العراقية خلال عام 2003".  

الدكتورة سعاد راضي، صاحبة عيادة أهلية للسونار في منطقة العشار، تقول إن "الكثير من النساء الحوامل يأتين إلى عيادتي، أكثر من مرة خلال فترة الحمل، حتى بعد تعرفهن على جنس الجنين، وذلك بدافع التأكد من سلامة نموه وخلوه من التشوهات التي أصبحت هاجساً يثير مخاوف جميع النساء الحوامل".

وترى الدكتورة سعاد أن "السونار يعطي فرصة لاكتشاف ما إذا كان الجنين مشوهاً، مع أمكانية إجهاضه خلال المراحل الأولى من الحمل".

لكنها توضح أن"هناك نوع آخر من التشوهات، لا يمكن تشخيصه بواسطة جهاز السونار التقليدي، مثل التشوهات الباطنية التي يستغرق اكتشافها، بعد الولادة، أسابيع، وربما أشهر، وأكثرها شيوعاً تشوهات القلب والدماغ".

يذكر أن محافظة البصرة من أكثر المدن العراقية تضرراً من الحروب الثلاثة التي خاضها العراق منذ 1980 حتى 2003. لكن حرب الخليج الثانية التي اندلعت عام 1991 كانت الأكثر تأثيراً من غيرها، إذ تعرضت عشرات الأهداف العسكرية والمنشآت الحكومية إلى ضربات جوية عنيفة من قبل قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة.

وتشير تقارير منظمات عالمية إلى أن تلك القوات استخدمت أسلحة غير تقليدية تحتوي على نسب متفاوتة من اليورانيوم المنضب

للمزيد اقرأ التالي:

للمهتمين بمكافحة التلوث البيئي وتدوير النفايات