رحمن غريب/ نيوزماتيك/ السليمانية
رغم الهدوء وعودة الكثير من العائلات الى مناطق سكنها الأصلية بعد أن هجرها العنف الطائفي الذي ضرب العراق منذ عام 2006 إلا أن سكان مخيم "قالاوة" في السليمانية، نحو 364 كم شمال بغداد، مازالوا مقيمين هناك يعانون من ظروف اجتماعية وصحية صعبة للغاية.
وقد نشأ المخيم بطريقة عشوائية وبمبادرات شخصية، ويضم حاليا نحو 202 عائلة ويبلغ تعدادها أكثر من 700 شخص، ويسكن القسم الشمالي منه مهجرون من بغداد والقسم الشرقي مهجرون من محافظة ديالى.
ويقول مختار المخيم وليد جياد نايف لـ"نيوزماتيك" إن "هذا التقسيم لم يكن متعمداً، إنما حصل بطريق الصدفة نتيجة تضاريس الأرض".
ويشكو نايف من "غياب الماء في المخيم، وعدم نقل البطاقة التموينية من مناطق سكن المهجرين إلى السليمانية"، مشيرا الى الصعوبات الأمنية التي يواجهونها من قبل السيطرات داخل السليمانية".
بني مخيم "قالاوة" من خيام وفرتها حكومة إقليم كردستان العراق للمهجرين، وزودته المفوضية العليا لشؤون اللاجئين UNHCR بالبطانيات. وقد أضاف المهجرون قطعا من النايلون لاتقاء المطر.
لكن "قالاوة" يفتقر لأبسط الشروط الإنسانية، فالصرف الصحي غير موجود ما اضطر العائلات إلى إقامة مرافق صحية في العراء مسورة بالبطانيات، فيما حوّل آخرون منطقة خالية قريبة من المخيم إلى مرافق صحية تكاثرت فيها النفايات.
وتقول ملايين صلاح، 18 سنة، لـ"نيوزماتيك" إن "أسرتي اضطرت للنزوح إثر العنف الطائفي الذي شهدته محافظة ديالى. كنا نرى، كل يوم، القتل والذبح. وكان المتطرفون يوزعون رسائل تهددنا بترك المنطقة أو القتل".
وتضيف ملايين "ها أنا أعيش مع أسرتي في هذه الخيمة التي صنعناها من البطانيات وجعلنا سقفها من النايلون. وكما ترى تخلو خيمتنا من أية أجهزة منزلية كانت لدينا في ديالى ناهيك عن الفقر والعوز".
وشهد المخيم منذ إنشائه عام 2007 ست عشرة حالة ولادة، والعديد من حالات الزواج.
هند ساجر، 23 سنة، كانت تحلم بأن تضع مولودها الجديد في أحضان أسرتها الكبيرة في بغداد إلا إنها وجدت نفسها محاطة بالجيران من سكان المخيم في الشهر الماضي. تقول هند لـ"نيوزماتيك" "لن أنسى تلك الليلة أبدا،ً على الرغم من كثرة الجيران كنت أشعر بالغربة والوحدة".
وتشتري هند الحليب لأبنها ريكان بسعر 5- 6 آلاف دينار يحاول والده توفيرها من عمل بسيط قد يحصل عليه في مسطر العمال.
وتضيف هند إنها لا تتمنى أن يكبر الرضيع ريكان تحت هذه الخيمة، وتقول "انه يستحق حياة أفضل...هنا الفقر والمرض لقد تعرض الطفل الى إسهال لمدة ثلاثة أسابيع".
نائب محافظ السليمانية جوتيار نوري يقول في حديث لـ"نيوزماتيك" إن المحافظة، وبالتعاون مع منظمات دولية منها منظمة الأمم المتحدة، على وشك الانتهاء من برنامج بناء مخيم ذي معاير عالمية لإيواء تلك العائلات، وسيكون المخيم الجديد في منطقة بازيان، 40 كم غرب السليمانية، وبمواصفات عالمية".
كلمات نائب المحافظ تؤشر الى استمرار المهجرين بعيداً عن مناطق سكناهم الأصلية.
تقول هديل صلاح، 25 سنة، إن "العودة إلى ديارنا تتطلب تسهيلات ومساعدات من قبل الحكومة، إضافة إلى تحسن جذري في الوضع الأمني". ويشاركها الرأي، هادي عبدالله، 36 سنة، وهو المهجر الوحيد من الموصل في المخيم "شقيقي ذبح بسبب العنف الطائفي، فكيف يُطلب منا العودة وسط الفوضى وفلتان الأمن".
لكن من حسن حظ أطفال سكان مخيم "قالاوة" إن في السليمانية مدارس تدرس اللغة العربية سمحت مديرية التربية لهم بمواصلة دراستهم فيها.
ويقول مدير تربية السليمانية كمال نوري إن "مديرية التربية في السليمانية تقوم برعاية التلاميذ وطلاب الإعدادية الدارسين باللغة العربية، الكرد منهم والعرب، فهناك المئات من العائلات الكردية يدرس أبناؤها وبناتها في المدارس العربية".
ويضيف نوري أن "نحو 1000 من الطلاب والطالبات من أبناء العائلات النازحة يتم تعليمهم أسوة بأقرانهم من القوميات الأخرى في المدارس الحكومية".
ويقول حسن محجوب، أحد سكان المخيم لـ"نيوزماتيك" إنه ينقل يومياً، وعلى دفعتين، 58 تلميذاً وتلميذة من المخيم إلى وسط المدينة لحاجتهم إلى رعاية نفسية"، مضيفا "صحيح أنهم لم ينقطعوا عن المدارس لكنهم ما زالوا يعانون من آثار نفسية نتيجة أعمال العنف التي تعرضوا لها أو شاهدوها".
ويقضي محمد محمود ،30 سنة، كما يقول معظم وقته في البحث عن علب البيبسي كولا والكوكا كولا الفارغة ليبيع الكيلو غرام الواحد منها بمبلغ 750 دينارا.
ويضيف محمود "شهدت منطقتنا، السيدية، عنفاً لا مثيل له، وننتظر أن تستقر الأمور لنعود، فنحن نحب مدننا ونريد العودة إلى أهلنا"، موضحا أن ظروف الحياة في المخيم قاسية "منذ ثلاثة أشهر نشتري المواد الغذائية من السوق ويشكل ذلك عبئا كبيرا إضافة إلى شحة الماء الصالح للشرب" حسب تعبيره.
لكن لدى انتصار خالد، 27 سنة، الهاربة من هجمات المسلحين في ديالى، هم آخر هو البعوض في الليل والذباب في النهار، تقول "حياتنا هي نقل الماء والغسل، واللقاء بمن يحيطنا وسماع الأخبار التي، غالباً، لا تفرح".
الأخبار غير المفرحة والقصص الحزينة يحملها معهم المهجرون، فنوار خالد علوان مازالت تأمل بالعثور على ابنها الذي اختفى قبل نزوحهم من ديالى.