د.فلاح خلف الربيعي- شبكة اخبار النجف
رغم ما يحظى به الاقتصاد العراقي من مزايا مادية وبشرية،وهيكل إنتاجي متنوع،مقارنة بالاقتصادات النفطية ذات الطبيعة الريعية البحتة، فأنه يعيش ومنذ عقود تحت ضغط أزمة بنيوية حادة، نجمت عن فشل خطط وبرامج التنمية
وقد تفاقمت تلك الأزمة بفعل التوجهات غير العقلانية للسياسة الاقتصادية التي تم تبنيها خلال عقد الثمانينيات والتسعينيات، التي ركزت على الاستغلال الجائر للموارد النفطية وتوجيهها للإغراض الأمنية والعسكرية،وعلى حساب الاستثمارات التنموية المادية والبشرية.
وقاد هذا التوجه الى انتكاسات خطيرة أدت الى انحراف مسار النمو الاقتصادي وتعميق الاختلالات الهيكلية.
ثم جاءت الحروب والحصار الاقتصادي ومجموعة الضغوط الخارجية الاقتصادية والسياسية والعسكرية التي أعقبت غزو الكويت لتدمر البنية التحتية والإنتاجية بالكامل وتقود الى شيوع حالة الركود التضخمي الطويل الآجل.
ويمكن أن نعزو استمرار تلك الأزمة الى الظروف والعوامل الآتية:
1-استمرار تبعية السياسة الاقتصادية للإيرادات النفطية، حيث يتم تبني السياسات الاستثمارية التوسعية في ظل انتعاش تلك الإيرادات ، وتبني السياسات الاستثمارية الانكماشية في ظل انكماش وتراجع تلك الإيرادات .
2-استمرار توجهات السياسة الاقتصادية التي كرست الطابع غير الإنتاجي للاقتصاد ،وساهمت في تدهور المساهمة النسبية للقطاعات السلعية وبخاصة قطاع الزراعة والصناعة التحويلية، مما عمق من تدهور حصة الفرد من الدخل القومي ،ورفع من معدلات التفاوت في توزيع الدخول .
3-استمرار ارتفاع الإنفاق الاستهلاكي الخاص والعام وبخاصة الإنفاق الدفاعي وشيوع أنماط الاستهلاك الترفي في أجهزة الدولة،قد فتحت الباب واسعا لانتشار مظاهر الفساد المالي والإداري في جميع أنشطة الدولة الاقتصادية والإدارية والأمنية.وأقترن هذا التوجه بضعف مرونة الجهاز الإنتاجي ،مما أدى الى ارتفاع في الميل للاستيراد. وارتفاع معدلات الاستيراد.
4-استمرار التناقض بين التوجهات المطلوبة لرفع معدلات الاستثمار في المجالات الإنتاجية والتوجهات الاستهلاكية لصانعي السياسات الاقتصادية، الذي حسم التنافس على التخصيصات لصالح الأنشطة الاستهلاكية ،وتحديدا لصالح الأنشطة الدفاعية والأمنية ،وترتب على هذا التوجه زيادة مستمرة في الإنفاق العسكري،على حساب الاستثمار قي المجالات الإنتاجية وفي التنمية البشرية.
5-التبدل العنيف في نمط تخصيصات الاستثمار لصالح الأنشطة التي تخدم الإغراض الأمنية والدفاعية على حسب التدهور النسبي للاستثمارات الإنتاجية، الأمر الذي زاد من تفاقم حالة الاختلال بين رأس المال الفوقي والاجتماعي ورأس المال الإنتاجي المباشر.
6-التركيز على التوسع في التشغيل في مؤسسات القطاع العام، والأنشطة الحكومية التقليدية وإهمال الاعتبارات الإنتاجية .
7-شهد الاقتصاد العراقي خلال العقود الماضية، أسوأ أنواع الاختلال القطاعي،حين تعمقت حالة عدم التناسب بين القطاعات التي تشكل مصادر العرض المحلي للناتج السلعي غير النفطي، والقطاعات التي تعمل كروافد للطلب المحلي،وقد أنعكس ذلك، على شكل اختلال بين القدرات الإنتاجية الحقيقية المتولدة في الاقتصاد الوطني،التي تعبر عنها القيم المضافة المتحققة في قطاعي الزراعة والصناعة التحويلية، والقدرات الاستهلاكية الكبيرة المتمثلة بالدخول المتولدة في الأنشطة غير السلعية، وبخاصة أنشطة الإدارة العامة والدفاع .
8-ضعف الترابطات الإنتاجية بين الأنشطة الاقتصادية ، فالهيكل الإنتاجي في العراق يتحيز نحو حلقات الإنتاج النهائية،ولا يميل نحو الدخول في مراحل إنتاجية متعاقبة، لغياب دور الأنشطة الصناعية الوسيطة،وضعف الآثار التحفيزية المتولدة لمعظم الأنشطة الإنتاجية.
9-ضعف دور قطاع الصناعة التحويلية في تمتين الترابطات الإنتاجية وتوفير المدخلات الوسيطة والإنتاجية لسائر قطاعات الاقتصاد الوطني، وهذا يفسر أيضا الارتباط القوي بين كل من عملية الإنتاج والاستثمار وعملية الاستيراد. وارتفاع حجم التسرب من دورة التدفقات الوسيطة،خلال عملية الاستيراد لمختلف السلع الوسيطة الإنتاجية.
10-تأثر نسبة التجارة الخارجية إلى الناتج المحلي الإجمالي، صعــــودا وهبوطا بالتقلب في نسبة الصادرات النفطية إلى الناتج المحلي الإجمالي ،و تركز صادرات العراق في سلعة واحدة هي النفط الخام التي تصــل نسبتها في مجموع الصــادرات إلى أكثر من (95بالمائة).
ورغم الطموحات والآمال العريضة التي كانت تتوقع تحسن الوضع الاقتصادي بعد سقوط النظام ، إلا أن استمرار الاحتلال وحالة التدهور الأمني في العراق، قد تركت آثاراً سلبية عميقة على المشاريع الهادفة الى تحقيق التنمية الاقتصادية وتصحيح الاختلالات الهيكلية.
وبعد الانتهاء من تلك الظروف وتحسن الوضع الأمني فأن الجهود الهادفة الى تصحيح مسار التنمية ينبغي أن تراعي المقترحات الآتية:
1- ضرورة توجيه النسبة الكبرى من التخصيصات الاستثمارية وموارد النقد الأجنبي وتهيئة الظروف التي تكفل تحقيق ارتفاع مطرد في الناتج السلعي غير النفطي، وعلى أساس تعجيل النمو في القطاع الصناعي- الصناعة التحويلية وتحقيق معدلا ت نمو منتظمة في القطاع الزراعي، وجعل هذين القطاعين أكثر استيعابا للقوى العاملة ولحركة رؤوس الأموال .وتبني إستراتيجية للتنمية تهدف الى تحويل الاقتصاد العراقي من اقتصاد استخراجي-خدمي الى اقتصاد صناعي -زراعي.
2-لابد من إعداد برنامج بعيد المدى لتتصرف بموارد النقد الأجنبي، ووضع الآليات الكفيلة بتحسين توظيف تلك الموارد ،وفي مقدمتها الموازنات بعيدة المدى للنقد الأجنبي ،التي تأخذ في الحساب إمكانيات تعويض الاستيراد وتنويع هيكل الإنتاج و هيكل الصادرات.
3-توفير البيئة الاقتصادية الكفيلة بتعزيز حالة التنافس بين القطاع العام والقطاع الخاص وعلى أساس اعتبارات الكفاءة الإنتاجية والخضوع لقوى السوق،وذلك بالعمل على منح القطاع الخاص الفرصة الكاملة للقيام بدوره في عملية التنمية ، على أن تهتم القطاعات الحكومية بتهيئة المتطلبات الأساسية لهذه التنمية من توفير البنية الأساسية كالخدمات والموانئ والطرق وشبكات الكهرباء والمياه ، فاستمرار احتكار المؤسسات الحكومية للمشاريع الكبيرة في مجالات القطاع النفط والصناعة- الصناعة التحويلية والخدمات العامة، وعدم السماح للقطاع الخاص للدخول الى هذه المجالات، سيحرم الاقتصاد العراقي من استثمارات القطاع الخاص المحلي والأجنبي من ناحية مثلما يحرمها من المهارات والمعرفة والتكنولوجيا التي يمكن أن تصاحب تلك الاستثمارات.
4- تشجيع وتسهيل مشاركة رأس المال الوطني والأجنبي في ملكية المشاريع المحلية وتطوير للسوق المالية لإتاحة الفرصة لمزيد من الاستثمارات، و توفير المزيد من القنوات لاستقطاب المدخرات.
5- اعادة توزيع القوى العاملة على الأنشطة الاقتصادية في ضوء احتياجاتها الفعلية،وبما يكفل زيادة مستويات الكفاءة الإنتاجية للعاملين، وإضفاء نوع من المرونة على سياسات التشغيل والتوظيف خاصة في مجال الاستغناء عن خدمات العمالة الفائضة، ومعالجة تلك القضية عن طريق رفع مستوى المهارات، والتوسع المستمر في مشاريع الخصخصة وفتح مختلف الأنشطة والقطاعات للمنافسة.