فراس القيسي - شركة العين الاعلامية
تشكو معظم دول العالم من ظاهرة خطيرة تتعرض لها مجتمعاتها هي ظاهرة الاتجار بالمخدرات وتعاطيها وتضع كل جهودها للتخلص من هذا الخطر والذي اعتبرها الكثير من الخبراء في عالم مكافحة المخدرات والاطباء بأنه اخطر من الامراض السرطانية والامراض المستعصية لما لها من مخاطر تضر بالمجتمعات من النواحي الاقتصادية والامنية والاجتماعية . وفيما يشهد العراق ضرفا استثنائيا ومنعطف خطير جراء تكالب قوى الشر والارهاب والتكفير بهدف زعزعة الامن والاستقرار فيه . ومن هنا بدأت الحكومة وبكافة اجهزتها الامنية في ردع
( خفافيش الظلام ) والوقوف بوجه من يريد العبث بأمن العراق وبث الرعب في نفوس مواطنيه . وهنا استطاعت اجهزة وزارة الداخلية من الكشف عن بؤر واماكن ترويج المخدرات في بعض محافظات الجنوب بقصد ايذاء المجتمع واجهزة الدولة والعبث بامن المواطن . وما الحملة الاخيرة التي شنتها الحكومة العراقية في البصرة والتي عرفت بـ(صولة الفرسان) لملاحقة الخارجين عن القانون ،شملت احدى صفحاتها مكافحة الجريمة ومنها المخدرات والاتجار بها .
البداية ..
فى بداية الاهتمام بمكافحة المخدرات وتعاطيها وإدمانها كان ينظر إليها كما ينظر إلى الجراثيم والميكروبات التى تهاجم الناس وتصيبهم بالمرض فبدا الأمر وكأن المتعاطي إنسان لا إرادة له استدرجه تاجر المخدرات وأعوانه حتى جعلوه يدمنها فلما انفق كل ما يملكه عليها تحول إلى مروج لها يغرر بالناس كما غرر به. وهذا ليس صحيحا إلا فى حالات قليلة للغاية، أما فى الغالبية العظمى من الحالات فإن تعاطي المخدرات وما تبعه من إدمان كان عملا واعيا أقدم عليه الشخص عن علم واختيار وبإرادة كاملة لا ينتقص منها أن يكون قد تأثر بعوامل نفسية أو اجتماعية.
ونتيجة لهذه النظرة الضيقة إلى المخدرات وجهت الحكومات ومؤسساتها على اختلافها اهتمامها إلى الأشخاص الذين يجلبون المخدرات والذين يتجرون فيها فشددت عقوباتهم المرة تلو المرة، لعل ذلك يثنيهم عن جلبها والاتجار فيها. ولم تنس المتعاطي والمدمن، فشددت العقوبة المنصوص عليها فى القانون بالنسبة لهما أيضا كي يفيقا ولا يدعا هؤلاء وأولئك يخدعونهما أو يغررون بهما. وهكذا فات الحكومات أن تدرك أن تشديد العقوبات، سواء بالنسبة للجالبين والمهربين والتجار، أو بالنسبة للمتعاطين والمدمنين لا يكفى بذاته لمنع الفريق الأول من جلب المخدرات والاتجار فيها ولا لصرف الفريق الثاني عن تعاطيها وإدمانها. وبالنسبة للفريق الأول فقد سبق أن أجريت دراسة إحصائية تحليلية لجرائم جلب المخدرات والاتجار فيها قبل تشديد العقوبات وبعد تشديدها تبين منها أنه عقب التشديد مباشرة حدث انخفاض شديد فيها بلغ 50% استمر ستة أشهر فقط ثم عاد إلى الارتفاع شيئا فشيئا حتى بلغ 100% بعد عام واحد ثم بلغ 200% بعد عامين وهكذا حتى أصبح كالمتوالية الحسابية، الأمر الذى دل على أن تشديد العقوبات لا يكفي وحده لمنع الجلب والاتجار فيها أو حتى للحد منهما وإنما يجب، فضلا عن ذلك، منع الطلب على المخدرات أو خفضه إلى أدنى حد ممكن. ذلك أنه طالما وجد المهربون والتجار أن المخدرات تعود عليهم بأرباح ضخمة لا تدرها أي تجارة أخرى فإنهم لن ينصرفوا عنها مهما كانت المخاطر التي تكتنفها والتي يظنون دائما أنهم قادرون على تجنبها والتغلب عليها. من ذلك أن سعر الكيلوغرام من الأفيون فى البلاد المنتجة لا يزيد على عشرة دولارات بينما هو فى البلاد المستهلكة عشرة آلاف دولار. وفى صناعة الكوكايين يعود توظيف مائة دولار على صاحبها بفوائد تقدر بحوالى مائة الف دولار!." تشديد العقوبات لا يكفي وحده لمنع تجارة المخدرات أو حتى للحد منها وإنما يجب، فضلا عن ذلك، منع الطلب على المخدرات أو خفضه إلى أدنى حد ممكن. " وهنا يأتي دور الفريق الثاني أى المتعاطين والمدمنين فهم الذين يشترون المخدرات بالأسعار التى يحددها التجار ومن قبلهم المهربون والجالبون فيحققون لهم الأرباح الطائلة التى تشجعهم على الاستمرار فى هذه التجارة. وهو ما رأت الحكومات أن تشديد العقوبة من شأنه أن يجعلهم يفيقون فينصرفون عنها ويكفون عن شرائها ونسيت أن هذا إن صح بالنسبة لمن يتعاطون المخدرات التي لا تحدث إدمانا فإنه لا يصح بالنسبة للمخدرات التى يؤدي تعاطيها إلى الإدمان والذين لن تخيفهم العقوبة مهما كانت شديدة لأن حالة الإدمان تجعلهم يستخفون بكل شىء. وبالتالى فإن الطلب سيبقى وسيقوم التجار بتلبيته مهما كانت المخاطر التى سيعوضونها برفع الأسعار وهم على ثقة من أن المدمنين لن يستطيعوا التوقف عن الشراء وإنما سيبذلون أقصى ما في وسعهم من الجهد للحصول على المال اللازم للشراء. أما إذا افترضنا عجز التجار عن توفير "الصنف" فإن ذلك لن يجعل المدمن يتوقف بل سيعمل من جانبه للحصول على البديل الذى قد يكون أشد ضررا من النوع الذى أدمنه. ونتيجة للاعتماد على العقوبات الشديدة فى مواجهة المخدرات أصبحت المسؤولية عن مكافحتها ملقاة على عاتق الشرطة والقضاء والسجون، فالشرطة تلاحق وتقبض على الجالبين والمهربين والتجار والمتعاطين والمدمنين لتقدمهم للقضاء الذي يوقع عليهم العقوبات المنصوص عليها فى القانون إذا أدينوا فيودعون بالسجون ليقضوا بها عقوباتهم." المخدرات التى يتم ضبطها تساوي حسب تقديرات الأمم المتحدة 10% من الكمية الإجمالية التى يجري تهريبها وتداولها" ولعل عدم ظهور آراء مبتكرة ومواقف غير تقليدية من مشكلة المخدرات يرجع إلى هذا الوضع غير العملى الناشئ عن اعتقاد المشرع أن الأمر لا يحتاج إلى أكثر من الجهود الشرطية المستمرة والأحكام القضائية السريعة والقاسية وبالتالى لم يكن غريبا أن تكلل جهودهم بالفشل الذى كشفت عنه الزيادة المستمرة في جرائم المخدرات من كل الأنواع وزيادة أكبر فى الكميات التى يتم ضبطها والتى ترى الأمم المتحدة أنها تساوى 10% من الكمية الإجمالية التى يجري تهريبها إلى داخل الدولة. ولا ننكر أنه كانت هناك جهود بذلت على هامش المكافحة الشرطية- القضائية مثل الوعظ من جانب بعض رجال الدين فى المساجد وغيرها من أماكن الصلاة ، والنصح والإرشاد من جانب بعض الأطباء والباحثين فى مجال المخدرات فى الإذاعة والتلفاز، فضلا عن المؤتمرات والندوات وورش العمل. وكما نلاحظ فإن هذه الأنشطة كلها موجهة إلى الجميع مدمنين وغير مدمنين كما أنه يعيبها السطحية الشديدة الناشئة عن أن الذين قاموا بها كانوا ولا يزالون على ثقة من أن شيئا جادا لن يتحقق والأمر فى حقيقته لا يزيد عن أن يكون "سد خانة" كما يقول العوام أي التظاهر بقضاء واجب لا أكثر. بداية الاهتمام بالعلاج على الرغم من أن تعاطى المخدرات هو من المشكلات القديمة في عالمنا العربي فإن التفكير فى علاج المدمنين لم يظهر عندنا إلا بعد أن قرر المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة عام 1958 أن يدعو إلى عقد مؤتمر لإقرار اتفاقية وحيدة للمخدرات، من أجل استبدالها بالمعاهدات المتعددة الأطراف التي كانت قائمة فى ذلك الوقت. وقد بلغ عدد الدول العربية التي شاركت فيه سبع دول هي الأردن وتونس ومصر وسوريا والعراق ولبنان والمغرب. وثمانى دول إسلامية هي أفغانستان والبانيا وإندونيسيا وإيران وباكستان والسنغال وتركيا ونيجريا، أي خمس عشرة دولة عربية وإسلامية من إجمالي 73 دولة حضرت المؤتمر الذي أصدر عدة قرارات من بينها القرار الثاني الخاص بمعالجة مدمني المخدرات والذي كان نصه: "إن المؤتمر اذ يشير إلى أحكام المادة 38 من الاتفاقية المتعلقة بمعالجة مدمني المخدرات وتأهيلهم:
1- يعلن أن معالجة المدمنين في المستشقيات فى جو خال من المخدرات هو من أنجح وسائل المعالجة.
2- يحث الدول الأطراف التي يشكل فيها إدمان المخدرات مشكلة خطيرة على توفير هذه المرافق، فيما لو سمحت مواردها الاقتصادية بذلك"." أجازت اتفاقيتا الأمم المتحدة والاتفاقية العربية لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات أن تطبق الدول تدابير أخرى بدلاً من العقوبة على المتعاطين مثل العلاج أو الرعاية اللاحقة أو إعادة التأهيل بهدف إعادة دمج المتعاطي فى المجتمع " كذلك أجاز البروتوكول الصادر فى 25 آذار 1972 المعدل للاتفاقية الوحيدة للمخدرات لسنة 1961 للدول الأطراف أن تستبدل العقوبة التي نص عليها القانون بالنسبة لمتعاطي المخدرات بتدابير تخضعه لإجراءات العلاج والتعليم والتأهيل والرعاية الاجتماعية (المادة 14). كما جاء فى المادة (15) أن على الدول الأطراف أن تهتم باتخاذ الإجراءات اللازمة للوقاية من سوء استخدام العقاقير المخدرة، وأن تعمل على علاج المدمنين وإعادة تأهيلهم مهنيا واجتماعيا حتى يعودوا للمجتمع أفرادا صالحين قادرين على العطاء. وهكذا يكون البروتوكول قد أكد أن الجهود لا يجب أن تقتصر فقط على التأثير في عرض المواد المخدرة، بل يجب أن يؤثر والقدر نفسه في الطلب عليها. وهو نفس ما حرصت عليه اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية حيث أجازت للدول الأطراف أن تطبق على المتعاطي -بدلا من العقوبة- تدابير أخرى مثل العلاج أو الرعاية اللاحقة أو إعادة التأهيل بهدف إعادة دمجه فى المجتمع (المادة الثالثة فقرة رقم 3- ب، ج، د) وعلى المستوى العربي صدرت الاتفاقية العربية لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية سنة 1994 وقد جاء بالمادة الثانية منها فقرة 3-ج أنه يجوز بالنسبة للمتعاطين استبدال العقوبات بتدابير أخرى مثل التوعية والعلاج وإعادة التأهيل وإدماجهم فى المجتمع والرعاية اللاحقة لهم. وبتوقيع الدول العربية على الاتفاقيات والبرتوكولات الخاصة بالمخدرات والمؤثرات العقلية بدأ اهتمامها بتطبيقها وخاصة فيما يتعلق بمعاملة المدمنين. أسباب حدوث الإدمان يحدث الإدمان نتيجة للتفاعل بين ثلاثة عوامل رئيسية هى المخدر والإنسان والمجتمع، وذلك على النحو التالي:
أولا: بالنسبة للمخدر، وهو العامل الأول فى قضية الإدمان، واستخدامه يخضع لعدد من العوامل التي منها:
1- توفر المخدر وسهولة الحصول عليه مما يجعل سعره فى متناول الكثيرين، فتتسع بالتالي الفرصة للتعاطي والإدمان.
2- طريقة التعاطي مثل تعاطي المخدرات بالفم أو الشم فإنه يسهل الإدمان عليها، بينما يقلل استخدامها بطريق الحقن من فرص الإدمان يضاف إلى ذلك مرات التعاطي، فالتعاطي المستمر واليومى يزيد من فرص الإدمان بخلاف الاستخدام المؤقت والذي يحدث في المناسبات كالأعياد والأفراح وغيرها فإنه يقلل من فرص الإدمان.
3- نظرة المجتمع للمادة المخدرة، كأن ينظر إليها بشيء من التسامح لسبب غير صحيح مثل الظن بأن الإسلام حرم الخمر ولم يحرم المخدرات لأنه لم يرد لها ذكر فى القرآن ولا في السنة، وهو ظن خاطئ.
4- الخواص الكيمائية والبيولوجية للمخدر، فقد ثبت علميا أن لكل مخدر خواصه وتأثيراته المختلفة على الإنسان، كذلك ثبت أن أي شخص بعد أن يستخدم أنواعا مختلفة من المخدرات فإنه لا يلبث أن يفضل "صنفا" منها ويدمن عليه، وذلك لوجود نوع من التوافق بين هذا المخدر وتأثيراته من جهة وشخصية هذا الإنسان من جهة أخرى، لدرجة أنه قيل إن الشخص يبحث عن المخدر الذى يناسب شخصيته، وهو ما يقول عنه العوام "المزاج". الشخص المصاب بالاكتئاب يستخدم مخدرات تسبب له الإحساس بالرضا والسرور والتعالي. فى حين أن الشخص الذي يعاني من التفكك الداخلي في الذات واضطراب في العلاقات بالآخرين أو في الوجدان والمشاعر وهو ما يعرف بالشخصية الفصامية يفضل المخدرات التي تساعده على إعادة الانتظام والإحساس بالواقع" فالشخص المصاب بالاكتئاب يستخدم مخدرات تسبب له الإحساس بالرضا والسرور والتعالي. فى حين أن الشخص الذى يعاني من التفكك الداخلي في الذات واضطراب في العلاقات بالآخرين أو في الوجدان والمشاعر وهو ما يعرف بـ(الشخصية الفصامية) يفضل المخدرات التي تساعده على إعادة الانتظام والإحساس بالواقع.
ثانيا: الإنسان الذى يتكون من جسم ونفس يتفاعلان باستمرار لدرجة أنه يصعب الفصل بينهما ولذلك تتداخل العوامل التي تؤثر في النفس مع العوامل التي تؤثر في الجسم وهي التي سنتناولها في ما يلي باختصار:
2- العوامل الجسمية تنحصر في: الوراثة والعوامل المكتسبة والأخطاء الطبية العلاجية وأخيرا الأسباب البيولوجية للاعتماد وهي التي تسمى الناقلات العصبية.
2- العوامل النفسية التي تلعب دورا في التعاطي والإدمان هي:
أ- تخفيض التوتر والقلق.
ب- تحقيق الاستقلالية والإحساس بالذات.
ج- الإحساس بموقف اجتماعي متميز، والوصول إلى حياة مفهومة.
د- الإحساس بالقوة والفحولة.
هـ إشباع حب الاستطلاع.
و- الإحساس بالانتماء إلى جماعة غير جماعته.
ز- الوصول إلى الإحساس بتقبل الجماعة.
ح- التغلب على الإحساس بالدونية.
ط- التغلب على الأفكار التى تسبب له الضيق.
ي- الخروج على القوالب التقليدية للحياة (المغامرة).
ك- حب الاستطلاع وملء الفراغ.
وهناك من يضيفون دوافع أخرى إلى ما تقدم منها على سبيل المثال:
الرغبة فى التجريب- الهروب من المشاكل- الرغبة في زيادة المرح- الرغبة في زيادة القدرة الجنسية- الصراع بين التطلعات الطموح والإمكانات المتاحة- الفشل فى حل الصراع بالطرق المشروعة- الاحساس بالاغتراب والقهر الاجتماعي- الرغبة في الاستقرار النفسي.
أسباب تعاطي المخدرات
مشكلة تعاطي المخدرات والإدمان عليها مثلها مثل غيرها من المشكلات الاجتماعية وراءها عوامل اجتماعية عديدة هامة ومؤثرة تتباين من مجتمع إلى آخر، بل ومن فرد إلى فرد آخر ومن هذه العوامل:
1- العلاقات الأسرية.
2- تعاطي الأبوين أو أحدهما للمخدرات.
3- تأثير جماعات الأصدقاء.
4- السلوك المنحرف للشخص.
5ـ- درجة التدين.
6- وجود المخدر.
6- التدخين وشرب الخمر.
7- وسائل الاتصال الجماهيري.
8- الثقافة السائدة.
9- المستوى الاجتماعي الاقتصادي.
الارادة والشجاعة تهزم المخدرات ..
علاج الإدمان متعدد الأوجه فهو جسمي ونفسي واجتماعي معا بحيث يتعذر أن يتخلص الشخص من الإدمان اذا اقتصر على علاج الجسم دون النفس أو النفس دون الجسم أو تغاضى عن الدور الذي يقوم به المجتمع في العلاج.
ويبدأ العلاج في اللحظة التي يقرر فيها الشخص التوقف عن تعاطي المخدرات. ومن الأهمية بمكان أن يكون هو الذي اتخذ القرار بالتوقف ولم يفرض عليه وإلا فإنه لن يلبث أن يعود إلى التعاطي في أول فرصة تسنح له. وهنا يثور تساؤل حول القرار الذي يصدره القاضي بإيداع الشخص الذى قدم إلى المحكمة، وثبت لها أنه مدمن، لإحدى المصحات ليعالج فيه لمدة معينة والذي يبدو بجلاء أنه ليس هو الذي اتخذه وبإرادته وإنما فرضته عليه المحكمة وهل يرجح ألا يستجيب للعلاج ولا يلبث أن يعود إلى التعاطي؟ نعم من المرجح أن يحدث ذلك، وهو ما أكدته الدراسات التي أجريت على عينة من المدمنين الذين تم ايداعهم المصحات لتلقي العلاج وتبين أنهم استمروا في تعاطي المخدرات أثناء وجودهم فيها وبعد خروجهم منها.
وكذلك المدمنون الذين تلح عليهم أسرهم ليدخلوا المصحات لتلقي العلاج فلا يملكون إلا الموافقة يعد طول رفض، فإنهم لا يتوقفون عن التعاطي أثناء إقامتهم بالمصحات وإلى أن يغادروها وقد فشل العلاج ولم تجن أسرهم غير الخسارة المالية الفادحة والمتمثلة في ما أنفقته على علاج غير حقيقي بالإضافة إلى المبالغ الكبيرة التى حصل عليها المدمن لإنفاقها على المخدر الذى أدمن تعاطيه.
وبالمقابل نرى المدمن الذي اتخذ قراره بالتوقف عن التعاطي، من تلقاء نفسه ودون ضغط من أحد، يقاوم بإصرار حالة الانسحاب التي تعتريه ويتحمل ما تسببه له من آلام مستعينا بما يعتقد أنه يساعده على المضي فيما قرره كالصلاة والصوم وضروب العبادة الأخرى فضلا عن وسائل العلاج البدني والنفسي. وهو ما لاحظناه في الحالات التي حالفها التوفيق.
لذلك لم يكن غريبا أن تكون نسبة الذين لم يفلح معهم العلاج وعادوا إلى الإدمان 64% من العدد الإجمالي لمن دخلوا المصحات للعلاج.
بعد أن يلمس الطبيب رغبة المدمن في العلاج وسعيه إليه يبدأ في البحث عما إذا كان قد سبق له أن تلقى علاجا أم لا، لاحتمال أن يكون للعلاج الذي تلقاه أثر ولكنه لا يظهر إلا متأخرا، وهو ما يجب أن يأخذه بعين الاعتبار، خاصة بعد ما تبين من أن أطول البرامج العلاجية وأحسنها تنظيما أسفرت عن نتائج لم يكن من الممكن التنبؤ بها.
كذلك من الأهمية بمكان التعرف على شكل العلاقة بين المدمن وبيئته الاجتماعية لعلاقة ذلك بالنتيجة التي سينتهي إليها العلاج من حيث النجاح أو الفشل، فالأشخاص الذين يتلقون دعما اجتماعيا أو أسريا يتوقع لهم أن يتحسنوا أكثر من هؤلاء الذين لا يتلقون مثل هذا الدعم.
وباختصار فإن المشكلة التى تعترض طريق تقدير العلاج هي تحديد ما الذي يحاول ذلك العلاج تحقيقه ولدى أي نوع من الأفراد. وبغض النظر عن طرق العلاج وأساليبه فإن تعاون المدمن مع من يقومون بعلاجه من أجل الشفاء من الإدمان يلعب دورا بالغ الأهمية في حدوث ذلك. غير أنه كثيرا ما يحدث أن من يتعاطون المخدرات أنفسهم يقاومون العلاج، وأنهم ولأسباب غير مفهومة لا يرغبون فى الإقلاع عن الإدمان أو تلقي المساعدة وكثيرا ما قيل، بدرجة كبيرة من الاطمئنان، أنه لا يوجد شيء يمكن لأي شخص أن يعمله إذا لم يرد المدمن أن يساعد نفسه.
لذلك يجب أن يحاط المدمن علما، منذ البداية، بالاحتمالات المختلفة سواء منها المصاحبة للعلاج أو التالية له حتى إذا لم يتحقق النجاح المنشود لم يصب بخيبة أمل كبيرة أو يفقد ثقته في المعالج. كما يجب أن يكون واعيا بدوره فى نجاح العلاج وفشله وأن النجاح ليس فوريا أو سريعا بالضرورة بل هو يحتاج لبلوغه إلى قدر كبير من الصبر والتحمل.
وحتى قبل أن يتقدم المدمن لتلقى العلاج فإن سعيه التلقائي إلى الشفاء من الإدمان أو الإقلاع التام عن التعاطي يجب أن يقترن لديه بالاعتقاد بوجود احتمال راجح لشفائه وهو ما يفوق في القيمة والأثر العلاج الطبي المتسم بالرعونة وعدم التعاطف أو المبالغة في التعاطف كأن يحاول الطبيب أن يعالج المدمن بتقديم مخدرات بديلة للمخدر الذى يدمنه وهو تصرف من شأنه أن يجعل التخفيف التلقائي من التعاطي أقل احتمالا لأن يتحقق، وفي أسوأ الاحتمالات يكون مصدرا لمدد قاتل من المخدرات السامة.
وبطبيعة الحال فإننا لن ندخل في تفاصيل العلاج وذلك لسببين، الأول لأنه يختلف من شخص إلى آخر، والثاني لأنه يشتمل على جهود عديدة طبية ونفسية واجتماعية بينها درجة عالية من التشابك تحتاج من أجل أن تحقق النتائج المنشودة إلى علم وخبرة وإيمان المختصين بالإضافة إلى تعاونهم مع المدمن ومع أسرته وكل من يهمهم أمره وتعاون هؤلاء معهم.
وبقي الحديث عن المصحات المخصصة لعلاج المدمنين والتي نصت القوانين الخاصة بالمخدرات على إنشائها لإيداع المدمنين بها المدد اللازمة لشفائهم من الإدمان والتي بدونها يتعذر مواجهة هذه المشكلة. وقد تبين عدم وجود بيانات عما يوجد من مصحات على مستوى العالم العربي لا من حيث عددها أو نظام العمل فيها ولا من حيث طرق العلاج المتبعة فيها أو عدد المتعاملين معها ونسبة الذين نجح معهم العلاج وذهبت جهودهم سدى للحصول على أي بيان منها سواء من جامعة الدول العربية أو من صندوق الإدمان.
تاريخ المخدرات
استخدام المواد المخدرة يضرب في أعماق التاريخ ويعود إلى حوالي 5000 سنة. فمنذ العصور السحيقة قام أناس بزراعة نباتات مخدرة لأغراض ترفيهية أو طبيه أو اجتماعية. لكن البدايات المعاصرة لاستخدام المخدرات خاصة في الغرب بدأت بالاستخدام الطبي للمخدرات، وكان الأطباء يصفون مركبات الأفيون كعلاج بل إن أحد الأطباء كتب كتابا يبين فيه للأمهات متى وأين تستخدم المخدرات لعلاج أطفالها. وكان جهل الأطباء حينئذ بالمخاطر التي يمكن أن تنتج عن إدمان هذه المواد، جعلهم يستخدمونها على نطاق واسع لعلاج العديد من الأمراض والآلام. وقد اتسع نطاق استخدام المخدرات إلى أن دخلت في كل علاج حتى مهدئات الأطفال.
وفي الحرب الأهلية في أميركا كان المورفين يستخدم علاجا في حالات الإصابة حتى سمي الإدمان على المورفين آنذاك "مرض الجندي". وفي سنة 1898 أنتجت شركة باير في ألمانيا مادة مخدرة جديدة على اعتبار أنها أقل خطورة وكانت هذه هي مادة الهيروين التي تبين أنها أكثر خطورة في الإدمان من المورفين، الذي جاءت بديلا عنه. وعندما أدرك الأطباء وعموم الناس مخاطر الإدمان كانت المخدرات قد انتشرت بشكل واسع جدا.
بوابات الإدمان
إن تعاطي المواد المخدرة أيا كان نوعها أو وضعها الاجتماعي أو القانوني هي مواد ذات خطورة كبيرة وأضرارها المباشرة وغير المباشرة تشل المجتمع الانساني وتضر بأخلاقه واستقراره وأمنه ومصادر عيشه. إن المخدرات ذات الخطورة المباشرة لها أضرار كثيرة واضحة لكن المخدرات ذات الخطورة الكامنة مثل التدخين والخمر قد لا تبدو بمثل خطورة المخدرات لكنها في الواقع أشد فتكا وأوسع تأثيرا وانتشارا. إضافة إلى وجود عوامل اجتماعية وشخصية وبيئية تهيئ ظروف الانحراف للشباب وغيرهم، كذلك توجد ترابطات بين الأنواع المختلفة من المخدرات وغيرها من المواد التي تؤدي إلى الإدمان. عادة ما يبدأ المتعاطي باستخدام مواد خفيفة ثم ينتهي به الأمر إلى الإيغال في الإدمان وتعاطي المواد الخطرة. وقد بينت الدراسات العلمية المختبرية أن تعاطي بعض المواد المخدرة يدفع الفرد إلى تعاطي مواد أخرى أكثر خطورة ، ويمثل التدخين الخطوة الكبيرة الأولى أو النافدة التي يطل منها الشباب إلى عالم المخدرات. فقد يكون اندفاع المراهقين نحو التدخين بهدف إبراز الذات، والتحدي والحصول على صورة لذواتهم تعطيهم شيئا من النشوة التي يبحثون عنها. لكن ظروف التدخين والرفقه السيئة ومحدودية اللذة التي يجلبها التدخين تدفع بعض المدخنين الصغار إلى البحث عن درجات أعلى من النشوة واللذة. فعندها يتولد لديهم الاستعداد لتعاطي مواد مخدره أخرى وتزول من أمامهم حواجز الحرمة أو الخشية من التعاطي. وبزوال هذه الحواجز الأخلاقية والقانونية يصبح الطفل/ الشاب قابلا لأي عرض يقدم له. كما تدل الدراسات والأبحاث العلمية يبدأ معظم متعاطي الحشيش أو الماريوانا أولا بشرب الكحول. وبينت كثير من الدراسات العلمية أن استخدام المخدرات يبدأ بتعاطي البيرة والخمرة. فإذا كان هناك مادة تعتبر بوابة رئيسية في مسلسل تعاطي المخدرات فإنها تحديدا هي الكحول (أم الخبائث). وتشير الدراسات تلك إلى أنه في مجتمعات الغرب يبدأ الشباب بتناول مواد تعتبر مقبولة اجتماعيا عندهم مثل البيرة والخمر، ثم إن عددا منهم سوف يبدؤون بعدها بتعاطي المخدرات. وهناك نتيجة بحثية مدهشة حول العلاقة بين التدخين/ والكحول تشير إلى أن الذين يبدؤون بالتدخين فمن المحتمل أن يستخدموا خمورا قوية، لكن الذي يبدأ بشرب خمور فمن غير المحتمل أن يبدأو تدخين السجائر. "وهكذا في حين أن الشرب يمكن أن يستمر دون التدخين، لكن التدخين إلى حد ما دائما متبوع بشرب الخمر القوي. والاستخدام المزدوج للسجائر والخمر القوي مرتبط بالدخول إلى عالم المخدرات الممنوعة. وقال احد الباحثين الذي أجرى دراسة تتبعية حول تعاطي المراهقين للمخدرات "إن تعلم تدخين السجائر هو تدريب ممتاز لتعلم تدخين الماريونا (الحشيش) حيث إن تدخين الماريونا إلى حد ما دائما يبدأ بتدخين السجائر .لكن هذا لا يعني فقدان الأمل لكسر دائر التعاطي هذه. فبالإمكان التدخل والتوعية وكسر هذه الحلقات المتتابعة وحماية الشباب من السقوط في مستنقع المخدرات السحيق. لكن الأمر الهام هنا، يكمن في الوعي بالسلوكيات التي تعتبر فاتحة ومقدمة لسلوكيات أسوأ. فالتدخين بين الشباب ينتشر دون اتخاذ خطوات جادة لمنعه أو مقاومته، فإن التساهل مع التدخين سوف يستمر إلى ما هو أصعب وأكثر كلفة. رفاق السوء هم باب آخر للإدمان وللولوج في عالم المخدرات البغيض. ويأتي خطر رفاق السوء من أن تأثيرهم يتزايد في مرحلة يكون الشاب فيها قابلا للتأثر خاصة في مرحلة النماء/ المراهقه وفي حالات ضعف الترابط الأسري. كذلك يزداد تأثير رفقاء السوء عندما تكون شخصية الشاب/ المراهق، هشه وعناصر المقاومة لديه ضعيفة، ولا يستطيع أن يقول لا، أو أن يجاهر برأيه، ويمتنع عن الانزلاق وراء محاولات الإغراء والإفساد. لهذا وجب الاعتناء بتحسين العلاقة بين الوالدين وأبنائهم، وتوفير احتياجاتهم النفسية والعاطفية وكذلك المادية وعدم فتح المجال أمامهم للبحث عن التعويض خارج الأسرة. ينبغي كذلك التعرف إلى أصدقاء الأبناء ورفاقهم، وتعرف كيفية قضاء أوقاتهم. أي يلزم إشراف واع من الأهل وعدم إهمال الأبناء، وجعلهم يدخلون في عالم الانحراف، ثم يأتي الوعي متأخرا، ويكون الخطر قد حصل.
مكافحة المخدرات
تدل الدراسات والتقارير والأبحاث على مستوى العالم على أن مشكلة تعاطي المخدرات في ازدياد رغم الجهود الدولية لمكافحتها. فيبدو أن عصابات التهريب من القوة بحيث إنها تتغلب على كثير من الحواجز وقوى المكافحة. وهي بما تملكه من مال وقدرة على تسييل أموالها الحرام قادرة على التاثير والإفساد الكبير والاستمرار في ترويج بضاعتها الآثمه. فهناك قناعة علمية وواقعية تدعو إلى التوجه في مكافحة المخدرات إلى جمهور المتعاطين. أي حيث إن الجهود لم تنجح في كبح قوى "العرض" فإن البديل الأنسب هو العمل على تقليل "الطلب" على المخدرات. وعملية تقليل الطلب تستلزم التوعيه والإرشاد، والوقاية بشكل رئيسي.
تتنوع سبل مواجهة المخدرات تبعا للمستوى الذي يتم فيه العمل. فحيث إن مشكلة المخدرات هي مشكلة متعددة المستويات وتكاد تكون نموذجا للمشكلات التي تشغل جميع مستويات النظام الاجتماعي الإنساني فهي تمثل ظاهرة عالمية محلية مجتمعية فردية في آن واحد. لهذا كان لا بد من مواجهتها في جميع هذه المستويات المتراتبة. إن مكافحة المخدرات تقتضي العمل في مستويات متعددة من النشاطات فحيث إن المشكلة عالمية فلا بد أن يتم التعاون الدولي لأجل منع إنتاجها وتهريبها واستهلاكها. لهذا الأمر توجد اتفاقيات ومنظمات ونشاطات عالمية تعنى بهذا الأمر، وتسعى لأجل وقف إنتاج وتوزيع المخدرات. وحيث إن المخدرات أصبحت سلعة اقتصادية ومصدر ثروة حرام للعديد من الأشخاص والمنظمات الشريرة فإن المكافحة يجب أن تتوجه نحو جميع عناصر وعمليات ومناشط الإنتاج والتوزيع والاستهلاك. وأن تعمل بجميع منافذها ومساربها بحزم وإخلاص. على كل رغم الجهود الدولية فإن مشكلة تهريب المخدرات وتوزيعها تخطت كل الحواجز وواصلت عمليات الإفساد والتخريب للأجيال الشابة. هذا يعني أن قوى الشر والإفساد لا تزال تمتلك من التأثير الشيء الكثير، ربما مكنها ما تملكه من مال وثروة في بعض الأحوال والدول أن تمتلك من القدرات البشرية والمادية والتكنولوجيا المتقدمة ما لم تملكه تلك الدول. هذا لا يعني خسارة المعركة مع شياطين المدرات، ولكن يشير إلى أنه لا بد من العمل المحكم الجاد وعلى جميع المستويات. وعلى هذا فإن عمليات مكافحة المخدرات ومكافحة عصابات الإجرام هي مسؤولية عالمية، ينبغي أن تشترك فيها جميع دول العالم ومنظماته الدولية. وهذا بالفعل ما يحصل، وتوجد العديد من المنظمات والنشاطات والمبادرات التابعة للأمم المتحدة التي تهتم بمكافحة المخدرات وما يرتبط بها من قضايا ومنها:
1- برنامج الامم المتحدة الدولي لمكافحة المخدرات (UNDCIP)
2- قسم المخدرات في المنظمة الدولية للشرطة الجنائية (INTERPOL)
3- الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات (INCB)
4- منظمة الصحة العالمية (WHO)
5- منظمة العمل الدولية (ILO)
6- منظمة الأغذية والزراعة (FAO)
7- المجلس الدولي لمكافحة الإدمان على الكحول والمخدرات (ICAA)
8- صندوق برنامج الأمم المتحدة الدولي لمكافحة المخدرات والوقاية منها (UNFDAC) ويختص بدعم البلدان التي تعاني من مشاكل زراعة المخدرات أو الاتجار فيها أو تعاطيها. (انظر صالح السعد المخدرات أضرارها وأسباب انتشارها 1991). أما على المستوى العربي فيوجد تعاون أمني وثيق بين جميع الدول العربية. ويكاد يكون مجلس وزراء الداخلية العرب من أنجح الهيئات العربية العاملة، فالمجلس بجهازه الفني والمتمثل بأمانته العامة ومكانته المتخصصة وجهازه العلمي المتثل في المركز العربي للدراسات الأمنية والتدريب، يشكل إسهاما عربيا كبيرا في هذا الحال . كذلك المجالس العربية الوزارية الأخرى، كل يقوم بجهد في زاوية اختصاصه مثل: 1- مجلس وزراء الصحة
2- مجلس وزراء الشؤون الاجتماعية
3- المنظمة العربية وغيرها.
إن جهود المكافحة أو الوقاية ينبغي أن تكون متكاملة ومتساندة ليس بينها تناقض أو تضارب فإذا حرمت الخمر فالطرق الموصلة إليها محرمة كذلك. فلا معنى لمحاربة سلوك وفي الوقت نفسه تسهيل كل الطرق الموصله إليه. ينبغي أن تكون الوسائل والغايات كلها حلالا، عدا ذلك فإن الانحراف والنفاق والتناقض السلوكي ستكون سمات الجيل الذي ينشأ في هذا السياق المعياري المتناقض الذي تتصادم فيه القيم والمعايير والوسائل والأعمال والغايات.إن تعاطي المخدرات في النهاية هو سلوك، وخيار فردي موجه ومتأثر بعوامل شخصيه واجتماعية محلية ودولية. وعلى هذا فينبغي النظر إلى التعاطي بهذا المنظار السلوكي والبيئي الشامل. والكف عن النظر إليه باعتباره مرضا، والتعامل مع المتعاطي على أنه مريض. من هنا ينبغي إعطاء "علاج" المدمنين مكانه المناسب ليس أكثر، فالعلاج مصطلح طبي يناسب مصطلح "المرض" وتعاطي المخدرات ليست مرضا، بالمعنى الجسدي للمرض. بل هو سلوك منحرف، له أضرار نفسية واجتماعية وطبية. نرى أن للمقاومة والمكافحة الناجحة لإدمان المخدرات إضافة إلى الجهود الدولية والوطنية لا بد من العمل على مستوى المجتمع المحلي والأسر والأفراد.
العلاج
يمثل هذا الجانب البعد الطبي للمشكلة، وهو يهتم بإزالة سمية المخدرات من جسد المتعاطي. ومعالجة الأعراض الانسحابية الجسدية والسلوكية التي تنتج عن ذلك. ودون خوض في التفاصيل يمثل هذا العلاج جانبا هاما في التعامل مع التعاطي بشكل آني، لكنه لا يمثل كل ما يجب عمله. فالعلاج الطبي أحد الجوانب وليس كلها وقد التبس على كثيرين تفسير مشكلة تعاطي المخدرات، على أنها مشكلة جسدية، وأن التعاطي هو نتاج ميول حيوية جينية عند المتعاطي. وهذا التفسير القاصر له جوانب سلبية كثيرة، حيث إنه يحصر المشكلة في شخص المدمن أو المتعاطي، وبالتالي يتم إهمال أو غفال جوانب المشكلة الاخرى. ويسرنا انه بدأت تتضح رؤى التكامل في تفسير مثل هذه المشكلات الاجتماعية. ومن ثم الادراك القويم لمستويات العمل اللازمة المتنوعة وما تستلزمه من عمل فرق العمل المتعددة المتساندة.
التعرف إلى سمات المتعاطين وسلوكياتهم .إن تعاطي المخدرات والإدمان عليها هو سلوك اجتماعي فردي يتم اكتسابه بالتدريج وإن الوقوع ضحية للمخدرات لا يأتي فجأة بل هو عملية مستمرة تبدأ من انحراف أو خطأ بسيط بتقبل تجريب المخدرات بدافع حب الاستطلاع أو بضغط من رفاق السوء. لكن دورة التعاطي هذه تستمر، وتأخذ ضريبتها من سلوك المتعاطي وعلاقاته الاجتماعية ووضعه الصحي.
ونذكر في ما يلي مجموعة من السمات أو الخصائص التي يمكن أن تكون مفتاحا للتعرف على شخص يتعاطى المخدرات، أو يقع تحت ضغط رفاق السوء وسلوكهم المشين.
- احتقان العينين وغواش البصر
- الضعف والخمول وشحوب الوجه
- الانطواء والعزلة
- الاكتئاب
- السلوك العدواني
- التعب والإرهاق عند بذل أقل مجهود بدني
- العلاقات السيئة مع الأصدقاء
- كثرة التغيب عن المؤسسة التعليمية
- السرقة
- كثرة التغيب عن البيت
- النوم أثناء الدروس والمحاضرات
- الخداع والكذب
الوقاية
إن الوقاية وبناء الحصانه الذاتية والمجتمعية هي أفضل إستراتيجية لمواجهة المخدرات على المستوى بعيد المدى. ووضعنا الوقاية في نهاية المطاف، استشعارا لأهميتها، وتنبيها على ضرورة أن تكون في صدارة الاهتمام. إبراز معلومات حقيقية ومتوازنه حول المخدرات. فيها ترهيب من الاستخدام والتعريف بمضار المخدرات، وكذلك ترغيب بالامتناع والمقاومه وعدم الخضوع لقوى الضلال. وهنا نشير إلى منحى إصلاحي تعزيزي مع الشباب يقوم على بناء وتعزيز قدرات الشباب الفكرية والاجتماعية والسلوكية، وتنمية ثقتهم بأنفسهم، وتبصيرهم بدورهم الاجتماعي العام، وتسهيل سبل الإنجاز والإسهام لهم. ينبغي أن تزداد ثقتنا بالشباب والأطفال، وأن نساعدهم في زيادة ثقتهم بأنفسهم. لا بد من الإسهام في تنشئة جيل قوي واثق من نفسه، يسعى أكثر نحو تحقيق إنجازات إيجابية، وليس مرهوبا أو مسكونا بالخوف، من ارتكاب أخطاء أو التعرض لمخاطر أو الوقوع فريسة أو ضحية لآخرين. فبدلا من أن يرى الشباب الحياة مجموعة من المصائد والمكائد، أو المخاطر والمآزق يراها منظومة من الفرص والتحديات والعتبات التي يتجاوزها ويكتسب في كل خطوة قوة أكثر واعتزازا أكثر واندفاعا أسرع نحو آفاق أعلى من الإنجاز. هنا نشير إلى عدد من المقترحات، المعززة لعناصر المناعة لدى الشباب قد تبين لنا أن ضعاف الشخصية والذين لا يعرفون أن يقولوا لا، أو يرفضوا إغواء أصدقائهم، أو الذين هم في مأزق ومشاكل اجتماعية أو تعليمية ولا يمتلكون مهارات التعامل معها، أو حلها مثل هؤلاء هم أكثر عرضة للوقوع فريسة للمخدرات من غيرهم من الناس. تمكين الشباب وتعزيز قدراتهم وإن من أفضل الأشياء التي يمكن عملها لتعزيز قدرات الشباب وجعلهم يتخذون قرارات ذكية تجاه المخدرات بما فيها التدخين. هي تمكينهم واحترامهم، وتعزيز فرصهم في المشاركة والإسهام الإيجابي في خدمة أنفسهم، وأسرتهم ومجتمعهم.
العمل مع الأسرة
في منظومة المكافحة الشاملة للمخدرات ينبغي أن يكون للأسرة دور فاعل ومعتبر. فالأسرة تمثل خط الدفاع والحصانة الاجتماعية الأولى والأبرز. لهذا تكون جهود المقاومة أو المكافحة ناقصة وعرضة للفشل إن لم تكن الأسرة واحدة من أركان هذه الجهود ونشير هنا بإيجاز إلى ما يجب عمله مع أسر المتعاطين وما يجب أن تعمله هذه الأسر. ابتداء نقول إن طبيعة السلوك داخل الأسر وخاصة سلوك الوالدين لها تأثيرات كبيرة على بقية أفراد الأسرة. وأول ما ينبغي تأكيده هنا هو القدوة والمثال الذي يمثله الوالدان لا بد أن يكونا القدوة في السلوك قولا أو فعلا. إن دراسات التعاطي تبين أن الاطفال الذين يعشيون في أسر يوجد فيها متعاط خاصة أحد الوالدين تكون احتمالية التعاطي أكبر. فأول حصن للوقاية هو القدوة الحسنة من قبل الوالدين وبقية أفراد الأسرة. يتضح من عدد من الدراسات والبحوث العلمية حول السلوك المنحرف أن لطبيعة ممارسات الوالدين أثرها على ذلك السلوك. فقد لا يحسن الوالدين تربية الأبناء، أو يتصف أسلوب معاملاتهم بالقسوة أو العنف أو التسيب والتدليل. أو قد يتسم جو الأسرة بالشحناء والتباغض، والقول السيئ. إن الإيذاء اللفظي بالسب أو اللعن أو الإهانة أو وصف الأطفال بصفات مكروهة في هذا قتل لنفسياتهم وشخصياتهم. وما ينبغي الإشارة إليه هنا هو أهمية توعية الوالدين وتبصيرهم وتدريبهم على مهارات الأبوة والأمومة، وحسن التعامل مع آبائهم، خاصة مع الأطفال في سن النماء والتنشئة والتغيرات الجسدية والعاطفية. ما تسمى مرحلة المراهقة حيث إن سوء معاملة الأسرة قد يدفع الأبناء إلى مصادر التوجيه والاهتمام خارج الأسرة، حيث رفاق السوء وقناصو الانحراف. ينبغي أيضا في الجهات المهتمة والمسؤولة أن تساعد الأسر التي فيها متعاط، حيث إن الظروف الاقتصادية والاجتماعية السلبية قد تكون عبئا ثقيلا على هذه الأسر فلا تسمح لها بتقديم الرعاية المناسبة لأطفالها. فلا نتوقع أن تؤدي الأسرة دورها، وهي في ضائقة مالية، أو في ورطة اجتماعية، فلا بد من حل مشكلات هذه الأسر أو مساعدتها في حل مشكلاتها، وإكسابها أساليب أفضل للتعامل والتواصل. وكذلك إكسابها قدرات ومهارات تساعدها في تحسين اقتصادياتها وارتباطها بالمجتمع. وبإجمال ينبغي رفع الكفاءة الاجتماعية للأسرة من حيث توثيق ترابطها مع المجتمع المحلي، ومؤسساته وموارده، وتحسين علاقتها بالجوار، وجعل الجوار منظومة متساندة متعاضدة فهي تعمل جميعها في سبل تحقيق مصالحها كلها، ومواجهة ما يعترضها من مصاعب. وأمر هام ينبغي الالتفاف إليه وهو أن يكون التركيز في العمل الأسري على كامل الأسرة، وليس على الفرد المتعاطي. فالتركيز على المتعاطي فيه استحياء للمشكلة وجعلها في دائرة الضوء باستمرار وبالتالي جعل المتعاطي هو المشكلة المستمرة. لكن التركيز على الأسرة يجعل الاهتمام أوسع، ويجعله منهجيا نحو تحقيق تغييرات إيجابية إصلاحية في بناء الأسرة. وما يجعل إصلاح المتعاطي نتيجة طبيعية لهذه الجهود، ومنها إشعار له بطبيعتها وليس بإشكاليته وسوء صنعه. أي ينبغي أن يتم بناء وصناعة بيئة صالحة مقاومة للانحراف، وفي الوقت نفسه مساندة للمخطيئن ليقلعوا عن خطئهم طوعا وبالتدريج.