بغداد - اصوات العراق
على بعد خطوات من حاجز تفتيش في شارع محمد القاسم شرقي العاصمة بغداد كان الشاب الثلاثيني احمد بريدي، الذي انضم لطوابير العاطلين عن العمل مؤخرا، يتجول بخفة بين طوابير السيارات حاملا ثلاث علب مرطبات باردة مكررا عرضها دون كلل على سائقي المركبات وركابها الذين تحرقهم شمس الصيف اللاهبة.
لجأ محمد إلى بيع المرطبات كبائع جوال في الشارع العام الماضي بعد أن كان عاملا في مصنع للخياطة اغلق ابوابه بعد اختطاف صاحبه طلبا لفدية.
يقول أحمد للوكالة المستقلة للأنباء (اصوات العراق) بأن العمل كبائع متجول ، يعود عليه بمالا يكاد يسد رمق عائلته التي تعيش في احد الاحياء القريبة من اطراف بغداد ، لكنه يستطرد "انا واخي نعمل منذ الصباح الباكر هنا، ويبدو ان حياتنا سترتبط بهذه الازدحامات التي توفرها لنا حواجز التفتيش، وهي افضل من الجلوس في البيت او البحث عن عمل بلا جدوى".
الزحام الذي هو مصدر إزعاج للآخرين يوفر مصدر رزق للعديد من الباعة المتجولين المنتشرين وسط العاصمة، وخاصة في تقاطعات الطرق الحيوية.
ففي تقاطع شارع المسبح وسط المدينة لوحده هناك ما يزيد عن خمسة عشر بائعا متجولا لمواد مختلفة كالسكائر والمناديل الورقية وكارتات الهواتف النقالة وحتى لعب الاطفال.
ويطلق كاظم عبد الله على بضاعته المتكونة من المراوح البلاستكية لقب (سبلت) وهو يتنقل من سيارة الى اخرى، ويقول لـ(اصوات العراق) ان اختياره للتقاطع جاء بسبب وقوعه على اربعة شوارع مهمة في بغداد، تضطر فيها طوابير السيارات للانتظار لفترة طويلة حتى تتمكن من ايجاد منفذ للسير.
وعند السؤال عن سبب اختياره للمراوح يجيب "الحر يساعدنا على بيعها" ويضيف " انا ابيع المراوح واخي من الجهة الأخرى يحمل سطلا فيه ثلج وماء صحي، والطلب على هاتين المادتين لا ينتهي الا بعد عودة الموظفين بعد منتصف النهار حيث يخف الزحام بشكل كبير".
وفي التقاطع يركض الطفل حيدر سعيد وقد حمصت الشمس وجهه ليبيع السكاير . ويقول " الحر متعب ولكن عدم توفر المال في البيت متعب اكثر" ويضيف الطفل ذو الاثني عشر صيفا انه "ترك مقاعد الدراسة واتجه للعمل في الشارع اثر اصابة والده بحادث مروري حوله الى مقعد".
ويتابع" لم يترك والدي العمل فهو الآخر يجلس على كرسيه المخصص للمعاقين على ناصية الشارع ليبيع السكائر دون ان يتحرك من مكانه".
وبعيدا عن زحام الشوارع العامة وتقاطعات الطرق ينادي البائع المتجول ابو علي على بضاعته في ازقة منطقة بغداد الجديدة جنوبي العاصمة بالمايكرفون ويرى ان "بيع الخضر بعربة جوالة افضل من الجلوس في البيت دون عمل".
وأبو علي اب لأربعة اطفال ، جلهم في المدارس يقول "لا يتوفر لي رأس مال كاف لابدأ بعملي الخاص، لذلك التجأت الى شراء(ستوتة) لرخص ثمنها وسرعتها وصغر حجمها." مشيرا إلى عربته الصغيرة.
وفيما تتجمع النسوة حول العربة ابدى ابوعلي قناعته بعمله الجوال لأنه "لا يتوقف في حالات حظر التجول او حين يتدهور الوضع الامني في المنطقة".
وفيما علقت احدى المتبضعات على غلاء اسعار الخضر برر ابو علي ذلك بانه "لا يشتري بضاعته من سوق الجملة بسبب بعد المسافة وقلة ما يقتنيه من السوق وجودته".
ربات البيوت ابدين تعاطفا مع الباعة الجوالين، فأم احمد تقول "بسبب تدهور الوضع الامني يرفض زوجي ان اتوجه للسوق، خصوصا بعد التفجيرات التي راحت ضحيتها العديد من النسوة والاطفال" ما يعني ازدهار تجارة الباعة الجوالين الذين تشيد بعملهم "الذي يوفر علينا تعب الذهاب للسوق وغضب الازواج".
ويدفع محمد عبد الله (17 عاما) عربة لبيع الرقي في منطقة المشتل جنوبي بغداد منتقدا في الوقت نفسه الغلاء الذي اخذ يتفشى في بغداد "بشكل اصبح معه الحصول على الكفاف نعمة لذوي الدخل المحدود" ويضيف" ابيع في كل فترة شيئا مختلفا، فاليوم الرقي، بعد فترة ينتهي موسمه فأبحث عن مادة اخرى للبيع وهكذا".
ويضيف " اصبحت لدي بيوت معينة أطرق الباب فيشتري أهلها البضاعة".
ويبدي عبدالله عدم قناعة بعمله بالقول "لولا عدم وجود فرصة عمل مناسبة، خصوصا واني بلا شهادة دراسية ،لاتجهت لمجال عمل آخر".
الامر لايختلف مع (ابو حيدر) الذي يعمل فلاحا متجولا يدور في شوارع منطقتي الغدير وشارع فلسطين اللتين تقعان شرقي وجنوب شرقي العاصمة، بعجلته الهوائية رابطا على مقعدها الخلفي آلة جز العشب"الحدائق في هاتين المنطقتين كثيرة والناس تحتاج دائما الى فلاح ليجز العشب ويكرب النخيل ويقلم اوراق الآس واشجار الياسمين".
ويقول عن عمله "هذه مهنتي التي تعلمتها من والدي، وهي العمل الوحيد الذي اتقنه".
كان ابو احمد يبيع بضاعته في محل مستأجر، لكنه ترك المحل بعد ان زاد بدل ايجار المحل الى الضعف في عام واحد ، وصار بعد أن شاب شعره بائعا متجولا برفقة ولده، يحملان شراشف واغطية اسرة على أكتافهما لبيعها في شارع الربيعي.
لكن ارتفاع الإيجار ليس السبب الوحيد وراء تحوله الى بائع متجول بل ارتفاع تكاليف الحصول على محل ايضا كما يقول، ويضرب مثلا بـ"تكاليف الحصول على مولد كهرباء بسبب الانقطاع الدائم للكهرباء الوطنية".
ومع ارتفاع اسعار البنزين اصبح ذلك يشكل عبئا كبيرا على اصحاب المحال"الامر الذي اصبح معه من غير المجدي البيع في محل قد ينقطع الرزق فيه بسبب حظر التجول او تدهور الوضع الامني".
م د ( تق) زح