This site uses cookies for analytics and personalized content. By continuing to browse this site, you agree to this use.
We have updated our Privacy Notice, click here for more information Acknowledged

النازحون في الديوانية يشكون من صعوبة العيش و مجهولية المصير
15/02/2007

 

الديوانية ـ عباس رضا الموسوي

هذا الملف الواسع عن الديوانية قد لا يلبي الطموح الذي ننشده بشأن الاهتمام بالمحافظات ومجتمعاتها التي هي بأمس الحاجة لتسليط الضوء عليها ومعرفة احتياجاتها الملحة.
لذلك كنا نتأمل ان نتواصل مع المكونات المجتمعية في المحافظات وتعزيز ادوار الخيرين والناشطين والعاملين في ادارتها وتذليل المشاكل الكبيرة وتداعياتها المهمة.
الديوانية منبع الابطال وارض الحضارة لها تاريخ موغل في القدم واهلها اهل خير وكرم وتسامح وعندما نهتم بها فان ذلك يعني اننا نهتم بالعراق باكمله وعندما نفتخر بها نفتخر بتاريخ امة.

هذا الملف النوعي سيكون ان شاء الله الانطلاقة نحو ملفات اخرى خاصة بالمحافظات وهو تجسيد لرسالة اسرة ومجتمع واهتمامها بالمجتمع العراقي باكمله كونه نسيجا متكاملا ووحدة اجتماعية لها خصوصيتها ومواصفاتها.

ونحو ارساء قيم الفضيلة ونبذ الفرقة والطائفية وكل ما يسيئ للعناوين الحضارية لاهل العراق.
هي ورقة من اعداد الشيطان حررتها اياد خبيثة حملت في طياتها العدائية (ان لم تترك منزلك هدرنا دمك) بهذه الكلمات المسمومة تغير مجرى حياة العديد من العراقيين على مختلف اديانهم ومذاهبهم، اصبح المرء من مستقر في سكنه وعمله الى متشرد يقبل الرؤوس الكبيرة عسى ان تمن عليه بخيمة تنزوي تحتها اسرته وبعض الأكياس القادمة من مشارق الأرض ومغاربها كتب عليها ـ مساعدات انسانية ـ كان من المفترض ان يقدمها عراقه الثري الى رقع المجاعة في دول العالم الثالث.

اغلب هؤلاء الذين تركوا ديارهم تحت التهديد والوعيد اسفوا على قرارهم بالرضوخ وتمنوا لو انهم قتلوا في منازلهم على ان لا يذوقوا ذلة هذا التهجير، ومن المؤكد انهم لو وجدوا الرعاية الكافية او حتى الشبه كافية من الجهات المعنية لما فضلوا الموت على البقاء ولكنها ـ وكما وصفها لي احدهم ـ تيهة قوم موسى في تلك الصحراء الشرسة بكل ما حمل ظهرها من بشر حد انيابه للافتراس ودواب غير مألوفة حتى في تصنيف الحيوانات غير الأليفة.

في محافظة الديوانية الفراتية بكرمها واصالة شعبها تسكن الآلاف من العوائل التي نزحت من مناطق التوتر الامني مثلما توجهت اسر اخرى الى محافظات مختلفة اذ ان التهجير أخذ وللأسف الشديد المغايرة بالاتجاه، يعيش النازحون الذين اتخذوا لأسرهم مساكن في مركز واقضية وقصبات الديوانية اوضاع مزرية لعدة اسباب اولها تركهم لكل موجودات المنزل فالعملية لا تقل عن  الهرب السريع كما ان هذه العوائل اغلبها من العوائل الفقيرة والمعدمة ماديا اساسا فلا يعمل احد منهم لغياب فرص العمل فضلا عن ضعف ما يقدم لهم من مساعدات لا تسد الا القليل من احتياجاتهم الضرورية.

 

الأوضاع المعاشية في مخيم الكرامة للنازحين

يعد مخيم الكرامة وهو مشروع انساني مشترك بين مجلس ادارة المحافظة وجمعية الهلال الأحمر في الديوانية، دار ضيافة تستقبل الاسرة النازحة وتأويها لحين التقاط انفاسها لتقرر بعد ذلك ان ارادة شق طريقها بعيدا عن هذا المخيم الواقع في ناحية السنية، لمعرفة الأوضاع الخاصة بالنازحين زرنا هذا المخيم والتقينا سكنته الذين بدوا من ملابسهم الرثة ووجوههم المتعبة في حال لا يسر صديق.

وحدثنا النازح جواد كاظم لفتة / 41 سنة / سبع البور سابقا / قائلا: لقد نزحت الى محافظة الديوانية بصحبة اسرتي البالغ عددهم (7) منذ (4) شهور فتم تخصيص خيمة لنا في هذا المخيم الخاص بالنازحين هي في كل الأحوال لا تمنع قراصة البرد وامطار الشتاء اما ابرز ما نعاني منه في هذا المخيم هو قلة توفر المواد الغذائية وباقي الاحتياجات الضرورية التي جعلتنا في حالة صحية ونفسية حرجة خصوصا ان جلب مفردات البطاقة التموينية الخاصة بنا من اصعب الأمور تخوفا من ردة فعل الذين طلبوا منا عدم العودة الى تلك المناطق التي عشنا فيها من عشرات السنوات ما جعلنا لا نعرف مصيرنا في مستقبل الحياة.
اما المواطنة (نجاح) 55 سنة فانها تقول: ان افراد اسرتي (8) من بينهم رجل عجوز تجاوز عمره (70) سنة والباقي فتيات وقد اثر الجوع بنا لدرجة لا يمكن تصورها اذ ان المساعدات الانسانية التي تصلنا في فترات متباعدة لا تسد الرمق والمشكلة الاخرى هي عدم شمول جميع اسر المخيم برواتب شبكة الحماية الاجتماعية وهم بأمس الحاجة لها ان لم تكن قد خصصت لهم ولأمثالهم من المعوزين.


الطفولة أبرز ضحايا التهجير

كانت الطريقة التي يتحدث بها الطفل النازح عبدالله عواد / 13 سنة اقرب لمن يريد ان يضرب على الوتر الأكثر حساسية اذ يقول: ان العديد من اطفال النازحين في هذا المخيم وفي اماكن اخرى تركوا الدراسة وراحوا يبحثون مع اخوتهم الكبار عن عمل ليوفروا لقمة العيش، اما بالنسبة للمساعدات التي تقدم لنا فهي مجرد (دعاية) يراد منها اشعار الناس ان الدولة تقوم بمتابعة اوضاع العوائل النازحة فهذه الملابس التي ارتديها الآن اشتريناها من ـ بالات السوق ـ وبصعوبة بالغة لأن اسرتي مكونة من (12) فردا كلهم يحتاجون الى الملابس في فصل الشتاء بالذات اذ كما ترى ان المأوى عبارة عن خيمة، ويضيف: حتى في المدرسة يعاملنا اقراننا من التلاميذ على اننا اقل مكانة اجتماعية منهم وكثيرا ما يطلقون علينا كلمات تقهرنا (غرباء ـ نازحين ـ فقراء) وهذا الأمر يجعلنا نحلم باللحظة التي تنتهي فيها المشاكل الأمنية ونعود الى حيث أتينا.

طفل آخر وقف الى جنبه يطالعني بعينين بريئتين وقبل  ان اهم  بالرحيل قال لي جملة شلت حركتي واحسستني بالقصور اذ قال (هاي اول مرة يجي اعلامي مو وي المساعدات) وفي حديث قصير ادركت ان المنافذ الاعلامية لا سيما مراسلو الصحف لا يأتون الا عندما يكون هناك توزيع للمساعدات الانسانية ـ بحسب الطفل ـ وقد ايده الآخرون.
في مناطق مختلفة من الديوانية اكد عدد من النازحين في هذا التحقيق ان اطفالهم الضحية الاولى والأهم في عملية التهجير اذ دلت التحريات الصحفية ان العديد منهم ترك الدراسة واتجه الى العمل في مختلف الميادين لتوفير لقمة العيش وبرغم خطورة وجود الاطفال القصر في السوق وتوقعات استغلالهم في طرق غير انسانية،  ان اسرهم ترى المسألة خالية من الخيار لعدم وجود السبل الاخرى التي تسهم في رفع  ثقل المجاعة التي يعاني منها النازح، اما الحاج علي البدري فقد قال بابتسامته المؤثرة: بلغت من العمر 65 سنة وشاهدت العديد من هذه الاحداث فكما انتهت الحروب والحصار فسوف تفرج.


المساعدات التي تقدم لا تسد حاجة النازحين

مدير فرع الهلال الأحمر في الديوانية عمار نوري قال بشأن حجم المساعدات واعداد النازحين: ان المساعدات التي تقدم الى النازحين لا تسد حاجاتهم الملحة بسبب ازدياد اعدادهم باستمرار لقدومهم من مختلف المناطق العراقية التي تشهد توتراً امنياً ولا ارى اي حل افضل من توفير المناخات الملائمة من امن واستقرار لاعادتهم الى مناطق سكناهم اذ ان جمعية الهلال الاحمر العراقي تقوم وعن طريق فرعها في الديوانية بتوزيع مساعدات انسانية مختلفة وبأحجام كبيرة ولكن المشكلة هي الزيادة المستمرة في عددهم وكثرة احتياجاتهم.
ففي فرعنا التوزيع مستمر طيلة (24) ساعة ومن دون توقف عن طريق تقييم النازحين على وجبات اذ يتم تقديم المساعدات عن طريقين الأول ما تسفر عنه لجان الكشف الميداني والثاني عن طريق تعاون المجالس المحلية وقد حققنا في هذا نجاحات نحمد الله عليها، اما عن خططنا المستقبلية التي يعود فضلها الى المقر العام وتعاون مجلس محافظة الديوانية فهو انشاء محطة تعبئة للوقود في قضاء عفك ومشاريع كبيرة اخرى.


اعدادهم فاقت حجم المساعدات المخصصة

في حديث قال مدير فرع وزارة المهاجرين والمهجرين في الديوانية عادل حسن مرزوك: ان اعداد النازحين اصبح يفوق حجم المساعدات التي تخصص لهم بسبب النزوح المستمر اذ بلغ عدد المسجلين لدينا (3650) عائلة نازحة منها (700) عائلة نزحت قبل احداث سامراء و (2950) عائلة نزحت بعد الاحداث وهذا الرقم قابل للزيادة في ظل هذه الظروف الأمنية الحرجة، وقد قام فرع الديوانية التابع لوزارة المهاجرين والمهجرين قبل مدة بتوزيع (2000) مدفأة نفطية ايرانية المنشأ اسفرت عن منح المحتاجين من النازحين فيما بقيت بعض العوائل التي حالها افضل في امل تعويضها مستقبلا.
واضاف: ان عمليات المسح الميداني التي يقوم بها المكتب للعوائل النازحة تؤكد ان اوضاعهم حرجة وانهم بأمس الحاجة لتقديم المساعدة للعوز المادي الشديد الذي جعلهم يبيعون ما يحصلون عليه من مواد منزلية او كهربائية لغرض شراء المواد الغذائية بسبب عدم استطاعتهم جلب مفردات البطاقة التموينية من مناطق سكناهم السابقة تخوفا من تدهور الاوضاع الأمنية فيها وهذا ما يعرضها للآمراض المختلفة، اما الحل الأمثل فيكمن في اعادة حياتهم الى ما كانت عليه في سابق عهدها من خلال تعزيز الاستقرار الأمني في مختلف المحافظات العراقية.

 

نقلا عن جريدة الصباح