This site uses cookies for analytics and personalized content. By continuing to browse this site, you agree to this use.
We have updated our Privacy Notice, click here for more information Acknowledged

التهجير شرعنة للباطل وإهدار للقيم الانسانية
15/02/2007

سعاد البياتي

منظر اصبح مألوفا الى الحد الذي تعودت العيون على رؤيته ولكن الملفت لهذا المنظر هو آلية سير حمولته.. اي مركبته التي تحمل اثاث وحاجيات البيوت المهجرة!!

خطوط سير المركبات عموما باتجاهين متعاكسين اي ذهاب واياب والى كل المناطق.. هذه المركبات المحملة تسير باتجاهين واحدة مغادرة.. والاخرى عائدة.. وربما العكس لكليهما.. وهي محملة باثاث البيوت التي هددت.. وهاجرت الى حيث يعلمون او لا يعلمون!!
وكل يوم يتكرر هذا المنظر واتساءل الى اين يغادرون والى اين هم عائدون.. والملامح التعبة المرسومة على وجوههم تشعرك باليأس من جمالية الحياة في جانبها الممتع الاخر الذي يتوزع لاكثر من حالة ومشهد.. واللاستقرار يهدد بكارثة قد تبدو للنازحين شديدة الوطأة والاثر.

البحث عن هذه العوائل كان متيسرا لنا في اماكن الطائفية المقسمة.. اما الكتابة عنها فتخرج اكثر مما تنتج من حيث انها تطالب وتتمنى بالمزيد من الاهتمام، على الرغم من المساعدات القليلة والمتيسرة التي قدمت لها!! وهذا لا ينطبق على الكل لذا اخذنا صورا كتابية استطعنا ان ننقل فيها كل احزان عوائلنا العراقية المظلومة.


صورة رقم (1

جاءت باطفالها بعد قتل زوجها وابناء عمومته (على الهوية) ارملة في الخامسة والاربعين... وقفت السيارة التي تحملهم عند ابواب المسجد القريب من بيتنا مناشدة امام المسجد ان يجد لعائلتها مأوى يحميهم، تدبر الامر عندما ناشد اهالي المنطقة، فاسكنوها عند احد العوائل في حجرة تكفيهم في حديقة المنزل الى هنا سهل الله امرها وحنن قلوب الطيبين لمساعدتها في شيء من التموين وقليل من النفط واشياء اخرى.


 
وبعد.. أيكفي هذا فقط لام واربعة ابناء؟!

شكت الام الحزينة لنا عن الكثير من معاناتها منذ مجيئها.. منها مدارس اطفالها الذين اقعدتهم عن الدراسة.. ضياع بطاقتها التموينية في زحمة رحيلها.. صعوبة الحصول على معيشة.. وبينت ان الذي كان معها بدأ ينفد و... و.. و... والامور تتطلب السرعة في التدابير والوقت يمضي دون نتيجة ترضي.


صورة رقم (2

نزح بعائلته المكونة من سبعة افراد واتجه الى المحافظات الشمالية تاركا اهله والاصدقاء عسى ان تحيط بحياته المتعبة والقلقة الراحة والامان.. انه يشعر بالفزع والخوف كل يوم عندما يجوب الشوارع في سيارته بحثا عن ركاب (عبرية) يسترزق منهم!! ولان روحه اسكنها الرعب فيما يرى ويسمع اتخذ سبيل الرحيل والنجاة كما يتصوره واراد ان يحظى بالامن والامان هو وعائلته.. ولم يكن يعلم ان عراقنا الجميل.. جريح ومتألم من كل مكان، شماله وجنوبه، شرقه وغربه!! والى اي مكان يذهب طالما الاخوان والاحباء يهجرون والارهاب يطيل الصغير والكبير.

قطع شوطا كان يحسبه تجربة واغماضة عين.. عاد بوجه شاحب ونفس خائبة هو واطفاله حيث لم يجد احن من اهله واصدقائه والاقربون المحيطون به.


صورة رقم (3

قد تذوب الاحلام عندما تستقر وتترعرع في كنف الحقيقة التي اتضحت معالمها ونامت ليلتها في احضان السعادة والفرح الذي انتظرته... فتاة حلوة لاح لها زواجها من شخص مناسب عن افق واسع وحياة جديدة.. ولا تدري ما يخبيء لها القدر في هذا الزمن الذي تاه علينا وزعزع فرحنا.. فبعد مرور سنة وولادة طفل جميل قتل الزوج بحادث غادر واليم.. كما قرأت اللافتة السوداء التي وضعت على باب دارهم، تنعى شبابه بما يعصر القلوب الما ودموعا حارة.

علمت من الزوجة الصغيرة والحزينة انها على وشك مغادرة الدار هي وعائلتها حيث لا امان لهم بعد (تصور خاص) ولكن للحظة لقائي بها لا تعلم اين ستذهب معهم.. فهي لا تريد المغادرة تاركة وطنها حين يقسم الله لهم بالعودة.. وهم لا يسمحون لها بأخذ طفلهم والعودة الى بيت اهلها، وفوق كل هذا وذاك تشعرك بالحيرة وتطلب ولو حل يرضي ويريح الطرفين وقد انتهت عدتها ولابد لها من الرحيل معهم.

كلمة لابد منها

بعض العوائل المهجرة يمكن انها حظيت بمن يأويها ويترحم على اطفالها النازحة من شتى المناطق.. باكمال تعليمهم وايجاد بدائل تموينية لهم وتسجيلهم في هيئات ومنظمات العمل الانساني، ولكن نجد ان العديد من العوائل تستغيث بمن ينتشلها من الامراض ونقص المعيلات الغذائية والطبية والحماية من مشكلات التهجير اللا انسانية الاخرى.. كالاختلاط مع عوائل اخرى وضياع فرص العمل والابداع اضافة الى غياب الجانب الانساني الاكثر اثرا حيث الاحساس بالظلم والهوان.. فالجانب النفسي لا تذوب عواقبه الا بالحلو ل الصالحة والعودة الى حيث المغادرة!!


هذه الكلمات ذكرتني بصورة حزينة دارت في مخيلة تلك الصغيرة والجميلة حيث قالت لنا ونحن نغادر عائلتها.. لا استطيع البقاء هنا اريد العودة الى هناك.. المدرسة والصديقات وبيتنا.. هنا لا ادري ماذا افعل او اين العب؟.. امتلأت اذني بكلمات الهجرة والامان والاماكن الساخنة.. فهل انتم المنقذون؟!

 

نقلا عن صحيفة الصباح