This site uses cookies for analytics and personalized content. By continuing to browse this site, you agree to this use.
We have updated our Privacy Notice, click here for more information Acknowledged

في وقت يحسب لهم التجار الف حساب.. اهل الخير يهتفون: مرحبا بالمتنافسين!!
19/06/2008

 

 

هل يتصور احدنا أن متسابقا ما يأتي الى حلبة السباق ويقول انه لا يريد ان يرى اي متسابق آخر غيره في الميدان ليشترك معه في السباق؟.. ترى ماذا سنقول عن مثل هكذا متسابق  مفترض فيما لو وجد فعلا؟

بالطبع.. فإن اقل ما يمكن ان نقول او نبديه من فعل هو اننا جميعا سنبتسم ضاحكين وربما نقول عن مثل هكذا متسابق انه مخبول او انه لا يفهم معنى السباق والتسابق.

لكن.. ماذا لو قيل لنا ان شخصا ما ذهب لاغاثة منطقة منكوبة بالزلزال وحين رأى اشخاصا آخرين جاءوا مثله لاغاثة المنكوبين، انزعج من وجودهم ولم يبدي ارتياحا لهم لأنهم بنظره جاءوا لينافسونه في هذا المضمار؟

وماذا ترانا سنقول عن شخص آخر أسس جمعية خيرية او جاء ليتطوع في جمعية خيرية، ولكنه حين رأى اشخاصا آخرين مثله جاءوا ليؤسسوا جمعيات مشابهة او جاءوا ليعملوا خيرا لخدمة المجتمع، ابدى انزعاجه وعدم ارتياحه لذلك؟

ترى.. ماذا سنقول عن مثل هكذا شخص يدعي انه جاء ليعمل خيرا ولكنه يكره او ينزعج من رؤية اقامة وانبثاق نشاطات او جمعيات خيرية اخرى او انضمام اشخاص آخرين للعمل التطوعي الخيري؟

كيف ترانا سننظر الى مثل هكذا انسان فيما لو وجد، وماذا سنقول عنه، واي صفات سيئة سنوصمه بها؟

ان ما سنقوله عن مثل هكذا شخص هو تماما ما سنقوله عن ذلك الشخص المتسابق (المفترض) الذي ذهب الى حلبة السباق ولم يرد ان يرى متسابقا آخر غيره.

لكن السؤال الآن هو: ترى هل يوجد،حقا، اشخاص يعملون في الحقل الخيري ولكنهم يظهرون استياءهم وانزعاجهم من رؤية الآخرين وهم يؤسسون عملا خيريا او يقيمون نشاطا ينفع المجتمع، سواء كان متشابها مع نوع العمل والنشاط الذي يقومون هم به او لم يكن متشابها؟.. هل يوجد فعلا مثل هكذا اشخاص؟

للاسف الشديد.. الجواب: نعم. يوجد اشخاص كثيرون ممن يعملون في الحقل الخيري، لكنهم، شعروا او لم يشعروا، لا يرغبون بسماع خبر انبثاق كيان خيري منافس لهم، ولا يبدون ارتياحا، ظاهريا او داخليا، عند سماعهم بمنجزات او نشاطات خيرية يقوم بها غيرهم، خصوصا فيما لو حقق اولئك الآخرون نجاحات باهرة واستطاعوا ان يقدموا خدمات كبيرة للمجتمع.

واذن.. لا بد ان نقرر هنا ونقول ليس كل من ينتسب الى حقل العمل الانساني الخيري ويقوم بأعمال او نشاطات خيرية هو محسن ومن محبي الخير والعمل الصالح، وانما هو قد يكون قد دخل الى هذا الحقل لاسباب ومنطلقات واهداف اخرى غير خيرية او فيها نسبة من النوايا الخيرة الى جانب امور اخرى.

وفي احيان كثيرة فإن السبب الحقيقي وراء الاستياء او الانزعاج من النشاطات الخيرية الاخرى، قد يكمن في وجود التصور الخاطيء والرؤية الضيقة وسوء الفهم والجهل بأمور الحياة.. مثلا، قد ينظر، من يعمل في الحقل الخيري، الى المنافسين بنفس المنظار الذي ينظر من خلاله الى المنافسين في مجالات الحياة الاعتيادية الاخرى عند البيع والشراء والتجارة والصناعة وما اشبه. وهنا يكمن الخطأ غالبا في نظرنا. فالمحسن هو انسان قد يأتي من وسط تجاري ويملك عقلية تجارية تحسب الف حساب للمنافسين للاستحواذ على السوق وكسب الزبائن وبالتالي، فإن مثل هذا الشخص وعندما يدخل الى الحقل الخيري، فإنه سيصطحب معه نفس العقلية والمقاييس التجارية ويبني وفقها كل تصوراته واعماله دون ادراك منه لما يحدث. في الوقت الذي ينبغي ان يعي كل انسان عامل في الحقل الخيري انه جاء ليعمل في مجال طاهر ليس فيه مكان لمقاييس تجارية تحرص على الحفاظ على قوانين مادية مثل" سر المهنة" و"احتكار السوق" و" منع المنافسين من مزاولة نفس الاعمال" وما شابه ذلك.

ومن هنا فإن كل عامل او قائم على نشاط خيري ما، لا بد له الا ينزعج من قيام او انبثاق اي جمعية خيرية سواء كانت تعمل في مجال عمل آخر او كانت تعمل في نفس المجال الذي يعمل هو به. وهو الشيء الذي نراه، وللاسف الشديد، احيانا ونلمسه او نراه في بعض القائمين على هذه الجمعية او ذاك النشاط الخيري.

ان مجال العمل الخيري ليس له حدود وهو يسع لملايين الناس، بل هو يسع لكل سكان الارض جميعا، فيما لو ارادوا ان يعملوا خيرا، وانه مجال لا يضيق بأحد ابدا، وانه مجال ليس فيه خسارة او كساد او فقدان لفرص العمل ولا يخضع لقوانين العرض والطلب. فدائما هناك مجال يتسع لكل من يريد ان يعمل سواء بشكل فردي او جماعي. وحتى حينما تكثر المؤسسات الخيرية وتزدحم في مجال عمل معين فإن القائمين عليها سيجدون انفسهم مضطرين لاحداث التغيير المطلوب الذي يمليه عليهم اخلاصهم وحبهم للناس والعمل الخيري. وان لم يفعلوا ذلك فإن علامة استفهام كبيرة ستوجه لهم ولعملهم.

والآن.. فالسؤال المطروح هو: كيف تعرف هل انت من اهل الخير الذين يستأنسون برؤية النشاط والعمل الخيري وهو ينتشر ويتحقق ويجري على ايدي الآخرين؟ أم انك ممن ينزعجون ويستاؤون من عمل الخير الا اذا كان على ايديهم ويحمل اسمهم؟

كيف تختبر نفسك؟

الجواب بسيط جدا. ما عليك الا ان تسأل نفسك، في كل مرة تسمع فيها عن نشاط خيري يقوم به الآخرون؟.. ترى هل انت مسرور ام منزعج؟ مرتاح ام غير مرتاح؟ وبذلك ستكتشف نفسك.

ولكن ماذا لو وجدت نفسك وانت تفكر وتتمنى لو ان العمل او النشاط الفلاني الذي قام به غيرك، لو كان قد تحقق على يديك رغبة منك في الحصول على الاجر والثواب الكبير؟

 والجواب: ان مثل هكذا شعور واحساس يعد، في نظرنا، شعورا واحساسا جميلا وهو أمر لا بأس به لأنه، في الحقيقة، لا يخرج عن حدود الشعور الطبيعي الذي ينتاب كل محب للخير والعمل الخيري، رغم وجود خيط رفيع يفصل بين مثل هذا الشعور المرضي والشعور الآخر السلبي الذي لا يتمنى ولا يحب للآخرين ان يقوموا بأي عمل منافس.

واذن.. فإن ميزة " الاستئناس برؤية النشاط والعمل الخيري وهو يتحقق ويجري على يد اي كان " تعد الميزة الاهم التي ينبغي ان يتصف بها كل من يعمل في مجال العمل الخيري سواء كان رئيسا او مرؤوسا.  

ولهذا لا يمكن لبخيل او طماع او حاقد او لئيم او حاسد مثلا أن يدعي انه من اهل الخير ابدا، حتى ولو رعى او افتتح ألف نشاط او برنامج او مؤسسة خيرية باسمه!

ان كل من يقوم او يعمل في المجال الخيري لا بد له ان يتمتع بضمير انساني متيقظ وان يتمتع بقلب يملؤه الحب وتغشاه الرحمة والشفقة، وان يكون ممن يستأنس برؤية العمل والنشاط الخيري وهو يجري او يتحقق ولو على ايدي منافسيه وحتى خصومه بل واعداءه، وان يكون شعاره الدائم هو: مرحبا بالمتنافسين في العمل الخيري!  

ان كل ذلك يدعونا لنقرر ما يلي:

اولا: لا يوجد هناك شيء اسمه احتكار لاساليب وافكار ومقترحات العمل الخيري، طالما ان صاحب الفكرة او المقترح يريد الخير للناس ولا يريده ان يكون محصورا باسمه ومذيلا بتوقيعه وحاصلا على صك البراءة منه وفقط، خصوصا اذا لم يتعارض عمل الآخرين مع عمله لا من قريب ولا من بعيد.

ثانيا: كما ان لك الحق في أن تؤسس عملا او نشاطا خيريا، كذلك ينبغي ان تعطي الحق الكامل لأي شخص او جهة ما، لتؤسس او تعمل او تقوم بنفس النشاط او احسن منه او مغايرا له. وبالتالي فلا يجوز لك ان تلوي شفتيك وتتبرم من انبثاق اي عمل او نشاط خيري آخر كما لو انك تريد ان تلعب بالساحة لوحدك.

ثالثا: الا تكتفي بالتخلي عن الانزعاج فقط، بل لا بد لك، اذا كنت من اهل الخير فعلا، ان تستأنس وترتاح كثيرا لكل عمل او نشاط حتى ولو كان ينافسك. لأن المنافسة هنا تعني ان الجميع سيسعى لتطوير نفسه وبناء قدراته وتطوير وسائل واساليب عمله لتصبح اكثر تميزا وسعة وانتشارا. وبالتالي فإن المنافسة ستكون في طول العمل الخيري وليس في عرضه. بمعنى انها لن تعيق عمل الآخرين بل ستكون الى جانبهم.

رابعا: لا بد لك اذا كنت من اهل الخير فعلا، ان تحث الآخرين وتدفعهم وتشجعهم على القيام بالعمل والنشاط وتحب ان تراهم وهم ينشطون ويتكاثرون وتتسع رقعة الخير على يد كل انسان وتنتشر الرحمة لتصل للعالمين جميعا. ولكي تكون كذلك فعليك بالتخلص من آخر ذرة حسد في قلبك. فالحاسد لا يمكن ان يتمنى الخير للآخرين او يرى النعمة وهي تنزل عليهم. ولذلك قيل: "الحسود لا يسود" لأن السيد والقائد ينبغي ان يشجع الآخرين على مزيد من العمل ويسعد برؤيتهم وهم يتقدمون ويتطورون والا يعمد الى أخذ او سحب اعمال من هم يعملون معه او تحته. اذ ليس من مهام القائد تنفيذ الاعمال بنفسه وانما يمكنه مشاركة الآخرين ومساعدتهم في تنفيذ أعمالهم ونشاطاتهم الموكلة اليهم قدر الامكان.

خامسا: عليك ان تقدم كل ما لديك من افكار وتجارب نافعة لتقدمها على طبق من ذهب الى كل عامل في مجال الخير وكل مؤسسة خيرية من اجل تطوير عملهم وانجاح مساعيهم والاخذ بايديهم نحو الافضل طالما انهم جميعا يسعون لخدمة الناس الذين تسعى انت لخدمتهم. اذ لا تعارض ولا ضير في ان يقوم شخص ما بتحقيق ما تصبوا اليه وتسعى لتحقيقه أنت، ابدا. أولست تريد رؤية الخير وهو ينتشر ويعم ارجاء المعمورة.. تماما كاللذي يزرع الريحان لينتفع به الآخرون؟ 

أم انك لا تريد، في الحقيقة، سوى الشهرة واعلاء مكانتك والترويج لشخصك وعبادة اسمك الذي لا تريد ولا تهدف ولا تسعى الا لأجله وفقط؟

اسأل نفسك واجب عليها، وحذار ان تخدعها.

" بل الانسان على نفسه بصيرة ولو القى معاذيره".

كتب: محمد علي الكاتب