بغداد - اصوات العراق
لم تمنع الاعاقة سهير عبد الامير من أن تثبت وجودها في المجتمع الذي ينظر الى المعوق بطريقة "توحي بأنه ناقص الاهلية" كما تقول، وهذا ما حفزها لأن تكون لاعبة مميزة في المنتخب العراقي لرياضة المنضدة للمعاقين، وعندما يرتفع العلم العراقي اثناء مشاركاتها الدولية تشعر سهير بأنها من "الابطال" رغم العوق.
وتبدي سهير للوكالة المستقلة للانباء (اصوات العراق) استياءها من "طريقة تعامل المؤسسات الرياضية مع الرياضي المعاق" فضلا عن "عدم وجود ملاعب رياضية تتوفر فيها شروط تلبي حاجات المعاق وهو ما يدفعه الى التوجه الى ملاعب عادية."
واشارت الى ان العراق "لا يتساوى مع دول الجوار او بقية دول العالم التي تعطي أولوية أكثر في كل شيء للمعاقين، حيث أن الاهتمام يتزايد بالمعاقين في تلك الدول في جميع نواحي الحياة حتى في ايقاف السيارات ومناطق مرور خاصة بهم".
أما مهيمن طالب، المصاب بالعوق الولادي، فينتقد الاوضاع الانسانية للمعاقين في العراق بسبب "عدم توفير أي امتيازات للمعاقين أسوة بالدول المحيطة بالعراق"
ولفت الى انه "لا توجد حتى هيئة تهتم بشؤون المعاق حيث أن هيئة رعاية المعاقين قبل عام 2003 كانت خاصة بمعاقي الحرب حصرا."
لكن مهيمن رغم ذلك ينظر إلى عوقه بواقعية فهو يرى أن "المجتمع يتعامل معه بشكل منصف" وانه "لم يحتج يوما الى العون دون ان يمد اكثر من شخص يد المساعدة له."
أما إعاقة بان عبد اللطيف المتخصصة بالرسم فقد مكنتها من إيجاد "لغة مشتركة مع المعاقين." فهي تقوم بتدريب معاقي الحروب من خلال ادخال الرسم ضمن التأهيل النفسي.
وتقول عن عملها لـ (اصوات العراق) ان "الرسم يعتبر واحة ترويح مهمة ..فالمهم هو ما يفرزه العوق من تحدّ داخل الإنسان لأن هذا العوق بداية لحياة جديدة وليس نهاية لها."
وتتهم (بان) الدولة بـ "الإهمال" وتروي مثالا على ذلك أنه "كان من المؤمل أن يحضر مسؤولون حكوميون رفيعو المستوى معرضا فنيا بمناسبة اليوم العالمي للمعاقين بعد أن وجهت دعوات إليهم لحضوره ، لكنهم لم يلبوا الدعوة مما أدى إلى إلغاء المعرض".
وكانت (بان) قد قامت بالتعاون مع مجموعة من زملائها الفنانين بتأسيس رابطة (الفنانين المعاقين) ، متأملة ان تتحول الى مؤسسة إلا أن "الإمكانات المادية وعدم دعم الدولة لم يسمحا لي بالاستمرار والتوسع."
وتتمنى (بان) أن تعرض الدولة حوافز مادية ومعنوية من خلال إقامة المعارض الفنية برعاية حكومية وتوفير مبالغ نقدية تمكنها وزملاءها من الاستمرار في العمل فأغلبهم "يقف العائق المادي امام تمسكهم بالتدريب".
ويواجه الدكتور حسين علي كاظم مشكلة توقف التدريب المهني "الذي كان يشكل جزءا مهما من التأهيل النفسي للمعاق" في مركز السلام لتأهيل المعوقين الذي يقوم بإدارته.
ويعزو سبب المشكلة "لعدم توفر امكانات بشرية تتمثل بالمدربين إضافة إلى إمكانات مادية للحصول على الأجهزة اللازمة ووسائط النقل لمساعدة المعاقين".
كما يبحث الدكتور حسين عن "وسيلة لتلبية الحاجة الماسة الى تطوير المراكز الخاصة بالعوق" مطالبا "بإعادة هيئة رعاية المعوقين التي كان مديرها قبل 2003 برتبة وزير ، وتخصص لها ميزانية خاصة بها".
أما رئيسة الابحاث أميرة صالح فتقارن بين أداء مركز السلام قبل وبعد عام 2003 حيث تتولى مسؤولية وحدة التشغيل في المركز.
واوضحت ذلك بأن هذا المركز كان "يقيم حفلات ترفيهية يخصص لها مكانا في ملعب الشعب اضافة الى شمول المركز بنسبة معينة من التعيينات الحكومية في كل وزارة وتقديم دورات تدريبية تؤهله لممارسة مهنة كالنجارة والخياطة وتشغيل البدالات."
وتعزو أميرة أسباب التراجع في الدورات التدريبية للمركز إلى "عدم توفر المدربين والتخصيصات الوظيفية والمالية من وزارة الصحة ، بالاضافة الى توقف النسبة المخصصة من التعيين المركزي لهم". كما تحتج على الواقع الذي تقول إنه نشأ من "استقرار الهيئة الادارية لمنظمة بدر في المستشفى الخاصة بالمعاقين والمتكونة من عشرة طوابق".
وتشكو أميرة كذلك من خدمات المركز التي تقتصر على "انتساب يحصل بموجبه المعاق على معونات طبية كالعكازات وحجلات المشي"
وزادت "كما يقدم المركز تقرير لجنة يحصل المعاق بموجبه على كرسي متحرك يتم استلامه من مستشفى ابن القف ببغداد ، بالإضافة الى منح راتب لمن تقوم برعاية المعاق والعناية به سواء كانت الزوجة أو الأخت بعد فحص لجنة تحدد حاجته وتخصص للمعاق مبلغا نقديا قدره مائة الف دينار. وتتكون اللجنة من ثلاثة أطباء وباحث."
أما المسؤول الاعلامي للمركز فاضل عباس فانه يقول انه يواجه "مشكلة حاجة المركز إلى مدرب للمكفوفين وكذلك وجود باحثين اثنين في حين يحتاج المركز الى ستة مدربين."
واضاف "كما أنه لا يوجد أخصائي علم البحث الاجتماعي لمتابعة أوضاع المعاقين في هذا المجال ، مع وجود مدرب رياضي واحد لا يفي باحتياجات المركز من التدريب الرياضي."
ويلفت عباس الى الحاجة الماسة لاعادة هيئة رعاية المعوقين، معللا ذلك "بعدم معرفة وزارة الصحة بطبيعة العمل مع المعاقين ولدى مخاطبة هذه الوزارة حول تخصيص هذا الكادر يحمل الرد مشكلة دائمية وهي عدم وجود تخصيص مالي."
يشار الى ان هناك اكثر من مليون معاق يعيش في العراق، اكثر من 800 الف منهم أصيبوا نتيجة انفجار الالغام والتعرض لمخلفات الحروب بصورة مباشرة كما تذكر التقارير الصحفية.
اما الدكتور عقيل صادق عبد الحميد الذي يعمل طبيبا ممارسا لامراض المفاصل والتأهيل الطبي فيكشف عن جانب آخر لمعاناة المعاقين يتمثل بـ "عدم توفر حبوب (لايورسال) الخاصة بتشنجات الشلل العصبي الذي يعاني منه المرضى بسبب إصابات الظهر او التهاب العمود الفقري."
ويقول انه بدون هذا الدواء لا يتمكن من اجراء العلاج الطبيعي للمريض.
وبين ان "سعر الشريط الواحد من هذا الدواء يصل إلى خمسة آلاف دينار ، ويحتاج المريض الى حبتين في اليوم لتستقر حالته."
ويصف عقيل هذا الوضع بأنه "كارثي" فيما يتعلق بالمعاق الذي لا تتوفر له الامكانيات المادية لشرائه "لأن حالته تتدهور بدون هذا الدواء." مطالبا "بتشكيل هيئة تعنى بالمعاقين بسبب وجود عدد كبير منهم يستجدون في الشوارع، كما ان مراجعتهم للمستشفيات العادية لا يمكن ان توفر لهم اي شيء".
أما الباحث النفسي حسن سعد عوده فيقول لـ (اصوات العراق) إنه لا يتمكن من القيام بتأهيل المعاق نفسيا واجتماعيا إلا بعد انتهاء التأهيل الطبي أولا ، لينتقل المعاق الى المرحلة الثانية من العلاج".
وعن الاصابة بالعوق نتيجة انفجار المفخخات في أحداث العنف الجارية في العراق ، يعتقد حسن أن المعاق "مستعد نفسيا لتقبل اصابته نظير ما حصل للآخرين من حوله.. فقد تقطعت اوصال البعض وتفحم البعض الآخر، لكن التعويضات المادية التي منحتها لهم الدولة لها دور في تخفيف آلامهم النفسية".
ويرى عوده أن "الحالة المادية الجيدة للمعاق توفر له الارتياح النفسي، في حين إذا كان في عوز فسيكون بالاضافة الى عوقه إنسانا جائعا وهذا أسوأ ما يمكن أن يواجهه" متمنيا أن "تقوم الدولة ببناء دور خاصة للمعاقين على غرار مدينتي الذرى والشموخ الملائمتين للمعاقين في بغداد."
م د(تح)- ص م - ح إ ح