بغداد - لمياء نعما- الصباح
يتزايد القلق في العراق بشأن شحة المياه خاصة وان منابع انهاره وبعض روافدها مصدرها دول الجوار وبخاصة ايران وتركيا.. وقد انشأت الاخيرة في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي سدوداً كبيرة لخزن المياه،
منذ ذلك الحين بدأت مداولات ومشاورات وحوارات بين العراق وسوريا وتركيا لتقسيم المياه وفقا الى بروتوكولات ومواثيق دولية تحدد الحصة المائية لكل منهم لكن من دون جدوى اذ لم تنته هذه المشكلة بعد.. وحتى بعد الزيارة الاخيرة لوزير الموارد المائية الدكتور عبداللطيف جمال رشيد لتركيا للبحث عن مخارج للازمة لكن على ما يبدو ان هذه الزيارة لم تثمر عن نتائج يتوخاها العراق.
حقائق
من الطبيعي ان تكون الزراعة في العراق هي الاكثر تضررا من شحة المياه فضلا عن ان معظم انهار العراق تعاني ومنذ عدة سنوات من زحف الادغال المائية والزحف الصحراوي وزيادة نسبة الملوحة
في المياه ما يؤثر بالتالي على الاراضي الزراعية واروائها..
وبحسب الخبير ومستشار وزير الزراعة الدكتور زيد رمضان احمد فإن حقائق الواقع المائي غير مستقرة وتميل الى النقص والتذبذب.. ويعود هذا الى سياسات انتهجت منذ اوائل القرن الماضي واستمرت لعدة عقود.. وقال: ان المعدلات الحالية لايرادات العراق المائية السطحية من دجلة وروافده والفرات لا تزال قريبة من المعدلات الطبيعية لكننا كنا وما نزال نعيش في ازمة شحة المياه.. ونشاهد ذلك ونلمس حقائق على الارض.. منها تقلص المساحات الخضر والزحف الصحراوي للمدن وكثرة العواصف الترابية بسبب انعدام الاحزمة الخضر والواحات المائية اضافة لقلة الماء.
اخطاء متراكمة
واكد احمد ان مياه العراق السطحية تمر بمرحلة انتقالية حاليا ويمكن ان تستمر نحو الاسوأ اذا لم يتدارك العراق وضعه ويتحرك باسرع وقت لايجاد الصيغ المناسبة لتحقيق الممكن من حقوقه المائية التاريخية والجغرافية والقانونية العادلة..
ويضيف: ان حقائق الاخطاء المتراكمة الاروائية والزراعية ووقائع ما جرى في اعالي النهرين خلال العقود الاربعة الماضية، تدلل وبكل وضوح بان العراق ضيع فرصاً عديدة في الحفاظ على ثروته المائية في بناء نظام مائي آمن ومستقر ومتطور يمكن ان يعتمد عليه في تحقيق امن غذائي مستديم لشعبنا، والعراق لم يستغل الظروف الاقتصادية السياسية التي كانت في صالحه كدولة مصب لتثبيت حقوق مكتسبة في مياهه فسمح بذلك للاخرين بالتجاوز على هذه الحقوق كدول منبع..
سياسة مائية
واوضح احمد ان العراق يحاول الان الاستفادة من سياسة مائية تسمى (املاء وخزن واطلاق)، ونحن نستفيد من اطلاقات معينة من خزانات السدود التركية ليكون بالتالي لدينا خزين مائي كاف يوصلنا الى حالة الاستقرار.. ومع ذلك فقد انخفض ايرادنا الى الثلث من معدلات مواردنا المائية.. كما ان الاتراك ما زالوا يتوسعون في خزن مياه دجلة ببناء السدود ليكون لديهم خزين كاف.. وهم يحاولون مستقبلا تامين زراعة وارواء مساحات جنوب تركيا في الاناضول لانعاش المنطقة زراعيا واقتصاديا..
تخوف
وابدى المستشار زيد رمضان احمد تخوفه من ان المشكلة الحقيقية ستكون بعد العام 2015 عندما تتوسع تركيا، ايران، وسوريا، باستخدامهم للمياه المخزونة لديهم بسبب احتياجاتهم وسيكون النقص حينها لدينا يصل الى اقل من النصف اي 45 بالمئة من الايراد المائي القادم لنا..
وسينخفض عمود دجلة الى النصف ايضا اي بمعدل 50 بالمئة وتابع: نعاني الان من شحة المياه.. ولكن العام المقبل ستزداد الشحة ان لم نتهيأ لهذا الامر.. وسيحاصرنا التصحر وستكون لدينا حوالي 45 بالمئة من الاراضي صحراوية.
تطمينات
واوضح زيد انه لا توجد لدى العراق مواثيق مع اية دولة.. مشيرا الى وجود ما يسمى الطمأنات وتابع: تركيا لديها ستراتيجية للتنمية، ولا اعتقد انهم يتنازلون عنها.. وقد قاموا ببناء سدود طاقتها الخزنية نحو 91 مليار مكعب من الماء.. ولا نعلم نواياهم مستقبلا..
نعمة الخوف من الفيضان
ولفت الخبير في وزارة الزراعة د. علاء الدين داود علي الى ان هدف العراق سابقا من بناء السدود هو لمكافحة خطر الفيضان والمحافظة على العراق من الغرق.. ولم تفكر الحكومات المتعاقبة في العراق بخزن المياه والاستفادة منها، لان الايرادات المالية من خارج العراق مهددة بطريقة ما. فمثلاً ان 98 بالمئة من مياه دجلة و97 بالمئة من نهر الفرات هي من خارج الحدود... اي ان العراق دولة مصب.. وان تقليل نسبة الايراد المائي للعراق سيؤثر على نوعية المياه القادمة فستكون مالحة ولا تصلح لارواء الاراضي الزراعية.. وان لم تعالج المشكلة فان شحة المياه ستزداد سنة بعد اخرى وتستجد بذلك آراض واسعة تتصف بالملوحة في جنوب العراق ان لم يتوفر لها الماء لاستصلاحها.. وعليه يجب ان تأخذ الزراعة ومنذ الآن منحى جديداً في اتباعها لاساليب زراعية حديثة باستخدام تقنيات حديثة ومكننة ووسائل باستخدام المياه والحد من هدرها.. وان نقوم بغسل التربة لتخليصها من الاملاح واستعمال اسمدة محسنة لغرض الحفاظ على الارض والتقنين في استخدام وهدر المياه..
واكد الدكتور علاء .. وجود هدر كبير في المياه في كل مكان.. ومستقبل المياه في العراق لا يبشر بالخير ونحتاج الى اعمال جادة لتقنين المياه في مختلف الاستخدامات والاغراض وليكن لدينا مخزون وايراد مائي مستقر لتأمين وضعنا ان كان في الانتاج الزراعي والامن الغذائي او لشربنا الماء.
قبل فوات الأوان
اما الدكتور الفيزياوي ثائر شفيق توفيق/ وزارة البيئة فقد اشار الى ان هناك اماكن في العالم تضيع فيها كميات كبيرة من المياه تتراوح ما بين 30-40 بالمئة او اكثر نتيجة تسربات من الانابيب والقنوات والاستخدامات غير الصحيحة له.. ولا توجد منطقة في العالم لم تندر فيها المياه مثل الشرق الاوسط وشمال افريقيا.. والمشكلة تزيد بسبب
نقص التعاون ما بين الدول المعنية التي تتقاسمها والنزاعات والفشل في ادارة الموارد المائية المحدودة.
ولفت الى ان اهمية المحافظة على مصادرنا المائية تكمن في التقليل من هدرها والاستفادة منها عن طريق وسائل عديدة منها عدم رمي المياه الناتجة عن الصناعة والدهون الصلبة ومياه المجاري الملوثة والازبال وجثث الحيوانات الميتة الى مصادرنا المائية وعدم رمي المخلفات النفطية الى المياه السطحية والمحافظة على شبكات المجاري وصيانتها باستمرار حتى لا تتلوث مياه الاسالة.. كل هذه الاحترازات كفيلة للحفاظ ولو جزئياً على خزين مياهنا واستخدامها لاغراض مختلفة وحتى لا يلوح في الافق شحة مياه!!.
كل هذه المحاذير والمخاوف علينا التنبيه والاخذ بها قبل فوات الاوان.
خسارة كبيرة في المياه
وما زاد من شحة المياه هو التكاثر المهول لزهرة النيل في الانهار ما تسبب في انسداد قنواته وفروعه، وعلى مدى الاربعة اعوام الاخيرة سعت وزارة الموارد المائية وبعمل متواصل الى كري التراكمات الطينية التي تظهر على سطح دجلة.. وقلع النباتات المائية التي ترعرعت.
واوضح تقرير اصدرته الوزارة ان زهرة النيل من الازهار الخطيرة التي ظهرت في اواسط الثمانينيات كنبات زينة في المشاتل الواقعة على ضفاف دجلة قبل ان تنتقل الى النهر لتجد بيئة ساعدتها على التكاثر فانتشرت على طول النهر وفروعه، ولكن تبين ان لنمو زهرة النيل والنباتات المائية الاخرى وكثافتها عاملاً مهماً في اعاقة جريان المياه خاصة في القنوات والجداول الصغيرة وتواجدها بكثرة على سطح الماء يؤدي الى استنفاد الاوكسجين وحجب ضوء الشمس من النفاذ الى المياه ما يؤثر على حالة التوازن البيئي بين الكائنات الحية المتواجدة في المياه.
وليس هذا فقط بل تعتبر ناقلة لبعض الامراض لانها تخلق بيئة رطبة لتكاثر الحشرات وقواقع البلهارزيا التي تنقل الامراض للانسان والحيوان.
كما تؤدي الى خسارة كبيرة
للمياه عن طريق تبخر سطح الورقة، وحسب التقارير التي زودنا بها من مصادر علمية
"ان خسارة المياه نتيجة تواجد زهرة النيل فيها تكون "0.7-.1 " لتر ماء في اليوم
لكل نبته.
جهود ولكن!
ويشرح مدير عام دائرة تنفيذ وصيانة المشاريع في وزارة الموارد المائية غني رزاق دخيل اسباب ضعف الاجراءات التي اتخذتها وزارته لمكافحة زهرة النيل قائلاً: لدينا حفارات وكراءات قديمة لا تكفي للعمل.. ولعملنا هذا نحتاج الى حفارات حقيقية "كراءات " وبمواصفات خاصة يتم تصنيعها لعام او عامين وهي نوعيات خاصة قمنا باستيرادها وبعد اتفاقيات مع الامم المتحدة..
وبصراحة هي مكائن تخصصية تستورد خصيصاً لهذه الاعمال وهي عائمة تقوم بحصد الاعشاب من وسط الانهار والمسالك والمسطحات المائية كونها مزودة بمعدات الحصد والتحميل مع ملحقات خاصة لنقل الاعشاب ورميها على السواحل بعد رفع النباتات المائية.. وهي معدات غير متوفرة الا ويتم تصنيعها حسب الطلب.. وسيكتمل عددها عما قريب ليتم العمل بها في كل الاماكن التي تحتاج الى رفع الترسبات الطينية والادغال المميتة.
واوضح دخيل انه على الرغم من ذلك نحن لم نتوقف عن مكافحة ومعالجة تلك الثغرات والظواهر فقد قمنا بتنظيف اغلب الاصابات التي تعرضت لها جوانب نهري دجلة والفرات ماعدا بعض المناطق التي لا يمكن الدخول اليها كونها قواعد عسكرية وبسبب الوضع الامني..
كما اننا سيطرنا تقريباً على مكافحة تلك النباتات ورفع الترسبات الطينية عن طريق
دوريات منتشرة في كل محافظات العراق..
كما ان هناك مديريات لدينا منتشرة تلاحظ نمو تلك النباتات وتقوم باجتثاثها من كل مناطق السدود والسدات والفروع النهرية ولا تترك ولو ليوم واحد من دون اقتلاعها