This site uses cookies for analytics and personalized content. By continuing to browse this site, you agree to this use.
We have updated our Privacy Notice, click here for more information Acknowledged

آلاف المراهقين المصريين ينتقلون من دائرة الانحراف إلى عناصر فاعلة في المجتمع
01/07/2008

 

الإسكندرية - أمينة خيري     الحياة     

وقفت أمام الباب الرئيس للقاعة وهي أشبه بالملكة المتوجة. ممثلو وسائل الإعلام كانوا يتسابقون للحديث معها لتقص لهم حكايتها وتجربتها في دنيا الأعمال الحرة، وكيفية تأسيس مشروع صغير وتنميته، وسبل إدارة العمال، وانتقالها إلى عالم المال والأعمال بعد ما كانت «طفلة في خطر».

صابرين حشمت (19 سنة) كانت حتى قبل ثلاث سنوات مصنفة «طفلة في خطر»، أي أنها كانت تتعرض لعوامل وظروف أسفرت عن إلحاق أذى وأضرار جسيمة بها أساءت إلى سلامتها الجسدية والنفسية والعقلية وحرمانها من حقوقها الأساسية.

وعلى رغم أن صابرين ترفض تماماً الحديث عن هذا الماضي القريب، وتكتفي بالإشارة المقتضبة إلى أنها توقفت - أو بالأحرى أوقفت - عن الذهاب إلى المدرسة عندما كانت في الصف الخامس الابتدائي. تقول: «كان يودي أن أدخل كلية الطب، أو أي مجال له علاقة بالطب، تمريض، صيدلة أي حاجة، ولكن الظروف لم تسمح لي». صابرين لها ستة أشقاء وشقيقات، منهم من يكبرها ومنهم من يصغرها. ومن طريق أحد مراكز شباب الكشافة البحرية القريب من حي «كرموز» الشعبي حيث تقطن في الإسكندرية، وجدت نفسها ضمن برنامج «حماية الأطفال المعرضين للخطر» وهو شراكة بين محافظة الإسكندرية ومنظمة «يونيسيف»، وتم إطلاقه رسمياً قبل ايام. وفي إطار هذا المشروع، تعلمت صابرين تفصيل الملابس الجاهزة، وبرعت فيها، وبدأت مشروعها الصغير بماكينة خياطة، ثم بدأ المشروع يكبر حتى وصل إلى ثلاث ماكينات، وثلات فتيات، كلهن صديقاتها. وحالياً، تورد ورشتها الملابس الجاهزة إلى عدد من محال الملابس في «كرموز» والأحياء المحيطة. وبمعنى آخر، فإن صابرين حالياً هي مصدر الدخل الرئيس لثلاث أسر كاملة، إضافة إلى أسرتها.

وعن أحلامها، تقول: «بودي أن أكبر الورشة وأوسعها وأكون أكبر مورد للملابس الجاهزة في الإسكندرية، ويمكن كمان أورد إلى القاهرة. وأتمنى أيضاً أن أضع لافتة تحمل اسم الورشة «ورشة صابرين» فهو اسم على مسمى».

وتعود بداية التحول الجذري في حياة صابرين ونحو ثمانية آلاف طفل ومراهق في مدينة الإسكندرية إلى عام 2006، حين بدأ تنفيذ برنامج الحماية في ثلاثة أحياء في الإسكندرية تضم منطقتي شرق وغرب ومنطقة المنتزة، إذ رصد البرنامج الأطفال الذين يعيشون في المناطق العشوائية والمنخفضة الدخل، والذين يتعرضون لخطر الحرمان من الرعاية الأسرية أو الاستغلال الاقتصادي أو التسرب من المدرسة أو الخروج إلى الشارع، حيث تم تقويم أوضاعهم من خلال اختصاصيين اجتماعيين ولجان متابعة، مع تقديم الخدمات والدعم لهم.

ومن بين الثمانية آلاف طفل ومراهق ممن استفادوا من البرنامج، كان نحو أربعة آلاف معرضين لأخطار تراوحت بين تعليمية واجتماعية وصحية وسلوكية ونفسية واقتصادية.

القصص والحكايات التي يحكيها العاملون في البرنامج يشيب لها الرأس. فمن البطالة وتدني الأحوال الاقتصادية إلى إدمان المخدرات و»البلــــطجة» ونقص الرعاية الصحية إلى العنف الأسري والاستغلال الجنــــسي داخل البيت وخارجه، هذا في حال وجود بيت. وبالطبع فإن مثل هذه الظروف البـــالغة الصعوبة يتضاعف أثرها السلبي إذا كان الطفل أو المراهق المتعرض لها معوقاً جسدياً أو ذهنياً. هذه الأخطار دفعت الكثيرين من الصغار إما إلى الشارع حيث فرص العمل الهامشية وغير القانونية، واما الى ممارسة الدعارة أو الوقوع في براثن عصابات النشل والسرقة والتسول وغيرها.

محمد (15 سنة) الذي كان على وشك الوقوع في براثن تلك العصابات قبل نحو ثماني سنوات، وجد يد العون ممتدة له. والد محمد فقد عمله في احد مخابز الإسكندرية ما اضطره إلى إيقاف محمد عن الذهاب إلى المدرسة وإرساله إلى ورشة ميكانيك للعمل والمساهمة في الإنفاق على إخوته البالغ عددهم عشرة. كان محمد في السابعة من عمره.

دخل محمد من عمله يبلغ نحو 200 جينه مصري، وهو مبلغ ضئيل مقارنة بساعات العمل (نحو 12 ساعة يومياً) والأخطار التي يتعرض لها أثناء العمل، وبالطبع عدم وجود أدنى رعاية صحية. ومن طريق أحد مراكز الرعاية المشاركة في المشروع، أصبح في إمكانه المشاركة في مباريات كرة القدم كلما سمحت له ظروف عمله، إضافة الى خضوعه لكشف طبي دوري، وانضمامه الى أحد فصول محو الأمية وهو ما يجده محمد صعباً للغاية، نظراً الى توقفه عن الذهاب إلى المدرسة وهو في سن صغيرة جداً.

«إنقاذ ما يمكن إنقاذه» هو الشعار الذي يمكن أن ينطبق على عمليات «الإنقاذ» التي تتم في داخل المراكز التابعة للمشروع، لا سيما أن نسبة كبيرة من المستفيدين هم من المراهقين الذين ضاقت بهم الدنيا والظروف الأسرية والاقتصادية والاجتماعية وأصبحوا بين شقي رحا الضياع في الشوارع والطرقات أو تسكين مشكلاتهم المتفاقمة والمتشابكة بقليل من محو الأمية، مع بعض التوعية الصحية والاجتماعية والرعاية النفسية، وربما مساعدات مالية الى حين عبور نفق الحاجة المظلم.

ويشار إلى أن هذا المشروع - الذي يعد الأول من نوعه في مصر- يقدم خدمات الوساطة بين الصغار والشباب من جهة وأسرهم أو أرباب الأعمال التي يعملون فيها في محاولة للوصول إلى بيئة «معقولة» سواء للحياة أم للعمل.

إلا أن التحديات التي يواجهها القائمون على المشروع كبيرة وكثيرة. فعدم وجود كيان طبي لعلاج المراهقين والشباب المعرض للخطر يشكل خطورة كبيرة، لا سيما بالنسبة الى ذوي الحاجات الخاصة وأولئك المحتاجين للرعاية النفسية والعصبية. ويقول القائمون على المشروع إن الغالبية العظمى من الحالات مركبة، أي أنها تجمع بين المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والنفسية في بوتقة واحدة.