This site uses cookies for analytics and personalized content. By continuing to browse this site, you agree to this use.
We have updated our Privacy Notice, click here for more information Acknowledged

مال اليتيم.. الاستثمار خير كفيل
11/07/2008

 

 

خير أون لاين بقلم : ياسر البنا - صحفي فلسطيني

رغم أن الإسلام حث على استثمار أموال اليتامى في الحديث النبوي الشريف الذي رواه الطبراني في الأوسط عن أنس بن مالك "اتجروا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة"، فإن الخوف من ضياع هذا المال ظل حائلا أمام استثمار أولياء الأيتام لهذه الأموال، لا سيما أنهم وضعوا نصب أعينهم قوله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلا بِالتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتى يَبْلُغَ أَشُدهُ}.
والمفارقة أن عدم المخاطرة بهذه الأموال مثل أحد أسباب فقدانها لقيمتها، لا سيما أن قيمة المدخرات النقدية تتدنى مع تدهور العملات الوطنية في المنطقة عبر العقود الماضية، ولعل التاريخ الفلسطيني يضرب لنا مثلا أثناء خضوع غزة للحكم المصري، حيث وضعت آنذاك أموال اليتامى في البنوك بالعملة المصرية من أجل حفظها، وحينما تم استرداد هذه الأموال بعد سنوات طويلة، وجدوا أن القيمة الشرائية للمال قد ضعفت، وأصبحت لا تساوي شيئا.
وتبدو أهمية استثمار أموال اليتامى في فلسطين، من أنهم يزدادون يوميا بسبب جرائم الاحتلال الإسرائيلي، حتى إن بعض المؤسسات الخيرية الفلسطينية تقدر عددهم بنحو 35 ألف يتيم (لا يوجد إحصاء رسمي)، وينفق عليهم سنويا حوالي 85 مليون دولار.
ويضاف إلى هذه الأموال ممتلكات خاصة للأيتام أنفسهم، يديرها لهم ذووهم أو المحاكم الشرعية التي تعد صاحبة الولاية على أموال القصر والأيتام. ويبلغ أثمان أصول العقارات والأموال والودائع التي يملكها الأيتام وتديرها المحاكم الشرعية الفلسطينية حوالي 10 ملايين دينار (15 مليون دولار)، ولعل هذه المبالغ الضخمة تدفع إلى ضرورة إحياء السنة النبوية الشريفةلاستثمارها، بما يعود من منفعة على الأيتام والمجتمع بشكل عام.

بناية استثمارية
ومن أمثلة استثمار أموال اليتامى في غزة ما نفذه معهد الأمل عام 2000م، حينما أنشأ بناية تجارية كبيرة من أموال التبرعات غطت حوالي نصف نفقات المعهد الذي يؤوي مئات الأيتام منذ العام 1949م.
وكما يقول خضر أبو شعبان أحد مسئولي المعهد فإن إنشاء البناية التجارية جاء "لأننا خشينا أن يأتي يوم لا نجد فيه ما ننفق على الأيتام، فاتجهنا لاستغلال قطعة أرض يمتلكها المعهد، وتقع في موقع مهم وسط غزة، وقررنا إنشاء مبنى تجاري عليها، خاصة أن المبنى المقام عليها والخاص بالفتيات اليتيمات كان آيلا للسقوط".
ووفقا لأبي شعبان فقد بلغت تكلفة المشروع 850 ألف دولار، تم تمويله بالكامل من التبرعات فقط، وليس من ممتلكات الأيتام التي لا ولاية للمعهد عليها. ويتكون المبنى من 12 محلا تجاريا و36 شقة -بالإضافة إلى قسم خاص بالفتيات اليتيمات- تدر دخلا سنويا يبلغ 120 ألف دولار؛ تغطي تقريبا 40% من نفقات المعهد السنوية. ويشير إلى أن المعهد يخطط الآن لإنشاء مبنى مماثل على قطعة أرض أخرى يمتلكها، ولكن المشكلة تكمن في تمويل إنشائه.

مطبعة.. للأيتام
بدورها قررت مؤسسة الجمعية الإسلامية في مدينة رفح بغزة مؤخرا إنشاء أول مشروع استثماري لأموال الأيتام، ويتمثل في بناء وإنشاء مطبعة حديثة بكلفة 200 ألف دولار؛ وقد بدأت الجمعية بالفعل في تشييد المشروع، حيث تم بناء الطابق الأول من مبنى المطبعة.
واعتبرت الجمعية هذه الفكرة نتيجة افتقار محافظة رفح لوجود أي مطبعة تلبي حاجة المنطقة، موضحة أنها كلفت شركة استشارات بإجراء الدراسات الفنية والإدارية والمالية بالإضافة إلى دراسة الجدوى الاقتصادية.
ويشير ناصر برهوم رئيس الجمعية إلى أن آلية تمويل المشروع تعتمد على 3 مصادر رئيسية تتمثل في استقطاعات بنسبة مالية بقيمة 10 دولارات لألفين من الأيتام لمدة 6 أشهر وهو ما نسبته 60% من رأس مال المشروع، بالإضافة إلى الأسهم الوقفية المقدمة كتبرعات من فاعلي الخير، وهي بنسبة 20% إلى جانب مساهمة الجمعية نفسها بقيمة 20% أيضا.
وحسب برهوم فسيقدم في نهاية كل عام التقرير المالي والإداري ليتم توزيع الأرباح، حيث ستأخذ الجمعية نصيبها وهو 20% على أن تضاف قيمة الأسهم الوقفية إلى نصيب الأيتام ليحصلوا على 80% منهااستثمار الممتلكات

إذا كانت المشاريع السابقة هي من أموال التبرعات الخاصة بالأيتام فإن هناك نوعا آخر من الاستثمار، بدأ قبل عدة سنوات، وهو خاص بأموال وممتلكات الأيتام أنفسهم، والتي ورثوها عن ذويهم أو حصلوا عليها من شركات التأمين، أو أي مصادر أخرى.
وتدير المحاكم الشرعية أموالا تعود إلى 4800 يتيم، ويبلغ أثمان أصول العقارات والأموال والودائع العائدة لهم 10 ملايين دينار أردني (15 مليون دولار) في الضفة وغزة. ويقول الشيخ تيسير التميمي قاضي قضاة فلسطين: إن من صلاحيات المحاكم الشرعية الولاية على أموال القاصرين حتى بلوغهم سن الرشد، ولذلك تأسست مؤسسة خاصة لإدارة هذه الأموال وتنميتها، حتى إذا بلغ القاصر أو اليتيم سن الرشد المالي تعاد إليه.
ووفقا لقاضي قضاة فلسطين فإن استثمار هذه الأموال يأتي خوفا من تآكل المال وانخفاض قوته الشرائية، أو ضياعه، كما أن هذه المؤسسة شكلت بمرسوم رئاسي من الرئيس الراحل ياسر عرفات لإدارة أموال الأيتام حسب الشريعة الإسلامية؛ موضحا أن المحاكم الشرعية قدمت للمجلس التشريعي مسودة قانون لإدارة أموال الأيتام ما زال ينتظر إقراره.
وحول طرق استثمار أموال الأيتام يشير التميمي إلى أن ذلك يتم حسب الشريعة الإسلامية، عن طريق وسائل "المرابحة أو الاستصناع أو الإجارة المنتهية بالتمليك، والشراكة وشراء الأراضي".
وقال: حققنا أرباحا جيدة خلال العام الماضي بلغت مليوني دينار وكانت أرباح شهر مايو 2005م فقط في معاملات المرابحة 55 ألف دينار أردني (77.5 ألف دولار) في محافظات الضفة الغربية وحدها، يضاف إليها الصفقات العقارية والطرق الأخرى لتنمية أموال الأيتام.
التجربة ما زالت حديثة

وإذا كان الاستثمار العقاري مضمونا إلى حد ما، فلماذا لا يتم الدخول بأموال اليتامى في مشاريع أخرى وخاصة إقامة المصانع والتجارة؛ وفي هذا الصدد يقول الشيخ التميمي: "ما زالت تجربتنا حديثة على الدخول في مجالات أخرى، وقد بدأنا وكانت الأموال تستثمر في البنوك الإسلامية، ولا يبلغ العائد منها 1%؛ فكان اقتراح باستثمار الأموال عن طريق شراء أراض وعقارات بها، بالاستعانة مع خبراء، وحافظنا على هذه الأموال وقمنا باستثمارها في طرق أخرى لمساعدة أصحاب الدخل المحدود بالإضافة لتنمية الأموال وتحقيق الأرباح".
وأضاف: قمنا بمئات المرابحات، كشراء شقق للأزواج الشابة وشراء سيارات أجرة أو تعمير بيوت عن طريق (الاستصناع) أو شراء قطع أراض وغيرها كثير من المعاملات

هواجس ومشاكل
ويظل ثمة اتفاق بين الناشطين في حقل الأيتام على عدة هواجس ومشكلات من المهم الانتباه لها حتى يزول حاجز الخوف بين أموال اليتامى والاستثمار، ومن أبرزها:
1- نوعية الاستثمار، ويقصد بها أن القطاعات الاقتصادية التي توجه لها استثمار أموال اليتامى مأمونة المخاطر، ولعل ذلك دفع بعض المؤسسات الفلسطينية للتركيز على العقارات أكثر من المصانع والتجارة.
2- كفاءة البشر، ويقصد بها أن من يديرون دارا للأيتام قد لا يستطيعون استثمار الأموال بشكل كفء، لذلك فمن الضروري وجود إدارة خاصة للاستثمار داخل مؤسسة الأيتام أو وجود مؤسسة استشارية عامة لاستثمار أموال الأيتام في عدد من الجمعيات.
3- توفر التمويل، فبعد أحداث 11 سبتمبر 2001، تقلصت التبرعات للفلسطينيين من الخارج، وهو ما يطرح مشكلات على التوجه الاستثماري لأموال الأيتام، ومن ناحية أخرى يمثل هذا التضييق على التمويل دافعا لجمعيات الأيتام وغيرها في المجالات الخيرية لتأسيس موارد شبه ثابتة، وهذا لن يأتي إلا إذا أحسنت استثمار ما لديها حاليا.
المصدر: إسلام أون لاين