This site uses cookies for analytics and personalized content. By continuing to browse this site, you agree to this use.
We have updated our Privacy Notice, click here for more information Acknowledged

أكثر من 27 مليون لغم في العراق تحصد الضحايا يومياً وتحرم السكان من الوصول الى الحقول والمياه
18/07/2008

 

بغداد - هادي العصامي     الحياة     

أولت معظم الدول التي تعاني من مشــكلة الألغام الأرضيـــة   والقـــذائف غير المـــنفجرة والقـــنابل العنقودية اهتـــماماً كـــبيراً لأعمـــال الازالة والتطهير، الا العراق الذي لم يـــكافح الألغام وكوارثها بعد. فهي ما زالت تنتشر في مســاحات شاسعة من أراضيه التي زرع فيها أكثر من 27 مليون لغم. وهذا يهدد حياة العراقيين صحياً وبيئياً واقتصادياً.

في قضاء أبي الخــصيب بمحــافظة البــصرة توجد محلة تدعى «محلة المـــعاقين» أو «البتران». وقد سميت هكذا لأن مــعظم سكانها معاقون أو مبتورو الأطراف نتيجة حـــوادث الألـــغام. أحد هـــؤلاء الـــشيخ عمران (77 عاماً)، وهو أب لســبعة أبناء، يحــمل عكازين مع هـــمومه المثـــقـــلة التي ينـــفثها مع دخان ســــجائره. قال: «أنا أرعى الأغنام منذ طفولتي، وفي الربيع نخرج الى المـــناطق الحــدودية التي يكثر فيها العـــشب، لذلك نـــمر عبر مناطق كثيرة. وقد فقدت احدى ســـاقيّ بانفجار لغم أثناء مروري قرب الحدود مع ايران، كما فـــقدت الكثير من الأغنام». وأضاف: «الدولة حتى الآن مشغولة بأمور سياسية وأمنية، أما مشكلة الألغام فهي طي النسيان».

وعن الحياة اليومية لسكان محلة البتران، قال الشيخ عمران: «نعمل في الزراعة ورعي الأغنام، ويساعد أحدنا الآخر في أحلك الظروف وكأننا في بيت واحد. الكثير من أبنائنا لا يزاولون هذه المهن، كي لا يتعرضوا لخطر بتر الأطراف بانفجار الألغام».

أفظع حقول الألغام

مدير المنظمة العراقية لازالة الألغام جهاد مطر قال لـ «البيئة والتنمية» ان طول الحدود العراقية نحو 1370 كيلومتراً، منها 1200 كيلومتر مزروعة بالألغام. والأماكن المتروكة هي بعض الممرات الحدودية، التي كانت أيضاً ملغّمة وقد طهر الجيش العراقي قسماً منها. واعتبر أن «أفظع حقول الألغام في العالم والتاريخ هي في منطقة بدرة وسط العراق، حيث زرعت ألغام بعمق يراوح بين 10 أمتار و15 متراً، وهذا نادر في تاريخ الحروب».

ووصف ما يسببه انفجار الألغام والقذائف على أنواعها من موت وتشوهات وإعاقات دائمة وآثار نفسية واجتماعية، تحوّل المصابين الى معاقين غير قادرين على العمل والحركة. هذا فضلاً عن التأثيرات الجانبية على الأسرة والمجتمع، والتأثيرات البيئية لما تنشره الألغام من مواد كيميائية سامة، ونتيجة فقدان الأراضي الزراعية الخصبة والحرمان من الوصول الى مصادر المياه، وهذا من أخطر الانعكاسات التي تلحق بالمجتمعات الريفية.

وقال عيسى عبدالأمير، عضو الهيئة الوطنية لشؤون الألغام، ان الهيئة «تنفذ السيطرة النوعية على أعمال ازالة الألغام التي تقوم بها المنظمات والجهات الأخرى، وتساعد في تأهيل الناجين من حوادث الألغام واعادتهم الى المجتمع، وتنسق مع المنظمات المماثلة داخل العراق وخارجه من أجل تطوير القدرات الذاتية والامكانات الفنية وتبادل الخبرات». وأضاف: «أما المصيبة الأكبر فهي وجود ملايين القذائف الخطرة، كالقنابل العنقودية، خاصة بعد حرب الخليج عام 1991 وحرب 2003. وقد انتشرت بشكل خاص في المنـــطقة الوسطى والجنوبية وغطت معظم المناطق الـــسكانية والاقتصادية والصناعية». وأشار الى أن «القنابل العنقودية منتشرة في كل مكان، حتى في المؤسسات الرسمية وبعض المؤسسات العلمية، مثل كلية الزراعة التي تم تطهيرها قبل سنتين بعدما استخدمت كموقع عسكري».

ولفت عبدالأمير الى أن المشكلة الرئيسية في شمال العراق تكاد تنحصر في الألغام بنسبة 95 في المئة، خصوصاً الألغام الفردية، فيما تشكل القذائف غير المنفجرة نحو 5 في المئة. ذلك لأن المنطقة الشمالية لم تتعرض مثل المنطقة الوسطى والجنوبية للقصف بالطائرات والقنابل العنقودية. وحذر من أن المشكلة الحقيقية لم تبدأ بعد، على رغم الحوادث اليومية حالياً، بل ستبدأ بعد استقرار الأوضاع. والسبب أنه عندما تعتزم الدولة إعمار المنشآت النفطية والصناعية، أو عند عودة الناس الى قراهم، ستكثر الاصابات لأنهم لا يعلمون أن مناطقهم ملغّمة. وفي بعض ضواحي البصرة وقضاء شط العرب، هجر الأهالي قراهم لأن الألغام والقنابل العنقودية أهلكت أطفالهم وقطعانهم.

تطهير محدود

تحدث سعد حنون، المهندس في وزارة البيئة، عن المسح البسيط الذي أجرته الوزارة وأثبت وجود 97 منطقة خطرة في العراق تحتوي على قذائف مختلفة، وثمة أماكن تحتوي على يورانيوم مستنفد. وأشار الى وجود حقل ألغام طوله 17 كيلومتراً يخترق الحقول والمنشآت النفطية ويمتد في بعض الأحيان تحت الأنابيب الناقلة للنفط.

وأضاف: «عملنا حتى الآن في عشرين موقعاً في بغداد، ومن ثم حقل ألغام الرميلة ومنطقة الزبير جنوب العراق، وفي بادوش وبعقوبة ومنطقة الحلة وسط العراق».

وقدر القذائف التي تم تفجيرها وتعطيلها بنحو 150 ألفاً، والمساحات المطهرة بأكثر من 14 كيلومتراً مربعاً، «ولو عملنا بلا توقف لاستطعنا انجاز أضعاف هذه المساحة».

لغم لكل مواطن

حذر نائب رئيس الوزراء العراقي برهم صالح من مخاطر انتشار الألغام في العراق. وقال خلال افتتاح مؤتمر لإزالة الألغام في 4 نيسان (أبريل) ان العراق يضم «لغماً لكل مواطن»، وذلك بالتزامن مع اليوم العالمي للتوعية من مخاطر الألغام.

وأشار خبراء الى «موت مخبأ» يستهدف واحداً من كل خمسة مواطنين في العراق. وعلى رغم أن هناك أكثر من 110 ملايين لغم مزروع في أكثر من 64 دولة، الا أن عدد الألغام في العراق يفوق غيره من الدول ويبلغ أكثر من 27 مليون لغم.

وأكد بيان للأمم المتحدة أن العراقيين يعيشون وسط أحد أكبر تجمعات الألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة من مخلفات الحرب في العالم. وأشار الى أن هناك 4000 منطقة متضررة في مسح عام 2006 لآثار الألغام الأرضية، وأن التلوث من متفجرات مخلفات الحرب «أصبح الآن منتشراً انتشاراً واسعاً، إلى درجة أن بعض برامج التنمية يتعثر بسببه»، معتبراً القنابل العنقودية «مسألة ملحة».

وأشار البيان الى تقرير المنظمة الدولية للمعوقين لسنة 2006 الذي أكد اسقاط 55 مليون قنبلة عنقودية في النزاعين الأخيرين، «الأمر الذي يجعل من العراق أكثر البلدان تلوثاً في العالم بهذه المخلفات القاتلة».

(ينشر بالتزامن مع مجلة «البيئة والتنمية» عدد الصيف الخاص تموز ـ آب / يوليو ـ أغسطس 2008)

لمزيد من المعلومات اضغط على الرابط التالي:

للمهتمين بمكافحة ونزع الالغام