لماذا يُحتفل بالقراءة في الكتب الورقية تحديداً؟ هناك «السنة العالمية للكتاب»، و»اليوم العالمي لكتب الأطفال»، وأيام عالمية ومهرجانات وطنية للقراءة، تقام سنوياً، و2008 هي «السنة العالمية للقراءة»، وفي المكتبات تُخصص زوايا ليُقرأ على الصغار قصص وحكايات... كلها نشاطات من شأنها تشجيع الصغار، خصوصاً، على الاسترسال في الكتب، ورفع معنويات الذين يودّون محو الأمية.
ولماذا تشكّل القراءة هاجساً لدى الأهل والمربين، يتجلّى في إصرارهم على أن يفتح الطفل الكتاب الورقي ويقرأ؟ وقد أتت تقنية المعلومات بالوسائط الرقمية كوسيلة حديثة لنهل المعلومات واكتساب الثقافة العامة. وهذه أثارت جدالاً حول مصادر المعلومات المفيدة والمضرّة، وانتشارها، ووسائل الحد منها. حتى أن المشرّعين حاولوا، ولا يزالون، سنّ القوانين التي تنظّم العلاقة مع فيضان المعلومات... من دون جدوى.
جولة سريعة في الويب تكشف المواقع التي تُعنى بقراءة الكتب. ومنها ما يدلّك، بالخرائط، على المراكز التي تجرى فيها نشاطات قراءة. وموقع www.yearofreading.org.uk البريطاني، أحدها، ويحتفل هذا العام، بـ «السنة الوطنية للقراءة» في كل أرجاء البلاد. شعاره «كل شيء يبدأ بالقراءة»...
وتزخر مواقع المكتبات ووسائل الإعلام بلوائح «القراءات الصيفية»، علماً أن القراءة ليست موسمية، ولكن موسم الحر والإجازات يوفّر وقتاً أكبر لهذا النوع من الهوايات. وفيه يكون نصيب الأطفال من إلحاح أهلهم على الانخراط في هذا النشاط، أكبر. ومن المربين من يعتبر أن القراءة الصيفية تعوّض عمّا فات الصغار في المدرسة، وآخرون يرونها تمضية وقت ممتعة ومفيدة... وكل ذلك سعياً وراء تعوّد الأطفال على حب الكلمات، في وقت تشهد الإشارات والرموز وبقية أنواع الاختزال، صعوداً حاداً. وبدأت تؤثّر في معنى المعرفة وسبل اكتسابها. فكيف نعرف في مطارات العالم مكان المغاسل؟ من رسم بسيط لذكر وأنثى جنباً إلى جنب. ولولاه لكانت قائمة أسماء المغاسل طويلة جداً، والويل لمن لا تكون التسمية «مغاسل» مدرجة بلغته. هل يستطيع أن يصمد، ريثما يصل إلى بلده؟
والحق أن للكلمات وأسماء الأشياء دوراً ناظماً، وتسهم في تثبيت التناسق، خصوصاً إذا كانت على وسط جامد، كالورق.
مسرحية الأطفال «كلّو من الزيبق»، للفنانين اللبنانيين فائق حميصي وأحمد قعبور، عرضت في بيروت عام 1995، طرحت المشكلة الناجمة عن ضيق مساحة اللعب في المدن. وفيها شخص يدعى بركات، بدأ ينسى أسماء الأشياء، بعدما وقع تحت سحر ساحرة شريرة. فراح يدوّن الأسماء على ورقة ويعلّقها عليها لئلا ينساها: على الطاولة «هذه طاولة»، وعلى الكرسي، وعينه ورأسه وبنطاله وكوعه وركبته... وكلما نسي اسم شيء علّق عليه ورقة، حتى بدا أشبه بمخطط بياني، يحمل رقعاً تعرّف بالمحتويات. لم يستطع بركات العيش من دون أسماء الأشياء. وكان يقيم الدنيا ولا يُقعدها إذا وقعت ورقة عن أحد أشيائه، لأنه لم يكن يعرف إلى أين يعيدها.
مشكلة بركات هي مشكلة كثيرين ممن لا يحسنون التواصل إلاّ عبر الأسماء. مشكلة بركات أن لا بديل عن هذا النوع من التواصل. وللسخرية، هو نوع يكتسبه الأطفال مع بداية نطقهم. وما إن يشرعوا في الكلام حتى يصبحوا، كالكبار، في حاجة ماسّة إلى كميات كبيرة في الكلمات والتسميات. وهذا ما يحتّم عليهم القراءة.
وما هو الــمثال الأعــلى للأطــفال العرب، في القراءة؟ ومن أين يأتيــهـــم حب الكــلمات والمــعرفة، إذا كـــان الوقـــت الـــذي يستغرقه المواطن العربي في القراءة لا يتعدى معدّل الست دقائق في الــسنة، بينــما تــصل في أوروبا إلى ست ساعات للفرد في العـام؟ وهذا بحسب استطلاعات ورشة العمل العربية لإحياء القراءة والنتائج الصادرة من اتحاد كتّاب الإنتــرنت العــرب. ووفــقاً لإحصائـــية نـــشرت مطلع 2008، نرى أن معدل قراءة المواطن العــربي هــو كلمــة في الأسبوع.ويــقـــرأ المواطن الــغربي 36 ساعة سنوياً، أي 360 مرّة أكثر من العربي، على ما ورد في موقع «النبأ»،