عدنان شيرخان- الصباح
قبل نحو خمس سنوات لم تكن اغلبية واسعة من العراقيين تفقه شيئا عندما يذكر امامها اسم (منظمات المجتمع المدني)، كان الامر يطرح ملتبسا بشكل متعمد، فالنظام كان يقدم المنظمات التابعة له كالاتحاد الوطني للطلبة او اتحاد النساء وغيرها على انها منظمات مجتمع مدني
وكانت الاتحادات المهنية والنقابات ترزح تحت سيطرة كاملة ومطلقة من النظام، وبرغم ادعاء اجراء انتخابات في هذه النقابات، الا ان النتائج كانت محسومة مسبقا، والويل لمن تسول نفسه بالخروج عن النص المتفق عليه. وتسير على نفس هذه الآلية معظم دول العالم الثالث مع اختلافات طفيفة. وعليه ليس غريبا ان يشكل مفهوم المجتمع المدني او منظمات المجتمع المدني على المواطنين بعد زوال الانظمة الشمولية، وبقاء فكرها ونفسها حاضرا في الساحة يروج له من طرف خفي منافقون لهم في كل زمان حظوة وحضور.
ثمة تعاريف عديدة تتناول منظمات المجتمع المدني، يصف احدها هذ المنظمات بأنها : (منظمات غير حكومية، غير سياسية، لا تسعى للوصول الى السلطة، العمل فيها طوعي، ولا تهدف إلى الربح. ويكون لهذه المنظمات وجود فعال في الحياة العامة، وتنهض بعبء التعبير عن اهتمامات وقيم أعضائها أو الآخرين، استناداً إلى اعتبارات أخلاقية، أو ثقافية، أو سياسية، أو علمية، أو دينية، أو خيرية ).
ومن ثم يشير مصطلح منظمات المجتمع المدني إلى مجموعة كبيرة من المنظمات تضم: جمعيات المجتمعات المحلية، والمنظمات غير الحكومية، والنقابات العمالية، والمنظمات الخيرية، والمنظمات الدينية، والنقابات العمالية. وثمة تعريف مهم آخر يفيد (أن منظمات المجتمع المدني مجموعة التنظيمات التطوعيّة الحرة التي تملأ المجال العام بين الاسرة والدولة لتحقيق مصالح أفرادها والاخرين، ملتزمة في ذلك بقيم ومعايير الاحترام والتراضي والتسامح والإدارة السليمة للتنوع).
لعل من المفيد ان ينصب التركيز على طبيعة ودور منظمات المجتمع المدني، وهنا سنرى الاختلاف واضحا تبعا لثقافة المجتمعات السياسية ومستوى الادراك الجمعي ووضوح الرؤية لدور هذه المنظمات. احدى اهم مهمات منظمات المجتمع المدني الحقيقية الفاعلة هو الضغط على صناع القرار لصالح القضايا التي تهتم بها وتدافع عنها كحقوق الانسان والمرأة والطفل والبيئة وحرية التعبير والرأي ودستورية القوانين والتمييز العنصري وغيرها كثير، ولابد ان يكون النظام ديمقراطيا ليتيح ضمن آلياته حرية التعبير عن الرأي والتظاهر السلمي والاعتصام.
التعريف الثاني لمنظمات المجتمع المدني يتناول ملء الفراغ بين المجتمع والدولة، وهذا الفراغ تملؤه منظمات المجتمع المدني في الانظمة الديمقراطية، تراقب مجمل الاداء الحكومي، وتوجه الرأي العام وصانع القرار الى قضايا مهمة.اما في الانظمة الشمولية فتقوم منظمات الحزب الحاكم بملء المساحة بين المجتمع والسلطة، وتكون بوقا صاخبا لتوجهاته، ورهن اشارته بتنظيم التظاهرات المؤيدة لسياساته ومغامراته، ويقبع الشعب بأغلبيته العظمى بواد وفرسان هذه المنظمات التي تسمى ظلما بالجماهيرية او الشعبية بواد آخر بعيد كل البعد عما يجري حقيقة على ارض الواقع، انها ابعد ما تكون عن تمثيل مصالح الشعب واهتماماته، لقد شوهت اماني وتطلعات الملايين وجعلتها تتطابق ظاهرا مع توجهات النظام الخرقاء. ان من اهم الدوافع المحركة لانشطة منظمات المجتمع المدني في مجتمعات ما بعد الحقبة الشمولية هو عمق احساسها بأهمية وجودها ودورها، ورفضها على ان تكون مجرد جزء من ديكور النظام الجديد، سيزداد تفهم ودعم المجتمع لدور هذه المنظمات بعد تطور انشطتها كما ونوعا، يومها ستملأ حقيقة الصحراء الجرداء التي كانت بين الشعب ومن بجلس عنوة على رأس السلطة.