This site uses cookies for analytics and personalized content. By continuing to browse this site, you agree to this use.
We have updated our Privacy Notice, click here for more information Acknowledged

مؤسسات المجتمع المدني في العراق ضرورة تنموية.. أم موضة عصرية
23/07/2008

 

ادخل التغيير في نيسان 2003  مفاهيم جديدة لم تكن مألوفة  أو معروفة في الثقافة المحلية والخطاب العام، ولعل من أبرزها مصطلح "المجتمع المدني"، على الرغم من حديث البعض (مكابرة) إن مؤسسات المجتمع المدني قديمة في العراق ويمثل لها بالاتحادات والنقابات وأشباهها.

نعمة
العبادي- الصباح

إلا أن ذلك غاية في الاشتباه فالأساس الفكري والضرورة العملية لكل منها مختلفة تماماً، كما انه لا مجال أبداً للحديث عن المجتمع المدني في الدولة العسكرية التوتاليرتالية وخصوصاً في النموذج العراقي الذي اختزلت فيه السلطة، حتى الدولة والوطن وصارت ((العراق  = صدام فقط))، بل إن البعض منها لعب دوراً سيئاً ومقززاً كما هو في بعض اتحادات الطلبة التي مارست التجسس على الطلبة ومراقبة تصرفاتهم (طبعاً ليس الجميع).
الجميع يتحدث عن المجتمع المدني وضرورته واعتباره
ركيزة أساسية في بناء العراق الجديد، و توالى هذا الاهتمام في الحديث لينعكس في نصوص واضحة في دستور العراق الجديد، وفي وزارة تحمل هذا الاسم، وشرع العراقيون بتأسيس هذه المؤسسات لمختلف الموضوعات وبمختلف الأسماء، ومر على هذه التجربة أكثر من أربع سنوات ولتسجيل ملاحظات جادة على هذه التجربة، أولا: من جهة رؤية وعمل الحكومة (السلطات الثلاث) تجاهها، وثانياً: من جهة المنخرطين في هذا العمل، وثالثاً: من جهة المنتج العملي لهذه المؤسسات، مع خلاصة نهائية للقول. تم استحداث وزارة جديدة باسم وزارة الدولة لشؤون المجتمع المدني، و حتى هذه الساعة أتحدى أغلب المنخرطين في مؤسسات المجتمع المدني فضلاً عن عموم الشعب العراقي، أن يعرفوا حقيقة هذه الوزارة وما هي الأعمال المنوطة بها؟ وما هي مسؤولياتها؟ وما هو دورها بالنسبة إلى المجتمع المدني؟ هذا من جهة ومن جهة أخرى، فانه وبتصريح يكاد يكون متسالماً عليه تعاقب وزراء لا علاقة لهم بالمجتمع المدني من قريب أو بعيد (مع احترامنا لأشخاصهم). ثم المشكلة الأخرى أنه وبالتقصي الدقيق نجد أن هذه الوزارة تكاد تكون مشلولة من جهة مؤسسات المجتمع المدني، هذا فضلا عن كونها وزارة دولة في مكتب محدود ومقرها المنطقة الخضراء لا يتوقع احد زيارتها حتى في الأحلام ثم نأتي إلى المفصل الآخر وهو محل الحديث، (مكتب المساعدات للمؤسسات غير الحكومية)، فأول إشكالية تجاهه هو الإصرار على ربطه بأمانة مجلس الوزراء مع وجود وزارة لهذا الغرض ، أفليس من المنطقي أن يكون جزءاً من الوزارة، أو هو الوزارة لأنه اليوم في الحقيقة الجهة الأكثر علاقة وتأثيراً في المجتمع المدني؟ وبعد تجاوز هذه المؤآخذات، فلنأتي إلى هذا المكتب وهو الفجيعة بعينها، ففي أية بناية يستقر هذا المكتب المهم الذي يدير مكوناً أساسياً في بناء الدولة العراقية الجديدة؟ إنها خربة لا جدار فيها ولا باب (بناية مهدمة من أثر القصف او الانفجارات) فعندما تدخل له لا تستطيع تمييز الموظفين من المراجعين، لأنه عبارة عن فضاءات تم تقطيعها بالورق المقوى (الكارتون) لا تقي حر الصيف ولا برد الشتاء، كما أنها توحي لأي زائر بأنها مقر لحزب محضور جداً من قبل الدولة وليس مقراً لمؤسسة مهمة ..!! فهل خلت بغداد من البنايات حتى يتم وضع هذا المكتب وأضابير المؤسسات ونشاطاتهم في هذه البناية البائسة؟؟ أيهما أولى ببنايات النظام السابق الأحزاب والحركات أم مؤسسات الدولة خصوصاً ذات الخدمة العامة؟ فكم مقر لفرع أو شعبة أو فرقة أو دائرة أمن أو... في بغداد.. أفلا يكون من العدل تخصيص بناية لائقة لهذه المؤسسة المهمة حتى نصدق بأن الدولة بسلطاتها تحترم هذه المؤسسات وتهتم بها وتريد لها دوراً مهماً؟ إن الدخول إلى هذا المكتب يعطي نظرة بائسة عن حاله ووضعه، طبعاً بعد تجاوز الحديث عن نقله مرات متعددة وتعريض أرشيفه الورقي للتبعثر والضياع !! وإذا عدنا إلى خطابات الدعم لهذه المؤسسات، فما الموجود على الأرض؟ إنه الإهمال الكامل، فمنذ أربع سنوات لم تدعم بأي شيء مادي أو معنوي؛ بل إن الشروط التي يتم فرضها على التسجيل عجيبة غريبة ويضطر الجميع الى كتابة قضايا وهمية من أجل تمرير معاملاتهم، ومن العجب أن يشترط المكتب على المؤسسات إذا حلت نفسها لأي سبب أن تحول موجوداتها إلى المكتب علماً انه يوجد أكثر من خيار لتصفية موجوداتها منها تحويل هذه الموجودات إلى مؤسسة مشابهة وكل ذلك يجري حسب النظام الداخلي لكل مؤسسة!! طبعاً هذا فضلاً عن اجتهادات الحكومات المحلية في كل محافظة حول مؤسسات المجتمع المدني. ويزداد العجب في تحسس المكتب والوزارة من أي تجمع أو ائتلاف لمؤسسات المجتمع المدني حيث يتم سلب الشرعية عنه واعتباره مخالفاً للقوانين بينما تـُشجع المؤسسات الأجنبية العاملة في المجتمع المدني على الشراكات والتحالفات لأنها أقوى في تحقيق الأهداف. وآخر ما رشحت اجتهادات المكتب هو ضرورة تغيير أسماء المنظمات، وكأنه وبعد أربع سنين استيقظت الحكومة لتمنع هذه الأسماء أو تغييرها، خصوصاً إن بعض التغييرات غير موضوعية .
إن خلاصة القول في هذه الجهة، تؤكد أن
هناك تقصيراً غير مغتفر له في رعاية هذا القطاع وإن دعوى اهتمام الدولة بمؤسسات المجتمع المدني لا يصدقها الواقع سواء فيما يتعلق بالدوائر الحكومية التي ترعى المؤسسات أو فيما يتعلق بنفس المؤسسات ورعايتها وتقويمها وإيصالها إلى المكانة اللائقة. أما الجهة الثانية في نظر هذا المقال فتتعلق بالعاملين في المجتمع المدني ومؤسساتهم، فأنه لا يختلف اثنان على أن الكثير ممن التحقوا بهذا العمل لا يدركون منه (إلى لحظة كتابة هذه الأسطر) أدنى فكرة عن المجتمع المدني وموقعه ومسؤولياته وتأريخه وتجاربه في العالم، وكان للبعض أشبه بقضاء الوقت أو إيجاد اسم معنوي لرفع اعتباره الاجتماعي أو باب للكسب الاقتصادي، ومثل هؤلاء سبّة ومنقصة على مؤسسات المجتمع المدني، فأي مدير مؤسسة هذا الذي لا يستطيع أن يكتب أربعة أسطر في وصف مشكلة ما يريد أجراء برنامج حولها أو لا يعرف أن يتحدث خمس دقائق عن مؤسسته وعملها، وهكذا. أما واقع الكثير من المؤسسات فهي تحمل أسماً لا تدرك من العمل حوله سطراً واحداً، والبعض عبارة عن خرافة أسمها المؤسسة الفلانية، طبعاً سيلقي البعض باللائمة على عدم توفر الدعم و على الفقر ومع تصديقنا بتأثير ذلك على العمل إلا أنني أعرف عملياً ومن قرب مؤسسات تملك إمكانيات جيدة ولكن أعمالها بائسة وثقافتها وقدرات مدرائها وأعضائها مبكية. (أؤكد احترامي للأشخاص بمن هم أشخاص خارج هذا العنوان، وكذلك لكل المؤسسات الجادة والفاعلة). وهنا لابد للحديث أن يمتد إلى قضية المشاريع وضرورتها والأموال التي تصرف حولها وجدواها الحقيقية فهي قضية يطول عندها البكاء والعويل..!! واذا تعمقنا لنسأل لمن تعطى المنح والهبات وبأي شروط وفي أي ظروف، فهو موضوع يطول الكلام حوله وفيه !! والخلاصة هنا أن هناك عدداً كبير من الأشخاص والمؤسسات هم عيال على المجتمع المدني وهم سبب لتخلف هذا القطاع وتفتيت دوره في بعض المواقف، وقد تصدر الكثير من التعليمات المجحفة والظالمة بسبب هذه المجموعة فيتضرر بها العاملون المجدون والواعون لهذا العمل ومتطلباته. اما الملاحظة الثالثة  الذي يريد تسجيله هذا المقال هو تقييم نهائي لعمل مؤسسات المجتمع المدني ودورها، وهنا لا ننظر إلى الأعمال الفردية وعمل هذه المؤسسة وتلك فإن هناك أعمالاً جبارة قامت بها بعض المؤسسات ودوراً مشرفاً لكثير من الفعاليات، ولكن سنتحدث عن الدور الكلي لهذه المؤسسات، فالاستحقاق الأساسي لها في هذه المرحلة من العراق الجديد هي المساعدة في بناء الدولة وترسيخ سلطة المؤسسات وتعميق ثقافة القانون والمساهمة في الصيرورة إلى تنمية شاملة، لأن البعض يتحدث عن دور للمؤسسات وهو يشابه الدور الذي تقوم به المؤسسات في الدول المستقرة كبريطانيا وامريكا وعموم أوروبا، وهذا خطأ فاحش، لأننا لم نبن دولة بالمعنى الكامل لهذه الجملة وما زال مشهد الدولة في حركة زئبقية قد تجره الأيادي في لحظة من احتدام الظروف ويرجع متقهقرا إلى نموذج قريب من الدولة الدكتاتورية وهذا ليس ممنوعاً او مستحيلاً، لذلك ينبغي الالتفات إلى خطورة وجسامة الدور للجميع في هذه اللحظة المتعلقة ببناء الدولة وتشييد أركانها المعنوية والمادية وترسيخ قوانينها. ففي ظل هذا الاستحقاق لا يمكن الحديث عن دور بارز لمؤسسات المجتمع المدني، كما أنها ما زالت لم تستطع إيجاد تياراً واعياً يحرك بوصلة الأحداث باتجاه المصلحة العليا للوطن، نعم قد نسجل مساحة واسعة من النقد للحكومة بسلطاتها الثلاث وعملها من قبل المنخرطين في هذا الاتجاه إلاّ أن هذا ليس هو العمل المطلوب، وللوصول إلى هذه النتيجة نرجع قهراً إلى ما ابتدأنا به هذا المقال وحقيقة موقف (الحكومة بسلطاتها الثلاث) من موقع المجتمع المدني في بناء الدولة وما ينبغي عليهم فعله تجاهها، و اول خطوة هي اعادة النظر الجدي والحقيقي في الهيكل المشرف عن هذا العمل الخطير وتوزيع المسؤوليات وإنشاء ميكانيكية تتضمن الوصول إلى النتائج المرجوة.