المحامي حسن حافظ- الصباح
تعرف المنظمة في المجتمع المدني : بأنها مجموعة من الناس ،تتفق فيما بينها على جملة اهداف مشتركة يضعونها نصب اعينهم بغية تحقيقها في مجتمعاتهم ..
ولتحقيق ذلك فهم يجتمعون بصورة دورية بعد ان يضعوا لهم نظاماً خاصاً يتخذونه كدستور لهم بعد ان يتفقوا على ديباجة لهذا الدستور المصغر او بما يسمى بالاسباب الموجبة لتأسيس تلك المنظمة او تلك الجمعية وما يتبع ذلك من درج للمواد والاهداف ، ويطلق عليه بالنظام الداخلي ، اذ لابد من ذكر الاسباب الموجبة لانبثاق هذه المنظمة او الجمعية ، مع ذكر الوسائل او الطرق التي تعمل بها الهيئة المؤسسة بموجبها في ايصال تلك الاهداف الى الناس وكيفية نقلها من السطور في النظام االداخلي الى ارض الواقع التطبيقي ، مع درج الوسائل التي يتم بها تقديم الخدمات الى مجتمعاتهم المدنية ، سواء اكانت تلك الخدمات ثقافية ام اجتماعية ام قانونية ام فنية وغيرها وعلى المنظمة ذكروسائل التمويل وطرق انتساب الاعضاء وقبولهم فيها ، مع ذكر تشكيلات المنظمة الادارية ولابد من ذكر كيفية تذليل المشاكل التي ستواجهها مع الاخرين .. بعد القيام باخبار الجهات الرسمية ذات العلاقة بانبثاق تلك المنظمة او الجمعية لئلا تكون تلك المنظمة (وهمية) شأنها شأن تلك المنظمات الكثيرة التي ظهرت بعد 9/ 4/ 2003 على السطح ثم اختفت فجأة من المجتمع ، والتي جاوزت الحد والحصر لاسيما ان بعضاً منها ما ان تسلمت المكافأة اوالمساعدة حتى توارت عن الانظار.
ولابد ان تكون تلك الاهداف التي تدعو اليها المنظمة كبيرة وعظيمة كمبررلوجود مثل هكذا منظمات تقوم بامتصاص اوقات اعضائها الذين يسعون الى تحقيق ونشر مبادئها ضمن قنوات الاعلام المختلفة ، وسواء اكانت تلك الوسائل مقروءة ام مسموعة ام المرئية منها ، مع وسائل الاتصال الاخرى وكيفية التحرك نحوهم . فقد تجد ان هناك منظمات يكون هدفها اقتصادياً بحتاً ، وقد تجد اخرى هدفها نشر مبادئ القانون الدولي والتعريف بلائحة حقوق الانسان مع نشر المبادئ الاساسية لحريات الانسان والتعريف بها لدى المتلقي سواء اكانوا ينتمون لتلك المنظمة ام ل، وقد تجد منظمة اخرى ثقافية تعمل على نشر الفكر الحر الواعي الجديد الذي يدعوالى الاخوة والتسامح الديني والمذهبي والعقائدي كما ان هناك من يكون طابعها فنيا بحتا او تربويا او منظمات نسوية قد تكون مغلقة على بنات جنسها فقط والتي يطلق عليها او ان تكون اهدافها مقصورة على حقوق المرأة البحتة وعدم تجاوزها الى الاهداف المجتمعية الكبيرة التي تتعلق بمصيرالمواطن برمته، N.G.O وقد تجد هناك منظمات تحمل اهدافاً (مصلحية او ذاتية بحتة!) وقد تجد هناك من يحمل اكثر من هدف في ذات الوقت للوصول الى قلب وفكر المجتمع الذي نعيش فيه وو .. لعلك تعثر هنا وهناك على منظمات تحمل طابعاً (اقتصادياً ) يقدم مكاسب للاعضاء ولايتعداه الى القيم المجتمعية الاخرى نحن في مرحلة التحول الكبيرة التي نحياها مهما كانت سلبياتها واذا كان الامر كذلك فانني ادعو الى ان تتبنى المنظمة (اية منظمة ) في فقرات موادها ، اهدافاً عامة اخرى ، قد تكون ثقافية او علمية اوفنية او تربوية او قانونية ، لكي تعم الفائدة لمنتسبيها وغير منتسبيها على ان تكون تلك الاهداف قريبة الى فحواها ومحتواها العلمي والتطبيقي ، وتخدم المجتمع ككل ، من تلك الفئة التي تمثلها وان لاتقتصر على فئة دون اخرى بغية كسب اكبر عدد من المواطنين من شريحتها ، وعلى ان لايكون هدفها مرحلياً او مركزيا آنيا ، ينتهي بانتهاء المناسبة التي انبثقت عنها ، في الوقت الذي تكون فيه تلك المرحلة قد تجاوزت تلك الاهداف بكثير وكان يفترض فيها وبدلاً من الاكتفاء بتسطيرها في دستورها اوفي نظامها الداخلي وحسب ، بل ان عليها ان تتجاوز ذلك الى مراحل اخرى متقدمة أكثر اهمية وتتطلبها الضرورة القصوى للمرحلة (التحويلية الحالية) .
واكثر ماتسعى اليه المنظمات في بدء نشوئها هو التعريف بها عن طريق اقامة ما يطلق عليه بعقد (المؤتمر العام) وقد يرافق ذلك عروض فنية اومسرحية او القيام بمهرجانات متنوعة لتؤكد الولاء لهذا الوطن، وقد تدعو الى التسامح والمحبة ، وقد تصحبها احياناً مهرجانات شعرية وثقافية واحياناً تدعوهم الى الطعام ومعها وسائل الاعلام لحضور ذلك الحفل او المهرجان ، وقد ينتهي دور بعض المنظمات عند هذا الحد لاسيما اذا لم تجد دعماً او تشجيعاً معنوياً او مادياً.ويتعين علينا الان ان نعرف شيئاً عن المجتمع المدني وما مواصفاته لعل اقرب التعريفات تلك التي تفيد بأنه (ذلك الفضاء الذي يقع في الحيز الكائن بين السلطة ، ممثلة بالحكومة ، وبين الافراد داخل المجتمع المدني الذي يتم التوجه اليهم ) والتي تعني اختصارا لعنوانها
NON government organization
اي المنظمات غير الحكومية وهذا العنوان يتسع ليأخذ مديات كبيرة من الجمعيات والمؤسسات والنقابات والاتحادات والروابط .. بغية القيام بتقديم افضل الخدمات للمواطنين ، والقيام بحل المشاكل التي يقع اغلبها بين الفرد وبين السلطة ولتنظيم حقوقهم واحياناً تأتي اهدافها لتلبية (النزعة المطلبية ) لدى البعض التي قد تبدأ ولاتنتهي، بينما المفروض من تلك المنظمات ان تتجاوز ذلك الهدف الى اهداف اخرى عظيمة (ذلك ان العمل فيها يتعين ان يكون طوعياً انسانياً) بأن يتم ذلك عن طريق توعية المواطنين بحقوقهم الشرعية التي ينص عليها الدستور والقوانين المحلية مع تكثيف تلك القوانين والانطلاق بها نحو فضاءات اكثر من ذي قبل ،او تعديل تلك التي لم تدرج بعد ضمن القوانين المحلية الجديدة لكي تأتي متوائمة مع المرحلة لاسيما تلك المبادئ التي تم درجها ضمن لائحة حقوق الانسان والبروتوكولين الاضافيين الملحقين بها حسب اتفاقية جنيف والغرض منها هي وضع افضل الحلول والمعالجات للمشاكل القائمة المزمنة والمعقدة منها على وجه الخصوص واشعار السلطات المركزية بمدى اهمية تلك الخدمات التي يراد تقديمها للمواطنين ، حسب الاسبقيات وحسب الاحتياجات الضرورية ، مع عدم اغفال الظروف المعقدة والشائكة التي يمر بها قطرنا العراقي .واذا ما اقررنا ان العمل في منظمات ngo هو تطوعي وانساني في المقام الاول ، فهو لايسعى الى مبدأ (الربحية) لاعضاء المنظمة ومنتسبيها ، بل ان منظمات المجتمع المدني تسعى الى تجاوز ذلك عن طريق تقديم تلك الخدمات الانسانية الى الاخرين ، سواء اكان الاعضاء من منتسبي المنظمة ام كانوا من خارجها ، واذا تحاشينا عامل الربحية ،يتعين كذلك تجاوز ان تكون (واجهة سياسية) خفية ، تحتويها جهات معينة تحت جناحيها وبمختلف الذرائع والالوان سواء اكانت محلية ام اكانت مدعمة من الخارج وتحت اطر مختلفة وعوضاً عن ذلك يتعين عليها ان تستمر في عملها مهما كانت الظروف ومعوقات العمل الكثيرة التي تصادفها ، وبدلا من ان تظل محصورة تحت ذلك الاطار الضيق ، عليها ان تتجاوزه الى المديات الاكبر والتي تتعلق بتحقيق اهداف الوطن الاجتماعية والمدنية دونما تدقيق لهوية المواطن الذي طلب الانتماء اليها، ومن هنا ينبغي ان تكون ابواب المنظمة مشرعة لقبول جميع الانتماءات والتيارات والاثنيات القومية والطائفية والدينية بل ان تكون (خيمتها) كبيرة تصلح لدخول كل من يطرق بابها ويؤمن بافكارها ومثلها العليا التي تدعو اليها والتي جاءت في ديباجتها ونظامها الداخلي الذي ينبغي ان يؤمن بالتعددية وقبول الاخر مهما كان لونه بوصفه شريكاً في الوطن ، مع مراعاة وجوب ان لاتخرج تلك المنظمات عما يطلق عليه في القانون (النظام العام والاداب )وبعبارة اخرى يتعين ان لاتتعدى الاهداف المندرجة فيها، المساس بالحقوق العامة والاعراف المتداولة لدى الناس فلا تأتي منظمة ما لتخرج عن تلك الاهداف والتقاليد العامة المتعارف عليها ،لئلا تؤلب الناس ضدها ، مع ضرورة احترام مشاعر الاخرين، بدلاً من ان تخرج عن القيم العامة وبما هو مألوف لدى المواطنين والناس عموماً ! كما على المنظمات ان تتحاشى تحولها الى بديل لجمعيات الهلال الاحمر وتقف عند هذا القدر من العمل المدني بتقديم المساعدات في المناسبات وحسب، وكما لايخفى على احد تجد ان هناك من يسعى لتأسيس منظمة ما بغية (اثبات الذات )والتسلق عن طريقها للوصول الى المناصب العليا، وبذلك يكون قد عمل على (حرق) الاهداف التي سطرت في نظام المنظمة او في دستورها ..
وقد تجد احياناً ان رئيس المنظمة ذو نزعة تسلطية يتحكم فيها وبالاعضاء الاخرين من اعضاء الهيئة او المؤسسة العليا فيها (من اعضاء الامانة العامة) وهنا يكتب على تلك المنظمة مسبقاً بالفشل الذريع ..وعلى العكس من ذلك حينما تشيع الروح التعاونية والديمقراطية بين الاعضاء والاصغاء الى اصوات الاخرين مهما كان حجمهم وبذلك تكون قد شقت طريقها في حياة المجتمع المدني وقامت بواجبها الانساني فاذا ما استكملت هذه الاساسيات واخذت تعمل ضمن الاطار القيمي والاصول القانونية المرعية وجب عليها ان تكون منظمة شرعية بحق وحقيق وما عليها الا ان تتقدم بطلب الانتماء الرسمي اي ان تعمل على تسجيلها لدى الجهات المختصة المسموح بها قانوناً لمنحها الاجازة المطلوبة لممارسة العمل الحر في المجتمع بعيداً من ان تكون واجهة لمنظمة سياسية عدوانية تعمل على تخريب المجتمع وتدميره ، بل ان عليها ان تعمل على الغاء التطرف بجميع صورة الاجتماعية والطائفية والدينية لكي تكون هناك (رئات ) يتنفس من خلالها الجميع، بعيدا عن التعصب للنظام العام والقانون كما لا يخفى على احد انه كلما كانت مصادر التمويل واضحة ومعروفة محليا وعربيا واجنبيا كانت اهدافها لاشائبة عليها تحاشيا للوقوع في (مطبات) اجنبية تعمل لصالح الاهداف (غير المعلنة) وهكذا كلما كانت مصادر التمويل محلية وذاتية تتم عن طريق بدل الاشتراكات والمعونات والمساعدات التي تأتي من السلطة او من جهات محلية اخرى، كأن تكون مختصة بوزارة المجتمع المدني او وزارة التخطيط على ان لا تعمل هي الاخرى على احتوائها لئلا تكون داعية او واجهة رسمية لها ولئلا تنغمر فيها وتنسى الاهداف التي تنادي بها الا وهي: ان تكون مع الفرد لتحقيق مطالبه من السلطة، او ان تعمل على حل مشاكله معها في حالة ان يجري غمط الحقوق العامة والحريات التي نص عليها الدستور في ثنايا مواده وهكذا يمكن ان يتم جمع الموارد المالية ايضا عن طريق القيام بمشاريع ثقافية او مادية يخصص ريعها او جزء منه الى المنظمة المعنية بغية استمرار نسغ الحياة الصاعد فيها.