This site uses cookies for analytics and personalized content. By continuing to browse this site, you agree to this use.
We have updated our Privacy Notice, click here for more information Acknowledged

منظمات المجتمع المدني..الدور المطلوب
23/07/2008

 

سيف الدين كاطع- الصباح
بات من الضروري، النظر بجدية الى ما يمكن ان ترمي اليه الجهود التي تقوم بها منظمات المجتمع المدني، وهي تحاول رسم خارطة عملها المتواصل، والمكثف

لاسيما في ظروف استقرار الاجواء العامة لأي مجتمع انساني في عالمنا المعاصر، لجهة النهوض والارتقاء بمستويات الوعي والادراك الذي يحسب على نحو واضح ملموس على دائرة المسؤوليات التي يضطلع بها الافراد المعنيون، وهم يحققون نتائج تصب في منفعة المواطن والدولة والمجتمع ككل.
ان مجمل الاسهامات التي يقوم
بها ناشطو المجتمع المدني، انما تؤكد حقيقة وجدية وفاعلية الفهم الموضوعي والثقافي والمعرفي لحركة التطور الاجتماعي، وهي تحقق منذ صورها الاولى، الوسيلة والغاية والهدف الذي يؤسس للمجتمع الديمقراطي المتحرر من نظرات الماضي والسلفية المقيتة.
وكما ارى ان مسؤولية هذه المنظمات، انما تتحدد على وفق نشاطها التصاعدي
الذي من المهم ان ينطوي على مبادئ عمل حداثوي معاصر وفعال يستلزم مسك زمام المبادرة التي تتحايث مع جهود وقدرات وعناوين اخرى لبلوغ انضج التصورات التي يمكنها ان ترسم ملامح مجتمع مدني، فيه من العناصر والبرامج والخطط والمهام، ما يحقق الاهداف والتطلعات، التي تتصدى لابرز المشكلات ومناطق الضعف والوهن الاجتماعي والسيوسولوجي، واضعة لها المعالجات والحلول من خلال سياقات عمل يتم تنفيذها بالكيفية المتاحة التي تحقق النجاح والفوز وهذا ما يمكن وصفه بالمحاولات الجادة التي تؤتي ثمارها، لجهة الاقتراب من الصيغة المثلى، للدور الذي يجب ان يضطلع به المجتمع المدني عبر منظماته وفلسفته الحيوية، فلا بد من التوغل في حقيقة واشكالية التنوع العرقي والمذهبي والديني التي تغطي وجه المجتمع العراقي من جنوبه الى وسطه، امتداداً الى شماله، فهذا التنوع وبالرغم من قيمه والوانه التي يعكسها في جدوى حقيقة الوجود العراقي، الا انه ترك وخلف آثاراً سلبية معقدة  تدعو الضرورة الملحة الى فك الاشتباك الحاصل في تعقيداتها واختلاطاتها، ما يستدعي وضع الصيغ القانونية والحقوقية، فضلاً عن التصورات السياسية والفكرية لامكانية حلها وبالزمن القريب، وهذا ما يشدنا الى القول، بأهمية وجود مجتمع مدني فاعل، يأخذ الدور الريادي في خلق الفرص المؤاتية، لابراز ثقافة تقريب وجهات النظر والثقافات المختلفة والنظرات المتباينة، وبين اطياف وكتل وكيانات المجتمع العراقي وحركاته وتجمعاته السياسية والعرقية والدينية والمذهبية، مع الاقرار بأن معظم دول العالم ومجتمعاتها، تضم اقليات منها كبيرة ومنها صغيرة، وجميع هذه الاقليات، تتميز بتنوع اصولها او ثقافتها او ديانتها، اذ نادراً ما نجد في دولة مجتمعاً احادي الدين واللغة، ولا يؤدي وجود اقلية دينية او عرقية او مذهبية، بالضرورة الى قيام معضلة سياسية والى بداية حرب اهلية، فهناك كما يرى الباحثون، اقليات نشطة سياسياً واخرى مستكينة، اقليات تسعى الى الابقاء على شخصيتها الذاتية، واخرى تكون اكثر استعداداً لمستويات عالية من الاندماج الاجتماعي والسياسي.
  وفي اطار هذا التنوع الذي يشتمل على وجود اقليات لها مشكلات
وتكوينات قومية ودينية ومذهبية، وكذلك لها ثقافات ذاتية خاصة بها، ينشأ هذا التعدد واحياناً التداخل في بعض الحقوق والممارسات، ولكن ثمة معالجة ممكنة ومتوازنة وواقعية،ـ يمكن الاخذ بها لحل هذه القضية في بعدها الوطني، اذ ان الكثير من المعنيين بهذه المسألة لا يتوقعون حلاً لها الا ّ في اطار الدولة الديمقراطية، اذ يتم فيها منح جميع الاقليات حقوقها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، وتكريس احترام حقوق الاقليات بوصفهم مواطنين متساوين في الحقوق كافة من دون اي استثناء لحق سياسي أو ثقافي او غيرهما من بقية الحقوق الاخرى، وهذا ما جاء في ميثاق الامم المتحدة والاعلان العالمي لحقوق الانسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتوابعها هي "المرجعية الحقوقية " التي يمكن ان يصدر عنها دستور وطني يحترم حقوق الاقليات، وما عدا ذلك لن يكون الا مجرد اعادة انتاج قيم التخلف المؤسسة على قيم طائفية وعنصرية.
  ولا نأتي بجديد اذا ما قلنا
ان احترام حقوق الاقليات يرتبط ارتباطاً وثيقاً بحقوق الانسان، وان ضمان ذلك يأتي من خلال تنظيم العلاقة بين الفرد والدولة، وفقاً لما تحدده القوانين العادلة "الدساتير" والتشريعات المتناسبة مع المواثيق الدولية، القائمة على المساواة بين جميع افراد الوطن امام القانون،واستقلال القضاء، ووجود منظمات مجتمع مدني قادرة على الدفاع عن الحقوق والحريات العامة، وكذلك انهاء جميع اشكال التمييز بحق الاقليات كون صراع الطوائف والاقليات يورث حواجز وعوائق داخل المجتمع، هذه مسألة تتطلب جهوداً تبذل على الصعد كافة، من اجل مجتمع موحد، وكذلك العمل بجدية واخلاص لتعزيز الديمقراطية وثقافة حقوق الانسان، بوصفها الاطار الوسيط الذي يتم فيه العمل لمواجهة مختلف مظاهر الاستبداد اياً كانت مواقعها وحواضنها.
   ويستطيع العراق الآن، ان
يستفيد من تجارب البلدان التي تعيش فيها اغلبية السكان في انسجام مقبول مع اقلية واحدة او اكثر، وهذه التجارب تلخصت بمنح الحقوق التي اقرها المجتمع الدولي ونادى بها الاعلان الخاص بحقوق الأقليات والتي تتمثل في حق الاقليات في الوجود، وحقها في التمتع بالثقافة واللغة وتطويرهما، فضلاً عن الحق في انشاء المدارس والمؤسسات التعليمية والثقافية وادارتها والتحكم في المناهج والتعليم بلغتها الخاصة، وكذلك الحق في ضمانات التمثيل السياسي في الشؤون السياسية للدولة ومنح الاستقلال الذاتي في معالجة الشؤون الداخلية التي تخص الاقليات ومنها في  ميادين الثقافة والتعليم والدين والاعلام والشؤون الاجتماعية والادارة المحلية، وتطبيق ذلك مقرون بالادوات اللازمة لاداء هذه المهمات الديمقراطية، والمواطنة وبناء المجتمع المدني النوعي الناشط والفعال والمؤثر.
لذا نرى لزاماًعلينا، ونحن نتصدى لمهمات المجتمع المدني
في هذه المرحلة، ان نوجه ابصارنا، صوب هذه المنظمات وندعم توجهاتها النوعية، التي تسهم في بث واحياء روح الثقافة الحقيقية التي تسعى بوعي وادراك كاملين لتفعيل معنى الامتزاج الاجتماعي الحقيقي الذي يتوافر بالنتيجة والمحصلة على قدر كبير من مستويات التفاعل والتقارب الوطني الملموس الذي سيبلور صيغ النهضة العراقية المنشودة وهي ترسم صباحاتها المرتسمة في التاريخ، بعد يقظة عميقة واصيلة وموضوعية من ابناء العراق وصناع ابداعاته ومنجزاته الحضارية المقبلة.