"الصـــــباح" تحاور أساتذة علم الاقتصاد..
بغداد - بشير خزعل
احد مرتكزات الاقتصاد والتنمية لاية دولة من الدول المتقدمة هو وجود موارد بشرية "قوى عاملة" متجددة تتناغم مع معطيات التطور التقني والفني وعلى مستوى عال من التدريب والتأهيل وتوفر الاختصاصات والكفاءات العلمية والفنية الكافية اضافة الى وجود البرامج والخطط التي تنظم عملية تدوير وتنمية المهارات والكفاءات من حيث الاستغلال في المؤسسات والقطاعات المناسبة، الحكومية منها او التابعة للقطاع الخاص. في العراق وبعد خمس سنوات من التغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية مازال موضوع تنمية الموارد البشرية يعاني من استنزاف القوى العاملة وهدر الطاقات والكفاءات العلمية واصحاب الاختصاص لاسيما في ظل البطالة المقنعة التي يعاني منها المجتمع العراقي وتوقف اغلب المشاريع الاستثمارية والمشاريع الخاصة التي من المؤمل البدء بها بعد تحسن الاوضاع الامنية في اغلب ارجاء البلاد."الصباح" حاورت عدداً من علماء الاقتصاد العراقيين حول جملة من العوامل المعرقلة والعوامل الفاعلة في تنمية الموارد البشرية في العراق في هذه المرحلة المهمة.
التعليم في خدمة التنمية
د. احمد الراوي استاذ الاقتصاد في مركز الدراسات العربية والدولية في الجامعة المستنصرية تحدث عن تنمية الموارد البشرية قائلاً:
- العنصر البشري هو اهم عنصر من عناصر الانتاج فهو وسيلة التنمية وهدفها لاسيما اذا كان على مستوى من الكفاءة والقدرة، العراق يمتلك قدرات بشرية ممتازة ومؤهلة تأهيلاً علمياً عالياً، لكن الظروف التي مر بها البلد خلال السنوات الماضية جعلت من القوى البشرية تخسر الكثير من قدراتها وخبراتها، فأغلب الخريجين من التعليم العالي والمهني لم يجدوا مجالاً للعمل بعد تخرجهم فاخذوا يمتهنون مهناً اخرى لا تتناسب مع تأهيلهم، وبمرور الزمن يتقادم التعليم عند هؤلاء الناس وتضيع عليهم فرصة الوصول الى مستوى من الكفاءة والخبرة المكتسبة من العمل، الكثيرين من الاطباء والمهندسين والفنيين عانوا من هذه المسألة، القوى العاملة لدينا تشكل 29% من السكان وهي بحاجة الى اعادة تدريب وتأهيل وفق الطرق الحديثة، ما مر به العراق من ظروف ومن حصار وانعزال عن التطور الخارجي، اثر بشكل كبير جداً على عملية التنمية وبالتالي فان مخرجات التعليم العالي والمهني والتعليم البسيط لم تستطع ان تواكب التطور الذي حصل في هذه المجالات، حالياً لدينا مؤسسات تقوم بتنفيذ برامج تطوير وتأهيل القوى العاملة البشرية، لكن هذه المؤسسات مازالت مستوياتها وطاقاتها الاستيعابية محدودة ومحصورة في عدد معين من المهن، وكلفة تدريب الشخص كلفة عالية، واحياناً يأخذون اجوراً من المتدرب وهو بالاصل عاطل عن العمل، يجب ان تقوم مؤسسات الدولة بفتح مجالات اوسع لتطوير مراكزها التدريبية وبرامجها العلمية والحفاظ على الكفاءات العلمية التي تساعد على عملية التدريب والتطوير للقوى العاملة التي تساهم في عملية التنمية، لدينا تصور كبير في استيعاب القوى العاملة، وهناك اكثر من 890 مشروعاً عاماً للدولة كان يستوعب اكثر من 600 الف عامل، مازالت مع الاسف تعمل بطبقات انتاجية ضعيفة جداً لا تتجاوز 20 او 25% وبعضها توقف عن العمل وسرح عمالها، ما تحتاجه تنمية الموارد البشرية في وضعنا الحالي الاستثمار في المشاريع الكبيرة واعادة تأهيل البعض منها، اضاف الى برمجة استيعاب الكفاءات والمهارات، ووضع خطط وجداول تنظم لآلية الاستقطاب والتوزيع على المشاريع والمؤسسات المختلفة.
- الافادة من تجارب الشعوب
يقول د. عمر وهشام محمد الاقتصادي في مركز الدراسات العربية والدولية:-
- اذا كنا نريد ان نبحث في موضوع تنمية الموارد البشرية في العراق، يجب ان نطلع على تجارب دول العالم ممن لديها خبرات في هذا المجال، القوى العاملة العراقية بمختلف المهن والاختصاصات الفنية والعلمية تتميز بقدرتها العالية على استيعاب التكنولوجيا والتعامل معها، بالرغم من انها تأخرت لاكثر من خمسة عشر عاماً عن التطور في العالم. ثم ان التجربة التي مر بها الاقتصاد العراقي في فترة التسعينيات ادت الى قدرة الخلق والابتكار في كثير من مفاصل الحياة، ما نعتقده الآن في تنمية الموارد البشرية هوغياب الاطر المؤسساتية الواضحة لتدريب وتأهيل القوى العاملة من عمال فنيين ومختصين واداريين ممن يقودون عملية تنفيذ المشاريع وادارة المصانع والمعامل والحركة الاقتصادية بمجملها، نحن بحاجة الى تحديد الجهة المشرفة والجهات التي تتعاون معها، كمنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص ومعرفة مصادر تمويلها ونحن ندير برامجها لكي لا يحدث هدر في القوى البشرية التي تنضم اليها ولا تستفيد منها شيئاً.
- إعادة بناء المؤسسات الانتاجية وتأهيلها
رئيس قسم الدراسات الاقتصادية في مركز الدراسات العربية والدولية د. عبد الرحمن المشهداني قال:
- بعد احداث 2003 تم تدمير البنى التحتية والهياكل المؤسساتية للدولة العراقية وادت الى بطالة بنسب عالية فاقت 80% في المراحل الاولى، هذه البطالة من القوى العاملة اتجهت الى عدة مجالات ابتعدت فيها عن مواطن عملها الاصلية وافقدتها مهاراتها عندما تحولت من قطاع الى آخر، 20% من القوى العاملة اتجهت للعمل في سلك الجيش والشرطة، وفقدت فرصة التدريب والتواصل مع التطور العلمي والتكنولوجي، اصبح هناك نقص في القوى العاملة الاختصاصية برغم وجود البطالة، صحيح انه بعد العام 2003 اصبح هناك انفتاح على العالم، لكن هناك ركوداً في الاقتصاد العراقي، من اجل ان ننشط الاقتصاد نحن بحاجة الى اعادة بناء المؤسسات الاقتصادية والانتاجية وتطوير عمل القطاع الخاص فالمرحلة المقبلة هي مرحلة الانفتاح على اقتصاد السوق واغلب مؤسساتنا في هذا القطاع هي مؤسسات فردية وعائلية وهذا من الصعب ان نقنعه بالتغيير بسهولة، يجب تطبيق اساليب الادارة الحديثة في ادارة القطاع الخاص، واضاف المشهداني بشأن الحاجة الى الدراسات والبحوث في عملية تنظيم الموارد البشرية: ان واحدة من الاشكاليات خلال العشر سنوات التي مضت، ان جميع البلدان المتقدمة هياكل القوى العاملة فيها تقسم الى ثلاث مراحل، عمال ماهرون، غير ماهرين، عمال على مستوى عال او اصحاب الكفاءات والاختصاصات، هذا الامر غير موجود في مؤسساتنا، حتى التعليم في العراق غير صحيح وتجد ان كل الشباب يريدون الدخول للجامعات حتى يتخرجوا بأختصاصات غير مطلوبة على ارض الواقع، المشكلة لدينا هي كيف نستطيع تأهيل القوى العاملة حتى تتواكب مع مرحلة التطور الجديدة، وكيف نأهل الاجيال القادمة بحيث يدخل كل شخص في اختصاصه، هذا الامر لن يتم بدون مؤسسات ترعى وتأهل الاشخاص من اولى المراحل في المتوسطة والاعدادية ومراكز التدريب، لا نحتاج ان يصبح الجميع اطباء ومهندسين، بل نحتاج الى الحلقات الوسطية، ونحتاج الى تغير الفكر وتبديل القوانين وتثقيف المجتمع، اضف الى ذلك اننا بحاجة ماسة الى دراسات وبحوث توضح ماهي المجالات التي يمكن ان نتميز فيها حتى نوفر القوى العاملة لها، نحن نخطط لسنة واحدة والبلدان الاخرى تخطط لخمسين سنة، الفساد الاداري والمالي من اهم الاسباب التي تعيق عملية التخطيط والتنفيذ في تنمية الموارد البشرية واعتقد انه ليس بحاجة الى شرح او توضيح.
- التنمية البشرية المستدامة
د. ستار البياتي استاذ الاقتصاد في مركز الدراسات العربية والدولية اوضح: ان مفهوم الموارد الاقتصادية ينقسم الى موارد طبيعية وبشرية، فالموارد فالبشرية ركن اساس في الاقتصاد للدولة، ويتجدد الاهتمام بهذا الموضوع في ظل متغيرات كثيرة على مستوى العالم اقتصادياً، فتغيرت الكثير من المفاهيم بعدما كنا نعتقد ان موضوع رأس المال البشري ورأس المال المادي يدرس كأركان اساسية في عملية التنمية، بعد صدور التقارير للتنمية البشرية في التسعينيات، تحول المفهوم من رأس المال البشري الى مفهوم التنمية البشرية المستدامة، ومعنى هذا المصطلح ان نبحث في توسيع خيارات الناس في الحياة في الجانب الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، لكن كيف نوسع خيارات الناس في ظل درجة كبيرة من الحرمان لاسيما اذا تكلمنا عن الانسان او الموارد البشرية واقصد هنا الحرمان من العمل وايجاد فرصة الحصول على مورد وسط تدهور الخدمات الصحية وتدهور المستوى الغذائي.
- تفعيل القطاع الخاص
منذ سنة 1995 سياسة الدولة السابقة توقفت عن التوظيف، وبدأت البطالة تنتشر، ونحن كمجتمع عراقي لدينا شعور دائم لاجل ان نعمل ونحصل على فرصة عمل يجب ان نبحث في دوائر الدولة وقطاعاتها بينما الكثير من الدول المتقدمة تشكل المؤسسة في القطاع الخاص الحاضنة المهمة للموارد البشرية، وتساعد العاملين لديها في اكمال دراستهم وادخالهم في دورات تطويرية وتأهيلية، هذا المفهوم في العراق غير موجود والاعتماد على الدولة فقط، ولنا ان نتصور ان الدولة فجأة تسحب يدها، ما الذي سيحصل في ظل عدم اعطاء الفرصة للقطاع الخاص؟ جميعنا يتحدث، الدولة والمسؤولون عن اعطاء الفرصة للقطاع الخاص، لكن حتى الآن لم نلمس فعلاً او دوراً حقيقياً لهذا القطاع في ظل توجه الدولة نحو اقتصاد السوق، وفي ظل اقتصاد السوق هل نعتمد فقط على القطاع الخاص؟ ماذا عن نشاط الدولة الاقتصادي؟ الدولة لها دور كبير في تنمية الموارد البشرية، وهناك سبل كثيرة اذا ما اردنا ان نتبنى هذا الموضوع، منها على سبيل المثال. يجب ان يكون هناك وضوح في السياسات الاقتصادية فهناك تناقض كبير في السياسة الاقتصادية اذا ما اردنا ان نتكلم عن الجانب النقدي والجانب المادي، يوجد تناقض في سياسة البنك وسحب العملة والمحافظة على استقرار صرف الدينار العراقي، في الوقت الذي تقوم فيه وزارة المالية بسياسة توسعية! هذا التناقض يربك عمل السياسة الاقتصادية، لا بد من وجود اسس واضحة في هذه العملية، ايضاً هناك مسألة التأهيل والتدريب، نحن بحاجة الى اعادة التأهيل والتدريب، اغلب مؤسسات الدولة تعاني من بطالة مقنعة، ومعنى البطالة المقنعة ان انتاج الشخص يصل الى "صفر".
قانون الاستثمار رقم "13 لسنة 2006 يجبر المستثمر الاجنبي على الاستعانة بالايادي العاملة العراقية، لكن هذا القانون لم يحدد هذه النسبة من العاملين وترك المجال مفتوحاً لان يستخدم المستثمر عاملاً واحداً او لا يستخدم، وعلى الرغم من ان قانون تصفية النفط رقم 64 لسنة 2007 اعطانا ميزة من ناحية تشغيل الايدي العاملة اذ اشترط على المستثمر الاجنبي ان يستخدم 75% من العاملين العراقيين و25% من الاجانب لكنها ما زالت لم تفعل وعلى هيئة الاستثمار الوطني ان ترى ما هي اولوياتها ومشاريعها الستراتيجية، وكيف يتم استيعاب الايدي العاملة واي نوع من المهارات والاختصاصات المطلوبة؟ كذلك تخصيص المبالغ المطلوبة لتنمية الموارد البشرية والاهتمام ببحوث السوق وبالتالي يكون دعم القطاع الخاص دعماً فعلياً يستوعب الايادي العاملة، نحن حتى الآن لم نجد اجراءات عملية لتنمية الموارد البشرية وبدون هذه الاجراءات ستبقى قاصرة عن اداء دورها الحقيقي في انعاش الاقتصاد العراقي.