This site uses cookies for analytics and personalized content. By continuing to browse this site, you agree to this use.
We have updated our Privacy Notice, click here for more information Acknowledged

يشكون تدفق السلع الأجنبية ويطالبون بالدعم: صناعيون وحرفيون قيد العطالة!
07/08/2008

 

كاظم حسون  - الصباح 
منذ اربعة اعوام وانا اعيش البطالة بعد اغلاق ورشة الاحذية التي عملت فيها لاكثر من عشرين عاما، اكتسبت خلالها مهارات في صناعة الاحذية وتوفرت لدي خبرات فنية بهذه المهنة، طرقت بعد ذلك ابواب العديد من المعامل والورش ووجدتها معطلة عن العمل، وانتهى بي المطاف الى بائع سكائر جوال، بهذه الكلمات اوجز جميل كريم حكايته التي لا ينفرد بها وحده بل هي حكاية الاف العمال والحرفيين الذين وجدوا انفسهم في عداد العاطلين بعد غزو البضاعة الاجنبية للاسواق المحلية وانفتاح التجارة الحرة التي احدثت اثارا فادحة في معظم قطاع الصناعات المحلية فاغلقت مئات الورش والمصانع بعد ان اصابها الكساد وتوقفت عن العمل، اذ امتلأت الاسواق ببضاعة الاحذية والحقائب والمصنوعات الاخرى المستوردة التي لا ترتقي بشيء الى جودة ومتانة الصناعة العراقية الا انها حظيت بالاقبال الشديد بمعروضاتها المناسبة والزهيدة الاثمان.
 علي درويش (40 سنة) يرى ان المستورد من المناشئ العالمية المعروفة كالايطالي مرغوب لدى اغلب الناس لكنه باهظ الثمن، بيد انه استدرك موضحا: اما بالنسبة لي فدخلي المحدود يجعلني اضطر الى اقتناء الحذاء الصيني لقلة ثمنه رغم عدم جودته.
وتقول ام عمر (40 سنة موظفة) بانها تفضل شراء الحذاء والحقيبة الاجنبية لما تتمتع به هذه البضاعة من اناقة ومتانة وموديلات جميلة لا ترتقي اليها الصناعة المحلية مضيفاً ان شركة الصناعات الجلدية العراقية  تنتج ايضا صناعات فاخرة من الاحذية المختلفة والحقائب مصنوعة من الجلد الطبيعي وتضاهي الاجنبي في المتانة والموديل.

التجارة العشوائية
يرى نعمة الخزعلي، صاحب (معمل سامي) في منطقة الغريري يعمل منذ اربعين عاما اغلق معمله منذ اعوام وانتقل الى بيع الجلود في مكان مجاور، ان المشكلة التي يعاني منها قطاع صناعة الجلود تتمثل بالمستورد الذي اغرق الاسواق من البضائع، الاحذية والحقائب والاحزمة وغيرها من المصنوعات الجلدية، ويستدرك الخزعلي: ومع ذلك فان ما يردنا من بضاعة صينية او سورية او تركية لا تمتلك ادنى حدود الجودة التي تميزت بها الصناعة العراقية التي عرفت بالمتانة والجودة العالية، اذ كانت الاحذية تصدر الى دول الخليج والعديد من البلدان الاوروبية واحتلت المرتبة الثانية في العالم بمواصفاتها الحديثة وموديلاتها وتابع: لكن النشاط التجاري غير المقيد في السنوات الاخيرة جلب الى الاسواق بضائع رديئة رغم انها تعرض باثمان رخيصة وحظيت باقبال الناس الا انها اضرت بعموم الصناعات المحلية، وكان تهافت التجار لترويج هذه البضائع المستوردة بدوافع الكسب المادي على حساب ايقاف الاف الورش والمصانع الصغيرة والمتوسطة في بغداد والمحافظات عن العمل وتحويل شريحة واسعة من الايدي العاملة الى البطالة مبينا ان الاحذية المستوردة لم تخضع للرقابة المهنية والصحية ولكونها مصنوعة من غير الجلد الطبيعي فهي تتسبب في امراض الاكزمة والحساسية وتهرؤ الجلد كما ثبت من خلال التجربة لانتشار استخدامه ويرى ان معالجة هذه القضية تستدعي فرض نسبة عالية من الضرائب على المستورد، كما في السابق الى جانب توفير المواد الاولية في الصناعات الجلدية مثل (الفلوريتان، الاصماغ، الفايبر) فضلا عن الحاجة لتوفير المكائن والمعدات الحديثة.
قروض التنمية الصناعية
في السابق كان العمل مزدهرا والانتاج في اعلى مستوياته اذ كنا نواصل الليل والنهار دون توقف فننتج خلال اليوم اكثر من (50) دزينة وكان الاقبال كبيراً من قبل معارض الاحذية والحقائب في بغداد والمحافظات، هذا ما تحدث به اياد ابو هاني صاحب معمل (الدباغ)، اما بشأن القروض التي تقدمها مديرية التنمية الصناعية للمعامل والورش كحافز لترميم الورش وتفعيل العمل فيها فيرى ابو هاني انها غير كافية للنهوض بالعمل الى جانب عدم رواج المنتج العراقي الذي باتت صناعته مكلفة نظرا لغلاء المواد الاولية وانقطاع التيار الكهربائي وعدم توفر الخدمات والمكائن الحديثة، مضيفا بان مبلغ (16) الف دولار او (25) الف الف دولار لا تصلح سوى لاصلاح جزئي لذا لم يستثمر في ترميم مصنعه سوى القليل بهذه  القروض اما الكثير منهم فقد انتهز فرصة القرض لممارسة الاستيراد وجني الارباح ليزيد بذلك وضع السوق سوءا

جني الأرباح
يقول الحاج محسن عمران صاحب محل لبيع الحقائب والاحزمة: من الصعب ان تجد حقائب او احزمة من الجلد الطبيعي، وان وجدت فهي باسعار مرتفعة لا تروق للمواطن مفضلا عليها الحقيبة المستوردة المصنوعة من (المشمع) الذي لا يعمر سوى فترة قصيرة الا انها مناسبة له من حيث ثمنها، واضاف: نحن امضينا الاعوام الطويلة في ممارسة هذه المهنة كنا ننتج خلالها حقائب واحزمة من الجلد الخالص وهي تتميز بالمواصفات الصحية والى جانب جمالها واناقتها فهي معمرة لا تستهلك بالسهولة التي يتهرأ فيها المشمع المستخدم في الحقائب المستوردة وتابع: ان السوق العراقي تعود على تقديم بضاعة جلدية ممتازة تتمتع بخواص ومزايا لا ترقى اليها البضاعة المستوردة الرديئة، لعل البعض لا يدرك ذلك ربما يبهره البريق الذي يراه في البضاعة الوافدة لكنها مجرد خدعة لانها لا تصلح ولم تدم سوى مدة قصيرة فضلا عن اضرارها الصحية ويرى الحاج محسن ان ما يحدث هو تخريب للصناعة العراقية واهدار طاقات الايدي العاملة الفنية من قبل نفر من التجار ممن اثروا على حساب افقار شريحـة واسعة من المجتمع مضيفا بان التجار لا يهمهم نوع البضاعة وجودتهـا بقـدر سعيهـم الى جني الاموال.

عاطل لا يفارق ورشته
سليم عبد علي (65) سنة صاحب (معمل احذية الرباط) في بغداد يقول: كل يوم افتح المعمل برفقة احد العمال القدامى هو طارق رزوقي وهيب نمضي الوقت دون عمل انظر الى المكائن التي يغطيها الغبار والى اكوام الجلود وعلب الاصماغ وادوات العمل اتنقل بين غرف المعمل ويلفني الحزن والحسرة على ما حصل والم بنا من كارثة، مضيفا: لقد غادر العمال قبل اكثر من ثلاثة اعوام واكثرهم اصبح عاطلا واذا ما غامرت لصناعة الاحذية فان ذلك يتطلب كلفة باهظة، فالزوج الواحد من الاحذية يكلفني اكثر من (15) الفاً وحين اعرضه مع نسبة بسيطة من الربح لا اجد من يشتريه مبينا بان المواد الاولية اصبحت غالية الثمن الى جانب غلاء اسعار الجلود الطبيعية ما يجعل سعر الحذاء العراقي اغلى بضعفين من كلفة الحذاء المستورد ورغم مواصفاته العالية الا ان المواطن يتجه لشراء الحذاء المستورد بغض النظر عن رداءته لكونه اقل من نصف ثمن الحذاء العراقي ما ادى الى كساد المنتج المحلي ، اما عن اسباب وجوده دون عمل داخل الورشة كل يوم فيقول: لا استطيع مفارقة المعمل انا في هذا المكان منذ العام 1955 ليست لدي القدرة للجلوس في البيت مثلما لا استطيع ممارسة عمل اخر في كهولتي وطارق العامل القديم وضع بسطية امام باب المعمل فيها عدد من الاحذية يمضي الساعات دون ان يبيع منها مضيفا :انني اعشق عملي ولا اغادره ربما ستنقشع السحابة وتعود الحياة الى ورش العمل في يوم ما ثم اطرق السيد سليم مستذكرا: في الزمن السابق كانت النقابة تستجيب لمطالبنا كانت هنا مجموعة كبيرة من العمال وهناك عاملات يعملن في بيوتهن لحياكة الاحذية ويجلبن البضاعة كل اسبوع الى المعمل وتابع: على اتحاد الصناعات ومديرية التنمية والنقابة والجهات الحكومية ايقاف استيراد البضائع الرديئة التي اغرقت الاسواق وانعاش الصناعة المحلية واعادة الاف العمال الى مصانعهم.

غياب هيئات الرقابة
فيما عزا عباس نصر الله المدير العام للتنمية الصناعية اسباب كساد الصناعات الجلدية العراقية الى جملة امور بينها حسب قوله تدهور الاوضاع الامنية خاصة في الفترات السابقة الى جانب انعدام الخدمات مبينا ان انقطاع التيار الكهربائي يمثل مشكلة كبيرة ومعوقاً اساساً في الانتاج فضلا عن عدم توفر المكائن والمعدات الحديثة: وبصدد البضاعة المستوردة التي يرى فيها الصناعيون العامل الاساس لتدهور المنتج العراقي قال عباس: ان المسألة تتعلق بتوقف عمل الدوائر الرقابية المتمثلة بدائرة (التقييس والسيطرة النوعية) التابعة لوزارة التخطيط اذ توقف عملها في متابعة المستورد بعد سقوط النظام السابق وتوقف عمل الهيئة العامة للكمارك في ممارسة دورها بفرض الضرائب وفحص البضاعة المستوردة الى جانب غياب الرقابة الصحية على جميع المواد الداخلة الى البلاد.مضيفا بان هذه الهيئات والدوائر التي كانت تتعاون في السابق للعمل معا في فحص المواد والبضاعات المستوردة ومدى صلاحيتها لكونها جهات متخصصة لكنها جميعا توقفت عن العمل واصبح الاستيراد عشوائيا دون مراقبة، اما عن دور مديريتهم اي التنمية الصناعية فاوضح: انهم ليسوا سلطة رقابية بل هم جهة تنظيمية، خاطبنا الجهات المعنية لمعالجة المشكلة منها وزارة التخطيط، ووزارة الصحة، ووزارة الداخلية لتفعيل الهيئات ودوائر الرقابة التي ذكرتها آنفا، اذ نرى والكلام مازال لعباس ان لا حل سوى عودة عمل هذه الجهات وممارسة دورها لتنظيم البضاعات المستوردة وتحديد صلاحيتها فضلا عن ذلك خاطبنا وزارة الكهرباء لتزويد المجمعات الصناعية بالطاقة الكهربائية اللازمة.

مدن صناعية
اما بشأن فرض الضرائب على الاستيراد فيرى المدير العام للتنمية الصناعية عباس نصر الله ان هذا الاجراء لا يتلاءم مع تـوجه البلاد في الانفتاح على الاسواق والتجارة الحرة لكن ضمن امتلاك شروط ومواصفات معينة لمن تمنح له اجازة تجارة الاستيراد وفيما يخص القروض التي تمنحها دائرة التنمية قال: انها قدمت لاجل ترميم الورش الصغيرة والمتوسطة واعادتها الى العمل وليس الغرض منها تأسيس مصنع او شراء مكائن حديثة كونها مبالغ غير كافية لمثل هذه المشاريع، فالمبالغ تراوحت ما بين (12) الف دولار و (24) الف دولار ضمن معايير حجـم المصنع او الورش واحتياجاتها مضيفا: بان الموافقة حصلت على زيادة نسب القروض من (25) الف دولار الى (50) الف دولار وسيعمل بهذه القروض باثر رجعي لاصحاب المعامل والورش الصناعية مبينا ان الهـدف من وراء ذلك استقـطاب اليد العاملة واعادة العاطلين الى اماكن عملهم ملفتا الى ان مديرية التنمية الصناعية قدمت مقترحا الى مجلس الوزراء لتخصيص مبالغ بانشاء مـدن صناعية بمواصفات عالمية من شأنها استيعاب الصناعات بمختلف انواعها والقضاء على البطالة.
 وفي ختام حديثه كرر مجددا  ان مشكلة الصـناعات المحليـة يتوقف حلها على تفعيل الهيئات الرقابية الثلاث التي كـانت تعـمـل في السـابق بكفـاءة عالية.