This site uses cookies for analytics and personalized content. By continuing to browse this site, you agree to this use.
We have updated our Privacy Notice, click here for more information Acknowledged

مسببات الكآبة لأطفـــال العـــراق
07/08/2008

 

.ناهدة محمد علي- الصباح
ذات مساء رن جرس الهاتف واذا بها صديقة قديمة اخذت تشكو لي همومها، ثم سألتني ماذا افعل لاطفال مدرستي، فكلما تحدثت مع طفل بلطف وحنان انفجر باكياً ولا يسكت حتى اظل اُطمئنه طويلاً واحاول تهدئته،

قلت لها لماذا تستغربين فكل ما حول الطفل يُثير ذلك. يعيش الطفل العراقي حالة من الكآبة المسَببة بأسباب  كثيرة ومعظمها ليست وراثية (Genetics) بل هي موضوعية خارجية تخرج عن ذات الطفل وخارج ارادة الوالدين، حيث تسببت الحروب المتتالية ومظاهر العنف المختلفة بصوره المرئية المباشرة وغير المباشرة، اقول تسببت هذه الظروف في احساس مرير بالكآبة والاحباط من العالم الخارجي، وعادة ما يكون عالم الطفل هو عالماً ملوناً وبهيجاً بسبب تكوينه البايولوجي الحديث النشأة وتفسيراته البسيطة للحياة مع تعامله التلقائي مع الطبيعة والحيوانات والالوان والبشر ومع الوالدين، وهكذا يخلق الطفل من حوله بالمقابل عالماً ملوناً يجعله ضاحكاً لاعباً مبتهجاً طوال الوقت، وتساعد بهجته هذه على خلق الدوافع لديه  لحب الحياة والدراسة والشهية للاكل والمحافظة على صحته، كما تخلق له دوافع فكرية وروحية لحسن المعاشرة مع الاصدقاء والناس بشكل عام والانفتاح على افكار الآخرين واتجاهاتهم وعدم الانغلاق والانطواء على الذات، كما ان بهجة الطفل وطبيعته تكيفه ليكون طفلاً مسالماً غير غاضب ولا حاقد بل يتعامل بشفافية مع الآخرين والاشياء ومع الذات، ولا يعاني والدا هذا الطفل من المشاكل الجمة التي يعاني منها ابوا  الطفل المصاب بالكآبة حين يتشنج هذا الطفل ويصاب من حوله بالتشنج العصبي، لكن الطفل المصاب قد يبقى فترة طويلة وهو مصاب بالكآبة ويستخدم الصمت جداراً عازلاً بينه وبين عائلته ومحيطه الخارجي، واذا ما تصاعدت كآبته تتحول الى تشنج عصبي واضح يظهر بشكل حاد جسدياً وحسياً، فهو قد يتخشب جسدياً وحسياً وينظر الى الفراغ مع حالات صراخ وغضب قد تتحول الى عدوانية شديدة تظهر على شكل عدوان سلوكي وافعال غاضبة تتمايز خطورتها من قلب الاشياء في البيت الى ضرب الاخوة والزملاء .. الخ .
أسباب الكآبة
ان اسباب الكآبة قد تكون ناتجة عن استعدادات وراثية ورهافة حسية للمصاب وقد تكون ناتجة عن ظروف خارجية تحيط بالطفل وتستمر لفترات طويلة، ونموذج الحروب والحروب الاهلية والطائفية والابادة العرقية هي مثال واضح لاحد اسباب الكآبة كما ذكرت سابقاً بالاضافة لوفاة الوالدين او احدهما او احد الاُخوة مع صعوبة الحياة اليومية والحرمان من اللعب بكل انواعه وسوء الظروف المعيشية، وتتوفر هذه الظروف جميعها للطفل العراقي وظروف حياته اليومية حالياً .
ان الطفل العراقي مُحاط بمُجمع من الظروف الموضوعية والخارجية والتي تجعل هذا الطفل منطوياَ وخائفاً طوال الوقت، فهو قد وُلِد بين البنادق والسكاكين وبين الشحة الغذائية واوضاع اجتماعية معقدة، حيث لا ملاعب ولا العاب ولا رفاق لعب، وهم ان تواجدوا فقد يختفون فجاة ومن دون سبب، غير ان هناك حقيقة واحدة وهي ان الموت يسحب العديد من هؤلاء الاطفال وبشكل بشع امام انظار

د الاطفال الآخرين .
أرقام وإحصاءات
ان فقدان الطفل لابويه وتجربته لحالة اليُتم هو احد الاسباب المهمة للكآبة، ان في العراق خمسة ملايين يتيم كما ان 65% من الاطفال من سن 15 فما فوق يصبحون مُعيلين لعوائلهم، وان 8% من اطفال العراق مصابون بامراض مزمنة و18% مصابون بسوء التغذية، كما يزيد عدد المُعاقين على 900 الف مُعاق، وتذكر  د . آمال كاشف الغطاء: (بان الكثير من العائلات العراقية لديها اطفال مُعوقون لا يستطيعون مواصلة الدراسة بعد الابتدائية).
اما الاسباب التي تخص المحيط العائلي فهناك (مليون ونصف) ارملة ومئات الآلاف من المطلقات، ويقُمن هؤلاء النساء باعالة (7 ملايين طفل)، ويضطر هؤلاء للعيش دون الحد الادنى للمعيشة، كما ان هناك (نصف مليون) مُشرد يعيشون في المخابئ والملاجئ  والابنية الحكومية المتهدمة، يتناولون الخمور والسكائر ويدمنون على المخدرات .
 كل هذا يشكل مسببات للكآبة والانطواء على الذات والتشوهات السلوكية  التي يعاني منها الطفل العراقي.
وهناك ظاهرة اخرى انتشرت مؤخراً في المجتمع العراقي وهي ظاهرة اغتصاب الاطفال رغم ان كل لوائح حقوق الانسان تؤكد ان اغتصاب القاصرين اثناء النزاعات المسلحة يُعد جريمة بحق الانسانية واعمال ابادة جماعية، وتؤكد ايضاً قرارات الجمعية العامة للامم المتحدة حول الطفولةعلى ضرورة رعاية الاطفال المشردين وغير المصحوبين واللاجئين وشملهم برعاية مؤسسات الامم المتحدة، وتقدم اليونيسيف مساعدات تُقدر بـ (100) مليون دولار، الا ان اطفال العراق ما زالوا يعيشون في احوال مزرية وهم اكثر اطفال العالم عُرضة للاذى .
تجارة الجسد
ان الوضع النفسي للطفل العراقي يسوء ويصل الى ذروة الاحباط في مجتمعه ووطنه للاسباب المذكورة سابقاً مع بروز ظواهر انحطاطية خطيرة كظاهرة (تجارة الجسد) للاطفال في بغداد والمدن الاخرى حيث توجد اماكن خاصة لممارسة الجنس مع الاطفال ويرتبط هذا بالادمان على المخدرات والذي تصاعد الى ( 11 ) الف طفل مُدمن او اكثر . ولو انتقلنا الى الاوضاع التربوية للطفل في المدارس فهي سيئة للغاية حيث ان 30% مِن مَن لم تتعد اعمارهم (17) لم يدخلوا الامتحانات النهائية، والناجحين من الطلاب 40% فقط وقد تخرج من الابتدائية سنة 2007 (220) الف طفل ثلثان منهم لم يستطيعوا مواصلة الدراسة. ان الاطفال المهجرين الى الداخل والخارج لا يستطيعون مواصلة الدراسة جراء اعمال العنف والميليشيات ويضطر الكثير منهم الى ترك الدراسة  والبحث عن سبل العمل المتدني. ان المستوى الغذائي والخدمي للطفل مُتدن ايضاً، كما يعاني هذا الطفل من سوء التغذية كما ذكرت سابقاً وهو يعاني من المياه غير الصالحة للشرب علاوة على الامراض المستعصية بسبب الاشعاعات النووية وتلوث الجو المحيط مثل انواع السرطانات وانواع الشلل وبضمنها الشلل الدماغي والصمم وفقدان النطق بشكل كلي وجزئي مع فقدان الاطراف والبصر وانتشار الامراض الجلدية وعودة الاوبئة والامراض السارية كالتايفوئيد والكوليرا.
تأثيرات العنف
يذكر الدكتور (مظفر العاني) رئيس قسم الاختبارات في مركز البحوث التربوية والنفسية في جامعة بغداد بان: (المشكلة لا تتوقف على انفجار قنبلة تؤدي بحياة الاطفال بل ان التاثيرات النفسية على الناجين ليس لها حدود، فان عمليات القتل وتصوير مقتل العشرات وقطع الرؤوس وتمزيق الاجساد تفوق جميع التاثيرات وهي تؤدي الى تاثيرات سلبية جداً على الاطفال) .ان الانفجارات التي ترصد حركة الطفل في كل شارع يعيها هذا الطفل تماماً ويعلم الآن ما يمكن ان تعمله وتسببه له ولعائلته لذا فهو في رُعب دائم.
 اعراض نفسية
واخيراً لو لاحظنا ان الظروف والاسباب المؤدية الى الكآبة هنا تبدو معظمها خارجية تخرج عن ارادة العائلة والتي تحاول ان توفر الامان لاطفالها بحبسهم في البيوت بعد الدوام المدرسي ويزيد هذا احساسهم بالكآبة وعدم الرغبة في الحياة، وحينما تنظر في وجوه هؤلاء الاطفال تجد الضياع بين حاضرٍ ومستقبلٍ مجهول ويكاد البعض منهم يتكلم بلغة كبار السن ومنطق الشيوخ وينظر الى مظاهر الموت وهو مبتسم ببرود، ولا يبقى امام هذا الطفل الا الاتجاه الى اتجاهين، فاما الصراخ الجنوني بين فترات متقطعة او الرفض الحاد لوضعه بالانحراف نحو اقران السوء ومدمني السكائر والمخدرات منذ سن 9 - 11 سنة، وفي الحالتين لا سيطرة للعائلة على هذين الوضعين وكثيراً ماتصب العائلة غضبها على الولد لتشبعه تعنيفاً وضرباً فيزيد هذا المشكلة تعقيداً ويزيد الطفل المنطوي انطواءً والمنحرف انحرافاً، وكما كانت الاسباب خارجية ومجتمعية فان الحلول يجب ان تكون مجتمعية واساسية بتغيير الظروف المسببة للمشاكل النفسية وتغيير الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية وبضمنها التربوية مع توفير الامان والطمانينة والاحساس بهذا الامان للطفل العراقي

للمهتمين برعاية الاطفال وحمايتهم