فيما يعــاني المواطنون من وطأة الحياة اليومية
بغداد - خالد القطان
يعاني اناس كثيرون من حالات مرضية البعض منها صعب ومستعص ولا يمكن علاجه داخل البلد، هذه الامراض التي جاءت نتيجة لظروف الحروب التي مرت بها البلاد والظروف الاقتصادية الصعبة التي عانت منها شرائح مجتمعية واسعة ازاء ذلك يبرز تساؤل مفاده: ماذا يفعل المواطن الذي لايستطيع تأمين مبالغ العلاج؟ وهو يعيش في دوامة من البحث بين المستشفيات والمراكز الصحية وبين المنظمات الدولية والمحلية التي تطوعت بجمع ملفات المرضى على امل ارسالهم للخارج من اجل العلاج مجانا او على نفقة الدولة العراقية، او المنظمات الاغاثية الانسانية الطوعية، ما جعل المواطنين يحثون الخطى كلما سمعوا باحدى هذه المنظمات لعلاج ذويهم في الخارج ممن ابتلوا بمرض مستعص لا يمكن علاجه في داخل العراق، وهذا مصروف مضاف اثقل كاهل المواطنين وذويهم ممن يعانون هذه الامراض.
- حالة غريبة
في تجوالنا بين اروقة قسم الصحة الدولية كانت هنالك مجاميع من ذوي المرضى يراجعون القسم لمتابعة ملفات مرضاهم للسفر خارج البلد للعلاج، تقول السيدة سندس حسين علي من محافظة ميسان والدة المريض محمد رحيم بداي ( 10 ) سنوات، وآلام التعب مرتسمة على تقاطيع وجهها بسبب مراجعاتها المستمرة وكما ذكرت لنا، الى العيادات والمستشفيات الاهلية والحكومية لعلاج حالة ابنها المستعصية والتي لم تجد لها علاج، وسردت قصتها الطويلة مع مرض ابنها، منذ اربع سنوات اجريت لابني عملية (فتق ) وبعد ان تم ختانه وبعد مدة قصيرة من الختان ذبل عضوه التناسلي ثم سقط، ما سبب فتحة في المثانة، واجريت له عمليتان جراحيتان من اجل اخراج الادرار، واضافت ان الاطباء الاختصاص عقدوا اربع لجان طبية، اكدت ان الحالة المرضية لابنها من الحالات المستعصية ولا يمكن علاجها في العراق وانها قابلت مسؤولين كباراً وعرضت عليهم حالة ابنها ومنهم الوكيل الاقدم لوزارة الصحة والدكتور رمزي رسول مدير الصحة الدولية في الوزارة، وقرروا علاج حالة ابنها في الهند، واكدت لنا انها قدمت التقارير الطبية لحالة ابنها الى قسم الصحة الدولية في وزارة الصحة منذ ثمانية اشهر، وانها انفقت على المراجعات والعمليات لابنها اكثر من خمسة ملايين دينار، وهي بحاجة الى معونة مادية.
- شعور لا يوصف
فيما ذكرت لنا السيدة دعاء عادل ستار من منطقة الكاظمية والدة المريض حيدر احمد طالب ( 5 ) سنوات، انها امضت ثمانية اشهر في المراجعات والانتظار لدورها في السفر الى سوريا ضمن الوجبة الخامسة لعلاج ابنها الاصم والابكم وزرع ( قوقعة ) في احدى اذنيه، وذكرت انها تسلمت مبلغ ( 38 ) مليون و ( 600 ) الف دينار، هي نفقات العلاج وبضمنها الاقامة والسكن ومصاريف اخرى، اما ثمن تذكرة الطائرة فهو على حساب الدولة، كما ذكرت لنا السيدة دعاء، وتوجهت بالشكر الى وزارة الصحة التي قدمت التسهيلات الكثيرة في سفرها لمرافقة ابنها للعلاج خارج البلد، بالرغم من انها لم تكن مواظبة تماما في المراجعات وانما كانت هنالك تاخيرات من قبلها كما اوضحت لنا، وقالت في بداية الامر قمنا بمراجعة احدى العيادات الطبية الاهلية لاحد الاطباء وحولنا الى وزارة الصحة بتقرير طبي موثق منه، وتأمل ان يتم علاج ابنها حتى يعود الى وضعه الطبيعي في السمع والكلام، وياخذ دوره الطبيعي في ممارسة حياته . هكذا حدثتنا السيدة دعاء وهي تتجاذب اطراف الحديث بلهفة في سماع ابنها يتكلم ويقول لها ماما، أما السيدة صابرين عبد الله التي عبّرت لنا عن فرحتها الكبيرة وهي تسمع ابنها ليث عبد الستار ( 5 ) سنوات، ينطق كلمة ماما ولاول مرة، حيث قالت : لا يمكن ان اصف شعوري وفرحي لدى سماعي ولدي الصغير ينطق بكلمتي ماما وبابا ولاول مرة في حياته وبعد خمس سنوات، اذ كان مصابا بالصمم الولادي الامر الذي يعني عدم مقدرته على السمع وبالتالي تعلم الكلام، وجاءت اللحظة التاريخية في حياته وحياتي عندما اجريت له عملية زرع ( قوقعة ) لاحدى اذنيه خارج العراق وبالتحديد في سوريا وعلى نفقة الدولة العراقية، ليستطيع من خلالها سماع الاصوات، وذكرت لنا السيدة صابرين ان اجراء العملية جاء ضمن مشروع ارسال المرضى المستعصية حالاتهم لخارج البلاد لغرض علاجهم عن طريق قسم الصحة الدولية في وزارة الصحة التي قامت بتقديم العديد من الاجراءات والتسهيلات المهمة، مثل سهولة الحصول على جواز السفر والتاشيرة من سفارات الدول المعنية بالعلاج.
- داء الذئب الاحمر
اما قحطان كاظم الاسدي فله قضية اخرى مع قسم الصحة الدولية في وزارة الصحة بخصوص علاج ابنه معاد (14) سنة، في الصف الاول المتوسط ، المصاب بمرض غريب ومستعص يسمى ( داء الذئب الاحمر) فقال : سبق وان اصيب ولدي الاول اياد عندما كان عمره (5) سنوات بمرض (داء الذئب الاحمر) وبعد علاجات متكررة لم تجد نفعا ولمدة (4) سنوات توفاه الله وهو في السنة التاسعة من عمره، والان تتكرر الحالة المرضية نفسها مع ولدي الثاني معاد، وقد راجعت قسم اللجان الطبية التابع للصحة الدولية في وزارة الصحة واخبروني ان مرض ابني غير مدرج ضمن الامراض التي تعالج او التي ينظر بعلاجها خارج البلد لان مرضه غير عضوي، وحسب ما اخبروني انهم يرسلون المصابين بامراض عضوية مستعصية لتلقي العلاج خارج العراق، ما دعاني الى ارسال التقارير الطبية التي تشخص حالة ولدي الى مركز ( الهاشمي ) العائد للدكتور محمد الهاشمي في سلطنة عمان من اجل علاجه وعلى حسابي الخاص، حيث يكلف علاجه بالاعشاب الطبية مبلغ ( 8 ) ملايين دينار ، وعلى دفعتين وكل دفعة (4) ملايين، وحيث انني لا املك هذا المبلغ اضطررت الى بيع داري من اجل علاج ابني، وارسلت الدفعة الاولى من المبلغ . وتابع الاسدي حديثه والالم يعتصر قلبه على ولده الذي يعاني المرض، قائلا : لقد حصلت على موافقة مكتب رئيس الوزراء باحالة ولدي الى هيئة الهلال الاحمر لغرض علاجه او ترتيب سفره خارج العراق للعلاج، لكن ظهور حالات الفساد الاداري والمالي في هذه الهيئة اعاقت وصول التقارير الطبية بحالة ولدي اليها، او ربما ان التقارير قد وصلت الى الهيئة وربما خصصت مبالغ معينة باسم ولدي لعلاج حالته المرضية من دون اعلامنا، لانهم يدعون ان اضبارة ولدي المريض (معاد قحطان كاظم الاسدي) لم تصل الى مقر الهيئة، برغم من مرور ( 4) اشهر على وصول كتاب مكتب رئيس الوزراء الى بيتي وتسلم نسختي لمراجعة الهيئة، ويأمل والد المريض قحطان الاسدي ان تكون هنالك مساع طبية انسانية لعلاج فلذات اكبادنا بالتعاون مع بعض المسؤولين من اصحاب الاختصاص والغيرة.
- علاج (1800) مريض
حملنا ما في جعبتنا من هموم ولهفة ذوي المرضى بعلاج الحالات المرضية التي يعاني منها ذووهم الى الدكتور رمزي رسول منصور، مدير قسم الصحة الدولية في وزارة الصحة، فقال : منذ حزيران 2007 بداية انطلاق ارسال المرضى من الحالات المستعصية والتي لا يمكن علاجها في الداخل ولغاية حزيران 2008 تم ارسال اكثر من (1800) مريض ونفس العدد من مرافقيهم الى مستشفيات ومراكز طبية خارج العراق، لغرض اجراء تداخلات جراحية للحالات المرضية التي لا تتوفر فرصة لعلاجهم داخل العراق، شريطة ان تكون نسبة الاستفادة من التداخل عالية، وقد تجمع لدينا قبل البدء بالمشروع اكثر من (7500) ملف لحالات مختلفة وتمت غربلة هذه الملفات واعادة تقييمها عند البدء بالمشروع من خلال لجان طبية متخصصة للحالات المشمولة وهي عمليات جراحة القلب للاطفال والكبار وزراعة (قوقعة) الاذن للاطفال، وزراعة قرنية العين،وعمليات المفاصل لاسيما عمليات تبديل مفصل الورك والركبة وبعض العمليات المتفرقة الاخرى، وان الوزارة تتعامل فقط مع المستشفيات والمراكز الطبية في دول الجوار (الاردن ، سوريا ، ايران) اضافة الى جمهورية الهند، ويرافق المرضى اطباء اختصاصيون الى تلك الدول وفق برنامج منظم، وتتحمل الوزارة جميع النفقات في السفر والعلاج والاقامة والصرفيات الاخرى للمريض ولمرافقه، وندرس حاليا من خلال اللجنة العليا المشرفة على علاج المرضى خارج العراق، ارسال المرضى الى بلدان اخرى . واضاف الدكتور منصور : ان قسم الصحة الدولية اعد آلية جديدة وناجحة لاستقبال المراجعين وتنظيم ملفاتهم ومساعدتهم للحصول على جوازات السفر بالتعاون مع دائرة الجوازات ومساعدتهم في الحصول على التأشيرة (الفيزا) وكذلك في حجز تذاكر السفر.
- (100) مراجع يوميا
وعن المعايير والضوابط التي يعتمدها قسم الصحة الدولية في ارسال المرضى للعلاج خارج العراق، قال منصور : ان المعايير والضوابط قد حددتها اللجنة العليا المشرفة على علاج المرضى خارج العراق، التي يترأسها الوكيل الاقدم لوزارة الصحة، وهي تعمل على وفق توجيهات رئيس الوزراء ووزير الصحة، والتي تؤمن علاج المرضى العراقيين خارج العراق في مستشفيات ومراكز طبية مرموقة ومتطورة في المجالات الطبية، وعلى نفقة الدولة العراقية بشكل كامل . وهنالك اعداد كبيرة من ملفات المرضى قدمت الينا وتمت مراجعتها واعادة تقييمها وتقارب اعدادها (7500) ملف، ونتسلم شهريا بحدود (300 - 400) ملف، ونحاول التعامل معها بآلية منظمة ومبرمجة، ونعمل الان على بناء قاعدة معلومات رصينة لتسهيل الاجراءات، ونستقبل يوميا بحدود (100) مراجع، تتم الاجابة على اسئلتهم واستفساراتهم ويتم تنظيم ملفاتهم ومساعدتهم على تسهيل اجراءات سفرهم.
- نسب نجاح عالية
اما عن نسب النجاح التي تحققت في هذه العمليات الجراحية التي اجريت للمرضى خارج العراق، قال منصور : ان نسب النجاح في هذه العمليات عالية جدا، ولا تكاد تذكر حالات الفشل، ومستوى الانجاز جيد جدا، لاسيما ان الحالات المرضية المرسلة الى الخارج هي حالات صعبة والبعض منها مستعصية، والاجراء الجراحي بشكل عام للعمليات الكبرى وفوق الكبرى تصاحبه نسبة من الخطورة. وعن الصعوبات والمعوقات التي تواجه عمل قسم الصحة الدولية، قال: ان طبيعة عملنا الانساني تجعلنا لا نهتم للصعوبات والمعوقات التي تواجهنا، ونحن مسرورون في انجاز اعمالنا ونفرح لسفر كل وجبة من المرضى، لاسيما الاطفال منهم، ونحزن عندما تتأخر اجراءات تاشيرة السفر (الفيزا) او تتاخر الطائرة بسبب الظروف الجوية والعواصف الترابية، واحيانا بسبب منع التجوال او الظروف الامنية الطارئة، لان ذلك يعني تأجيل وتاخير وجبة من المرضى، وهم قادمون من جميع محافظات العراق، ما يتطلب جمعهم ثانية وتغيير حجوزات الطيران، وكل ذلك ينجز بالاتصال الهاتفي مع المرضى وذويهم، وعملنا هذا ينفذ بأقل من (15) موظفاً وموظفة، هم الجنود المجهولون القائمون على الاخلاء الطبي وباسناد من وزير الصحة الذي يتابع شخصيا هذا المشروع، فضلا عن العمل الجاد لاعادة تقييم النظام الصحي الذي سينعكس ايجابا على تحسن وتقدم الخدمات الطبية والصحية في عموم مناطق العراق.
- بناء القدرات الوطنية
وعن الخطط والبرامج المعدة لمعالجة بعض الحالات المرضية التي ترسل الى الخارج، داخل العراق، قال رئيس قسم الصحة الدولية : برامج الوزارة وخططها وتوجيهات الوزير باتجاه الاعتماد على الذات العراقية، وبناء القدرات الوطنية، واعادة البنى التحتية للقطاع الصحي، لكي يتمكن من التعامل مع جميع الحالات المرضية وعلاجها داخل العراق، وكان من نتائج هذا التوجه قيام الاطباء العراقيين بعمليات التحفيز العميق للدماغ وزراعة (قوقعة) الاذن وعمليات قص السائل الزجاجي الذي يصيب العيون، وتبديل مفصل الورك، وبعض عمليات جراحة القلب المفتوح، ونتوقع خلال العام القادم تطورا اكبر في اجراء العمليات الجراحية التي ذكرناها، لاسيما ان الوزارة تدعم الاطباء الجراحين، وهنالك حوافز مادية ومعنوية لهم، وتشجيع عن طريق فرص التدريب خارج العراق، وكل هذا يصب في الاسراع بعودة الاطباء الذين هم في الخارج، الى الوطن.
وذكر لنا الدكتور منصور، ان لقسم الصحة الدولية مسؤوليات ومهام اخرى، وهي التنسيق مع جميع الجهات الخارجية، بضمنها المنظمات الدولية المدنية غير الحكومية ومنظمات الاغاثة والدول والسفارات، وارسال الوفود للاشتراك بالمؤتمرات والمحافل الدولية والتدريب خارج العراق، وتنظيم الايفادات وابرام مذكرات التفاهم مع الدول والمنظمات الدولية، فضلا عن الاخلاء الطبي، وارسال المرضى خارج العراق لتلقي العلاج.