نيوزماتيك/ بغداد
في بيت متواضع أعيد تأهيل غرفه لتكون أحداها قاعة للدرس والأخرى للتدريب على الحاسوب بمنطقة الصناعة وسط بغداد حيث تجمعت أكثر من 25 أرملة معظمهن من الشابات، ليبدأن يومهن الأول في مركز تدريب وتشغيل الأرامل الذي يعتبر الأول في بغداد.
أم أحمد أو كما طلبت أن تنادى، والتي أكملت عقدها الثالث قبل عام، فقدت زوجها في العنف الطائفي الذي اجتاح وسط البلاد صيف عام 2006، قالت وهي تلملم عباءتها السوداء "منذ سنتين أعيش أنا وأطفالي الثلاثة على مساعدات الأهل والمعارف ذوي النفوس الصالحة، ولم أتمكن من ممارسة أي عمل بسبب عدم إكمالي دراستي".
وأوضحت أم أحمد في حديث لـ"نيوزماتيك" اليوم الخميس أنها "سمعت من بعض معارفها عن افتتاح مركز لتدريب الأرامل على إتقان بعض المهارات ومن ثم توفير فرص عمل لهن، لذا سارعت لتسجيل اسمي في المركز، الذي أعتبره الخطوة الأولى لبناء حياتي من جديد وتوفير الرزق لأسرتي بنفسي ولأول مرة".
المركز، الذي أفتتح بمعونة قدمتها وزارة الخارجية الأمريكية، يعتبر باكورة مشاريع أخرى للاهتمام بالنساء العراقيات اللائي فقدن معيلهن، وخصوصا الأرامل، بعد أن تزايدت أعداد هذه الشريحة جراء الحروب وأعمال العنف التي ضربت البلاد خلال الثلاثين سنة الماضية.
وقالت إحدى المسؤولات عن مشروع تأهيل وتدريب وتشغيل الأرامل إيمان عبد الرحمن حسين، إن "المعهد افتتح مركزا مشابها في مدينة البصرة لكن بمعايير قبول تختلف عن التي حددت في بغداد، والتي اشترطنا أن تكون الأرامل بين سن 18-40 عاما، ومستوى دراسي يجب أن لا يقل عن الصف الثاني متوسط".
وتؤكد المسؤولة أن "اشتراط المعهد لمستوى دراسي معين يتراوح بين الصف الثاني متوسط والسادس الإعدادي في بغداد وجد لأن المنهاج الموضوع لتدريب الأرامل مركز ومتطور عن المنهاج الذي وضع في البصرة، المخصص للنساء غير المتعلمات، والذي يبتدئ بتعليم الكتابة والقراءة والتدريب على بعض المهن البسيطة كالخياطة والحياكة".
وأوضحت المسؤولة أن "مدة التدريب في المركز البالغة أربعة أشهر ستشمل مائتي أرملة كمرحلة أولى، ستقسم على أربعة مناهج مختلفة تتمثل في التدريب على إدارة رياض الأطفال، وكيفية مسك الدفاتر الحسابية للنساء اللواتي سيستلمن قروضا للمشاريع الصغيرة، ودورات مختصة بالحاسوب، والشهر الأخير سيكون لتعيلم مبادئ اللغة الانكليزية المستخدمة في الحاسوب وبعض المراسلات البسيطة".
المشروع كما تقول عبد الرحمن "لن يترك الأرامل بعد انتهاء فترة التدريب دون متابعة، بل سيوفر فرص العمل المناسبة لهن في الاختصاصات المناسبة، وفي القطاعين الخاص والعام"، مشيرة إلى "حصول اتفاق مع وزارة العمل والشؤون الاجتماعية لتزويده الأرامل بالمهارات اللازمة لإدارة بعض رياض الأطفال التي من المؤمل أن تفتحها الوزارة، فضلا عن توفير قروض صغيرة للراغبات بفتح مشاريع خاصة بهن".
ولفتت رئيسة لجنة المرأة والأسرة والطفل في البرلمان العراقي سميرة الموسوي إلى أن "الانجاز المتحقق بفتح مركز تدريب وتشغيل الأرامل، هو جهد استمر لمدة عام بين اللجنة والمعهد العراقي، لتحديد آليات العمل والشريحة المستهدفة حسب الفئات العمرية والمستوى الدراسي، ولمن ستكون الأولوية، والذي اختتم بافتتاح المشروع الذي ستتوالى وتتطور مراحله بشكل مستمر".
واعتبرت النائبة سميرة الموسوي أن "المشروع هو الخطوة الأولى والصحيحة التي يجب أن تحتذي بها بعض الوزارات التنفيذية ومنظمات المجتمع المدني، لسد الحاجة لتأهيل شريحة الأرامل، التي سيرعاها مستقبلا مقترح قانون لرعاية المرأة التي بلا عائل، والذي سيضع التعليمات والإجراءات التي ستنفذها الوزارات المعنية لخدمة هذه الشريحة".
وأبدى المجلس البلدي في الكرادة الذي يقع المركز ضمن رقعته الجغرافية، دعمه لإنشاء مركز تدريب وتشغيل الأرامل، عبر توفير قاعدة بيانات عن النسوة المشمولات بالرعاية في هذا المركز، فضلا عن فتح قاعات المجلس البلدي لاستخدامها من قبل المركز لتنفيذ برامجه".
وقال رئيس المجلس البلدي في الكرادة محمد الربيعي في حديث لـ"نيوزماتيك" إن "عدد النساء اللائي فقدن معيلهن بين أرملة ومهجرة في منطقة الكرادة يبلغ 10 آلاف امرأة من بين نصف مليون امرأة تم إحصائهن في عموم مناطق العراق".
ويرى الربيعي أن "تأسيس مركز للتدريب يوفر فرص عمل للنساء الأرامل يعتبر تقدما كبيرا لدعمهن عبر منظمات المجتمع المدني"، لافتا إلى أن "الدعم سابقا لهن، كان يركز على أعمال الإغاثة وتقديم المعونات والمساعدات دون توفير فرص للعمل لهذه الفئة عبر التدريب والتأهيل لوظائف معينة".
من ناحية أخرى، عبرت بعض الأرامل المسجلات في المركز عن تخوفهن من أن يكون المشروع كغيره من مشاريع منظمات المجتمع المدني، التي يكون من يشرف عليها دائما هو المستفيد الأول والأخير من دعم هكذا مشاريع، التي تكون قوية في بدايتها ثم يتراخى العمل فيها شيئا فشيئا.
وعند الباب الرئيسي للمركز بدت أم صالح، 37 سنة التي قتل زوجها في انفجار في منطقة ساحة الطيران وترك لها أربعة أبناء، غير متفائلة بتأكيدات القائمين على المركز بتوفير فرصة عمل لها إن هي اجتازت فترة التدريب، وقالت وهي تمسك طرف عباءتها السوداء بأسنانها، "انا أتمنى أن تكون هذه التجربة غير مخيبة لي كبقية تجاربي مع منظمات المجتمع المدني، والتي طرقت أبواب عدد منها خلال السنتين الماضيتين، وأحسست أن العاملين فيها يستغلون معاناتنا لللحصول على أكبر قدر ممكن من التمويل، غير عابئين بفقدان زوجي، والذي بموته ظلمتني الحياة أنا وأبنائي وتركتنا دون معيل".
يذكر أن المعهد العراقي، والذي هو منظمة مجتمع مدني تهتم بقضايا حقوق المرأة وإشاعة الأفكار الديمقراطية ومكافحة الفساد الإداري، هو المعهد الذي قام بتنفيذ مشروع تأهيل وتدريب وتشغيل الأرامل، وفي الوقت نفسه الجهة التي تشرف عليه حاليا.