يتعلق طفل صغير بذراع مضخة المياه في أحد أحياء بغداد الفقيرة. وتثمر جهوده ما يكفي أسرته وأسر الاطفال المنتظرين قربه لملء آنية طهي حتى اليوم التالي. انه روتين يومي لملايين العراقيين لا تصلهم كميات كافية من الماء النظيف، وليس لديهم صرف صحي مناسب، بعد خمس سنوات من الاحتلال الأميركي.
والمياه والصرف الصحي تحديان مستمران في هذا البلد الذي عرقلت سنوات الحرب والحصار والاهمال اصلاح مرافقه العامة المتهالكة. ويصرف نحو بليون ليتر من مياه الصرف في قنوات مائية في بغداد كل يوم.
وتقدر الأمم المتحدة ان مياه الشرب تضخ الى منازل ما يقل عن نصف عدد العراقيين من سكان المناطق الريفية. وفي العاصمة يضبط السكان الساعات لتوقظهم في منتصف الليل لملء الخزانات حين يقل الضغط على المياه. وبدأت الاستثمارات في المياه والصرف الصحي تؤتي ثمارها ببطء، فيما يسعى العراق الى استغلال الانخفاض الحاد في اعمال العنف في العام المنصرم.
ويعمل مسؤولون عراقيون وأميركيون على اصلاح محطات المياه وشبكات توزيعها، ومحطات الصرف القائمة. ولكنهم يقولون ان تحسين البنية التحتية بشكل كبير سيستغرق سنوات.
ومنذ 2003 انفقت الولايات المتحدة حوالي 2.4 بليون دولار على قطاع المياه والصرف الصحي. والآن تتولى الحكومة العراقية تمويل مشاريع البناء الرئيسية، غير ان البنك الدولي قدر المبالغ المطلوبة بحوالي 14 بليون دولار على الأقل.
وفي المبنى الذي تقيم فيه سهاد محمد، شرق بغداد، لا يصل الماء الى الطوابق العليا. وفي كل صباح يساعدها زوجها وابنها في ملء اباريق من البلاستيك من صنبور عمومي في الأسفل ويصعدون بها الدرج. وتقول: «يزداد الأمر تعقيدا في الصيف».
كما ان نقص المياه يسبب مشاكل صحية.
وتؤكد الأمم المتحدة ان حالات الاسهال الحاد تشيع في شرق بغداد، حيث مشكلة المياه اكثر تعقيداً، وتزيد في هذه المنطقة ثلاث مرات عنها في باقي المدينة. كما شهد هذا الجانب من المدينة عدداً أكبر من حالات الاصابة بالكوليرا. وذكر مسؤولون أن شبكة المياه ظلت مهملة لعقود في ظل حكم صدام وأنها غير مجهزة لملاحقة النمو السريع للسكان في العاصمة. كما ان الكهرباء التي لا تأتي الا لبضع ساعات كل يوم مشكلة رئيسية أخرى. ولم تصمم أنظمة الدعم بمحطات المياه للعمل بالوتيرة التي يجري تشغيلها بها.
وقال صادق الشمري، المدير العام لمرفق المياه في بغداد «كل انقطاع للكهرباء حتى ولو لبضع دقائق يؤخر انتاج المياه لثلاث ساعات». وأضاف ان ضخ المياه يصل الى حوالي 2.8 مليون متر مكعب في بغداد وهذا يقل كثيراً عن الطلب اليومي البالغ أربعة ملايين متر مكعب. كما ان حالة الصرف الصحي في محافظة بغداد أكثر قتامة.
وذكر مسؤول في السفارة الاميركية، طلب عدم نشر اسمه، انه «لم يكن هناك تركيز كبير من النظام (السابق) على الآثار البعيدة المدى للصرف على ضفاف الانهار».
وتشير الامم المتحدة الى ان مياه الصرف التي تتسرب الى مصادر المياه وتلقى فيها لها «آثار خطيرة» على صحة العراقيين وعلى البيئة.
وثمة اهدار واستخدام غير قانوني لإمدادات المياه، كما هو الحال في توزيع الكهرباء والخدمات الأساسية الأخرى. وشكا مسؤول في بغداد من أن «هناك من يسرق المياه من الانابيب ويستخدم مياه الشرب لري الحدائق وملء بحيرات الاسماك. بل وتستخدم المياه في غسيل السيارات. المياه المهدورة يمكن استخدامها في المناطق التي تعاني من النقص بالفعل».
وعند الحافة الشمالية لمدينة الصدر، وهي حي فقير، يشير رجل يدعى علي عبر فناء تغطيه الاتربة والمخلفات الى قناة غير نظيفة يستحم فيها هو وابناؤه. ويضحك بمرارة قائلاً: «الماء قذر. ولكن ماذا بوسعنا ان نفعل. ليس لدينا بديل آخر». ويضيف: «نحن وأمثالنا الذين يكسبون ثلاثة أو اربعة دولارات يوميا ننفق كل المال على المولدات»، في اشارة الى شبكة مولدات غير رسمية في الحي تمده بالكهرباء حين ينقطع التيار.
ولا تزال محطة معالجة المياه في مدينة الصدر التي افتتحت حديثاً في المرحلة التجريبية ويتوقع ان ترفع امدادات المياه للحي كثيرا حين تعمل بالكامل. ويجري تنفيذ مشاريع بناء وتجديد أخرى، ويقول مسؤولون في الحي ان كمية المياه التي تنقلها الشبكة ارتفعت كثيرا بالفعل. قال مسؤول اميركي آخر: «حالما نبني محطات جديدة ونمد شبكات جديدة سيسعنا خدمة عدد أكبر من الناس. الأمر بسيط ولكنه يستغرق وقتاً».
وأكد فينود الكاري وهو خبير في المياه والصرف الصحي في صندوق الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) ان الحكومة والأمم المتحدة وبعض وكالات الاغاثة توزع المياه من عربات صهريج في اكثر مناطق بغداد احتياجا.
وانتقد الحكومة العراقية لتباطؤها في انفاق الاموال المخصصة في الميزانية لمشروعات اعادة البناء الحيوية. وقال: «لديهم الموارد الآن على ما يبدو ولكن يتحركون ببطء لاستغلال هذه الموارد». وتابع: «ولكن المهمة ضخمة. حتى مع توفر المال اللازم. فإنها تستغرق وقتاً».