شباب العراق.. من أتون الحرب الى حركات التطرف
بغداد - علي السومري
لم يكن (علي) يتوقع ان يستمر به الحال على هذا المنوال، متسمرا ً امام التلفاز بانتظار اعلان ما يخبرهم بضرورة توجههم الى الاماكن التي قدموا فيها اوراقا ً للحصول على عمل منذ اكثر من اربعة اشهر وهو الذي لم يمض على تخرجه من المرحلة الاعدادية سوى عام واحد.ذلك الانتظار اللامجدي بحسب علي ناصرالموسوي (23) سنة يشاركه الكثيرون فيه. الكثير من شريحة الشباب في العراق الجديد ما زالت ترى ان المتغيرات الكبيرة التي حدثت في العراق وأدت في النهاية للخلاص من النظام الدكتاتوري، لم يكن لها وهي الشريحة الأهم حصة فيها، اذ لا يعتقد البعض منهم بجدية عمل الحكومة في توفير بيئة ثقافية تستطيع منحهم مستقبلاً أفضل، وهو ما جاء على لسان (الموسوي) الذي انتقد عمل بعض الوزارات في منحها الوظائف لبعض المعارف او مقابل تسديد مبالغ تتراوح بين الـ (500 - 800) دولار للحصول عليها، حيث قال: ( كيف تستطيع الحكومة مساعدتنا وهي لا توفر لنا فرص عمل حقيقية للنهوض ببلدنا ومستقبلنا، لقد عرضت عليّ فرص عمل كثيرة مقابل دفع مبالغ نقدية في الحراسات او موظفين في بعض الوزارات وتعهد لنا السماسرة بالتعيين خلال شهر) مضيفا ً: (لكننا لم ندفع المال اولا ً لأننا لا نمتلكه وثانيا ً لأننا ضد مثل هكذا مقايضات رخيصة ).
(الموسوي) حتى اللحظة ينتظر وهو ما يفعله كل يوم قرار التعيين في امانة بغداد التي تقدم اليها بطلب وظيفة مع اصدقاء له منذ شهر نيسان الماضي .
وقود للموت
العام 2003 كان عاما ً استثنائيا ً بحق وهو ما يؤكده العديد من الشباب، اذ يعدونه مفصليا ً في حياتهم وذلك لأنهم يصفونه خطا ً بين حياتين ، فقبل هذا العام كان الشباب هم أفخر انواع الوقود التي كانت يشغلها الطاغية في حربه لانتاج الدخان، وبعده كانت فئة الشباب هم الوجبة التي يتقاتل من اجلها الارهابيون لكسبهم لجانبهم من أجل تدمير العراق مستغلين الظروف القاسية التي عانوها - الشباب-، وهو ما اشار اليه حيدر عبد الزهرة الخزعلي (18) سنة في جوابه عن سؤالنا عن الدافع لانجراف الكثير من الشباب للموت من اجل اللاشيء، اذ قال: (حكومة البعث كانت تجند الكثير من الشباب للمشاركة في الحرب او تنظمهم في الفرق الحزبية ليعملوا كجواسيس على عوائلهم وكانوا يستخدمون القوة والتهديد لأقناع الشباب بهذه المهمة مقابل مكاسب لا قيمة لها، حتى ان الكثير من الشباب تركوا دراستهم وانتظموا في هذه المؤسسات البعثية التي فرخت (فدائيو صدام وغيرهم) وتابع الخزعلي: (ولهذه الأسباب تردت المسيرة التربوية حيث وجد الطالب نفسه بين حربين، إما ان يذهب ويكون احد تلك التنظيمات المسعورة أو ان يبقى في التعليم لا للتعليم بل لكي يحمي نفسه من ان يكون وقودا ً للحروب المتوالية) مضيفا: (ولم يختلف الحال بعد هذا العام (2003) اذ رأينا وعلى شاشات التلفزيون شبابا ً صغاراً قاموا بعشرات الجرائم مقابل مبالغ زهيدة، مبررين اعمالهم الوحشية تلك لحاجتهم للمال).
(الخزعلي) أعاب على الحكومة افتقادها لبرنامج واضح لتأهيل الشباب من الخريجين أو الطلبة في فترات العطلات الصيفية، وذلك لتثقيفهم وتعريفهم باهمية دورهم في مستقبل وطنهم، الذي قال عنه - البرنامج - ان لم يتم بسرعة سيكون هناك الكثير من الشباب لا ينتمون لبلدهم سوى بالاسم .
ماء المعرفة
(الحاجة الى مراكز ثقافية تنتشر في عموم العراق هو هدف مهم يجب تحقيقه) بهذه الجملة ابتدأت رنا احمد (21) سنة حديثها عن دور الشباب ومستقبلهم في العراق، موضحة: ان شريحتهم عانت الأمرين وفي نظامين مختلفين وهو ما تجده مفارقة مبكية، حيث قالت: ( كان النظام المباد يعامل الشباب مثل الخراف يكبرهم لكي يذبحهم في الحروب، اما الان فالحكومة الحالية تتركنا مجهولي المصير نشعر بالوحدة والاغتراب وسط هذا المدّ الديني المتطرف والذي يعاملنا بقانون (معي ام ضدي)، والذي بسببه انجرف الشباب ليتعلموا القتل والتهجير، بعد ان تحولت ادمغتهم الى غرف خاوية فارغة لا تشم فيها سوى رائحة الدم المتعفن).
وقت الانتخاب
شبان كثر ابدوا امتعاضهم مما يحصل على الساحة السياسية من تناحر وتسقيط من اجل مكاسب معينة، مبدين استغرابهم من الشعارات التي يطلقها هؤلاء الساسة المطالبة بانقاذ شريحة الشباب وضرورة الاهتمام بهم والتي قالوا عنها انهم لا يسمعون بها الا عند الانتخابات او عند حدوث مشكلة لأحدهم - السياسيين - .احسان كاظم خلف (19) سنة يقول: (لقد كرهنا السياسة جدا ً بعد ان تبين لنا انها لعبة قذرة يكون فيها المواطنون ليسوا الا ادوات تستخدم لأكثر من مرة من دون رعاية، وما ان تنتفي الحاجة لهم يكدسون مع معاناتهم على رفوف النسيان).(خلف) تمنى ان تستطيع الحكومة الوفاء بوعودها في رعاية الشباب وتوفير الفرص لهم ليكونوا قادة حقيقيين في المستقبل، وان تبدي وزارة الشباب اهتماماً اكبر بهذه الشريحة ولا تنتظر ان يأتوا اليها في مقر الوزارة، بل ان عليها - بحسب خلف - ان تذهب للبحث عن المشاكل وحلـّها من دون كلل او ملل لأنها مهمتهم التي تشرفوا بها .
أبواق المال
في حين عبر خالد راضي محمد (22) سنة عن سعادته بتسليط الضوء على ما يعانيه الشباب اليوم، مبينا ً بأن لهذه الشريحة اليوم حقوقاً حصلت عليها بعد 2003 لم تكن تحلم بالحصول عليها ومنها تأسيس منتديات ومؤسسات ثقافية والعمل بحرية ومن دون رقابة، لكنه أعاب على عمل بعض تلك التجمعات والتي قال عنها بانها اساءت لهذه الشريحة وتجمعاتها بعد ان تحولوا لشحاذين يطرقون ابواب السياسيين ورجال الدين للحصول على بعض المال وبالمقابل يقدمون خدماتهم بالعمل كابواق لهم يروجون أفكار وسياسة من يدفع أكثر، مطالبا ً الحكومة ممثلة بوزارة الشباب بان تقوم بمعسكرات ورحلات كشفية داخل البلد بالتنسيق مع وزارتي التربية والتعليم العالي. مابين توفير فرص عمل طالب بها (الموسوي) أو العمل على انقاذهم من اتون الحروب وهو ما تمناه (الخزعلي) أو بناء مراكز ثقافية وتنظيم رحلات كشفية وهي احلام (رنا وخالد) أوحتى لا يكونوا متشددين يقفون ضد كل تحركات السياسيين كما هو حال (خلف)، ستظل الحكومة مطالبة بتوفير كل ما تستطيعه وهي القادرة بما تملكه من ثروات العراق على تحقيق اهداف رجال المستقبل وعصا البلد التي ستهش عن حقوله افكار التطرف بكل اشكاله الديني والسياسي.