This site uses cookies for analytics and personalized content. By continuing to browse this site, you agree to this use.
We have updated our Privacy Notice, click here for more information Acknowledged

العملية التربوية تغرق في مستنقع الدروس الخصوصية
28/08/2008

 

بغداد - نجلاء الخالدي- الصباح
يستقبل"قيس خضير" وهذا ليس الاسم الحقيقي لمدرس مادة الفيزياء في احدى ثانويات "بغداد الجديدة" بمنزله الذي انتقل اليه مؤخراً ثلاثين طالبا في اليوم يتم توزيعهم على شكل وجبات صباحية ومسائية,ولا يلبث الاستاذ"قيس" أن يلتقط أنفاسه من حصص المراجعات النهائية  للعام الدراسي المنصرم حتى يبدأ الطلاب الجدد في حجز مواعيدهم للعام الجديد..
ازدياد عدد الطلبة الراغبين بالتدريس الخصوصي هذا الموسم دفع "خضير" الى ابتكار اساليب جديدة في عمليات الحجز بينها على سبيل المثال أنه قام بفتح  مكتب وتعيين سكرتارية لجمع الحصيلة، وتنظيم الدخول والخروج وإحضار "الملازم "من المطابع، ويتحكَّم في كلِّ هذه المهام برنامج كمبيوتر تديره زوجته مقابل مرتب مقطوع مقداره ربع كيلو غرام من الذهب شهريا.
 والاستاذ" قيس"ليس الوحيد من بين عشرات "المدرسين الخصوصيين"الذين يتصارعون فيما بينهم  لجمع أكبر قدرٍ ممكن من قوت الأسر المنكوبة بالدروس حتى إن بعضهم يقوم بتوزيع إعلانات ورقية و"بوسترات" تحمل أسماءهم وأحيانًا صورهم، والمواد التي يُدرسونها ومعها رقم "التلفون المحمول" مثل أي سلعةٍ تعرض في محل اذ  ان بعضهم تمكَّن من تحقيق شهرة  تفوق شهرة "ابطال المسلسلات المدبلجة"كما ان بعضهم استغنى  تمامًا عن الوظيفة ""الحكومية" واحترف الدروس الخصوصية , ولا يتوقف عمله هذا على تحقيق دخلٍ معقولٍ أو زيادة ضرورية يحتاج إليها بل تحول الأمر إلى "تجارة"  مربحة ,بالإضافةِ إلى تكوين ثروةٍ لا بأسَ بها تمكنه من شراء الأملاك والسيارات الفارهة, وهذا الأمر يدعونا إلى أن نُسمِّي ما يحدث هذه الأيام بـ"العصر الذهبي لمدرس الخصوصي"، فالأموال تهطل عليهم كالأمطار مثلهم مثل "تجار جميلة والشورجة" ، فالدروس مستمرة صيفًا وشتاءً، وأحيانًا دون حاجةٍ إلى شيءٍ سوى رغبة الأهالي في الشعور أنهم قدَّموا لأبنائهم كلَّ ما يستطيعون.
أسئلة عديدة تطرح نفسها بقوةٍ مع بدء الموسم الدراسي المقبل  تحاول "اسرة ومجتمع" الإجابة عليها في هذا التحقيق أهمها: كيف تجري الأمور في سوق الدروس الخصوصية؟
 وهل هناك أمل في توقف هذه السوق؟ وما هي؟ أسعارها؟
فرص للعيش
يقول الدكتورعبدالكريم محسن "معاون عميد الكلية التربوية المفتوحة"اخذت ظاهرة الدروس الخصوصية بالانتشار في السنوات الاخيرة لا سيما في حقبة التسعينيات من القرن الماضي ، وقد كان وراء ذلك أسباب كثيرة من بينهاالوضع المالي والاقتصادي السيئ الذي جعل المعلم و المدرس يبحثان عن فرص للمعيشة، وقد وجد في الدروس الخصوصية مصدرا جيدا لتحسين واقعه الاقتصادي الامر الذي انعكس سلبا على واقع العملية التربوية اذ ان بعض ضعاف النفوس كانوا يفرضون على الطلاب الالتحاق بالدورات أو الدروس الخصوصية التي يقومون بتنظيمها في منازل الطلبة أو منازلهم الخاصةفضلا عن ان بعض اولياء الامور أنفسهم يدفعون باتجاه الدروس الخصوصية إذ ان رغبتهم في حصول ابنائهم على معدلات جيدة تؤهلهم للقبول في كليات مثل الطب والهندسة والقانون .
اضافة الى  ضعف المستوى العلمي لبعض المدرسين نتيجة لضعف واضح في اعدادهم وتأهيلهم كان وراء حاجة بعض الطلاب الى الدروس الخصوصية وعدم استقرار الملاك التدريسي في المدرسة اذ يتعاقب على تدريس بعض المراحل الدراسية  ثلاثة او اربعة مدرسين في العام الدراسي الواحد الامر الذي يجعل الطالب  في وضع لا يحسد عليه وهو ما يضطره الى الذهاب الى المدرس الخصوصي الذي يجد ضالته فيه.
ويرجح الدكتور عبدالكريم اسباباً اخرى دفعت  بالطلاب  "الى الدرس الخصوصي " من بينها خبرة بعض المدرسين ممن يتعاطون الدروس الخصوصية في تبسيط المادة وتلخيصها وتدريس الطلاب لفترة الامتحان فقط بمعنى انه يعده لساعة الامتحان ولا يرفع من مستواه العلمي وهو ما جعل الطلاب الباحثين عن فرصة للنجاح الذهاب اليهم.
ضعف الأداء الحكومي
ويعد الدكتور عبدالكريم ضعف الاداء الحكومي وغياب دور وزارة التربية في مراقبة المدارس ومتابعة سير التدريس احد الاسباب الرئيسة التي ساهمت في  انتعاش ظاهرة الدروس الخصوصية خلال العقود الاخيرة  اذ ان اشرافهم وصل الى مرحلة من الضعف بحيث ان المدرس الخصوصي يعمل بمرأى ومسمع من مدرسته ومديريته.
ويتابع :ان القضاء على ظاهرة الدروس الخصوصية تتطلب جهودا حثيثة من وزارة التربية والحكومة بصورة عامة فضلا عن دور المواطنين في محاربة هذه الظاهرة اذ لا يعقل ان هناك صفوفا يتجاوز عدد طلابها "60 " طالبا ما يجعل فرصة متابعة الطلاب صعبة ولا تتحقق منها العدالة وهو ما يجعل الطالب في حاجة الى الدروس الخصوصية.
رفضوا الحديث 
ورغبة منا في توسع دائرة الاستطلاع والوقوف على كل جوانب ظاهرة الدروس الخصوصية وفتح الحوار مع الأطراف المعنية  في هذه الظاهرة - الطلبة والمدرسين الخصوصيين  الا ان ا غلب  من حاولنا الحديث معهم رفضوا مجرد فتح الموضوع متعللين بأنه أصبح أمرا واقعا, إلا ان شعاع  النصار مدرس مادة الرياضيات في مدرسة الخليج الثانوية للبنين الذي قال بمنتهى الحزم والصراحة إنه من أشد المحاربين لهذه الظاهرة التي أصبحت مثل السرطان الذي تمكن من جسد العملية التعليمية والمجتمع وتساءل لماذا يلجأ الطالب للدروس الخصوصية؟! ويجيب بلهجة ساخرة : لان المدرس ما يتعب حاله مع الطالب بالرغم من مرتبه الشهري الذي وصل حدوداً معقولة فما هي حجته بعد تحسن دخله؟ ويتابع: نحن دائما مانلفت نظر ابنائنا الطلبة الى ان المدرسة وفرت مجموعات دروس التقوية للطلبة سواء القادرين أو غير القادرين وبأسعار رمزية لمساعدة الطالب على التفوق والحصول على معدل كبير فضلاً عن انها مشروعة وقانونية لأنها تحت بصر إدارة المدرسة ووزارة التربية وهذه المجموعات الخاصة بدروس التقوية بأسعار معقولة  جدا والطالب يفهم ويستوعب منها فلماذا نترك الشيء الشرعي ونلجأ لما هو غير شرعي وسلبي.
سلبيات وايجابيات
أما الأستاذ فيصل جواد مدرس اللغة العربية في مدرسة "الخليج الثانوية للبنين" فيرى أن الدروس الخصوصية لها سلبيات كثيرة أولها أنها تعّود الطالب على عدم الاهتمام بالدرس وإهمال المدرسة وكثرة الغياب والأخطر أنها تعلمه الاعتماد على الغير حتى بعد التخرج والعمل في أية جهة يظل صاحب الدرس الخصوصي يعتمد ويعتمد على الآخرين في إنجاز عمله الذي من المفترض أن يقوم به مثلما يعتمد الآن على المدرس للحصول على معدل كبير كما يقولون موضحاً أنه يعرف طلبة كثيرين أخذوا دروساً خصوصية في العديد من المواد وللأسف رسبوا فيها وهناك طلبة لم يأخذوا دروساً والحمد لله نجحوا وإن كانت الدروس الخصوصية في بعض الأحيان مفيدة في تحسين وضع الطالب المتأخر دراسياً ولكن بشكل عام سلبياتها أكثر من ايجابياتها بعشرات المرات .
لكن أحد المدرسين الذي فضل عدم ذكر اسمه قال رغم انني لا أعطي دروساً خصوصية إلا أن الأمر يحتاج الى شيء من المراجعة.
 وإعادة تقييم بالنسبة للمدرس فراتبه لازال ضعيفاً بخلاف المهن الاخرى كالطبيب والمهندس  خاصة مع ظروف الحياة اذ ان المعيشة أصبحت صعبة للغاية وكل مدرس لديه أسرة كبيرة وراتبه لا يكفي  لسد التزاماتها ومتطلبات الحياة فضلاً عن ان المدرس الذي يعطي الدروس الخصوصية لا يستغل الطالب ولا أسرته في أي شيء لأن الأمر ليـس تجارة بقدر ما هو إفادة واستفادة للطلبة المتأخرين دراسياً.

محاربة الظاهرة
 في الوقت الذي تسعى فيه وزارة التربية الى تحسين واقع العملية التربوية التي اصيبت بانتكاسات عديدة ابان حكم نظام صدام اذ وصل فيه  التعليم الى مستويات منحدرة وشاعت فيه امراض الرشوة والمحسوبية ,فبعد ان كان ينظر  للمعلم العراقي في عقود السبعينيات والستينيات من القرن الماضي على انه هرم العملية التربوية صار في ابان حكم النظام السابق اسفل الهرم, الا ان جهود الوزراة تعرقلها ظواهر سلبية عديدة من بينها ظاهرة الدروس الخصوصية وبالرغم من ذلك فان الوزارة عازمة وجادة في مكافحة هذه الظاهرة.
يقول معاون مدير عام الاشراف التربوي  في وزارة التربية الدكتور صباح الاعرجي: وزارة التربية والتعليم تحارب هذه الظاهرة لأنها تنظر لها من ناحية استغلال الطالب وبالتالي فان مديرية الاشراف التربوي وضعت خطة شاملة للحد من هذه الظاهرة اذ اعددنا "بحثاً" متكاملاً لمعالجة الموضوع سنطلع عليه صحيفتكم الغراء لتقوم بنشره كاملا في غضون الايام المقبلة ليطلع عليه جميع المعنيين بالعملية التربوية فضلا عن الطلبة واولياء الأمور وليكونوا على بينة من اجراءات الوزارة.. إذن الوزارة تدرك تداعيات مشكلة الدروس الخصوصية فمع اقتراب موعد الامتحانات ترتفع حمى الدروس الخصوصية مما تشكل قلقا بالنسبة للاباء واولياء الامور ليس من باب ارهاقها للجيوب وحسب بل من ناحية ارتباطها بالمحصلة النهائية للسنة الدراسية كما انها تشكل موسم كسب كبير لكثير من المعلمين والمدرسين وهذا ما يعني انها تحولت الى تجارة مربحة لدى الكثيرين..
اضلاع المثلث
يقول الدكتور جاسم الخالدي "مقرر مادة اللغة العربية "في الكلية التربوية المفتوحة: العملية التعليمية وحدة واحدة متكاملة لا يمكن تجزئتها فهي كالهرم على القمة يتربع المتعلم وفي الجانبين يجلس المعلم والمنهج الدراسي، لذا فان ارتقاء هذه العملية يعني ان الاضلاع الثلاثة في حالة نمو وارتقاء وان تدهورها او تدنيها يعني تدهورا في المثلث باكمله ولكن بدرجات متفاوتة والملاحظ للواقع التربوي الحالي في العراق يمكن ان يحدد عدة مؤشرات افرزت النسب المتدنية للعام الدراسي الحالي وهي:
1- ضعف اعداد المعلم (المدرس) سواء كان هذا الاعداد عن طريق معاهد المعلمين والمعلمات او عن طريق كليات التربية او طالبات التربية الاساسية.
2- دخول سلوكيات غير مرغوبة على العملية التعليمية مثل:
أ- المحاباة والمجاملة في تعامل ادارات المدارس مع معلميها ومدرسيها.
ب- تفشي حالات الرشوة والمحسوبية بين الطلبة والهيئات التدريسية وبشكل يكاد يكون علنياً ما جعل الطالب يلجأ الى هذه الاساليب لكونها سهلة ومريحة وقليلة (الثمن).
جـ- عدم توفر المواصفات الصحيحة في عضو الهيئة التعليمية مثل الذكاء- الرغبة في العمل- الحماسة فضلا عن المواصفات البديهية الاخرى كالسلامة الصحية والبدنية والمؤهل العلمي.
د- تفشي حالة الدروس الخصوصية التي ادت الى قيام المدرسين باستغلال الطلاب عن طريقها وتهاونهم في اكمال المنهج المدرسي الذي يحتم على الطالب الانخراط في هكذا دروس.
3- عدم تمكن بعض المدرسين من المنهج الدراسي ما ينعكس سلبا على اداء الطالب، كما ان بعض المناهج تحتاج الى اعادة النظر بها اما لصعوبتها او لغموض محتواها.
4- تفشي ثقافة سلبية لدى الكثير من الاسر من خلال الاعتماد على الدروس الخصوصية واهمال انتظام الطالب بالدوام في المدرسة.
5- ضعف الرقابة على اداء المدرسين والمعلمين من قبل هيئات الاشراف والتعامل باسلوب المجاملة و(يالله مشي).
6- قلة دافعية الطلبة نحو الانجاز الدراسي بسبب ندرة الحصول على الوظائف الحكومية او بسبب قلة المرتب الشهري الذي سيتقاضاه مهما كان الاختصاص الذي يمارسه.
7- الظرف الامني الذي اوجب وجود الكثير من العطل الطارئة التي عرقلت مسيرة اكمال المنهج وهذه شكوى نسمعها من بعض الطلبة والمدرسين الملتزمين.
8-عدم رصانة الامتحانات السابقة وتفشي حالة الغش ما جعل الطالب ينتظر الفرصة للنجاح باقصر واسهل الطرق (الغش) لذا يلاحظ انه ما ان حصل ضبطا امتحانيا للعام الدراسي 2007/ 2008 حتى كانت النتائج ما كانت عليه.
بين الطلبة
يقول علي كاظم "طالب في الخامس الاعدادي "الدروس الخصوصية ظاهرة سيئة جداً ومرفوضة تماماً بالنسبة له ومعظم الذين يلجؤون الي هذه الوسيلة هم الطلبة المهملون" بحسب تعبيره" بالدراسة معتمداً في النهاية على هذه الوسيلة غير الشرعية من وجهة نظري للوصول الى النجاح ولكن بشكل عام لو أن الطالب ركز مع المدرس واستوعب ما يقوله وتواجد في المدرسة وأقلع عن الغياب لن يحتاج لدرس خصوصي أبداً ولن يرهق عائلته وأسرته مادياً فأنا - والكلام لعلي - أعرف زملاء معي في نفس المدرسة  يدفع كل واحد منهم 400أو 600 الف شهريا للدروس الخصوصية وهذا فيه تعب ومشقة بالنسبة لأولياء الأمور وفي نفس الوقت ساوى بين المجتهد وغير المجتهد في الدراسة والمعدلات وقضى على مبدأ تكافؤ الفرص لذلك نحن مع وزارة التربية وإدارة المدرسة في محاربة الدروس الخصوصية والاكتفاء بدروس ودورات التقوية التي تقوم بها كل مدرسة بأسعار رمزية وتحت عيون المدرسة والإدارة وبعيداً عن الاستغلال
.محمد محسن الطالب بالصف "السادس العلمي "يأخذ دروساً خصوصية في خمس مواد هي الرياضيات والأحياء والفيزياء والكيمياء واللغة الإنجليزية يدفع عن كل مادة 400 الف بمعدل اربع حصص شهرياً ويقول إنه لا يفهم ولا يستوعب من مدرسي المدرسة بعكس مدرس الدروس الخصوصية الذي يستوعب ويفهم منه كل شيء على حد قوله مشيراً الى أنه لم يأخذ دروسا سوى في السادس  لأهمية السنة لانه يريد الحصول على مجموع كبير مشيراً أيضاً الى نقطة في غاية الأهمية وهي أن أسرته هي التي وجهته لذلك بل ضغطت عليه للجوء للدروس الخصوصية التي لا يحبها في الأساس!.
وتـرى سارة محمود الطالبة بالصف الخامس الأدبي أنها ظاهرة ايجابية تستحق الإشادة لأنها تستوعب من المدرس الذي يحضر الى منزلها وتحصل على الدرس بمفردها وبشيء من الراحة والبحبوحة بعكس المدرسة فالعدد كثير والاستيعاب أقل موضحة انها تأخـذ دروسا في ثلاث  مواد فقط هي الانجليزي واللغة العربية والرياضيات و تدفـع عن كل مادة 250 الف دينار.