This site uses cookies for analytics and personalized content. By continuing to browse this site, you agree to this use.
We have updated our Privacy Notice, click here for more information Acknowledged

المجتمع العراقي: تحليل سيكوسوسيولوجي لما حدث ويحدث
09/09/2008

 


تأليف: قاسم حسين صالح
بغداد - الصباح
 شخصية الفرد العراقي مازالت تحظى بالعديد من الدراسات والبحوث، التي تحاول سبر اغوارها ومعرفة خفاياها وهي تتلقى المزيد من الصدمات والكوارث على امتداد تاريخها الذي يكتنفه الغموض والسوداوية الى الدرجة التي صار الدم فيه الناطق الرسمي والشعبي لها حتى قيل عن الحياة في العراق  هي المصادفة في حين ان الموت في العالم هو المصادفة وقد تكون مقولة الحسن البصري عن حادثة المت ببغداد ماثلة في الاذهان حتى اليوم (ليس العجب في هلاك من هلك ولكن العجب في نجاة من نجا!!).
هذا السيل العارم من المصائب جعلت العديد من الباحثين في شؤون الفرد والمجتمع يسلطون اضواءهم ودراستاهم النفسية والاجتماعية بحوثا عدة واراء مختلفة، وتأتي مساهمة الدكتور قاسم حسين صالح عبر كتابه الموسوم (تحليل سيكوسوسيولوجي لما حدث ويحدث للمجتمع العراقي) لتصب في هذا الاتجاه.
الضحية والجلاد
يقول الباحث ان ثنائية المظلوم مقابل الظالم، وعراقي الداخل مقابل عراقي الخارج، خلقت معادلة نفسية تقوم على سيكلوجية (الضحية والجلاد) وعلى وفق هذا المنطق فان انتصار الضحية على من تعده جلادها بدفعها الى التعبير بانفعالية في تضخيم ما اصابها من ظلم وشرعنة الاقتصاص حتى ممن كان محسوبا بصفة او عنوان على الجلاد.
واشار الى شيوع ثقافة الضحية عبر صحف ومجلات صدرت في حينه بالمئات وتولى هذه المهمة مثقفون او من اخذ دورهم ممن لم تكن لهم علاقة بالثقافة نجم عنها تهميش الولاء للعراق وتكريس الولاءات الطائفية والاثنية والدينية.
ويسبق الولاءات المتشظية التعصب الذي ينبع من الحكم المسبق وينظر علماء النفس الاجتماعي للتعصب على انه اتجاه سلبي غير مبرر نحو فرد قائم على اساس انتمائه الى جماعة لها دين او طائفة او عرق مختلف او اتجاه عدائي نحو جماعة معينة قائم على اساس الانتماء لها ويعني ايضا النظرة المتدنية او خفض قيمتها او قدرها او سلوكها او صفاتها ليس لها اساس منطقي او اصدار حكم غير موضوعي بشأن جماعة معينة.
وهو اتجاه مؤذ قائم على تعميمات غير دقيقة بخصوص جماعة على اساس اللون او العرق او الدين او الجنس او اي فرق او اختلاف اخر قابل للملاحظة يتضمن شيئا سلبيا قائما على اعتقاد الشخص بشأن جماعة اخرى غير جماعته.
الصورة النمطية
ويتساءل الباحث عن اسباب نشوء التعصب؟
بعض الاجابة تكمن في الصورة النمطية بوصفها المكون المعرفي للاتجاه التعصبي والتي تعني تحديدا تعميمات غير دقيقة يحملها الفرد بخصوص جماعة معينة ولا تستثني احدا منها..
وما يحصل لدى الفرد المتعصب ان يعزو الصفات الايجابية الى شخصه والى جماعته التي ينتمي لها ويعزو الصفات السلبية الى الجماعة الاخرى التي يختلف عنها في الدين او القومية او الطائفة وينشأ عن ذلك (نحن وهم).
المحنة التي فيها العراقيون، ان في بعض قادتهم السياسيين من الافندية والمعممين فرقاء مصابين بـ(البارانويا) حسب زعم الباحث.
واضاف ان كل فريق منهم يشكك في الاخر ويعتقد انه يتأمر عليه لانهائه، حتى وصل الحال بهم الى رفع شعار (لاتغدى بصاحبي قبل ان يتعشى بي).. فتغدى الجميع بالجميع بوجبات من البشر تعدت المائة ضحية باليوم.. ودفعهم هوسهم الى الايغال بأيهم يقتل الاكثر!
وقد يكون هذا العنف انتقل من السلطة الى المجتمع اذ ان اعوان الدكتاتور وحاشيته، يقدمون الطاعة والولاء له ويعتبرون انفسهم ابرياء مما يحدث عن طريق ما يطلق عليه (عبدالمأمور).
جرائم الطاعة
وبشأن المسوغات والمبررات التي يسوقها الطاغية والقاتل، اشار الى محاكمة (ايخمان) بعد انهيار الحكم النازي في المانيا التي فيها انكر قتل اي انسان ولكنه اكد بفخر شديد انه نقل ملايين البشر الى حتفهم بحماسة ودقة كبيرين.
ويشير عالم النفس الاجتماعي (هيرش) الى ملاحظة ذكية فحواها ان جرائم الابادة الجماعية والعديد من الجرائم ارتكبت بحق الانسانية انما ارتكبت باسم الطاعة.
واكد ان فوضى الدم وتعدد وتنوع الازمات في العراق تجعل من الصعب لاحد من الساسة يعرف بالضبط ماذا يجري في العراق؟
ويعني هذا من الناحية الذهنية انهم يعيشون فوضى معلوماتية فيما يعني سيكلوجيا انعدام التوقعات.
وهذا الحال قريب من التجربة التي اجراها عالم الفسلجة الروسي الحائز على جائزة نوبل.. بافلوف، خلاصتها انه اسمع كلبه صوتا بذبذبة قدرها (500) مصحوبا بتقديم الطعام له في اللحظة نفسها.
وبعد عدد من الممرات (سماع الصوت مع تقديم الطعام) صار الكلب يسيل لعابه وتنتصب اذناه لمجرد سماع الصوت مع ان الطعام لا يقدم له. والمدهش ان الكلب كان لا يهتم باي صوت او ذبذبة اخرى كأن تكون (300 او 900) مثلا.
اللامبالاة بالخطر
وفي الخطوة الثانية من التجربة عمد بافلوف الى خفض الاصوات العالية وتصعيد الاصوات الواطئة حتى اوصلها قريبة من (500) كأن تكون (495، 505) فحدث ان تلخبطت الامور على الكلب وصار لايعرف لاي صوت يستجيب وانتهى به الحال الى ان اصيب بانهيار عصبي.
واشار الى الجهاز الفسيولوجي الخاص بالانفعالات فعندما ترى حبيبتك او صديقك بعد فراق طويل يتورد وجهك وتتسارع دقات قلبك والسبب حصول افراز هرموني يمنح المزاج لونا وسلوكا مناسبا.
وكذا الامر من الخوف الذي هو انفعال وقائي، فعندما ترى حيوانا مفترسا فانك ستكون في الهزيمة كالغزال والسبب هو ان جهازك الانفعالي يفرز هو رمون الادرينالين ليمنحك قوة استثنائية في سرعة الركض تحمي حياتك من الخطر.
وشدد على خطورة تكرار المواقف المثيرة للخوف والمتنوعة، التي تعرض لها العراقي واصبح غير مبال بالخطر وتعطل لديه نشاط الهورمون الخاص بانفعال الخوف.
ان اللامبالاة التي يراها البعض جيدة لها ضريبتها، حيث ان اوجع مانخشاه هو ان تتعطل لدينا نشاطات هورمون الفرح والحب وتتبلد فينا انفعالات المشاركة الوجدانية.
الصبر العراقي
واعرب عن دهشته من قدرة الشخصية العراقية على مواجهة المحن، حيث يقول لقد قضيت ربع قرن ادرس وادرس(علم نفس الشخصية) فما وجدت في هذا العلم نظرية تنطبق على الشخصية العراقية في تصرفها اليومي مع ما يجري لها من احداث فصرت اخطئ علم النفس.
كل النظريات النفسية تتفق على ان هنالك حداً لقدرة العامة من الناس على التحمل اذا ما تجاوزه احدهم فانه اما ينهار نفســيا او يصبح مجنــونا او ينتحر.
ولقد حطمت الشخصية العراقية هذه النظرية وجاءت بنظرية جديدة مختبرة ميدانيا هي لا حدود لقدرة الانسان على التحمل.
والا فهل يعقل ان يتحمل بشر ربع قرن من الحروب الكارثية متتالية وحصار اكلوا فيه الخبز الاسود ثلاثة عشر عاما، لا يجزع الانسان السوي من الحياة وتزهق روحه غير انهم مع كل هذه المصائب يحمدون الله ويشكرونه لقد اصبح العراقي على ما صوره كاريكاتير يظهر فيه (الزمن) القاسي يحمل مطرقة وقد تعب من كثرة الطرق على رأسه وهو يقول (سمكرت ودقدقدت كثيرا لكني لم اعرف سنداناً يشبه سندانك!).
التباهي بالحزن
والقى الباحث كرة الحزن في ساحة الشعر الشعبي الدارمي الذي انطبع فيه الى حد تلبسه بالمازوشيه.
انه لمن المعقول ان يتباهى الانسان بما يملكه من مال واملاك او جاه او حظ.
اما ان نتباهى باينا اكثر حزنا فتلك مصيبة وبالتاكيد حالة مرضية.
ولهذا السبب ما ان يسألنا احد عن احوالنا حتى نجيبه بما غناه رياض احمد (تسألني عن الحال، حالي على حاله.. سمجة وشحيح الماي وبظهري فالة).
اما اذا شكا احدهم حاله فاننا نرد عليه قبل ان يكمل (ياخي انت زين لكن اني... وتروح تروي مصائبك بتراجيديا حسينية).
وثمة معلومة علمية هي ان البحوث الحديثة اشارت الى ان فاعلية الدماغ تتراجع عندما يتعرض الفرد الى انفعال الحزن.
وان الضغوط المصحوبة بالتهديد تؤثر بشكل خطر في كيميائية الدماغ.