This site uses cookies for analytics and personalized content. By continuing to browse this site, you agree to this use.
We have updated our Privacy Notice, click here for more information Acknowledged

قراءة في دليل القوانين المؤثرة في المجتمع المدني
18/04/2007

سيف الدين كاطع – جريدة الصباح

يهدف دليل القوانين المؤثرة في منظمات المجتمع المدني الى اشاعة وتثبيت الاطار القانوني التي تعمل في ظله المنظمات المدنية، كون هذه المنظمات ضرورية لخلق المجتمع المنفتح ووجوده فضلا عن المتطلبات التي تفرضها حماية الحريات الاساسية والتي تدخل كموجهات وآليات لتنمية هذا النمط من العمل القانوني والحقوقي والاداري والحفاظ عليها لما له اثر في مجمل الانشطة والفعاليات والبرامج التي تقوم بها الجمعيات والهيئات والتجمعات المستقلة وغيرها من المؤسسات.

ان الغرض من هذا (الدليل) كما جاء في خلفيته يكمن في وضع معايير للقوانين التي تسمح بنشوء المنظمات المدنية التي اختارت التمتع بالشخصية القانونية وتحميها وتضبطها فهي تقوم على تحليل نظري وعلى خبرة عملية واسعة في مختلف بلدان العالم، اما الغرض العملي منه، فهو تمكين اي فرد مهتم وذي صلة لتقويم قانون يرى منظمات المجتمع المدني او وضع مسودة لقانون افضل ولعل الفذلكة الضمنية التي ينطوي عليها (الدليل) كما اشارت الخلفية بهذا الصدد هي ان القوانين يجب ان تكون مجودة في كل المجتمعات المنفتحة بغية حماية حرية تعبير جميع المواطنين واجتماعهم وتجمعهم السلمي، وفي الوقت نفسه ينبغي ايضا ان تكون ثمة قوانين تحمي العامة من اية اساءات محتملة قد ترتكبها المنظمات المدنية، ويجب ان تعكس الاعباء القانونية التنظيمية الضابطة (او الراعية) الملقاة على عاتق المنظمات المدنية توازنا بين حقوق الافراد كي يمارسوا حرياتهم ويبين الحاجة الى حماية العامة.
اما التنظيم الطوعي اي الطريقة التي يسوس بها القطاع نفسه فيضطلع بدور مهم وهكذا فعلى الرغم من ان (الدليل) يقر بشرعية آليات الضبط الرسمي لحماية العامة الا انه يؤكد في الوقت ذاته الحاجة الى آلية ضبط طوعي تنشئها منظمات المجتمع المدني نفسها، وبذلك فان اية اعباء تفرض على هذه المنظمات يجب ان تتناسب مع الفوائد التي تسعى هذه المنظمات الى كسبها من الدولة.

ويمضي الجزء التمهيدي من هذا الكتاب بالقول على ان هذا (الدليل) لا يقدم قانونا نموذجيا لقطاع المجتمع المدني، فالنظم القانونية في العالم تختلف بشكل كبير، علما ان التقاليد المحلية لسن القوانين تتباين هي الاخرى من حيث صياغة قانون نموذجي، كما لا يحاول وصف تنوع قوانين منظمات المجتمع المدني الموجودة ولا يحاول ايضا ان يسجل مواقع الاكثرية او الاقلية، وبدلا من ذلك يحاول (الدليل) ان يعكس معرفة العديد من المحترفين ذوي الخبرة بشأن انواع القوانين والنظم الادارية التي تساعد على ايجاد قطاع مدني وتنظيمه وضبطه على نحو سليم، وبذلك فقد تتسم بعض المبادئ الواردة في (الدليل) على انها اجرائية وليست جوهرية، فالتوجيهات والارشادات وكذلك النقاشات والامثلة التي تورد فيه تفسر طبيعة المشكلات المتنوعة والطرائق البديلة الممكنة والتعاطي معها، وفي العديد من الحالات تتباين الممارسات كثيرا، كما تتباين وجهات نظر الخبراء وآراءهم وتتباعد بحيث لا يتخذ موقع واحد فيما توصف خيارات مع كل ما تتضمنه من فضائل ومثالب.
اما عن مصادره ومنهيجته فقد استعان (الدليل) مطورا مادته الاساسية باستشارات رسمية وغير رسمية مع محامين وقادة منظمات مدنية ومسؤولين رسميين في مختلف بلدان العالم والعديد منهم في بلدان نامية وبلدان متنقلة او (متحولة) يبدأن الكثير من المعلومات والخبرات المنعكسة مستنبطة من بلدان تتميز بخبراتها الطويلة والمتواصلة مع المنظمات المدنية، ومن ناحية اخرى لم يكن هناك جهد واع وملموس لعكس القوانين والنظم الضابطة لاي بلد او لاية مجموعة من البلدان، وقد استنبطت توجيهات (الدليل) على نحو خاص من تقاليد القانون المدني، كما في القانون العام.

وعليه فان الكتاب وفي اطار مبحثه الاول يدرس طبيعة العلاقة بين المنظمات المدنية والمجتمع مؤكدا في هذا الجانب، ان نجاح الديمقراطية مع مرور الزمن يتطلب التعددية والاستقرار الاجتماعي واحترام حكم القانون الذي يعززه دعم القطاع المدني ومساندته وحمايته، في الوقت الذي يتوجب فيه على كل شريحة من المجتمع ان تؤمن بانه يمكن الوثوق عموما بمؤسسات الدولة، وان قطاعا مدنيا قويا ناشطا ومحميا (قابلا للمساءلة والمحاسبة) يساعد في بناء التعددية والاستقرار الاجتماعي وثقة العامة وهذه امور ضرورية لتحقيق النجاح على المدى البعيد.

غير ان المنظمات المدنية تضطلع بدور حيوي آخر في الديمقراطية، فهي تسمح للافراد والجماعات بالتخفيف من نفوذ الاغلبية والتي يمكن بخلافها تشكيل حكومة ديمقراطية لا تحكمها من قبل الاقلية.

كما تناول المبحث الثاني علاقة قوانين المنظمات المدنية بالقوانين الاخرى ولاسيما القانون الدولي وأثر ذلك في طبيعة حقوق انشاء منظمات مدنية رسمية وتشغيلها جزء لا يتجزأ من حقوق حريات الاتباع والتعبيرات التي يضمنها القانون الدولي، وهذا ما نصت عليه المادة (19) من الاعلان العالمي لحقوق الانسان عام 1948 وكذلك (الاتفاقية الدولية بشأن الحقوق المدنية والسياسية عام 1966) باعتبارها الاتفاقية الاكثر الزاما واتساعا ووثاقة صلة بحقوق الانسان واليها يتركز النقاش كذلك على الاتفاقية الاوروبية بوصفها اتفاقية تنطوي على افضل تشريع متطور.

اما المبحث الثالث فيلقي الضوء على وجود المنظمات المدنية القانوني ومتطلبات تأسيسها وانشائها رسميا كي تصبح ذي كيان قانوني قائم بذاته، وتتمتع بمسؤولية في اطار النظم القانونية المعمول بها في هذا البلد او ذاك فضلا عن الاشتراطات التي يجب توفرها بوضوح مثل الوثائق الرئيسة كالوثيقة التأسيسية وصك الائتمان، والقانون الداخلي، بنود التأسيس ....الخ.
في حين تناول المبحث الرابع (البنية والحاكمية) وحدد اربعة انماط اساسية لقواعد الحاكمية الداخلية منها القواعد التي يشترطها القانون والقواعد المطلوبة من قبل التنظيمات الطوعية تحت منظمات المظلة وما يماثلها والقواعد التي يشترطها المانحون او غيرهم من الداعمين والقواعد التي تتميز بكونها استنابية خالصة، مستعرضا نصوص الوثائق الحاكمة (الناظمة) وموادها التفويضية والوثائق الحاكمة الاختيارية والمسؤولية القانونية المتعلقة بالمؤسسين والمسؤولين واعضاء الهيئة الادارية والموظفين وكذلك واجبات الولاء والاجتهاد والسرية وخطر تنازع المصالح.

كما ناقش المبحث الخامس من الكتاب مسألة حظر المنفعة الخاصة سواء منها المباشرة ام غير المباشرة ومركزا على حظر توزيع الارباح وحظر التراكمات الخاصة وحظر التصافق الذاتي وحظر امتلاك الاصول.

فيما تصدى المبحث السادس الى انشطة المنظمات المدنية وطبيعتها القانونية ملقيا الضوء على انشطة المنفعة العامة ودور المنظمات ذات المنفعة العامة وبين المنظمات ذات المنفعة المشتركة، مبينا الفروقات بينهما وكيفية التعامل القانوني وكذلك السياسة العامة والانشطة السياسية والاقتصادية ودور منظمات التنمية الاقتصادية في هذا الشأن من ناحية استلام التراخيص والاذونات.

وتناول المبحث السابع انشطة جمع التبرعات المسموح بها وطبيعة القيود والمعايير والتصحيحات التي من شأنها ان تخلق اطارا قانونيا للتعامل في هذه المسألة سواء بعملية المراقبة او طلب الموافقة او طلب المنح الخاصة او الموافقة على مصادر التمويل، وركز هذا المبحث على مسألة مهمة وهي ان تتم عملية مطالبة للمنظمات المدنية سواء من خلال القوانين التي تنظم جمع التبرعات ام وفق القواعد الموضوعة على اساس آليات التنظيم الذاتي، بان تظهر علنا الطريقة التي انفقت بها التبرعات الحاصلة عليها في سياق حملة عامة ولاسيما الى اي مدى تستخدم فيه الاموال المجمعة او يتوقع استخدامها في تحميل تكاليف التبرعات المجمعة المباشرة وغير المباشرة وكذلك ان يتم تفعيل القوانين الخاصة بالاحتيال العام والقوانين الجرمية الاخرى على المنظمات المدنية بحيث تمثل امام القضاء اذا كان هناك سوء تمثيل او احتيال في ما يتصل بتوسل المال من الاخرين.

في حين افرد المبحث الثامن من الكتاب مناقشة للكيفية التي يتم فيها وضع التقارير والرقابة والتنفيذ ودورها في حماية العامة من الاحتيال وسوء الاستخدام وانتهاك حقوق الاخرين، مؤكدا على اهمية هذه التقارير والمتابعات وضرورة تنفيذها وتقديمها الى الجهة المعنية والمسؤولة في الدولة لغرض القيام بالتدقيق والمتابعة وتطبيق القرارات والقوانين المتخذة بهذا الشأن سواء ما يتعلق بعمل هذه المنظمات واتجاهاتها او أوضاعها المالية او وثائقها او سجلاتها الرسمية او انشطتها العامة والخاصة وهذا يتم باسلوب قانوني مع الاشعار المسبق الملائم.
في حين ركز المبحث التاسع من (الدليل) على مسألة التفصيلات الضريبية وضرورة القيام باعفاء المنظمات المدنية على ضريبة الدخل او ضريبة الارباج وكذلك الضريبة على دخل المانحين والداعمين او ارباحهم فضلاً عن الضريبة على الانشطة الاقتصادية والتي تم حسمها او فرضها بنسبة معتدلة من العائدات الاجمالية لا تتعدى 10%، وكذلك الضريبة على القيمة المضافة والرسوم الكمركية وضرائب اخرى تراعى فيها القوانين الضريبية ذات الصلة.
كما تناولت المباحث (10 و11 و12) من الدليل تأسيس المنظمات الاجنبية ومراقبتها ومصادر تمويلها الخارجي وعلاقة المنظمات غير الحكومية والحكومية وعلاقتها باجهزة الدولة سواء في ما يتعلق بمنحها العقود والاجازات واقتناء السلع وتقديم الخدمات فضلا عن طرائق التنظيم الطوعي الى منظمات الظل من الناحية القانونية وعلاقتها بالمجتمع.
كما احتوى الدليل على ملحق خاص بالمصطلحات وملحق بالملاحظات الختامية والهوامش.

يذكر ان هذا الدليل قد تم اعداده من قبل معهد المجتمع المنفتح بالتعاون مع المركز الدولي لقانون المنظمات غير الهادفة للربح وصدرت طبعته الاولى باللغة الانكليزية في عام 1997 وكذلك تمت ترجمته للعربية من قبل د. محمد احمد شومان وصدر عام 2007 بالتعاون مع جمعية الأمل العراقية.