This site uses cookies for analytics and personalized content. By continuing to browse this site, you agree to this use.
We have updated our Privacy Notice, click here for more information Acknowledged

ذوو الاحتياجات الخاصة متى مُنحوا فرصة أبدعوا .. كفيفة تروي الحكايات بأطراف أصابعها
22/09/2008

 

بيروت - فاطمة رضا     الحياة     

حُبيبات ناتئة على صفحة بيضاء. لونها من لون الصفحة، «تتحدّاك» أن تضع اصبعك عليها، أن تلمسها للتأكد من وجودها، أم أنها خدعة بصرية؟ تمرّر اصبعك فوقها، فتشعر بشيء ما... لا يُفسّر: حبيبات بيض على صفحة بيضاء.
تغمض عينيك محاولاً وضع نفسك مكان زينة خليل، ابنة الخامسة والعشرين، ولكنك لا تجد فرقاً... مجرّد حبيبات نافرة على سطح الورقة أشبه بحبوب الحصبة في وجه طفل رضيع.
تضحك زينة، ضحكة طفولية أقرب إلى شكلها الذي لا يعكس سنّها. تمرر اصبعها في حركة سريعة على المجموعة الأولى من تلك النقاط، وتقول: «السنبلة الخضراء». وهو عنوان القصة الجديدة التي سترويها لأطفال ينتظرون صوتها بلهفة من خلف المذياع، في إذاعة «صوت الشعب»، في بيروت، كل يوم بعد موجز أخبار الخامسة والنصف مساء.
ولدت زينة فاقدة البصر، دخلت إلى مدرسة تعنى بذوي الاحتياجات الخاصة، وبعد انهائها المرحلة المتوسطة، انتقلت إلى الثانوية في ما يُعرف ببرنامج «الدمج»، بين أقرانها المكفوفين وأصحاء البصر. ثم تخصصت في العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية... معتمدة على آلة التسجيل وعلى نصوص مكتوبة بلغة «برايل»، بأحرف نافرة.
هي شابة أمضت حياتها في الظلمة. أصحاب البصر السليم، كانوا يتجاهلونها... حتى أصبح كثيرون يستمعون يومياً إلى صوتها، بعد أن سجّلت أكثر من أربعين قصّة تستهوي أطفالهم وأقاربهم وأصدقاءهم الصغار.
يوم عرضت عليها «جمعية الشبيبة للمكفوفين» أن تختار أين تريد قضاء فترتها التدريبية، طلبت أن تقضيها في إذاعة، فاستقبلتها إذاعة «صوت الشعب». وهناك تعمل زينة متدربة، أي أنها لا تتقاضى أجراً مقابل عملها، ولكنها تعتبره مرحلة مهمة جداً في حياتها. وتسعى إدارة الإذاعة إلى الحصول على تمويل يمكّنها من إبقاء زينة والحفاظ على تجربتها الرائدة، ولعلّها التجربة الأولى من نوعها في لبنان.
تدخل إلى الاستوديو بمساعدة مهندس الصوت. تجلس على الكرسي، وتتحسّس كل ما يحيط بها لتتمكّن منه. تبدو متآلفة مع المايكروفون، بعد مرور نحو عام على تجربتها. تبدأ بتمرير اصبعها على أوراقها البيض أمام الموجودين في الاستوديو. أوراق مملوءة بكلمات لا يقرأها ويفهمها سواها. تسرد القصة بسلاسة يشعر معها المستمع، وكأنها حفظتها عن ظهر قلب. يمر اصبعها بحركة خفيفة فوق النتوءات (الحبيبات) لتخبر الأطفال قصّة اليوم، وتنثرها في آذانهم من أطراف أصابعها.
قصة جديدة تنبعث من خلف المذياع، بصوت شابة فقدت البصر ولم تفقد الأمل في أن تجد وظيفة، ما زالت تبحث عنها، تمنحها استقلالية مادية، وبالتالي دفعة معنوية جديدة تومض في الظلام الدامس الذي يسكن عينيها.