This site uses cookies for analytics and personalized content. By continuing to browse this site, you agree to this use.
We have updated our Privacy Notice, click here for more information Acknowledged

للمنظمات غير الحكومية دور في التأهيل .. الأشغال اليدوية والرسم والكتابة أبواب رزق للمعوّقين في سويسر
06/10/2008

 

جنيف - تامر أبو العينين     الحياة     

«إذا كان من المستحيل أن يمنع الإنسان قدراً محتوماً من أن يحلّ به، فيجب عليه أن يتمكن من احتوائه، والتعايش معه وبه على أنه أمر طبيعي»، هكذا يفكر ذوو الحاجات الخاصة في سويسرا، أو بالأحرى يتم تأهيلهم معنوياً بهدف تحويل تلك الكلمات إلى قناعة راسخة، سواء كانت الإعاقة طبيعية أم نتيجة حادث ما.

وأهم مراحل هذا التأهيل تبدأ من غرس مبدأ أن «العاهة ليست عائقاً بل انتقاص من القدرات الطبيعية بقدر ما تستقطعه من الحواس أو القوى، وبالتالي تجب الاستفادة مما سمح به القدر».

ايفون، كانت كغيرها من الفتيات، تملأ الأحلام خيالها ليل نهار، وتعتقد بأنها تمسك كل يوم بجزء من هذا العالم بين يديها ولا شيء بعيد المنال عنها. شابة، تعيش حياة عادية بين قرية صغيرة ومدينة صاخبة حيث كانت تعمل في إحدى الشركات.

إلاّ أن حادث سيارة مروع حطم كل أحلامها، لتجد نفسها على كرسي متحرك مصابة بالشلل وهي لم تبلغ بعد عامها الثاني والعشرين. كان الحادث، ومعه... تجمدت أفكارها أو كادت. تقول إيفون: «عشت شهوراً على أمل أن يتصل بي الطبيب ويقول لي أن ساقي ستتحركان مجدداً. انتظرت طويلاً حتى شعرت أنني أدخل في بئر مظلمة وبأن كل جزء مني بدأ يتحطم».

وتتابع «أيقنت ذات يوم أنني أحطم نفسي بتلك الأفكار والتساؤلات من نوعية ماذا لو؟ لماذا أنا دون غيري؟ وغيرها وأدركت أن عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء، فبدأت أبحث في داخلي عن باب الخروج من هذه البئر ومعي المعاش التعويضي الذي حصلت عليه».

الإعانة التي تدفعها التأمينات الحكومية للمعوقين تهدف في الأساس الى تشجيعهم على دخول معترك الحياة من بوابة جديدة، ومن هنا انطلقت ايفون فأتقنت الفرنسية والإنكليزية والإيطالية بجانب الألمانية لغتها الأم، وبدلاً من الذهاب يومياً إلى الشركة بالكرسي المتحرك، بدأت تزاول عملها في السكرتارية من المنزل».

أمّا في الشركة حيث تعمل إيفون، فبدا رب العمل متفهماً لما يحصل، ويقول: «صحيح أن أعمال السكرتارية تتطلب نشاطاً دؤوباً يعتمد أيضاً في جانب منه على الحركة، إلا أننا قسمنا المهمات بين ايفون وزميلة أخرى. ومهمة إيفون إنتاج ما عليها من أعمال مكتبية ومراسلات وترجمة من منزلها، على أن تتقاضى نصف الأجر فقط، أما النصف الثاني فتعوضها عنه التأمينات إلى أن تجد عملاً آخر إذا سمحت لها حالتها الصحية».

لا يشعر المعوّق في سويسرا، بأنه وحيد أثناء خوضه «معركته» الحياتية، إذ أن هناك ترسانة من المنظمات غير الحكومية والجمعيات، معظمها يغلب عليها الطابع الديني، تقدم له المساعدة، إما لإعادة تأهيله مرة أخرى بهدف العودة إلى الحياة بتفاؤل أو من أجل توفير الرعاية النفسية والمعنوية الضرورية له.

وتسعى تلك المنظمات، الى أن تكون صوت المعوّقين لدى السلطات على اختلاف أنواعها، وقد تمكنت من فرض تحديث الموصلات العامة للقبول بالكرسي المتحرك فيها، ووضع علامات «برايل» للمكفوفين في أماكن عامة كثيرة، وحصلت لهم على تخفيضات دائمة في جميع الفعاليات والنشاطات الثقافية.

ومع أن البطالة تطل برأسها من حين الى آخر على أسواق العمل، فإن تنمية المهارات الفردية مثل الأشغال اليدوية والرسم والموسيقى والكتابة والدروس الخاصة تبقى أبواب رزق مفتوحة أمام هؤلاء، وتقوم المنظمات غير الحكومية بتنميتها والسعي إلى تسويقها. وعلى سبيل المثال، حوّلت إحدى تلك الجمعيات رسوم «الموهوبين» من ذوي الحاجات الخاصة، إلى بطاقات مراسلة مصوّرة للمناسبات المختلفة، سوقتها لدى كبريات الشركات والمؤسسات بتعاقدات يتم تجديدها سنوياً. وتُنظّم حفلات موسيقية للعازفين الجيدين وتربط دائماً بين هؤلاء الذين حرمهم القدر مما زين الخالق به خلقه، وبين مجتمع كاد أن يتجاهلهم لولا إصرارهم على التذكير بأنهم مصممون على التحدي.