This site uses cookies for analytics and personalized content. By continuing to browse this site, you agree to this use.
We have updated our Privacy Notice, click here for more information Acknowledged

700 ألف مكفوف في مصر لا يستخدمون الحاسوب و«مركز الإبصار» يدرّب المكفوفين على التقنية الرقمية
23/04/2007

 

القاهرة - مارسيل نصر - الحياة  

يحوز تدريب المكفوف على استعمال جهاز الكومبيوتر وخوضه مجال المعلوماتية والانترنت، اهتمام قطاعات واسعة من المجتمع المصري. وأمسكت وزارة الاتصالات المصرية بهذا الخيط، فتعاونت مع جامعة «عين شمس» العريقة، وعدد من الجمعيات الخيرية، لنشر مراكز تعليم المكفوفين لغة الحاسوب والشبكة العنكبوتية. ويتحدى هذا الامر الاعتقاد الشائع، حتى في صفوف المكفوفين، بعدم قدرة من فقد نعمة البصر على التمكّن من التقنية الالكترونية وتعقيداتها.

والتقط بعض المكفوفين قفاز التحدي، وقرر خوض غمار معركة التطوير والحداثة. وجاءت البداية مع قرار جمعية «الكرمة للمكفوفين» تنظيم دورات تدريبية على استخدام الكومبيوتر، شملت التطبيقات الشائعة، وخصوصاً تطبيقات «مايكروسوفت أوفيس»، مثل مُعالج النصوص «وورد بروسسر» وبرنامج المحاسبة «إكسل» والبريد الالكتروني، إضافة إلى التعامل مع «غُرف الدردشة» وغيرها. وكذلك دُرّب المكفوفون على برنامج «جوز» JAWS الذي يُمكّن من التعامل مع الكومبيوتر بالأوامر الصوتية، على رغم توافره باللغة الانكليزية وحدها.

الإبصار الالكتروني

قبل قرابة شهرين، أطلقت «جمعية الكرمة» دورات تدريبية لتعريف المكفوفين بجهاز «فيزيو برايل» Visio Braille الذي صُمّم للتجاوب مع حاجات المكفوف، خصوصاً أنه يتجاوب مع الأوامر الصوتية، كما يتمتع بلوحة مفاتيح بأحرف لغة «برايل» الشهيرة للمكفوفين.

واستفاد من هذه الدورة عدد من أعضاء الجمعية، وضمنهم 15 طالبة من مراحل تعليمية تتراوح بين الإعدادي والجامعي. واستمرت الدورة ما يزيد على الاسبوعين. وكذلك تعاملت تلك الجمعية مع برنامج آخر خاص بالمكفوفين ناطق باللغة العربية، يحمل اسم «إبصار» من صنع شركة «صخر» للمعلوماتية العربية. ويشمل برنامج «إبصار» قراءة الخط العادي وتصفح الانترنت وتحويل النصوص المكتوبة إلى نصوص بالصوت، والمراسلة من طريق البريد الالكتروني وغيرها. وحفز البرنامج مكفوفي «الكرمة» على محاولة الاستفادة من قدراته. وتبنّت مديرة الجمعية السيدة جيهان ناثان برنامج «إبصار»، فنشرته على أجهزة الكومبيوتر فيها.

نادي المكفوفين للانترنت

وعلى رغم انتشار الانترنت، لا تزال غالبية المكفوفين المصريين محرومة من تصفح مواقع الشبكة العنكبوتية. وراهناً، تسير هذه الصورة إلى التغيّر، خصوصاً بعد افتتاح أول نادي انترنت للمكفوفين.

يستقر النادي في ضاحية «السيدة نفيسة»، وهو أحد أقدم أحياء القاهرة، ليفتح أفاقاً جديدة لغير المبصرين. ويُلاقي رعاية من وزارة الاتصالات والمعلومات. ويُعتبر أول مركز لتدريب المكفوفين على استخدام الانترنت والتعامل مع جهاز الكومبيوتر بطرق حديثة. وفي لقاء مع «الحياة»، أوضح المدير التنفيذي لمؤسسة «النور الخيرية» سليمان عارف، ان ذلك المشروع يخدم جميع المعوقين بصرياً من دون مقابل. ولفت إلى أن الإحصاءات أثبتت أن نحو 6 في المئة من سكان مصر معوقون بصرياً، فيما تُشير بيانات الأمم المتحدة الى وجود نحو 700 ألف منهم. وفي ذلك النادي، يستطيع المكفوفون استخدام الكومبيوتر الناطق، إضافة إلى التدرّب على استعمال برنامج مُتخصّص لنطق الحروف والكلمات عند كتابتها، ويقرأ المواد التي تُنزل من صفحات الانترنت. ويسعى المركز الى استيعاب المعوقين بصرياً ممن تدربوا على الحاسوب. كما يتيح للمكفوفين تطوير أسلوب الاتصال بالعالم الخارجي والتخاطب مع الآخرين بطريقة كفؤة.

وتُرسل وزارة الاتصالات خبراء في تعليم المعوقين طُرق استخدام الكومبيوتر كأداة لتعويض فقدان البصر. ويعمل الخبراء أيضاً على فتح قنوات اتصال مع مدارس المكفوفين والجامعات، لتقديم خبراتهم المتخصصة.

ويتعامل النادي مع فئات عُمرية مختلفة من كلا الجنسين. ويُعد راهناً دورات تدريبية لتخريج المؤهلين علمياً ليمكّنهم من نقل أفكارهم الى أندادهم من المعوقين، وكذلك لتدريب أطفالهم، بحسب ما أفاد رئيس مجلس إدارة «مؤسسة النور الخيرية» الدكتور عاطف المغربي.

وبحسب المغربي، فإن المركز يمثل ملتقى علمياً للمعوقين بصرياً ويعطيهم الأمل في حياة طبيعية من خلال مشاركتهم في عالم الانترنت. ونبّه إلى تمتع بعض المكفوفين بمهارات عالية في استعمال التقنية الرقمية وأدواتها.

وقبل بضعة أيام، افتُتِحَ «مركز الإبصار الالكتروني» في جامعة «عين شمس» لتدريب الطلاب المكفوفين في كلية الآداب في تلك الجامعة. وتلقى المركز تمويلاً من «صندوق تطوير التعليم العالي» قيمته 866 ألف جنيه (كل 5.25 جنيه تساوي دولاراً). وفي هذا السياق، أوضح نائب رئيس الجامعة لشؤون الدراسات العليا الدكتور محمود الطيب ناصر إن المركز يعكس حرص الجامعة على تحقيق مبدأ تكافؤ فرص التعليم، بالنظر الى الصعوبات التي يواجهها الطلاب المكفوفون في الدراسة والامتحان، إضافة الى صعوبة الالتحاق ببعض الأقسام في كلية الآداب مثل اللغات. وقادت تلك الأمور الى تبني إنشاء «مركز الإبصار الالكتروني»، الذي يؤمل أن يُساهم في تحسين فرص المكفوفين في التعليم. وأوضح أن المركز يتيح للطلاب المكفوفين أداء الامتحان على الحاسب الآلي، إضافة الى مطالعة المراجع العلمية، وكذلك التدرّب على الاستخدام الاكاديمي لشبكة الانترنت.

وأشاد الطيب بالجهات التي تعاونت مع المركز وخصوصاً الجمعيات الأهلية، مثل «بُراق» و «النور والأمل» و «أهالي»؛ إضافة إلى مؤسسة «صخر» لبرمجيات الحاسوب التي زوّدت المركز بالأجهزة الالكترونية اللازمة.

واعتبر مدير المركز الدكتور محمد سيد خليل هذا المشروع فرصة لتحقيق مبدأ التنمية القائمة على الحقوق خصوصاً حق المكفوفين في الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة. وأوضح أن هذه الطريقة ستُعتمد في كليات الجامعة جميعها لتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص.

وأشار إلى أن المستفيدين من المركز هم الطلاب المكفوفون، إلى جانب بعض المدربين التابعين لجمعيات أخرى تهتم بتدريب المكفوفين، وعدد من أعضاء هيئة التدريس والعاملين في الجامعة. وأشار إلى أن برنامج «إبصار» باللغة العربية يحتاج إلى 30 ساعة من التدريب، ليصبح المكفوف قادراً على التعامل مع مكونات الحاسوب وإجادة استخدام برنامج «وورد» للكتابة.

وأوضح أن اجتياز الدورة بنجاح يقتضي التمكن من كتابة 8 كلمات صحيحة في الدقيقة. وفي المقابل، يستغرق التدريب على برنامج «إبصار» باللغة الإنكليزية 26 ساعة لقراءة النصوص باللغة الإنكليزية وكتابتها إضافة إلى تدريب الطلاب على استخدام الشبكة العنكبوتية والبريد الالكتروني وإنزال الملفات من الانترنت وغيرها. كما أوضح أن المركز يضم 40 جهازاً راهناً، ويجري العمل على تزويده قريباً بنحو 30 جهازاً منحة من وزارة الاتصالات.

في البدء كان الكاسيت...

ربما تصعب مقاومة تلك الشحنة الوجدانية الهائلة التي تولدها رؤية مكفوف يعمل على جهاز كومبيوتر. وفي نادي «الإبصار الالكتروني»، تحثّك كثير من المشاهدات على مقاومة ذلك الانفعال، لأن الأمر يتعلق بفئة مُهمشة تقليدياً من الناس، تحاول نيل حقوقها الاساسية في العصر الالكتروني.

وتنشد العين الى مكفوفة تمسك بجهاز الكومبيوتر من الحجم الكبير، مع شاشة واسعة، وتتعامل معه بسهولة. تعبث أصابعها بمفاتيحه بخبرة واضحة، وكأنها تعزف مقطوعة موسيقية. ويخيل اليك أنها مقطوعة عنوانها العزيمة والإرادة التي حققت لها الكثير وجعلتها تحلّق في عالم الانترنت والكومبيوتر فتبرز بذلك تصميم الإنسان على تحقيق أحلامه وأمانيه. تدرس هبة عادل في جامعة عين شمس، كلية الآداب- قسم الاجتماع. وفي زمن بات ماضياً، دأبت هبة على تسجيل المحاضرات على شرائط كاسيت، تعود اليها لاحقاً لحفظ الدروس من طريق الأذن. وعندما علمت بأمر «مركز الإبصار الالكتروني»، أصرت على إثبات جدارتها الرقمية، خصوصاً أنها من المتفوقات في الجامعة. بدأت بعالم الكومبيوتر عقب تلقيها دورة تدريبية في «جمعية الكرمة للمكفوفين». وبعدها وضعت برنامجاً ناطقاً على جهاز الكومبيوتر العادي، فصار بإمكانها مسح الوثائق الورقية ضوئياً، ثم نقلها الى الكومبيوتر، الذي يحوّلها الى نصوص صوتية، فيسهل التعامل معها.

وينطبق الأمر على المواد التي تحصل عليها هبة من الشبكة العنكبوتية، إذ تطبعها ثم تضعها على جهاز المسح الضوئي، فيقرأها الكومبيوتر بصوت مسموع. وتصف عادل تجربتها بالقول: «عندما أحتاج إلى استشارة بسيطة فإني أستفسر من صديقتي لأنها متمكنة من الكومبيوتر، إذ تعمل مبرمجة كومبيوتر، وأقضي ما بين 5 إلى 10 ساعات يومياً أمام الجهاز... لقد صار قطعة مني وأتواصل معه دائماً... هناك مشاكل تواجهني أحياناً في عمليات تهيئة الأقراص، لأنها قد تضرب البرنامج الناطق في جهازي، ما يرغمني، حينها، على طلب دعم البرامج والأجهزة من التقنيين.

وأخذت نيفين إبراهيم أطراف الحديث لتوضح إنها تخرجت في الكلية نفسها التي تدرس فيها صديقتها عادل. وأضافت: «نواجه أحياناً بعض المشاكل البسيطة في العمل؛ فيطلب البعض استشارتي في ما يتعلق بالجهاز والبرامج. وأحاول تلبية ذلك من خلال الرد على كل الاستفسارات على قدر استطاعتي».