This site uses cookies for analytics and personalized content. By continuing to browse this site, you agree to this use.
We have updated our Privacy Notice, click here for more information Acknowledged

ذوو حاجات خاصة يرفعون بلدهم إلى المرتبة 32 عالمياً.. معوقون مغاربة يتحولون مُثلاً للمجتمع
20/10/2008

 

الرباط - نادية بنسلام     الحياة     

هناك شباب يفعلون ما قد يبدو مستحيلاً في ظروفهم كي ينجحوا في حياتهم، ويقدموا صورة جيدة عن أنفسهم. منهم من هم معوّقون حركياً، وعلى رغم الإعاقة الجسدية، لا يتحولون فقط مثالاً أعلى لغيرهم من ذوي الحاجات الخاصة، بل يصبحون قدوة لغيرهم من الأسوياء الذين يعيشون في ظروف أفضل. هؤلاء هم الشباب الذين يتحدث عنهم المغاربة في الفترة الأخيرة باعتزاز وفخر، «أبطال» أولمبياد بكين الذين رفعوا راية المغرب في المنافسات الأولمبية الموازية مرات عدة، وصعدوا منصات التتويج أمام أنظار ملايين المشاهدين من العالم كله، وحصدوا سبع ميداليات، أربع منها ذهبية، وبفضلهم حلّ المغرب في المرتبة 32 عالمياً من بين 147 دولة.

تضمنت منافسات بكين للأشخاص المعوّقين المفاجأة الصاعقة التي حملت بين طياتها مفارقة ساخرة. عاد الرياضيون المغاربة «الأسوياء» الذين شغلوا المغاربة جمهوراً وإعلاماً ومسؤولين، بنتيجة «متواضعة»: ميداليتان فضية وبرونزية من أولمبياد 2008، بينما برز في الألعاب الأولمبية الموازية أبطال مغمورون لم يلتفت إليهم أحد، ولم يعول عليهم أحد، لأن الجميع يعلم أن ظروفهم الصحية والرياضية لا تسمح لهم بالفوز، وهذه حقيقة منطقية ومرّة في الآن نفسه. ولكن تبين أن ما كان يجهله الجميع هو مقدار عزيمة هؤلاء الأبطال وتحديهم الباهر للمصاعب الذاتية والموضعية، و «على قدر أهل العزم أتت العزائم».

سناء بنهمة (26 سنة)، تعاني إعاقة بصرية، حصدت ثلاث ميداليات ذهبية في سباقات القفز الطويل في ألعاب القوى، 100 م و200م و400 م. كما أنّها حطمت الرقم القياسي العالمي في المسافة الأولى، إلى جانب تحطيمها الرقم القياسي في تاريخ المشاركة المغربية في الألعاب الأولمبية، وتفوقت حتى على مواطنها العداء العالمي هشام الكروج الذي حصل على ذهبيتين في أولمبياد أثينا 2004. وكل هذه الإنجازات وسناء تسابق الريح بنظارات طبية ثقيلة، لأن فقر أسرتها لم يمكّنها من حمل عدسات لاصقة مثل زميلاتها اللواتي ركضن بجانبهن في «عش الطائر».

عبدالإله مام، فاز بذهبية سباق 800 م، ولم يحل الفقر والتهميش وقساوة المشوار اليومي للتدريب دون تتويجه بالذهب، على رغم أنه وصديقه يوسف بنبراهيم الحاصل على فضية في سباق 5000 م، كانا يستقلان شاحنة لنقل النفايات بربع دولار لكل واحد كي يصلا الى مكان التدريب في غابة على طريق مكب النفايات في الدار البيضاء.

بطلتا رياضتي رمي القرص ودفع الجلة، الشقيقتان نجاة وليلى الكرعة الحاصلتان على برونزيتين، من وسط فقير، كانتا تخوضان مشواراً طويلاً وصعباً للوصول إلى مركز التدريب خارج مدينة الرباط، بواسطة حافلتين تنطلقان من مدينة صغيرة بين الرباط والدار البيضاء. والشقيقتان سبق أن حطمتا الرقم القياسي العالمي في رمي القرص ودفع الجلة في بطولة العالم عام 2006.

هؤلاء السبعة، وسبعة آخرون شاركوا معهم في بكين، وغيرهم من الشباب المغاربة ذوي الإعاقات المختلفة، أبطال لم يستسلموا لواقع الإعاقة، وقاوموا عوامل محيطهم المحبط، وأوجدوا بأنفسهم وإمكاناتهم الخاصة سبل الاندماج في المجتمع، وباتوا يقدمون مثلاً عليا للمثابرة وقوة الإرادة والصبر والطموح في أصعب الظروف الاجتماعية والنفسية، وحجزوا لأنفسهم مكاناً في سجل التاريخ الرياضي، سجل حافل بالإنجازات الوطنية والدولية، من ضمنه مشاركتهم المشرّفة في الألعاب العربية - الإفريقية التي أقيمت في مصر عام 2002 حيث فازوا بسبع ذهبيات وفضية، وبست ذهبيات في بطولة العالم في هولندا.

هؤلاء الذين أدخلوا الفرحة والأمل الى قلوب ثلاثة ملايين من المعوّقين في المغرب، قدموا نموذج نجاح باهر للشباب المغربي عموماً، مع أنهم في قمة التتويج، لم يسلموا من حيف المجتمع، فهم لم يحظوا باستقبال رسمي لائق لمنجزاتهم، ولم يهتم بهم الإعلام، وتجاهلهم المسؤولون، وتنتظرهم مكافآت أقل من زملائهم «الأسوياء»، وربما بات عليهم أن يناضلوا في هذا الاتجاه خارج ميادين السباق الدولية، بوتيرة عطائهم الرياضي، للحصول على حقوق كاملة ومساوية لزملائهم الرياضيين الأسوياء ولبقية مواطنيهم.