عادل العامل- الصباح
كان بدء العام الدراسي، أيام زمان، مناسبة احتفائية ذات طعمٍ خاص بالنسبة للمجتمع العراقي. فكانت الأسرة تستعد لها بتوفير مستلزمات أبنائها الدراسية بشكل لا يقل في شيء عما توفّرَ لأبناء الجيران! والأبناء يترقبون اليوم الموعود، وإنْ بشيءٍ من الحسرة على أيام التعطّل والتبطّل والسرَحان والنوم إلى الضحى! والمعلمون يرتّبون بدلاتهم ويختارون لها (الباينباغات) المناسبة، ويهيئون دفاتر الخطة المدرسية التي سيسيرون وفقاً لها في تعليمهم لأبنائهم التلاميذ بعد أن يوقّع عليها السيد المدير.. موافقاً بالطبع! و يكون المدير بدوره قد تفقّد أمور المدرسة و حاول إصلاح حال التعبان منها على حسابه الخاص أحياناً، إن كانت الكلفة ليست بالشيء الفلاني، على حد تعبير أخواننا المصريين،أما كلفة الجهد والعمل، فالفرَّاش موجود، وهو لها، إضافةً لبصماته الأخرى على حياة المدرسة، فهو، كما يعرف المتذكرون، الحارس، والمنظف، والبوَّاب، والحلَواني، والمخبر، وأحياناً الجلاّد. وكان اليوم الأول من الدراسة حدَثَاً مهمّاً في حياة التلاميذ و ستظل تفصيلاته موضوع أحاديثهم في المدرسة والطريق و البيت، الاصطفاف، ورفع العلم، والنشيد، وكلمة المدير: يا أبنائي الطلبة... والمعلمون يقفون بانضباط أما م تلاميذ صفوفهم، كما يفعل العسكر في ساحة العرَضات، وربما كانت هناك موسيقى أو طبل يرنّ أو شيء من هذا القبيل، يسير على إيقاعه التلاميذ إلى غرف الدراسة. وهناك سيتعرف المعلمون على التلاميذ و يوصونهم خيراً بضرورة الانتباه في أثناء الدرس والسلوك الحميد والمحافظة على نظافة الصف، وهم يلوّحون لهم بالخيزرانة من جانب، و بالنجاح والمستقبل الزاهر من جانبٍ آخر و كان التلاميذ، بالنسبة لنوعية الدروس، صنفان، صنفٌ جاد يحترم الانكليزي والعلوم والرياضيات، وصنفٌ يميل إلى التأمل أو الفرفشة والانبساط، فتراه يحب الرياضة والرسم والمطالعة. وكان درس المطالعة مناسبةً للتحرر من قيود الصف، إذ كانت تجري في المكتبة عادةً، حيث يتنقل معلم اللغة العربية و من حوله التلاميذ، كما يحيط المريدون بشيخ الزاوية، وهو يساعدهم على اختيار الكتاب النافع، وقد يوزع نسخاً منه، إن وجدت، بين مجموعاتٍ منهم، من دون صخبٍ ولا اضطراب، فبقية تلاميذ المدرسة في الصفوف يتلقَّون العلم و ينبغي عدم التشويش عليهم حتى نهاية الحصة. أما الرسم، فكان يجري أحياناً، هو الآخر، خارج الصف، ولكن في الخلاء الواسع، حيث يشرح المعلم الفنان معلوماته على الطبيعة ويعلمهم كيف يقيسون الأبعاد ويختارون اللون المناسب، ويطلب منهم رسم المنظر الطبيعي الذي أمامهم وفقاً لذلك. تلك هي بعض جماليات الحياة المدرسية أيام زمان، ذكرتني بها بداية هذا العام الدراسي، ولا أدري إن بقيَ شيءٌ منها اليوم، أم أن هناك جمالياتٍ من نوع آخر، أم لا جماليات هناك على الإطلاق.