This site uses cookies for analytics and personalized content. By continuing to browse this site, you agree to this use.
We have updated our Privacy Notice, click here for more information Acknowledged

مع عام دراسي جديد.. مدارس بلا ماء ولا حمامات.. وجيل لا يرى المستقبل
24/10/2008

 

عباس سرحان/ نيوزماتيك/ كربلاء

في سنوات بعيدة كان المعلم يلقي على تلاميذه القصص المشوقة ويؤجل النهايات إلى أيام لاحقة ليشد التلاميذ إلى المدرسة. وكان درس الرياضة من الدروس المحببة لدى التلاميذ لأنه يأخذهم إلى فضاءات اللعب والجري وممارسة كرة القدم والسلة والكرة الطائرة، وهكذا بالنسبة لدرس الزراعة الذي كان بعض المعلمين يحرصون على إلقائه في حديقة المدرسة، أيام كانت هناك حدائق.

ومع بداية العام الدراسي في العراق فان المشاكل التي تواجه العملية التربوية كثيرة ومعقدة رغم بساطتها وإمكانية تجاوزها بإمكانيات معقولة فيما لو توفرت النوايا الجادة للاهتمام بالتعليم وبجيل من الأطفال يفقد عاما بعد آخر اهتمامه بالتعليم لأنه يشعر أن مشوار العلم لا يؤدي في اغلب الأحيان إلى مستقبل مشرق في العراق.

وفي محافظة كربلاء يجمع العديد من التربويين وأولياء أمور التلاميذ على مجموعة من المشاكل ترافق العام الدراسي الجديد في مدينتهم، بعضها خدمية وبعضها صحية وتربوية لكنها جميعا تسهم في تأخر العملية التربوية.

يقول مدير التعليم العام جواد مهدي في حديث لـ"نيوزماتيك" إن "لافتقار إلى الأبنية المدرسية الكافية يجبر التلاميذ الصغار على التكدس في الصفوف بأعداد كبيرة"، ويضيف "لكن المشاكل التي تواجه العملية التربوية في مجالات أخرى هي أخطر من مشكلة الأبنية المدرسية".

لا مياه ولا حدائق ولا حمامات

ويوضح مهدي "بالإضافة إلى أن المدارس مزدحمة بالتلاميذ فإنها تفتقر إلى دورات مياه صحية وحدائق، لا بل أن الكثير من المدارس تفتقر إلى المياه الصالحة للشرب، حيث توجد حنفية واحدة تقع بالقرب من إدارة المدرسة، ويتجمع التلاميذ بأعداد كبيرة حولها، وربما لا يستطيع معظمهم الحصول على الماء بسبب التزاحم أو بسبب منعهم من المعلمين الذين لا يتحملون الضجيج من حولهم".

ويؤكد المعلم ضياء حبيب أن "الكثير من المدارس تفتقر إلى حمامات صحية ومياه صالحة للشرب وهو ما يشكل خطرا على صحة التلاميذ ويعرضهم لأمراض عديدة ومنها الكوليرا بسبب اضطرارهم لاستخدام مياه غير نظيفة".

أما المعلم وحيد حسن  فيقول في حديث لـ"نيوزماتيك" "فضلا عن الافتقار إلى المياه والحمامات تفتقر المدارس في كربلاء إلى الحدائق التي تعد مساحة مهمة يقضى فيها التلاميذ وقتا ممتعا، لا سيما وأنهم يتلقون دروسهم في قاعات مكتظة يصل عدد التلاميذ فيها أحيانا إلى المائة بينما لا تزيد قدرتها الاستيعابية على الثلاثين تلميذا".

ويبدو أن دائرة صحة كربلاء تدرك المخاطر الصحية لواقع البيئة المدرسية، لذلك عمدت إلى تنظيم اجتماع موسع للهيئة التدريسية مع بدء العام الدراسي للتحذير من مخاطر انتشار بعض الأمراض في صفوف التلاميذ، لكن مدير التعليم العام جواد مهدي يقول إن "الهيئة التدريسية لا تملك الكثير لتعمله أمام واقع مترد".

 الحروب هشمت الرغبة بالعلم

ويضيف مهدي في حديث لـ"نيوزماتيك" أن "التسرب من المدرسة، وعدم جدية الكثير من المعلمين والمدرسين في إيصال المادة العلمية للتلاميذ، تعد من المشاكل الخطيرة التي يعاني منها التعليم في كربلاء، وعزا ذلك إلى ما وصفه بـ"انعدام الشعور بالمسؤولية لدى المعلمين"، على حد قوله.

ويستذكر مهدي جيلا من المعلمين يبدو انه لم يعد له وجود على الأرض الآن ويقول إن "معلمي جيل السبعينيات من القرن الماضي كانوا قادة اجتماعيين ويشعرون أن تطوير المجتمع والحفاظ على قيمه من مهامهم، بعكس الكثير من معلمي اليوم".

يقول المواطن رائد زكي عاشور، 56 سنة، في حديث لـ"نيوزماتيك" إن "هناك أسبابا أخرى لتراجع مستوى التعليم في العراق"، موضحا لقد مرت العملية التربوية والعلمية بمرحلة تراجع بدأت مع تاريخ الحروب في هذا البلد، وتحديدا من الحرب العراقية الإيرانية ( 1980-1988) غير أن الأحداث التي توالت في ما بعد كانت عبارة عن زلازل كبيرة عصفت بكل مفاصل الحياة وكان التعليم واحدا من تلك المفاصل".

 ويضيف عاشور "لقد أثرت هذه الزلازل على البنية القيمية والسيكولوجية للعراقيين بشكل عام، فأصبح الناس لا يعيرون اهتماما كبيرا للتعلم طالما أن الجميع سيذهب إلى الحرب ويقول إن "الحرب خلقت أكثر من جيل لا يكترث لأهمية التعلم ولا تستفزه رغبة الحصول على معلومات جديدة".

مساواة أمام الرصاصة والجوع

ويحمل الدكتور سعد مطر عبود في حديث لـ"نيوزماتيك" النظام السابق مسؤولية تراجع مستويات الثقافة في أوساط المعلمين والمدرسين ويقول إن "الثقافة العراقية اتجهت آنذاك نحو الشعاراتية والهتاف لتمجيد السلطة ورموزها، وهذا الأمر لا يخلق ثقافة ولا يترك فرصة للإبداع، ولا يؤدي إلى تحفيز الناس على الاهتمام بالجانب التربوي والتعليمي والثقافي لأنهم يرون أن المثقف مجرد بوق للسياسيين الذين لا يشعرون تجاههم بالود" على حد تعبيره.

ويضيف أن "الحرب كانت تأكل المثقفين وغير المثقفين، إذن طالما تساوى الجميع أمام الرصاصة والجوع  فلماذا نوجع رؤوسنا بالتعلم والمدارس".

أما المعلم محمد عبد فقد عادت ذاكرته إلى سنوات خلت حيث يقول "في سنوات بعيدة كان المعلمون يهتمون بالجانب النفسي للطلاب، فيلقي بعضهم القصص بأسلوب مشوق، ويؤجل النهايات إلى أيام لاحقة ليشد التلاميذ إلى المدرسة، وكان مدرسو الرياضة يخصصون درس الرياضة للعب كرة القدم والسلة والكرة الطائرة مع التلاميذ، وهكذا بالنسبة لدرس الزراعة الذي كان بعض المعلمين والمدرسين يحرصون على إلقائه في حديقة المدرسة، أيام كانت هناك حدائق".ويضيف "أما اليوم فأصبحت دروس الرياضة والتربية الفنية مجرد أسماء في الجدول اليومي، وهذا يخل بسيكولوجية التعليم".

 ويرى عبد إن "إدخال دروس المسرح والإنشاد إلى المدارس يشجع على حصاد نسب نجاح جيدة ويخفف من وطأة المادة العلمية على الطلبة".

من جانبها ترى الدكتورة فائزة عزيز راشد من وزارة التربية أن "المدرسة لابد أن تتحول إلى مكان محبب لدى التلاميذ" وتضيف أن "الاهتمام بالمواهب وإقامة المهرجانات الثقافية والأدبية والترفيهية يخدم كثيرا مسيرة التربية والتعليم ويحقق مكاسب معرفية للطلاب".

من أجل إعادة التأهيل

ويبين مدير النشاط المدرسي في كربلاء غسان الربيعي أن "الفرص الوظيفية التي يحصل عليها المتعلمون تعزز موقع التعليم والثقافة في أوساط المجتمع، وأن وجود نهاية مشجعة لرحلة تعلم طويلة بين المدارس والجامعات هي التي تدفع بالأشخاص لاسيما أولياء الأمور إلى حض أبنائهم باتجاه الاهتمام بالدراسة حد التشبث".

ويثير خضير النصراوي، 39 سنة، مشكلة أخرى من مشاكل التعليم الا وهي المناهج التعليمية فيقول إن "المناهج قديمة ولم تواكب التطور، وبعضها يحث على العنف والكراهية"على الرغم من أن مديرية المناهج بوزارة التربية بدأت باستبدال بعض المناهج الدراسية خلال العامين الماضيين".

مشاكل التعليم في كربلاء تكاد تتشابه مع المشاكل التي يعانيها الطلبة والعملية التربوية في اغلب مدن العراق، وأمام وزارة التربية مسؤولية كبيرة تبدأ من تعليم الأطفال وتوفير الأجواء الدراسية المناسبة لهم، ولا تنتهي عند مصير بلد ينتظر جيلا متعلما للنهوض ثانية بخلق كفاءات علمية متميزة.