تحولت مباراة كرة قدم بين أبناء الشطرين الشمالي والجنوبي لحي الصحة في بغداد إلى مناسبة لإعادة اللحمة الاجتماعية، بعد شهور شهدت نزاعاً طائفياً وأعمال عنف مذهبية، تبادل خلالها الحيان قذائف الهاون ورصاص القناصة.
زعماء عشائر أعدوا الساحة الترابية التي تفصل بين الحيين لهذه المناسبة. وقبل وصول اللاعبين والحكام بنصف ساعة، اختلط جمهور من الشيعة والسنة في الساحة، وتحولت المناسبة، قبل انطلاق المباراة، إلى احتفال شعبي رفعت خلاله شعارات تطالب بإزالة السور الذي يفصل الحيين.
وقسم السور حي الصحة الواقع على مشارف منطقة الدورة جنوب بغداد، للمرة الأولى في تاريخه، الى منطقتين «شمالية» للسنة و «جنوبية» للشيعة. وكان مطلع هذا العام موعداً لوقف قتال دام استمر سنتين تبادل خلاله الحيان القصف بقذائف الهاون والصواريخ و «القتل على الهوية».
وجاءت المباراة مناسبة تاريخية، بادر اليها الشيخ طالب جعفر، أحد وجهاء المنطقة، فدعا شباب «الحيّ الشمالي» إلى اللعب مع شباب «الحي الجنوبي»، نهاية الأسبوع الماضي «لتنقية النفوس وإزالة الخلافات»، على ما قال لـ «الحياة». وأضاف: «بعدما وجدنا أن أسباب الخلاف زالت مع اختفاء المليشيات من منطقتنا وسيطرة أبناء الصحوات على الجانب الآخر، بدأ العقلاء من الطرفين يفكرون بإعادة اللحمة الاجتماعية كما كانت، وإزالة الحواجز التي فرقت أبناء المنطقة الواحدة». وتابع أن الشباب «وحدهم يستطيعون تحقيق ذلك فهم أكثر انفتاحاً وتفهماً من غيرهم». وأكد تواصل المبادرات «حتى رفع الحاجز بين الحيين».
المبارة الأولى كانت في ساحة «نبراس» الشعبية، عصر الخميس الماضي، وحضرها جمهور غفير لم يشجع أياً من الفريقين بل طغت الاهازيج الوطنية مثل «بالروح بالدم نفديك يا عراق» و «اخوان سنة وشيعة هذا الوطن ما نبيعه». وقال لاعب الفريق الشمالي رافد لـ «الحياة» إنها «المرة الأولى منذ حوالي سنتين ألعب في هذه الساحة، وأنا فرح جداً لأنني التقيت أصدقاء طفولتي وزملاء الدراسة».
أما المباراة الثانية فجرت في اليوم التالي في «ساحة البرازيل» في المنطقة الشمالية. وقال منتظر سجاد لـ «الحياة» إن «دخولي شمال الصحة ولّد لدي احساساً غريباً، بعد كل هذه الفترة وبعد كل ما سمعناه وشاهدناه من أحداث مأسوية. والاحساس الأروع أن أساهم في مشروع مصالحة لم أكن أتخيل انني عنصر فاعل ومؤثر فيه».
ويعتبر العراقيون، الرياضة مدخلاً لحل المشاكل الطائفية، ويشيرون الى أن فوز منتخب العراق بكأس آسيا لكرة القدم العام الماضي كان من بين أبرز الأحداث التي ساهمت في وقف العنف الطائفي واستعادة السلم الأهلي نسبياً.
وتعاني الرياضة العراقية من أزمات اقتصادية وسياسية، فيما يهدد الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» واللجنة الاولمبية الدولية، العراق بمنعه من المشاركات الخارجية إذا استمر التدخل السياسي في الشؤون الرياضية.
وكان رئيس الوزراء نوري المالكي اجتمع أول من أمس مع حوالي 50 شخصية رياضية من رؤساء الأندية والاتحادات للبحث في الأزمة مع المنظمات الدولية. وشدد على «ابتعاد الطائفية والتحزب عن الرياضة، والابتعاد عن عسكرتها وتشكيل لجنة لحل الخلافات». ومنح «المعنيين شهراً واحداً لحل الخلافات والخروج من الأزمة».