بغداد- وليد عبد الامير
لقد عانت المرأة العراقية وخصوصا خلال ثمانينات وتسعينات القرن الماضي شتى انواع الضغوط النفسية والاجتماعية خصوصا ايام الحروب العبثية التي فرضها الطاغية على ابناء شعبه، وما تبعها من حصار فرضه الغرب والدكتاتور المقبور، وزادها الاحتلال وتداعياته وما القت به موجات القتل الطائفي واعمال العنف والارهاب من ظلال على هذه المجاهدة، لتفقد ايضا زوجها وشريك حياتها ومعيلها، ليتركها محطمة مع اولاد صغار لا يملكون ما يواجهون به هذه الحياة الصعبة، سوى الله والصبر على المكاره، وليصبح عددهن حسب اقل التقديرات 1250000 مليون ومائتان وخمسون الف ارملة بحاجة ماسة لمن يمد لهن يد العون، ومن هنا صارت الحاجة ضرورية لاعادة تأهيل هذه الانسانة، لتعيش على الاقل ما تبقى من عمرها حياة كريمة مطمئنة لتربي اولادها، بدلا ان تبقى معتمدة في توفير قوتها وقوت اولادها على ما تجود به ايدي المحسنين من الاقارب والمعارف، او ماتقدمه بعض المبرات.
ان هذا التاهيل لن يتحقق من خلال مشاريع فردية، انما يجب ان يتم من خلال مؤسسة خاصة تدعمها الدولة بكل ثقلها، بعد ان فشلت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ومؤسساتها عن ايجاد حلول جذرية لمشاكل الارامل، رغم برنامج شبكة الحماية الاجتماعية والمبالغ التي خصصتها الدول المانحة، وذلك لاسباب كثيرة اهمها الفساد الاداري الذي أتى على المتبقي من مؤسسات الدولة وضيع حقوق المواطنين وادارة هذه المؤسسات من قبل اشخاص لا تتوفر فيهم ابسط مقومات القيادة .
قبل الدخول في صلب الموضوع ينبغي التعريف بما يعنيه التأهيل من الناحيتين اللغوية والاصطلاحية.
فمن الناحية اللغوية: هو العمل الخاص بالتأهيل، او الحالة التي يتم بها تاهيل شخص او شئ ما، لأي غرض مطلوب، لمكان او وظيفة او منصب. (1)
اما المفهوم الاصطلاحي للتأهيل: فهو الاعداد التنموي الخاص للانسان لاداء كفئ لمهمة او عمل معين.
ان هذا التأهيل يتفرع الى عدة فروع منها، تأهيله روحيا، ونفسيا، وعقليا، وفكريا، واجتماعيا، وجسديا، بموجب شروط يجب توافرها لتحقيق هذا التأهيل وانجاحه، اولها الوعي باهميته من قبل المتلقي، وان يراعى المستوى العام للمتلقي، وان يتم من خلال برنامج خاص متكامل ومدروس في موضوعاته، يشرف عليه اختصاصيين واختصاصيات، ليس بالضرورة ان يكونوا من الاكاديميين، بل احيانا من المهنيين والمهنيات الذين صقلتهم التجربة، خصوصا وان بعض جوانب التأهيل يغلب عليه الطابع العملي وليس النظري.
تأهيل الارامل
تكاد تكون عناصر التاهيل مرتبطة بعضها بالبعض الآخر بصورة جلية، لذلك فانه اذا ما حصل أي تطور ايجابي على أي عنصر من عناصرها، فان ذلك سوف ينعكس انعكاسا ايجابيا ايضا على العناصر الأخرى، مما يسهل في عملية التأهيل ويحقق المطلوب احيانا قبل الزمن المحدد له، وهذه الميزة اعطت حسنة ان يكون هذا التاهيل متداخلا، أي لا تعطى دروس نظرية في التاهيل النفسي بمعزل عن البقية، بل انه بمجرد دخول الأرملة الى الواقع العملي وممارستها لنشاط من انشطة التاهيل، فان تأثيره الايجابي سوف يظهر واضحا على جميع مكونات حالتها النفسية، باعتبارها قد استعادت جزءا مهما من انسانيتها التي كادت ان تضمحل بفعل عوامل الشد النفسي والضغط الاجتماعي والشعور بالضياع والوحدة وعدم اهميتها كانسانة لم يعد هناك أي مبرر لحياتها.
ان اختيار العمل المناسب للأرملة ومعرفة مدى استعدادها النفسي والجسدي للقيام به، هي اولى الخطوات الصحيحة تجاه تحقيق التأهيل المطلوب، حيث انها قد لا تحتاج اكثر من اسبوع واحد من المحاضرات والتوجيهات المبنية على اسس واقعية وعملية، ومن صلب الحياة اليومية لاستعادة التوازن الذي فقدته، ولعل ميزة هذا الجانب ان المتلقية سوف تستوعب ما تتلقاه من المحاضر بكل سهولة خصوصا اذا ما نجح المحاضر بايصال فكرته بوضوح.
لعل الميزة الاخرى ان المجتمع العراقي هو مجتمع مسلم بغالبية عظمى، لذلك فكون الغالبية من الارامل هن من المسلمات بل ان نسبة عالية منهن من المتدينات او على الاقل ممن يؤدين الفرائض اليومية، فان التركيز على الجانب الديني وما يزخر به تراثنا من نماذج كانت رمزا للصبر كالسيدة خديجة وفاطمة الزهراء وزينب (عليهن السلام) وما تعرضن له من محن وكذلك تاريخنا العربي من نماذج كالخنساء هو خير بلسم لجراحهن ووسيلة سهلة للوصول الى العقل والعاطفة معا دون عناء.
ان الدخول الى الجانب العملي هو الكفيل بتضميد الجراح واعادة بناء الشخصية وخلق انسانة جديدة خصوصا اذا ما اتيح لها ان ترى بعينها ثمرات عملها ونتيجة جهدها مهما كان متواضعا، حيث يعطيها شعورا بالزهو والاعتزاز بما قدمته وانها لازالت قادرة على العطاء، بعد ان توهمت وبفعل العوامل السلبية التي تعرضت لها من انها لم تعد كذلك.
عليه فانه بالامكان ان نقسم الاعمال التي يمكن للارملة ان تمارسها بل وتبدع فيها والتي هي من واقع الحياة اليومية للعراقيات وافضل وسائل التأهيل ضمن المجالات التالية:
تمتاز هذه المشاريع بانها لا تكلف كثيرا وانها تتناسب مع توجهات الأرملة وما تعشقه فعليا من عمل، الا ان الجانب المهم في ذلك هو الدقة في اختيار المنتوج، لان التسويق هي اكبر مشكلة سوف تواجه من يتولون القيام بذلك، فمثلا ان بدلة الاطفال من مناشئ الصين وجنوب شرق آسيا تباع من قبل بائعي المفرد بسعر (1000) دينار وسعر بدلة البنت قد تزيد عن هذا السعر قليلا، بسبب رخص الايدي العاملة، وردائة المنتوج، واتباع اسلوب الانتاج الواسع (Mass production )، لذلك فانه يجب الابتعاد عن هكذا توجهات والتركيز على بدلات العمل، والصداري (المختبرية والمنزلية)، والشراشف، واغلفة الوسائد، وحمالات القدور والمناديل، وبالامكان ان يتم التعاقد مع المعامل والمستشفيات الحكومية والاهلية لتسويق الانتاج، او ايجاد معرض دائم لبيع هذه المنتجات وباسعار تنافسية.
اما بالنسبة للحياكة، فان اغراق السوق العراقي ببضائع ذات مناشئ رديئة بحيث بات الحصول على (بلوز صوف رجالي) من النوع الجيد هو من الندرة بمكان في هذا السوق، فان حياكة هكذا منتوج يدويا سوف تحقق الهدف المرجو منها، علما انه بالامكان حتى بيع ذلك بسعر الكلفة مع هامش ربح بسيط، حتى يصبح للمنتوج زبائنه، وبعد ذلك يفرض وجوده في السوق عملا بالمبدا الاقتصادي (السلعة الجيدة تطرد الرديئة)
ولكون اهل العراق يهتمون كثيرا بالمناسبات الدينية خصوصا تلك المتعلقة بأهل البيت (عليهم السلام) كأيام عاشوراء، لذلك فان خياطة وحياكة المستلزمات الخاصة بهذه المناسبة والمناسبات الاخرى من اعلام، ورايات، وجداريات، وملابس خاصة بهذه المناسبة، مضمون النجاح حيث يعتمد السوق العراقي بهذه حاليا على ما يرد اليه من ايران والصين.
الصناعات الغذائية
وهذه تتماشى ايضا مع نفسية المرأة العراقية التي تمتاز بعشقها للمطبخ وبراعتها في صناعة متنوع الاطعمة ويكاد يدخل تحت هذا العنوان الكبير (الصناعة الغذائية) الكثير من الصناعات التي عزفت ربة البيت عن القيام بها اما لانها تحتاج وقتا للاعداد او لتوفرها بالسوق باسعار رخيصة كالخبز بانواعه، فمن منا لا يشتهي (خبز العروك) وخبز العرب الذي كانت تجيد صنعه امهاتنا، وانواع الكبب وحتى المخللات وهذه ايضا لا تحتاج الى تكاليف او مكائن حديثة، بل انها تعتمد على العمل اليدوي فقط وكل ما تحتاجه هو البراعة في التسويق وذلك من خلال التعاقد مع (السوبر ماركتات) او اتباع اسلوب (البيع المباشر) من خلال منفذ تسويقي صغير.
وبخصوص المهنتين اعلاه فان هناك ميزتان يمكن ان توظفا في انجاح ذلك اولاهما، ان الشعب العراقي يمتاز بانه شعب ذو عاطفة جياشة وان افراده رقيقي القلب ، والثانية ان التدين هي سمه من سمات افراده وان الرغبة في القيام ببعض الاعمال التي يرجو من ورائها الطالب الحصول على الاجر والثواب، تجعل شراء منتجات هاتين المهنتين من الاعمال التي تدخل ضمن نطاق هذا التوجه، بل من اعمال البر والاحسان، وذلك باقتناء بضائع لها علاقة بحصول نفع مباشر او غير مباشر للايتام او الارامل. عليه فانه لو تم اعتماد وسيلة ذكية في التسويق واتباع طرق ترويج تتناسب مع ذلك، فان المبيعات سوف تحقق ارقاما جيدة، فمثلا ان مادة الخبز سواء العادي او (العروك) يمكن ان توضع داخل الاكياس يتسع الواحد منها لـ(خمسة ارغفة) او (عشرة ارغفة) ويكتب على الكيس (اشتري رغيفا تنقذ يتيما) او يكتب على الاكياس التي توضع فيها (منتجات الخياطة والحياكة والتطريز) (ساهم بمساعدة اخواتك الارامل وابناءك الايتام)، كما بالامكان عمل حملة دعائية مركزة من خلال وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمقرؤءة وكذلك عبر الانترنت للتشجيع على اقتناء هكذا منتجات.
التمريض والطبابة:
ان تزويد الارامل بالمهارات الاساسية في عمليات زرق الابر والتداوي ومعالجة الجروح وقياس مستوى ضغط الدم والسكر مع بعض الاسعافات الاولية، هي من المهن التي يمكن ان تتعلمها بسرعة وتعطي مردودا ماديا جيدا وتستطيع الأرملة ان تمارس ذلك حتى في بيتها دون اللجوء الى التنقل بين البيوت وهذه الحالة نجدها شائعة في المناطق الشعبية من بغداد
الحاسبة والانترنت
ان كل ما تحتاج اليه عجلة التأهيل الحقيقية في هذه المهنة، هي ان تكون المنخرطات في هذا العمل هن من صغار السن نسبيا حيث تكون لديهن درجة التقبل عالية، وان يكون لهن مؤهل علمي لا يقل عن شهادة الدراسة المتوسطة، وان هذا المجال واسع ومتنوع فما بين انظمة الطباعة - windows - word
وجداول البيانات Excel
ونظام Photoshop وما يضمه من عالم واسع خاص بالصور والتصاميم سوف يفتح الباب على مصراعيه للدخول الى عالم الشبكة المعلوماتية الدولية(الانترنت)
اما بالنسبة للانترنت فهو عالم بحد ذاته ولعل ميزة هذا العمل انه اذا ما فتح اليك الباب فيه فان بقية الابواب سوف تفتح بسهولة وفيما لو سارت الامور كما مخطط لها فان بالامكان للمؤسسة ان يصبح لها منظومة بث خاصة تقوم هي بدورها بتجهيز المشتركين وتدار من قبل الارامل.
الخدمة العامة
يفضل ان يكون ذلك مخصصا لمن ليس لديها أي تحصيل علمي ولديها الاستعداد النفسي لهكذا عمل ويفضل ان يبدأ به في مؤسسات الدولة من جامعات ومدارس ومستشفيات وضرورة التنسيق مع مؤسسات الدولة لتخصيص نسبة للارامل التابعات للمؤسسة، ويقتصر العمل فيها كعاملات نظافة.
اما النوع الثاني فهو العمل في البيوت حيث ان كثير ما تلجأ العائلة العراقية وخصوصا الميسورين الى استخدام عاملات تنظيف او جليسات اطفال (Baby sitter)في بيوتهم، ولعل الميزة التي يحصل عليها صاحب او صاحبة الدار، انه سوف يتعامل مع مؤسسة حكومية تقوم هي بترشيح العاملة او الجليسة وتكون مسؤولة عنهما بالكامل، وفي حالة حصول أي تجاوز (لا سامح الله) فانه يتم الرجوع للمؤسسة، والحالة هذه فانه يجب ان تراعى الدقة في الاختيار مع أخذ الضمانات الكافية وعندها سوف تكون المؤسسة بمثابة (مكتب للتشغيل) والذي هو موجود في كثير من الدول حتى العربية منها.
الصناعات الشعبية:
يمتاز العراق وبكافة محافظاته الثمانية عشر بان لديه صناعات شعبية لها علاقة مباشرة بما يمتلكه من خيرات، فالنخلة وحدها هي منجم للصناعات، المبنية على اساس جذعها وسعفها وحتى جذورها، ولعل منطقة (عين التمر) في كربلاء خير دليل على ذلك، (كصناعات الدبس والمروحة اليدوية والمكانس، والاسرة، والتي مادتها الرئيسية هي سعف النخيل )
وهناك صناعات قد يتميز بها العراق مثل (ليفة الحمام) والتي هي اجمل هدية يمكن ان ترسلها الى عراقي مقيم في الخارج او مغترب، كذلك صناعة البسط، والسجاد، وبعض الصناعات المنزلية البسيطة.
الحلاقة والتجميل:
وهذه المهنة تستهوي المرأة لانها تتناسب مع طبيعتها ولا تحتاج الا الى مدربة تجيد ايصال المعلومة وبعض مستحضرات التجميل وايدي ماهرة تطبق ما تتعلمه بسرعة
دور الحضانة ورياض الاطفال:
ان التحسن الكبير الذي طرأ على الموظفين والموظفات وعودة الكثير منهن الى دوائر الدولة قد خلق مشكلة من يتولى الاهتمام بالطفل في الساعات التي تكون فيها الام غائبة عن المنزل، لذلك صارت الضرورة تدعو الى الاكثار من دور الحضانة ورياض الاطفال التي تدار بالكامل من قبل الارامل ولا يحتاج الا الى منزل فيه حديقة لتوضع فيه وسائل بسيطة لتسلية الاطفال مع بعض الالعاب.
بالامكان ان تكون على نوعين، الاولى خاصة بابناء الارامل انفسهن وتكون عادة بالمجان وتدار من قبل الارامل انفسهن، والثانية تكون عامة وتفرض رسوم رمزية مقابل الخدمة التي تؤدى.
ان ما تم ذكره ليس صعب التحقيق ولا يحتاج الى تلك المبالغ الكبيرة، وطالما ان المشروع سوف تتولاه الدولة، وباشراف مجلس الوزراء، فان بامكان هذا المجلس وحالما ترى هذه المؤسسة النور، التعميم على دوائر الدولة للتعاون مع هذه المؤسسة، وبذلك فان الكثير من المشاكل سوف تحل. كذلك سوف لن تكون هناك أي مشكلة في توفير الكوادر التي سوف تتولى التدريب حيث انها موجودة في جميع دوائر الدولة وان تفرغها لاسابيع او لاشهر لن يؤثر على عمل المؤسسات التي ينتسبون اليها. وقد تدعو الحاجة الى الاستعانة فقط بخبيرات في مجال الحلاقة والتجميل لفتح دورات تعليمية لتأهيل من يرغبن بذلك ولا نعتقد ان الاجور التي سوف يطلبنها سوف تكون عالية بدرجة لا يمكن للمؤسسة ان تتحملها.
....................
للمزيد من الاطلاع الرجاء الضغط على الرابط التالي:
للمهتمين برعاية الأيتام والارامل
................................................................
1- قاموس ويبستر (New websters Dictionary college edition) الطبعة الثالثة 1974