This site uses cookies for analytics and personalized content. By continuing to browse this site, you agree to this use.
We have updated our Privacy Notice, click here for more information Acknowledged

بضعة رسائل متبادلة تبحث عن الموانع الحقيقية لعدم تطوع الناس واشراكهم في مساعدة الحكومة
30/04/2007

قبل مدة قصيرة نشرت جريدة الصباح خبرا تحت عنوان: " الصحة تتبنى معالجة الحالات المستعصية على نفقتها خارج العراق بعد أن خصصت لها 25 مليون دولار من ميزانية العام 2007". وجاء في مضمون الخبر السعيد ان لجنة شكلت للنظر في طلبات المعالجة المقدمة برئاسة الوكيل الفني وعضوية مدراء الاقسام (الصحة الدولية ،اللجان الطبية، الامور الفنية) اضافة الى ممثل من مكتب رئيس الوزراء.

وكان هذا الخبر بمثابة بارقة الأمل لذوي المرضى وقد نزل على قلوبنا، نحن في رابطة المبرات العراقية، كما ينزل الماء البارد على قلب العطشان في الصيف القائظ خصوصا بعد ما قمنا بالمساعدة في نشر عدة نداءات لمرضى في حالات صعبة تستغيث من اجل مساعدتها للعلاج خارج القطر. وبعد مضي اسبوعين او ثلاثة على نشر الخبر السالف الذكر احببنا متابعة الخبر وتطبيقاته على ارض الواقع فأرسلنا رسالة الى احد اصدقائنا وهو من الاعلاميين العراقيين في بغداد نطلب منه موافاتنا بآخر المستجدات بهذا الشأن، فبعث لنا برسالته الجوابية التالية:

 

طوابير من المراجعين أمام اللجان المخصصة بالفحص واتساع الخرق على الراقع

"بالنسبة لما نشر في جريدة الصباح فإن الخبر صحيح، الا ان المشكلة تكمن في العدد الهائل من الحالات التي تتطلب الإرسال الى خارج العراق، حيث هناك طوابير من المراجعين الذين يحملون تقارير عدة امام اللجان المخصصة بالفحص، ولكن وكما يقول المثل (الشج كبير والرقعة صغيرة)، وعموما فان آخر مجموعة تم إرسالها الى الأردن في الأسبوع الماضي بلغت حوالي 51 مريضا".

وعلى ضوء هذه الرسالة قمنا بارسال رسالة ثانية وكانت كما يلي:

 

 

هل بالامكان تشكيل لجان تطوعية للمساعدة في تسريع شؤون المرضى؟

"اذ نشكركم على هذه الرسالة نود ان نستفسر ترى هل بالامكان تشكيل لجان تطوعية من اهل الخبرة لمساعدة اللجان المختصة بالفحص ومعاينة الحالات التي تتطلب الارسال للخارج؟

وكما تعلم اخي العزيز فإن عشرات بل مئات اللجان والجمعيات التطوعية تشكلت في اوربا اثناء الحرب العالمية وما تزال تعمل لحد الآن.. وبما ان العراق يمر بأوضاع غير اعتيادية فالمطلوب تحريك وطرح مثل هكذا موضوع لنرى امكانية القيام بمثل هكذا مبادرات.

واذا تعذر قبول مثل هكذا مقترح من قبل الجهات المعنية فالرجاء الاستفسار عن الاسباب المانعة وذلك للتعرف على حقيقة الامور وربما طرح الموضوع ونشره على الملأ كي تتم مناقشته من قبل الجمهور".

وسرعان ما جاءنا الرد من صديقنا الاعلامي النشط في بغداد وكان كالآتي:

 

 

الشعب في واد والدولة في واد ونقف عاجزين أمام وضع حلول شاملة

"نشكركم على رسالتكم الكريمة وحرصكم على بذل مافي وسعكم للنهوض بالواقع المؤلم في العراق مؤكدين على حقيقة واحدة انه لا يمكن باي حال من الاحوال مقارنة تجارب العالم حتى تلك التي جرت في اكثر بلدان العالم تخلفا مثل (موزمبيق وبوركينا فاسو) مع التجربة العراقية لأسباب لسنا نحن بصددها الآن، الا اننا نتعامل مع واقع وهذا هو الواقع، ولا تعتقد بأننا كاعلاميين نفكر في حلول في حين ان اصحاب الشأن ونحن لا نشكك في وطنية بعضهم لم يضعوا حلول. ان المشكلة تكمن ان الدولة ومؤسساتها في واد ومعاناة الشعب العراقي في واد آخر، فعلى سبيل المثال لا الحصر ان مجلس النواب الموقر البالغ عدده (275) عضوا قد ضمنوا راتبا تقاعديا لهم بينما لا يزال  قانون التقاعد والذي يستفاد منه 1250000 متقاعدا، لم يقر لحد الآن في المجلس بالرغم من عرضه عليهم من اكثر من سنة ونصف. كذلك فان محافظة بغداد خصصت مبلغ 20 مليون دينار لتوزيعها على ايتام المدارس في مدينة بغداد والبالغ عددهم اكثر من 900000 يتيم أي ان حصة اليتيم الواحد ستكون 22 دينار وان اصغر عملة في التداول هي 250 دينار هذه الامثلة توضح نوع العلاقة بين الحكومة والشعب ومدى اهتمامها بشؤونه وشجونه. اما بالنسبة للجان فهناك العشرات منها وجميعها توصي بارسال الحالات الى خارج العراق ولكن من يسمع ومن يدفع هذه الحالة او تلك؟

وتطالعك الصحف يوميا بعشرات الاستغاثات ولكن (لا حياة لمن تنادي) لذلك لم يبق لنا سوى الله والخيرين القلة من ابناء هذا الشعب  ووقفنا عاجزين عن القيام بحلول جذرية باستثناء حالات فردية هنا وهناك".

وكما نلاحظ وتلاحظون فإن الأخ والصديق الصحفي،الذي نكتب اليه ويكتب الينا، يحاول القاء اللوم على مؤسسات الدولة التي يقف ازاءها عاجزا ولم يفقد أمله بالله تعالى والناس الخيرين من ابناء الشعب العراقي في احداث التغيير المطلوب. ولكن اجابته تلك لم ترو غليلنا ولم تثنينا عن الكتابة اليه مرة ثالثة لنطرح عليه اسئلة كثيرة وربما مزعجة وغير واقعية باعتبار اننا نعيش خارج العراق. ولكن تلك هي حيلتنا الوحيدة للتعرف والاطلاع عن كثب على ما يجري ويدور لعلنا نسهم في خدمة وطننا وشعبنا الكريم. إذ ارسلنا اليه رسالتنا التالية:

 

 

ما الذي يجب ان يفعله الشعب للخروج من هذا الواد الذي هو فيه؟

" لك جزيل الشكر على هذه الرسالة التي تحاول كشف الواقع المر وتضع اليد على الجرح الحقيقي، وهذا ما نريد التعرف عليه.

اخي العزيز .. صحيح ان من يده في النار مثلكم غير الذي يده في الثلج مثلنا، لتواجدكم في العراق ولبعدنا عنه، لكن يهمنا جدا  ومن خلالكم التعرف على كيفية وضع، ولو حلول صغيرة وبسيطة لمشكلة الانفصام بين المؤسسات الحكومية والشعب العراقي، وهذا ما وصفتموه بقولكم أن الدولة ومؤسساتها في واد ومعاناة الشعب العراقي في واد آخر. نريد ان نتعرف ترى ما الذي وضع الشعب العراقي في واد آخر بعيد عن الدولة والحكومة؟ هل هي الحكومة ام الشعب نفسه ام كليهما أم الاحتلال؟

اذا ما افترضنا ان الاحتلال او مؤسسات الدولة هي المسؤولة عن وضع الشعب العراقي في هذا الواد .. فالسؤال المطروح ترى لماذا رضي او يرضى هذا الشعب في أن يوضع بهذا الواد هل هو مجموعة صناديق او علب او قطع اثاث يمكن نقلها ووضعها وحصرها في مكان بكل يسر وسهولة؟

ربما أنت الآن يا استاذ تسخر مني في نفسك وتقول: "شوفوا هذا البطران وين كاعد يحجي؟" وأنا اقبل منك كل ذلك واستميحك العذر على مثل هذه الاسئلة المزعجة او الغريبة عن الواقع. ولهذا  اعود واذكركم واقول اننا نحاول ان نتعرف على عالمكم لعلنا نستطيع أن نهتدي الى شيء. وعلى هذا الاساس نطرح السؤال او الاسئلة التالية:

ترى ما  الذي يجب ان يفعله هذا الشعب حتى يخرج من الواد الذي هو فيه؟  وما هي الظروف التي ينبغي أن تتوفر لعملية الانتقال هذه؟ وما هي العوامل الثقافية او الدينية والحضارية التي ينبغي أن تسود حتى يتحسن الوضع ويكون العراق افضل من اسوأ الدول التي ذكرتها؟

ولنفترض انك الآن مسؤول عن رئاسة لجنة تبحث عن وضع اجابة وافية وكافية على مثل هكذا مشكلة، فماذا تقدم من آراء ومقترحات؟

ملاحظة: أنا لا اسأل هنا لمجرد طرح الاسئلة واضاعة الوقت وانما اسعى فعلا لاكتشاف بعض الحقيقة ان امكن ضمن دورنا ومسؤوليتنا الاخلاقية والدينية والوطنية لتقديم شيء ولو بسيط لهؤلاء الناس المنكوبين وخصوصا شريحة المصابين والمرضى واليتامى. نريد التعرف لماذا لا يمكن لشخص او جماعة من الناس تشكيل هيئة او مؤسسة تضم متطوعين لمساعدة الجهات الحكومية في تمشية الاعمال وتيسير المعاملات في احلك ظرف يعيشه العراق؟ ترى ما هي الموانع التي تحول دون أن نكون مثل بقية الشعوب التي تلجأ فيها الحكومات، في وقت الحروب والطوارئ، الى شعوبها والى المتطوعين منهم لتمشية امورهم واغاثة المنكوبين والمصابين؟

لو وجهنا السؤال هذا الى الجهات الحكومية أو الى اي وزير او مسؤول لجاءنا الجواب فورا ان المشكلة تكمن في هذا الشعب الذي لا يمتلك ثقافة التطوع ولا المبادرة ولا الاحساس بالمسؤولية العامة و الى آخر تلك النعوت السيئة. ثم اراح واستراح. واذا بنا نعود ندور في نفس الحلقة وفي مكانك راوح.

وبكلمة اخيرة : نريد ان نكتشف الحلقة او الحلقات المفقودة؟"

كانت تلك هي رسالتنا الاخيرة التي ارسلت الى صديقنا الاعلامي في بغداد الذي سرعان ما رد عليها مشكورا بما يلي:

 

 

الحكومة والشعب والاحتلال كلهم مسؤولون عن هذه الحالة المأساوية

" نشكركم على رسالتكم الكريمة وقبل ان أجيب وبإقتضاب على تساؤلاتكم المشروعة وغير المشروعة، نود ان نذكر انه في سبعينيات القرن الماضي كان هناك طالب عراقي يدرس في الاتحاد السوفييتي وقد تعرف هناك على طالب روسي وصارت بينهم علاقة، متينة وعندما كانوا يتحدثون عن الدين والخلق كان هذا الروسي يسخر من العراقي في وجود شئ اسمه (الله) سبحانه وتعالى وينكر هكذا وجود. وبعد التخرج وعودة العراقي الى بغداد زاره صديقه الروسي وبقي في ضيافته لمدة شهر قدم خلالها العراقي ما يمكن ان يقدمه لضيف عزيز عليه، وعندما كان في توديعه في المطار بعد انتهاء الرحلة قال له الروسي: بعد زيارتي لبلدكم الجميل أيقنت بوجود الله، فسأله العراقي: وكيف توصلت الى ذلك بعد ان أنكرت ذلك طويلا؟ فأجابه: ان بلد مثل بلدكم تعم الفوضى جميع مؤسساته وحياة شعبه، ومع ذلك تسير حياته اليومية بشكل طبيعي، فانه لابد ان يكون وراء ذلك قوة عظمى مسيطرة عليه، الا وهي قوة الله سبحانه وتعالى.

ونعود الآن الى أسئلتكم، فبالنسبة لحالة الانفصام بين الحكومة والشعب العراقي، فان الله وحده هو القادر على ان يعيدها الى وضعها الطبيعي. اما النسبة لما وصلت اليه الأمور في هذه العلاقة والحالة، فان الحكومة والشعب والاحتلال كلهم مسؤولون عن هذه الحالة المأساوية. أما بالنسبة للشعب فانه مغلوب على أمره وليس له حول ولا وقوة، فبعد ان خرج من حروب وحصار وقتل وتجويع وتشريد دخل في نفق اظلم لا يعلم الا الله سبحانه وتعالى متى يخرج منه. لعل السؤال الذي تسمعه حيثما تدور هو (كيف سنخرج من هذا المأزق؟ وهل ان هناك بوادر لذلك؟) الا ان واقع الحال هو الانتقال من سئ الى اسوء. فمثلا ونحن نعد هذه الرسالة ونتمنى لوكان هناك لا قط للصوت مع جهاز الكومبيوتر لسمعت بأذنيك صوت الاطلاقات النارية من كل حدب وصوب ونداء الاستغاثات من احد الجوامع، وصوت المجنزرات الأمريكية وهي تجوب شوارع مدينتنا الصغيرة، وهذا المشهد يتكرر منذ أكثر من عشرة ايام، ومع ذلك نزاول اعمالنا وكأن شيئا لم يكن، وتأكد لو ان ما يجري على شعبنا قد جرى ربعه على أي شعب من شعوب المعمورة لإنتهت الحياة، ولكن هذا الشعب شعب عجيب وغريب، فبقدر ما هو يعشق الشهادة فهو متشبث بالحياة الى أقصى حدودها. ان ما يجري الآن هو ليس حدث آني بل هو تراكمات من الصراعات الفكرية والعقائدية والتي تفجرت بأبشع صورها بفضل تهيئة ارض خصبة لها هيئها الأمريكان وبعض دول الجوار وعصابات التكفيريين وشراذم البعث حيث التقت مصالحهم نحو تحقيق هدف واحد هو تعطيل عجلة الحياة.

ان الكلام يطول كثيرا وانا على استعداد للاستمرار حتى الصباح، ولكن لا فائدة من الكلام والذي يمكن ان نختصره بالقول (لك الله يا شعبنا)، وقول الشاعر:

 

ما زال في كلامنا تكرارا            او معادا من قولنا مكرورا ".

         *                          *                                *

الى هنا انتهت مراسلتنا للاخ والصديق الاعلامي بهذا الشأن، ليس لأننا وصلنا الى قناعة تامة بما قال او لأننا حصلنا على الاجوبة المطلوبة لتساؤلاتنا وانما لأننا لم نرد أن نثقل عليه ونزعجه بعدما ازعجناه وبما فيه الكفاية. لكننا مع ذلك نبدي رغبتنا لطرح اسئلتنا السالفة وكل تلك الرسائل على الجمهور لعلنا نحصل على الاجابة الوافية او على الاقل ننجح في اثارة السجال والنقاش حول هذا الموضوع الذي نعتبره يستحق الاهتمام بما له من انعكاسات حضارية كبيرة على أي شعب من الشعوب وخصوصا اذا ما كان يمر في ظروف ساخنة كما هو واقع الحال في العراق.

رجاءنا ان يتلقف مثقفونا وعلماؤنا ومفكرونا خيوط هذا البحث ومن ثم ليتمكنوا من وضع الاجابات الوافية لما ينبغي فعله وعمله على هذا الصعيد.